بقلم/ محمد سعيد أبوالنصر
من القواعد الشرعية أن نظر الجنس ـ ذكراً أو أنثى ـ إلى الجنس نفسه أخف، ولهذا كان الأصل أن تعالج المرأة مثلها من النساء، ومع هذا فقد نص الفقهاء على جواز الاستثناء، وهو معالجة الرجل للمرأة وذلك إذ لم يوجد أحد من بني جنسها ومن القواعد الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات" والأصل في القدر المباح من نظر الرجل إلى المرأة هو الوجه والكفان في الجملة، أما الاستثناءات فهي إباحة النظر إلى محل المعالجة أو لمسه، وذلك بالقدر الذي تدعو إليه الحاجة، حتى لو كان ذلك المحل هما السوأتان فيجوز للمرأة أن تتداوى عند طبيب رجل في قول عامة أهل العلم إذا دعت الضرورة إلى ذلك، ولم توجد امرأة تطببها، ولو كافرة ،فعن الربيع بن معوِّذ قالت :" كنا نغزو مع النبي –صلى الله عليه وسلم- فنسقى القوم ونخدمهم ونردُّ القتلى والجرحى إلى المدينة "لكن لا ينبغي التوسع في هذا الأمر – كما هو مشاهد في هذه الأيام وإذا جاز للطبيب الرجل أن ينظر إلى مكان المرض في جسد المرأة ليشخص الداء ويصف العلاج، فينبغي أن يكون ذلك بقيود وشروط ؛ إذ لا يُعقلُ أن تذهب المرأة ـ كلما اشتكت ـ إلى رجل يكشف عليها وعلى هذا فقد ذكر العلماء لجواز اطلاع ونظر الطبيب إلى المرأة المريضة ضوابط وشروط وهي كالتالي :
الأول: ألا توجد امرأة تصلح لذلك، مسلمة أو كافرة، فالذهاب إلى الطبيب مقيد بعدم وجود طبيبة في البلدة فإذا وجدت طبيبة لا يصح من المرأة أن تذهب إلى طبيب حتى أن الفقهاء قالوا لو وجدت طبيبة كافرة، وطبيب مسلم تُقدمُ الطبيبة الكافرة على الطبيب المسلم لأن مسها ونظرها أخف من مس الطبيب ونظرهِ وإذا لم توجد طبيبة جاز حينئذ الذهاب إلى طبيب مع ملاحظة الضوابط.
الثاني: أن يكون ذلك في حضور محرم لها بحيث لا يخلو الطبيب بالمرأة.
الثالث: ألا تكشف إلا موضع المرض، وأن تستر ما عداه سترًا جيدًا.
الرابع: أن يكون الطبيب أميناً غير متهم في خلقه ودينه .
الخامس: أن لا يتجاوز الطبيب الحد الكافي لدفع الضرورة من نظر وكشف ولمس وغيرها من دواعي العلاج ،وعليه عند الكشف على المرأة أن يستر مالا يحتاج إلى النظر إليه من جسمها ، ويكتفي فقط بالنظر إلى موضع الداء فقط؛ فإذا كان الألم أو المرض في القدم فلا يجوز كشف الساق فضلاً عن الفخذ إلا للحاجة إذا دعت الضرورة، ولا يكشف الوجه مادام المرض في غيره إلا لضرورة، ولا يكشف الذراع إذا كان المرض في اليد، وهكذا.
ومن الضرورة المبيحة لذهاب المرأة إلى طبيب رجل: أن لا يوجد ساعة العلاج العاجل إلا رجل. أو أن يكون الاختصاص المطلوب، أو مقدار المهارة في الرجل غير متوافر في المرأة.
السادس: أن تكون الحاجة إلى العلاج ماسة كمرض أو وجع لا يحتمل ، أو هزال يخشى منه ،أما إذا لم يكن كذلك فلتنتظر الطبيبة.
قال العز بن عبد السلام - رحمه الله- في قواعد الأحكام: "سَتْرُ الْعَوْرَاتِ وَالسَّوْآت وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُرُوآت وَأَجْمَلِ الْعَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا فِي النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ لِلضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ. أَمَّا الْحَاجَاتُ فَكَنَظَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ نَظَرُ الْمَالِكِ إلَى أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَنَظَرُهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ نَظَرُ الشُّهُودِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَاتِ، وَنَظَرُ الْأَطِبَّاءِ لِحَاجَةِ الْمُدَاوَاةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الزَّوْجَةِ الْمَرْغُوبِ فِي نِكَاحِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُرْجَى إجَابَتُهَا. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ النَّظَرُ لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ كَالْخِتَانِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الزُّنَاةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ النَّاظِرُ إلَى الزَّانِيَيْنِ مِنْ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ الشَّاهِدُ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ الطَّبِيبُ عَلَى الدَّاءِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِذَلِكَ، لِأَنَّ مَا أُحِلَّ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَيُزَالُ بِزَوَالِهَا، وَيُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى السَّوْآت لِقُبْحِهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَاجَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَائِرِ الْعَوْرَاتِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَوْأَةِ النِّسَاءِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَوْأَةِ الرِّجَالِ، لِمَا فِي النَّظَرِ إلَى سَوْآتِهِنَّ مِنْ خَوْفِ الِافْتِتَانِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ النَّظَرُ إلَى مَا قَارَبَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْفَخِذَيْنِ كَالنَّظَرِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ.
وقال الخطيب الشربيني في مغني المحتاج: "اعْلَمْ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ حُرْمَةِ النَّظَرِ وَالْمَسِّ هُوَ حَيْثُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِمَا. وَأَمَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ فَالنَّظَرُ وَالْمَسُّ (مُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ) وَلَوْ فِي فَرْجٍ لِلْحَاجَةِ الْمُلْجِئَةِ إلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي التَّحْرِيمِ حِينَئِذٍ حَرَجًا، فَلِلرَّجُلِ مُدَاوَاةُ الْمَرْأَةِ وَعَكْسُهُ، وَلْيَكُنْ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ إنْ جَوَّزْنَا خَلْوَةَ أَجْنَبِيٍّ بِامْرَأَتَيْنِ، وَهُوَ الرَّاجِحُ وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ امْرَأَةٍ يُمْكِنُهَا تَعَاطِي ذَلِكَ مِنْ امْرَأَةٍ وَعَكْسُهُ كَمَا صَحَّحَهُ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ ذِمِّيًّا مَعَ وُجُودِ مُسْلِمٍ، وَقِيَاسُهُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنْ لَا تَكُونَ كَافِرَةً أَجْنَبِيَّةً مَعَ وُجُودِ مُسْلِمَةٍ عَلَى الْأَصَحِّ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْكِفَايَةِ، وَلَوْ لَمْ نَجِدْ لِعِلَاجِ الْمَرْأَةِ إلَّا كَافِرَةً وَمُسْلِمًا، فَالظَّاهِرُ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ الْكَافِرَةَ تُقَدَّمُ؛ لِأَنَّ نَظَرَهَا وَمَسَّهَا أَخَفُّ مِنْ الرَّجُلِ بَلْ الْأَشْبَهُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ كَمَا مَرَّ أَنَّهَا تَنْظُرُ مِنْهَا مَا يَبْدُو عِنْدَ الْمَهْنَةِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ.إلى أن قال: "وَيُعْتَبَرُ فِي النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ مُطْلَقُ الْحَاجَةِ، وَفِي غَيْرِهِمَا مَا عَدَا السَّوْأَتَيْنِ تَأَكُّدُهَا ، وَفِي السَّوْأَتَيْنِ مَزِيدُ تَأَكُّدِهَا بِأَنْ لَا يُعَدَّ التَّكَشُّفُ بِسَبَبِهَا هَتْكًا لِلْمُرُوءَةِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْغَزَالِيِّ وَأَقَرَّاهُ.
وقال ابن مفلح في الآداب الشرعية: "فَإِنْ مَرِضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَطِبُّهَا غَيْرُ رَجُلٍ جَازَ لَهُ مِنْهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرَهُ مِنْهُ حَتَّى الْفَرْجَيْنِ وَكَذَا الرَّجُلُ مَعَ الرَّجُلِ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَطِبُّهُ سِوَى امْرَأَةٍ فَلَهَا نَظَرُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَظَرِهِ مِنْهُ حَتَّى فَرْجَيْهِ.
قَالَ الْقَاضِي يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى الْعَوْرَةِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْمَرُّوذِيِّ وَحَرْبٍ وَالْأَثْرَمِ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ، وَلِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ وَالْمَرُّوذِيِّ .
وقال الرازي:" " يَجُوزُ لِلطَّبِيبِ الْأَمِينِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا لِلْمُعَالَجَةِ، كَمَا يَجُوزُ لِلْخَتَّانِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى فَرْجِ الْمَخْتُونِ، لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ. .
ونقول للمريضات وللأطباء:
بعض النساء إذا دخلت عند الطبيب ، كشفت كثيراً من جسدها دون الحاجة لذلك، سواء كان ذلك خطأ أو عن حسن نية وهذا لا يجوز ؛ ألا فلتتق المرأة ربها في عدم كشف شيء من جسدها إلا إذا دعت ضرورة العلاج أو الاختصاص. ونقول لأطبائنا: أن يتقوا الله في حال عرض امرأة مرضها على أحدهم، فلا يكشف من جسدها إلا قدر الضرورة.
نشرت فى 17 يناير 2017
بواسطة janjeel