مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ
لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) التوبة.
عندما قرأت هذه الآية الكريمة ، تذكرت حال أخواني في بلادنا... الذين لا حول لهم ولا قوة .. لا يستطيعون أن يؤثروا برأيهم في مجتمعاتهم...
عندما يكون هناك في المجتمع من لم يجد حتى ما ينفقه مثل الطلبة وصغار السن من الشباب ، وعندما يكون هناك ضعفاء ومرضى من الذين لا حول لهم ولا قوة....
كل هؤلاء كتب الله عليهم الإحسان، أي ليس عليهم من حرج إذا ما نصحوا لله ورسوله، ولكن ماذا عليهم أن يفعلوا ليكونوا من المحسنين؟ يجيب المولى عز وجل عن هذا السؤال في نهاية الآية.. يقول عز وجل:
إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ
إذا لقد ألزمهم الله سبحانه وتعالى بأن ينصحو لله، وينشروا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن هيا بنا نعرف من حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ماهو الإحسان:
{{ كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل شديد بياض الثياب شديد سواد شعر الرأس لا يرى عليه أثر سفر ولا يعرفه منا أحد فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبته إلى ركبته ووضع يديه على فخذيه ثم قال: {{ يا محمد ما الإسلام قال شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت فقال صدقت فعجبنا منه يسأله ويصدقه ثم قال يا محمد ما الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر والقدر خيره وشره قال صدقت فعجبنا منه يسأله ويصدقه ثم قال يا محمد ما الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإنك إن لا تراه فإنه يراك قال فمتى الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فما أمارتها قال أن تلد الأمة ربتها قال وكيع يعني تلد العجم العرب وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البناء قال ثم قال فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم بعد ثلاث فقال أتدري من الرجل قلت الله ورسوله أعلم قال ذاك جبريل أتاكم يعلمكم معالم دينكم }}.
الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: الألباني - المصدر: صحيح ابن ماجه - خلاصة حكم المحدث: صحيح.
بعد أن عرفنا ما هو الإحسان... وهي درجة رفيعة جدا.. تحقق لمن يؤمن بالله حالة من الهدوء والطمأنينة، وينزل الله عليه سكينته، ويجعله محبوبا من أهل الأرض وأهل السماء، لأن الإحسان يجعل الإنسان يحقق تقوى الله... فهو يغلف بالتقوى كل حياته، إذا تكلم أحسن الكلام، وإذا عبر عن رأيه أحسن التعبير، وإذا تعامل مع الناس في بيع أوشراء أو صحبة في سفر أو إقامة فإنه يحسن معاملتهم.
وزيادة في معرفة الإحسان، تعالوا بنا نعيش مع حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد وضع فيه، أو جعل منه منهجا كاملا.... في كلمات قليلة وبسيطة نجد فيها المنهج الإسلامي كله، فهيا بنا نعيش مع تلك الكلمات الدقيقة والبليغة جدا ، ففيها من الحكمة مالم نجدها في غيرها من الكلمات:
اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، و خالق الناس بخلق حسن
الراوي: أبو ذر الغفاري و معاذ بن جبل و أنس بن مالك المحدث: الألباني - خلاصة حكم المحدث: حسن.
أرأيت كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تحدث عن التقوى، وعن السيئات كيف نمحها، وعن الحسنات وكيف تمحو السيئات، وعن حسن معاملة الناس، وعن حُسن الخلق. وكل ذلك في أقل من سطر من الكلمات.. صلاة ربي وسلامه عليك يامن آتاك الله مجامع الكلم.
الآن نعود إلى الآية الكريمة والتي تتحدث عن كل تلك الفئات من الناس... الضعفاء، والمرضى، والذين لا يجدون ما ينفقون، عليهم أن ينصحوا لله ورسوله... أن يتقدموا بالنصح للآخرين... ويحثونهم على تقديم كل ما يستطيعوا لمجتمعهم خاصة في هذه الأيام العصيبة التى تمر بها مجتمعاتنا الإسلامية. إذا فالنصيحة واجبة على كل مسلم ... خاصة في حالة أن تنحصر قدرته على العطاء، فعليه إذا أن يقوم بالنصح لكل من حوله من آباء وأبناء وإخوان وعشيرة...
ومن فضل الله علينا أن اعتبر مجرد تقديم النصيحة لأفراد المجتمع يعتبر إحسانا... يجازي الله عليه خير جزاء، فيغفر لهم ويرحمهم، وذلك بدليل قوله في نهاية الآية: {{ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }} .
وكوجهة نظر آخيرة، نستنبط من هذه الآية أن على كل من لا يدخل ضمن هؤلاء الناس الضعفاء والمرضى والفقراء، عليه أن يقدم كل ماعنده لأهله وإخوانه ومجتمعه.
ساحة النقاش