يعيش الطفل حديث الولادة أزمة صدمة الولادة, وحسب علماء النفس فهو يعبر عن هذه الصدمة منذ ولادته وفي اللحظات الأولى التي يخرج فيها إلى العالم وذلك بالصرخة التي يطلقها عند خروجه والتي بالمفهوم الطبي تعني دخول الهواء إلى الرئتين أما بالمفهوم النفسي تعبر عن شعوره بهذا الانفصال أي انفصاله عن الأم فبعد أن كان الطفل محاط برحم الأم الذي يؤمن له الغذاء والدفء وفجأة"أصبح بعيدا"عن هذه الحواجز التي كانت تحيط به مما يسبب له شعور الانفصال الذي يعبر عنه بتلك الصرخة ,وتبدأ مسيرة الطفل في اعتياده على وضعه الجديد وفي تأقلمه على هذا الوضع الذي يسبب له الكثير من الأزمات فيأتي وجه الأم أول ما يراه الطفل ليعيد له شعور الطمأنينة الذي فقده ,ومن هنا يأتي أهمية دور الأم التي حسب طريقة تعاملها مع هذا الكائن الجديد فإما أن تمنحه الشعور بالطمأنينة أو تعزز لديه شعور الخوف والتشتت .

عندما يولد الطفل تبدأ محاولاته لإدراك عالمه الجديد,فهو في البداية لا يدرك ذاته مستقلا" عن العالم الخارجي ,خاصة مع أمه الذي يشكل معها في البداية اندماجية عن طريق الغذاء والحرارة والاحساسات اللطيفة التي تؤمنها الأم لطفلها , ولكن مع الوقت ومن خلال الكثير من العوامل النفسية وبمساعدة الأب يدرك الطفل نفسه مستقلا" عن الأم ويتطور حبه لها من الشخص الواحد الموحد إلى الشخص الآخر المستقل عنه .

في المرحلة اللاحقة و هي مرحلة أساسية في حياة الطفل يستطيع من خلالها التميز بينه وبين الآخر ومن هنا تتشكل النواة الأولية للأنا المخاطبة عنده ,أما في المرحلة الثالثة يدرك فيها ذاته كصورة متكاملة فيقوم بمحاولة السيطرة على  الذات والتحكم بها و بذلك يكون في سعي نحو استقلالية , وأيضا" في هذه المرحلة يسيطر الخيال والتصور الخيالي وبالتالي إدراكه لذاته لا يكون فقط واقعيا" بل يدخل الخيال في هذا الإدراك , ومنه يتكون لدى الطفل ذات واقعية يعيشها وذات خيالية يسعى للوصول إليها , وإذا لم يستطيع إيجاد التوازن بين هاتين الذاتين الذي يتم بمساعدة الأم بشكل خاص والأهل والمجتمع بشكل عام فإن ذلك يسبب له أزمة كبيرة تبقى مكبوتة وتتجدد في سن المراهقة حيث تؤثر على شخصية الطفل و طريقة تفاعله مع المجتمع .

أزمة الطفل مع العالم الخارجي هي أزمة إثبات ذات و إدراك لنفسه موجودا  في هذا العالم و هو يحتاج إليه  ليساعده على إدراك نفسه كاملا غير مشتت كما هو و تقبل هذه الذات و اعتبارها ذاته و امتلاكها أي استطاعته التعامل معها وامتلاك إمكانياتها كاملة والتحكم بها وتطويعها لخدمته , كل ذلك يحتاجه الطفل الطبيعي ليبدأ حياته فكم برأيكم يحتاج من دعم  أهله وأسرته أولا" ومجتمعه الخارجي ثانيا" حتى يبدأ حياته ويثبت نفسه في هذا العالم .

هذا بالنسبة للطفل الطبيعي فكيف يكون ذلك بالنسبة للطفل ذوي الاحتياجات الخاصة الذي تكون أزمته مع هذا العالم أزمة مضاعفة وأكثر تعقيدا" فإضافة إلى ما سبق فهو يعاني مشكلة أخرى وهي تقبل ذاته كشخص له إمكانيات مختلفة عن غيره ممن حوله مما يؤدي لحدوث مشاكل أكثر تعقيدا" يتوجب على الأهل مراعيتها .

فالمراحل الثلاثة التي يمر بها الطفل ويحتاج للدعم هي نفسها عند الطفل ذوي الاحتياجات الخاصة مع دعم اكبر حتى يستطيع إدراك صورته كاملة غير مشتتة و تقبل هذه الذات و اعتبارها ذاته و امتلاكها و التعامل معها و تطويعها لخدمته بكل إمكانياتها مهما كانت مختلفة إن سير هذه المرحلة بالطريقة السليمة له تأثيره الإيجابي على الطفل في سن المراهقة فكأي طفل هذه المرحلة تكون مكبوتة وتعود لتظهر من جديد في المراهقة فإذا سارت بشكل سلبي سوف ينعكس ذلك على مرحلة المراهقة حيث تتجدد الأزمات من جديد والتي تكون أكثر تعقيدا و خاصة أنه يعاني من اختلاف كبير بين صورته الواقعية و الصورة التي يتمنى الوصول إليها هذه الفجوة تسبب لديه أزمة يعيشها على شكل مشاعر رفض وعدم تقبل لذاته كره لأهله و المجتمع الذي يعتبره سبب ذلك فيدخل في دوامة لا نهاية لها يخسر فيها ذاته و الآخرين فمنذ لحظة ولادة الطفل و إدراك الأهل أن طفلهم مختلف تبدأ الأزمة في هذه المرحلة يعتقد الكثير أن المشكلة هنا تتعلق بالأهل و المجتمع فقط دون الانتباه أن هناك طرف ثالث و رئيسي وهو الطفل الذي يكون دائما كبش المحرقة و هو ضحية هذه الدوامة التي تنشأ من الصراعات التي يعاني منها الأهل مع ذاتهم و مع المجتمع .

 فالأم : تقع في صراع مع ذاتها بين فكرة أن هذا الطفل قد خرج منها( جرح نرجسي ) و بين السؤال الذي يدور في ذهنها بان هل هذا هو الطفل الذي انتظرته تسعة اشهر( فجوة عميقة بين الواقع والصورة الخيالية ) فقد تلجا إلى  أمرين :

  أولا : رفض هذا الكائن و اعتباره خارج عن كيانها و هذا يساعد على التخلص من جرحها النرجسي ولكن هذا الشعور يولد بدوره شعور بالذنب تجاه هذا الكائن الضعيف فتدخل في دوامة صراع لا تخرج منها فكل شعور ينتابها يرافقه الشعور الآخر وهكذا يستمر هذا الصراع مما يسبب الألم للأم والطفل والأسرة بكاملها .

ثانيا":  تدخل الأم مع الطفل بعلاقة ذوبانية ناتجة عن شعور يتولد لديها منذ لحظة معرفتها بإصابة ابنها فهي تعتبره جزءا" منها ضعيف ويجب حمايته حتى لا يصبح عرضة للأذى والسخرية من قبل الآخرين فيمتزج هذا الشعور بشعور الذنب تجاه الطفل فيؤدي إلى حماية مفرطة ومبالغ فيها ,يتداخل الطفل والأم بعلاقة ذوبانية فالطفل يعتبر نفسه جزء من الأم وغير مستقل ولا يدرك واقعه ,اتكالي متلقي , وهنا إذا لم يمارس الأب دوره الصحيح في الأسرة تستمر هذه العلاقة ليكون الطفل وأمه كيانا" مستقلا" عن الأسرة ويمنعان أي إنسان من فصلهم وينتج عن ذلك اضطرابات في تكوين شخصية الطفل وقدرته على العيش مستقل في المجتمع خاصة في سن المراهقة.

أما الأب : فهو قد يلجأ إلى اتخاذ احد الموقفين إما أن يرفض هذا الوضع الجديد و يلجا إلى عدم المبالاة و كأنه شخص خارج عن الوضع يتأمل ما يحدث من الخارج فنجده غائب عن ساحة الصراع ويتعامل مع الطفل بسلبية بحجة أن تربية الأطفال هي مسؤولية الأم فقط أو يلجا إلى الرعاية المفرطة مدفوع بمشاعر الذنب فيهمل مسؤوليته تجاه باقي الأطفال ويلجا إلى الاهتمام بالطفل فيبالغ في رعايته مما يؤثر سلبا على نمو الطفل النفسي .
 
أما على الصعيد الأسري : فقد تعاني الأسرة مشاكل و صراعات تستمر بين أفراد الأسرة وعلى الأخص الوالدين فقد يلجا كلا الطرفين إما إلى تحميل الآخر مسؤولية ما حدث أو إلى قد يحاول إبعاده فيعتبره خارج المشكلة و هو وحده من يعاني أو يترك العبء على الطرف الآخر في مسؤولية رعاية الطفل .
 
بالنسبة للمجتمع : فمع تطور المجتمع تطورت النظرة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة و مع ذلك مازالت لا تقارب الطريقة الصحيحة ,فالمجتمع بكامله : أهل  أقارب , المؤسسات , المدرسة, الناس في الشارع ..... بحاجة إلى إعادة تأهيل من ناحية تقبل فكرة الإعاقة واعتبارها حقيقة

المصدر: مركز الرحمة
el-rahmapt

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى المكثف للأطقال

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 640 مشاهدة

تسجيل الدخول

ابحث

عدد زيارات الموقع

2,317,939

مركز الرحمة للعلاج الطبيعى

    أ.د/ محمد على الشافعى
 استاذ مشارك العلاج الطبيعى للأطفال  بكلية العلاج الطبيعى جامعة القاهرة و استشارى العلاج الطبيعى المكثف للأطفال 
لمشاهدة قناه الفيديو الخاصة بالمركز 

اضغط