كتب / خالد البطاوى
أن تكون الولد الأكبر بين أخواتك وإخوتك فهذا ليس مجرّد ترتيب في العائلة. فقد يكون لعنة ستطاردك منذ صغرك حتى يومك الأخير. فأنت منذ صرت جنيناً في أحشاء والدتك، تحمل مسؤوليات لا تعد ولا تحصى!
ستكون أو ستكونين أكبر أخواتك. يعني أنك ستحل محل الأب أو الأم في غيابهما، أو في حضورهما، إن قررا أن يستقيلا من دوريهما. ستصرخ وتربّي وتؤنّب. لكنك أيضاً مثلهم الأعلى، ما يعني أن الخطأ ممنوع. ليس ذلك فقط!
أنت مسؤول أيضاً عن لمّ شمل العائلة وحياتك الخاصة محور اهتمام الجميع. كيف لا... وأنت ولي أو ولية العهد! هذا غيض من فيض. دور متعب يفرض عليك. دوراً لم تختره ولو منحت الخيار لربما لن تختره أبداً. لمٓ كلّ تلك الأعباء؟ وما هو الإيجابي في أن تكون الولد الأكبر؟ هل السلطة نفسها التي ترثها مجاناً هديّة تتباهى بها أو لعنة تطاردك مدى الحياة؟
هل يصاب الولد الأكبر بجنون العظمة؟
يحمل آمال وأماني والديه وقلّة خبرتهم في التربية. فتكون تربيته مجموعة تجارب وأخطاء. يولد ومشواره في الحياة مقرّر سلفاً. سواء كان صبياً أو فتاة، فسيكون كبير إخوته وراعيهم، تلك هي وظيفته. يعطى السلطة عليهم على طبق من فضّة. سلطة بمفهوم مزدوج. فهو الكبير الذي يأمر وينهي، وله الكلمة الأخيرة، لكنّه أيضاً المتسامح الذي عليه استيعاب غيرة إخوته وتصرّفاتهم. أي ارتباك هذا؟
في كتابه "ترتيبك في العائلة: لمٓ أنت ما أنت عليه؟"، يصف المعالج النفسي والكاتب الدكتور كيفن ليمان الأولاد الأكبر في عائلاتهم على أنهم "قادة صغار". وأن الدور المسنود لهم سيستمرّ معهم في حياتهم ويجعلهم في بحث دائم عن السلطة. وفي بحث عن بعض الأسماء التي أثرت في تاريخ الأمم ومستقبلها، نجد أن أبرز الشخصيات هي في الأساس رقم واحد بين إخوتهم، كالمرشحة السابقة للرئاسة الأميركية هيلاري كلينتون، والمغنية العالمية بيونسي، والإعلامية الشهيرة أوبرا وينفري، وكاتبة سلسلة هاري بوتر جي كي رولينغ وإنجيلا ميركل المستشارة الألمانية.
أما الأبرز من الذكور فثلاثة رؤساء سابقون احتلّوا منصب سلطة، هم باراك أوباما وبيل كلينتون وجورج بوش الأب. قواسم مشتركة كثيرة نجدها بين هؤلاء الأشخاص لعلّ أبرزها التسابق على الأولويّة. شعور باطني ينمو ويكبر عند الطفل الأول الذي يكون سيّد المنزل، ومالك حبّ الأهل من دون منازع، فيشعر أنه "الطفل الملك" كما يسميّه فرويد، وتصبح كل تصرّفاته هدفها إرضاء الأهل ونيل محبّتهم خصوصاً عند ولادة الطفل الثاني الذي يصبح مباشرة منافساً له.
تولد حينها بينهما الغيرة، التي كتبت فيها قصص وملاحم عبر التاريخ، والتي لا تزال حتى اليوم عنوان أبرز الجرائم حول العالم. في كتابه "عقدة قايين: إرهاب، كراهية وتصارع بين الإخوة"، يتحدّث الكاتب جيرار حداد عن تلك العقدة التي شغلت علماء النفس، والتي صنفت بالأصعب حتى من عقدة أوديب، مستشهداً بحوادث إرهابية ضربت العالم مؤخراً، وكان أبطالها أخوين. ابراهيم وصلاح عبد السلام في حادثة باريس عام 2015، عبد القادر ومحمد مراح في تولوز عام 2012، ودجوخار وتامرلان تساناييف في بوسطن عام 2013.
حوادث إرهابية هزّت العالم، تحالف فيها الإخوة ضدّ أخ وهمي، الأخ في الإنسانيّة لنيل حبّ الله. حوادث تعلو بعدها أصوات تطالب بالعمل على إحياء الإخوة بين الجميع، ليقف هذا التصارع ويقف نزف الدماء. فسّر الكاتب مكامن تلك العقدة التي تنشأ منذ الصغر، والتي ينمّيها الأهل، من دون إدراك منهم، فيعتبر الشخص أي أحد منافساً له أو عدوّاً، وأن عليه التخلص منه ليحيا بسلام.
ما دور الأهل إذاً؟
تتحدّث العديد من التقارير عن أهميّة ترتيب الشخص في عائلته، وتأثير ذلك على شخصيّته ومستقبله. منها تقرير نشر في مجلة Psychology today، فسّر أن لكل ترتيب في العائلة حسناته وسيئاته. وبالحديث عن الطفل الأول أشار التقرير إلى أن مكانه في منتهى الحساسية، إذ يحمل تناقضات عدّة. فالأهل، رغم قلّة خبرتهم وكثرة توقعاتهم، يبعثون في نفس الولد رسائل مزدوجة، يشعرونه أنه مصدر سعادتهم وفخرهم، ما يزيد من شعوره بالأمان والثقة بالنفس، التي ستساعده على الانطلاق، وبلوغ مراكز مهمة لاحقاً. وفي الوقت نفسه يلقون عليه مسؤولية ليست ملكه، ولا هو قادر على تحمّلها، فنسمعهم يرددون "انتبه لأخيك الصغير، تحمّله مهما فعل فأنت الكبير الواعي... كن له مثلاً أعلى... انتبه لسلوكك فأخوك سيقلّدك...".
ه لا يعرفون أن له الحق في الخطأ، وعيش مرحلة الطفولة اللا مسؤولة وليس من واجبه أن يكون قدوة لأي كان. بما أنه الولد الأول، عليه إرضاؤهم وتحقيق أمنياتهم، وتحقيق ذاته، التي لا تشبههم. يتحول الطفل تدريجياً إلى شخص يسعى وراء المثالية في التصرف، حتى لو على حساب مشاعره، التي يكبتها فتترجم حقداً عليهم وعلى إخوته في ما بعد. فكيف السبيل لفض هذا الصراع؟
من المهم إرشاد الأهل على كيفية الاعتناء بطفلهم الأول، والتأكد من عدم إلقاء حمل ثقيل على كاهله، لأن هذا الترتيب كما يقول فرويد، هو المعلومة الأهم التي يرثها الطفل. لذلك اخترنا لكم 6 نصائح تساعدكم على تحقيق سعادة طفلكم الأول وتحفظ له صحة نفسية سليمة خصوصاً بعد ولادة أخ أو أخت له:
1- لا تطلبوا منه العلى
حاولوا أن تتجنبوا انتقاده على كل شاردة وواردة. مفهوم أنه يأخذ كل وقتكم، بما أنه الأول، لكنه ليس مذنباً في ذلك. اسمحوا له أن يخطئ وأن يتعلم من تجاربه لا من ملاحظاتكم فقط. بالعكس شجعوا أي مجهود يقدم عليه وهنّئوه دوماً على أي عمل إيجابي يقوم به.
2- تحدّثوا معه عن مشاعره السلبية
إن شعرتم أنه يتصرف بدافع الغيرة، لا تديروا وجهكم عن الموضوع، بل اجلسوا معه وكونوا شفافين في الحديث عن دوافع تصرّفه. فأحياناً عندما يشعر الطفل أنه غير قادر على كسب انتباه الأهل بطريقة إيجابية، سيلجأ إلى تصرف سلبي، ليلفت انتباههم وأحياناً إلى أذية أخيه (أو أخته) الأصغر، الذي يعتبره سارقاً ومتعدّياً على العائلة وعلى حبّ والديه. بعبارات واضحة اطلبوا منه أن يأتي إليكم ويخبركم أنه يشعر بالغيرة، وقولوا له: "في البدء كنت أنت مصدر انتباهنا وحدك. أما الآن فأصبح لك أخ (أو أخت) ومن الطبيعي أن تشعر بالغيرة منه. لكننا نحبك ونحبه بالقدر نفسه. قل لنا حين تشعر بالغيرة أو الغضب ونحن سنساعدك".
3- لا توظفه للاعتناء بإخوته
يظن معظم الأهالي أن في ذاك تشجيعاً لطفلهم الأكبر على تحمل المسؤولية. لكن ذلك يمكن أن يخلق نفوراً بين الإخوة يصل أحياناً إلى الكراهية، خصوصاً عندما يجبر الأخ الأكبر بالاعتناء بهم رغماً عنه. حثّوهم على اللعب معاً، وكونوا أنتم المشجع والداعم لذلك، لكن تجنبوا إلقاء الحمل عليه.
4- لا تعطوه الكلمة الأخيرة
فكرة نمطية أخرى تدور في بال الأهل، وهي أن الابن الأكبر له حق التقرير مكان الأب. هذا ليس صحيحاً. لا تعطوا ولدكم الأكبر السلطة فقط بسبب رقمه في العائلة، فذلك لن يخلق كرهاً بين الإخوة فحسب، بل سيسحب بساط السلطة منكم فيصبح هو مسيطراً عليكم أنتم حتى، وبالتالي لن يعرف حدوداً في حياته، ما يجعله غير مسؤول وسكرانٓ بالسلطة.
5- خصصوا وقتاً لكل واحد على حدة
ذكّروا ولدكم الأكبر أن ولادة طفل جديد لا يعني أن وقت اللهو قد ولّى. اقضوا وقتاً منفرداً معه. مارسوا معه هواياته وتحدّثوا عن مشاعره. تجنبوا التشبيه بينه وبين إخوته، أو الحديث عنهم، وهذا وقته هو. مناسبة ستذكره بأن وجوده ما زال مهماً ولا داعي للمنافسة للحصول عليه.
6- لا تبدأوا حديثكم معه بـ"أنت الأكبر"
يتشاجر مع أخيه الأصغر، فتسرعون لفض الشجار بالقول "أنت الأكبر، يجب أن تتفهم". لا... يجب أن لا يفهم شيئاً. تحدثوا دائماً في صيغة الجمع "نحن لا نضرب. لا نصرخ". لا تميّزوا أحداً لأن ذلك سيولد مشاعر كره وشعوراً بالتفرقة، وهذا قد يؤدي إلى كارثة حقيقية إن لم تتنبهوا له. لذلك كونوا حكماء في التصرف مع ابنكم الأكبر.
أعجبنيأحببتههاهاهاواااوأحزننيأغضبني