هيا بنا نعيش لحظات مع آية من آيات الله
وبعدها سأهديكم سرا كبيرا من أسرار السعادة
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10) سورة البلد
أنظر إلى عظمة الخالق .. كم هو رحيم .. كم هو ودود .. أنظر إلى جمال طفلك .. أنظر إلى براءته.. وإلى دموعه عندما يبكي،أجمل ما فيها أنها صادقة.. ثم أنظر إلى سعادته الحقيقية وهو يبتسم.. ثم أنظر إلى بداية خلقه في بطن أمه.. ثم أنظر كيف أجرى اله غذاءه في ثدي أمه، ثم اسمع معي هذه الآية الكريمة :
وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) الروم.
لكي نقدر نعمة السكن هذه ... هيا بنا نعيش الكلمة في آيات الله ... التى ذكر الله فيها سبحانه كلمة سكن:
أزواجا لتسكنوا إليها .... والليل لتسكنوا فيه ... هل المرأة تحتوي الرجل كما يحتوي الليل الكون ؟ ..ألم تحتويك أمك في بداية الأمر.. لقد خلقت فيها ... وعشت بداخلها شهور طويلة... تتغذى بغذائها... وتشاركها حركاتها وسكونها.. وأفراحها وأحزانها، كنت جزءا منها... تعيش بداخلها... في عالم الملكوت الأعظم... حيث لا يستطيعك أحد... حيث لا يسبك أحد... حيث لا كذب ولا غش ولا خداع...
لا حاجة لك للعمل .. فالكل يعمل من أجلك... وأنت سلطان زمانك... أثبت العلم الحديث أن الطفل يعيش مشاعر أمه، يفرح معها ويتألم معها... هو سعيد إن كانت هي سعيدة ... هو يستمع إلى القرآن عندما تقرأه أمه...
فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) الروم.
إن مشاعرك في الليل تختلف عن مشاعرك في النهار... كلامك في الليل نابع من الصمت... وإن كان النهار صاخبا فالسكون هو سمة الليل.. أغلب ما نتمتع به في حياتنا يحدث ليلا... البيت والعائلة... والطعام... والثمر...
لقد جعل المولى عز وجل فينا شيئا في قلوبنا لا يهدأ ولا يرتاح إلا بين يديه سبحانه.. أهو الحب؟ أهو الود؟ أهي الرحمة المهداة... أم كل هذا مجتمعاّ!!!
إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) مريم.
المودة هي مزيج من المحبة والهيبة والأحترام... المودة تجدها في عيون من يسر برؤيتك، ومن يريد أن تكون دائما قريبا منه، وإذا غبت عنه أفتقدك وحزن لفراقك...
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وهناد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، عن ابن عباس { سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : يحبهم ويحبونه . وأخرج هناد ، عن الضحاك { سيجعل لهم الرحمن وداً } قال : محبة في صدور المؤمنين .
ومن رحمة المولى عز وجل بنا إنه أخبرنا في محكم آياته أنه خلق الموت قبل الحياة، فإذا ما أخذتك الدنيا تذكر أن الموت وراءك ينتظر قدوم ساعتك فلا تنزلق في ملذاتها فتشقى:
تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
الإبتلاءات هنا تأتي كإمتحانات لنعرف موقعنا الحقيقي من الإيمان بالله، لنثبت لأنفسنا حسن إيماننا بحسن العمل، شيئ بالنسبة للمؤمن يبعث فيه شعوره بالثقة البالغة في نفسه، ويجعله يطمأن لدينه، ويستمر في فعل الصالح من العمل، ثم يأتي قول المولى عز وجل ليدفعنا دفعا لعمل الصالحات قال سبحانه وتعالى:
{{ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23 ( }} الشورى، كما قال عز وجل :{{ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}} ..
ولكن ياترى ما هو شكر النعمة؟؟ هذا والله سؤال كبير... هل مجرد أن تقول الحمد لله فقد شكرت ؟
قرأت لكم آية صغيرة فيها الإجابة عن هذا السؤال ... الآية تتحدث عن صنفين من الناس .. صنف يشعر أنه محظوظ جدا ويقول الحمد لله.. وآخر يشعر أنه سيئ الحظ جدا، ويشعر أنه مهان من الله لأنه لم يعطيه من حظوظ الدنيا شيئ .. والله سبحانه وتعالي يجيب عليهما بما يلي :
{{ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا }} ... الله يرد عليهما بكلا القاطعة ... إن عطاء الله ليس دليل كرمه، كما أن منعه ليس دليل إهانة، ولكن هناك واجبات للعطاء، وأخرى للمنع .. وهي كما سيلي في الآية
كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18)وضع الله شروطا لكل من يريد شكر النعمة..إكرام اليتيم والحض أي الأمر بإطعام المسكين.. أما عن الآخر فيقول له المولى عز وجل :
{{ وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (20) }} أنت يا من تشعر بالإهانة وسوء الحظ .. عليك أن ترضى بما عندك فنعم الله عليك لا تعد ولا تحصى.. ولا تنظر فيما عند الآخرين فهو ليس إلا إبتلاء.. فكم من تقي أفسده المال... وكم من ولد كان سببا في تعاسة والده ..
فرغ قلبك من كل شيئ دنيوي ... فرغ قلبك من كل ما هو زائل... وعمره بحب الذي لا يغفل ولا ينام ... فكل ما على وجه الآرض زائل ولا يبقي غير {{ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}} الرحمن.. واعلم أخي في الله أن الله يحب المحسنين ويحب المتطهرين والمتقين ... فاستخدم نعم الله لتفوز بحب الله، وذلك بأن تجعل كل نعمة أنعم الله بها عليك في خدمة عباده وجميع خلقه... لهذا قد ابتلانا مولانا بالحظوظ في نعم الدنيا الزائلة لنفوز بحظوظ الآخرة الأبدية والتى لا زوال فيها ...
الآن سأزف إليكم سرا كبيرا من أسرار الحياة.... سبقونا إليه سلفنا الصالح... وراح كل منهم يبذل قصاري ما في جهده لينصح العالم من حوله ليستفيدوا من هذا السر العظيم ... ساقدمه لكم في كلمات بسيطة وقليلة...
السر العظيم .... سر السعادة الأبدية في الدنيا والآخرة... السعادة الطاردة للقلق والحزن والهم والغم، هذا السر العظيم عرضه فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله قبل موته في أحدى محاضرات، قال رحمه الله عن لسان أحد الصالحين :
نحن في سعادة بالغة لو عرفتها الملوك لقاتلونا عليها
وهنا يكمن السر، ما سوف اقوله لك قد استنتجته أنت مما سبق، وتستطيع أن تجربه، وخطواته بسيطة جدا، قال الله تعالى في محكم آياته:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)
السر يكمن في هذه الآية... إستعن بالصبر والصلاة على طاعة الله... قيام الليل... تقديم العون لمن يحتاجه من الناس... أن تجعل كل موهبة منحك إياها ربك في خدمة خلق الله وأبدأ بنفسك أولا ثم بمن يليك من أهلك... قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم :
{{ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي }} عن السيدة عائشة صحيح
أقسم لك بالله عدد المرات التى تريد... أنك لن تجد سعادتك وراحة بالك ونور قلبك وانشراح صدرك إلا إذا استسلمت لله كلك بكامل كيانك... كما يستسلم الطفل الرضيع لأمه الحنون .
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسقي ، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته ، فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم : ( أترون هذه طارحة ولدها في النار ) . قلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال : ( لله أرحم بعباده من هذه بولدها ) . الراوي: عمر بن الخطاب المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري . خلاصة حكم المحدث: [صحيح].
إن الله أرحم بك من نفسك... فسلم أمرك لله وتوكل عليه تكن مثل سيدنا أبراهيم عندما ألقوه في النار فكان بأمر ربها بردا وسلام عليه.
هذا سر كبير من أسرار الحياة.... لا تفرط فيه ... وقدمه هدية لكل من تحب من خلق الله.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد المبعوث بالحق هدى ورحمة للعالمين .
والحمد لله رب العالمين .
ساحة النقاش