الخوف من الفهم.. سمة الحوار الإلكتروني!!
بقلم:
محمود سلامة الهايشة
كاتب وباحث وأديب مصري
عطفاً على مجموعة القيم التي ذكرها د.عادل سرحان القرشي.. في مقاله بالعدد 444 بالمجلة العربية عن "مسؤولية الحوار في عالم الاتصال الجديد"، وقد ركز على الظواهر الجديدة التي أحدثتها كتابة الحوار عبر الإعلام الجديد، كالحرية، تحول لغة الكتابة إلى لغة شفاهية، اتساع مساحة الحوار، وسرعة تبادل الشواهد والأدلة. وما سوف أضيفه على تلك الظواهر هو "الخوف من الفهم والاقتناع".
هناك شخص/إنسان لا يريد أن يتحاور بل يريد أن يطرح رأيه ووجهة نظره وفقط، ويتجنب بكل الوسائل النقاش والسماع من الطرف الآخر، وذلك خوفاً من أن يفهم شيئا جديداً يغير أو يرفض كل ما برأسه، وهذا يذكرني بأحد زملائي في مرحلة البكالوريوس، كنت أجلس بجواره بالمدرج أثناء محاضرة في مقرر "الكيمياء التحليلية" ووجدته لا ينظر ولا يستمع لما يقوله الدكتور أستاذ المادة، بل كان يكتب وينسق محاضرة أخرى في مقرر آخر، فسألته بصوت خافت مندهشاً: لماذا لا تعير للمحاضرة أي انتباه؟، فنظر لي ورد ببساطة شديدة، الكيمياء مادة تحتاج إلى فهم، وأنا لن ابذل أي مجهود يشغل رأسي بالفهم، أنا أعشق المواد إلي تعتمد على الحفظ وأحصل فيها على أعلى الدرجات، قاطعته: ولكن نحن في كلية علمية والمفروض أن معظم المواد تحتاج إلى الفهم أولاً ثم يليه الحفظ؟!!!، فنظر لي نظرة يريد أن يقول لي فيها (أنت لا تفهم شيء!!) ..كل المواد ومن يدرسها لا يريدون في ورقة الإجابة سوى الحفظ فهم يقيسون الإجابة النموذجية بالكيلو، بالكم وليس بالكيف، كانت تلك الواقعة ونحن في الفرقة الثانية، ومرت سنوات الكلية، وحصل هذا الزميل الذي يعد "مسجل كاسيت" على درجة البكالوريوس بتقدير جيد جداً، وكان ترتيبه الثاني على شعبته التي تخرج منها، وقد علمت منذ مدة أنه حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه في وقت قياسي وبسرعة فائقة وقد أصبح باحثا علميا في أكبر مركز بحثي بجمهورية مصر العربية الآن وذلك بسبب الحفظ وليس الفهم الذي لا يصدع به رأسه، فالحفظ خير وأقصر طريق للتفوق والرقي في تلك الدولة العجيبة. وقد ناقش الفيلم السينمائي "الثلاثة يشتغلونها" للفنانة ياسمين عبدالعزيز وبطولة صلاح عبدالله وهالة فاخر، تلك المسألة حيث نشأت على لحفظ والتذكر لدرجة كن والد البطلة يقوم بتسميع الكتب لها فكانت تحفظ حتى عدد صفحات الكتاب وزن ورق الكتاب وألوان طباعة الكتاب وفهرس الكتاب، وبالفعل تفوقت بالثانوية العامة واستطاعت أن تكون الأولى على شهادة الثانوية العامة على مستوى الجمهورية، ولكنها بدأت تواجه مشاكل الحياة وتتفاعل مع الناس والمجتمع بشكل أوسع عند التحاقها بكلية من كليات القمة وتعرضت للعديد من الصدمات والمشاكل التي سببت لها الأزمات النفسية والاجتماعية إلى أن اكتسبت خبرات عديدة أفهمتها أن الحياة لا يمكن أن يتعامل معها الإنسان بالحفظ وفقط دون فهم وتفكير وتدبر للأمور وإلا ضاع الإنسان، فإن الجائز أن يحقق الحفظ تفوقا علميا ودراسيا ويحصل الشخص على شهادة عالية جدا ولكن لا يحقق له الحفظ دون فهم استقرارا نفسيا ونجاحا حياتياً كبيراً.
ساحة النقاش