عقب قرارات سبتمبر التي أعلنها السادات في خطابه الأخير شنت قوات الأمن حملات اعتقال مشددة ومداهمات لمنازل المعارضين اسلاميين ومسيحيين وقساوسة وشيوخ وسياسيين وصحفيين كبار ووزراء سابقين كما تمت مداهمة مقرات بعض الصحف والمجلات والأحزاب السياسية المعارضة كما شنت وسائل الاعلام حملات تشويه غاية في الادعاءات والكذب والأحقاد الشخصية التي افصح عنها الأستاذ مكرم محمد احمد في حوار له مع جريدة المصري اليوم بتاريخ 8/9/2016قال :
(قال السادات لنا: اجلسوا مع النبوي إسماعيل «نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية» لكي يتحدث كل واحد عن خصومه.. لكي يكونوا ضمن المتحفظ عليهم، وقالوا لي من هذه الليلة: لابد أن تكتب قائمة بخصومك في الصحافة، فقلت لهم: لا يوجد لي أعداء
  فقال لي النبوي: لديك صحفي أسمه ماجد عطية.. اكتب اسمه،
فقلت له هو محرر اقتصادي (يساري علي خفيف) ولا توجد ضغائن تجاهه.
وعرفت في هذه الليلة أن العديد من القيادات الصحفية كتبوا أسماء خصومهم الشخصيين، وكان بعضهم لا يعادي السادات أو يقصده الرئيس في هذه الاعتقالات أو الوقف عن العمل. وقالوا في مكتب النبوي أن عبدالله عبدالباري «رئيس مجلس إدارة الأهرام في هذا التوقيت» أبلغ عن العديد من الصحفيين منهم محمد سلماوي لوجود خصومة شخصية بين الاثنين وتم نقله فعلياً، مع غيره إلي وظيفة إدارية.
وتوسعت العملية للقدر الذي حذرت منه في "بلير هاوس" وكانت فترة عصيبة جداً.. حيث تم زج عشرات الصحفيين ومئات السياسيين ورجال الدين كبار السن إلي المعتقل.)
 ونشرت التحقيقات مع بعض المعتقلين مثل الشيخ عبد الحميد كشك وبعض القساوسة بعد ان تمت احالتهم الى نوع جديد من المحاكم استحدثه السادات تسمى "محكمة القيم" يحقق لها ما سمي بالمدعي الاشتراكي.
 
وكانت القرارات الصادرة والبطء الذي تسير به التحقيقات تشير الى أن نية السادات تجاه المتحفظ عليهم سوداء وأنهم  باقون في السجون مددا طويلة مما زاد من مخاوف المطلوبين للتحفظ
هذه الخطوة التي اتخذها السادات وضعت كل معارضيه في مأزق ضيق ضاقت فيه الخيارات وصعبت أمام كل من ورد اسمه في المتحفظ عليهم فليس أمامه ألا أن يهرب أو أن يسافر خارج البلاد إن استطاع ماديا ثم وجد طريقة آمنة وإما أن يسلم نفسه وكلها خيارات صعبة .
إلا أن الجماعة الاسلامية وتنظيم الجهاد كانا قد كونا التنظيم وبدأ في العمل السري المسلح من قبل هذه القرارات وكانت ساعة الصفر بالنسبة له مازال أمامها وقت طويل قالوا انه سنة ونصف  وبالتالي فهم هاربون في جبل البلينا بسوهاج للتدريب على السلاح  أو في أماكن أخرى وبالتالي لم يتم القبض عليهم.
بعد أيام من قرارات التحفظ بدا أن هناك خيارا رابعا اختاره التنظيم وهو حمل السلاح مبكرا ضد نظام الحكم.
وحسب رواية القيادات فإن التنظيم كان أمامه عدة خيارات إما أن يتوقف والنتيجة أن قياداته معرضون للقبض عليهم  دون أن يفعلوا شيئا فهم مطلوبون للتحفظ ، وإما أن يفعلوا شيئا ولكن احتمال نجاحه ضعيف والنتيجة قريبة من نتيجة التوقف. فاختار التنظيم الخيار الأول فعلى الأقل يحدث نكاية في النظام ثم حتى لايلقى نفس المصير بلاشيء . أما الأفراد الغير مطلوبين فقد رأوا إطلاعهم على ما جدَّ من التبكير في الخطة وتخيير كل منهم بين مشاركته وعدمها بلا لوم عليه  أي إن التنظيم قد اختار الموت واقفا على حد تعبير البعض.
وهذا موضوع يحتاج الى تفصيل مستقل وقد سبق تناوله لأكثر من كاتب
 
عقب اغتيال الرئيس السادات وأحداث اسيوط زاد التوتر والاضطراب حيث توقع كثيرون امتداد هذه الأحداث الى مدى مجهول وتوسعت دائرة الاعتقال في الاسلاميين  كما اتسعت الحملة الاعلامية عليهم وزادت البلاغات الكيدية فكل من أراد كيداً بخصمه أبلغ أنه من الاسلاميين وطال الاعتقال أنواعا من الناس لاعلاقة لهم بشيء مثل الذين ابتهجوا بخبر اغتيال السادات وكثيرا من أبناء المطلوبين وآبائهم أخذوا كرهائن للضغط على المطلوبين  وكذلك المتشابهة اسماؤهم مع مطلوبين    
وحوصرت مساجد الجماعات الاسلامية ومُنعوا من صعود المنابر فقد رأيت ضابطا دخل المسجد ورفع السلاح على خطيب مسجد عمر بن الخطاب بالمنيا وأنزله
وامتلأت مراكز الاحتجاز والسجون بالمعتقلين وساد الرعب والزعر وخاف الناس على أبنائهم فخلت المساجد إلا من أعداد قليلة من كبار السن وأظلمت الدنيا على الناس فلا توجد قرية لاتتردد عليها عربات الأمن المركزي المسلحة للقبض على بعض الشباب واقتيادهم الى جهات غير معلومة واحتار الأهالي والمحامين في البحث عن أبنائهم ولم يكن أحد ليجروء على الاقتراب من مراكز الشرطة فقد كانوا في غاية الهياج والبطش ولم يظهر أحد من المعتقلين في أي مبنى للنيابة ولم يمثل للتحقيق .  
في السجون كان المعتقلون قبل الأحداث ( المتحفظ عليهم ) مودعين بسجون أبي زعبل والاستقبال الذي أعد حديثاً وخصيصاً للسياسيين وهو أول سجن مصمم على أساس بقاء المسجون داخل زنزانته لفترة طويلة بلا خروج منها فدورة المياه داخل الزنزانة وكان السجانون يقولون: ان السادات مجهز لكم السجن من زمان .
كما كان سجن ملحق المزرعة قد خصص للخواص من المعتقلين كفؤاد سراج الدين وغيره
اما النساء مثل نوال  السعداوي وغيرها فقد كن في سجن النساء بالقناطر.
هذا بخصوص من سموا بـ "المتحفظ عليهم" كاسم بديل عن اسم المعتقلين كما سمي الاعتقال بـ "التحفظ "تفاديا للمصطلحات الكريهة ذات السمعة السيئة التي تباهى السادات حينا انها انتهت على يديه من قاموس الحياة السياسية في مصر 
أما المقبوض عليهم بعد الأحداث فقد كانوا يملؤن سجون الأقاليم وأقسام ومراكز الشرطة وبعد تحقيقات أولية  يتم فرزهم فمن له شبهة صلة بالاحداث من قريب أو بعيد  يتم ترحيله الى القاهرة إما الى القلعة أو الى ليمان طرة
أما المتهمون بقتل السادات فقد كانوا في السجن الحربي.
مرحلة تحقيقات أمن الدولة
بدأت تحقيقات أمن الدولة بسجن القلعة وسجن ليمان طرة والاستقبال حيث تم فرز نزلائه وترحيل من لاصلة له بالجماعات الاسلامية الى سجن ابي زعبل وغيره وتم الإفراج عن كثير منهم خصوصا اليساريين وكبار الشخصيات  حيث توجهوا بهم الى قصر الرئاسة أولا واستقبلهم مبارك قبل التوجه الى بيوتهم.  
أما من اشتبه في صلته بالجماعات الاسلامية فقد بدأ وضعهم  في أوضاع سيئة ومرعبة للتحقيق معهم وبدأ التعذيب بكل أساليبه.
كما تم التحقيق مع كل القيادات الشبابية الاخوانية ثم هدأت التحقيقات معهم بعد الوصول الى بعض النتائج أهمها الجهة المسؤلة وعدم صلتها  بالاخوان
 
استمرت تحقيقات أمن الدولة قرابة شهرين أو ثلاثة عاشها المعتقلون في ظروف بشعة عانوا فيها من مجاعة طاحنة وبرد قارس وأوضاع صحية سيئة فلاتوجد زيارة ولافسحة ولاتعرض للشمس فانتشر الجرب والقمل مع عدم وجود أدوات النظافة كما انتشر مرض الأنيميا والهزال ثم انتشر وباء الكوليرا وهدد معسكرات الأمن القريبة من السجن والتي يدخل جنودها الى السجن مما أدى الى اضطراب الادارة وبالتالي خلخلة القبضة الحديدية الممسكة بالسجن من أمن الدولة وتمتع ادارة السجن بممارسة دورها الطبيعي وصلاحياتها التي ظلت منتزعة من أمن الدولة فأجرت الحياة اليومية  قريبا من المنصوص عليه في لوائح السجون وتم توزيع الصابون والسماح بدخول الأطعمة والأدوية
 
ثم بدأت تحقيقات النيابة فبدأ المحامون يحددون أماكن احتجاز المعتقلين ومن ثم يتوافد الأهالي على الزيارة التي ظلت ممنوعة لثلاثة أشهر ثم فتحت
الوضع الداخلي في الزنازين
اتسمت تلك الفترة بالإقبال الشديد على حفظ القرآن خصوصا مع غياب المصاحف ففقدان المصحف يخلق حالة من الرغبة في إيجاد القرآن في الصدر بالحفظ والمحافظة عليه بالمراجعة  
كما اتسمت بكثرة العبادة والذكر والدعاء والاستغاثة بالله لرفع البلاء عن الجميع
كما اتسمت بالتلاحم والتعاطف والتواد الجميل
أي أن هذا المجتمع الجديد بدأ يحتاج الى ما ينشيء به حياته الجماعية فكانت مباديء وأخلاق الاسلام هي المرجع المحفور في الأعماق فانعكس على المعاملات بتلقائية ومن هنا بدأت بعض الأعراف في الوجود في هذا المجتمع الجديد
لكن في الحقيقة إن ثمةخلافات فكرية ومفاهيم عكرت صفو الانسجام التام بين مكونات هذا المجتمع الذي ذابت فيه الفروق بين الطبقات المادية ولكن ظهرت الفروق الفكرية الممنهجة وخصوصا التي فُهِم أنها في باب العقيدة والايمان مثل جماعات التكفير التي تتخذ من قضية الولاء والبراء أصلا في العلاقات اجمالا دون تفصيل  فقهي أو بمعنى أصح  بلا علم أصلا داخل هذا الموضوع الشائك
استمرت هذه المرحلة شهرين تقريبا قبل صدور قرارالاتهام
 
وفي البداية خرق الدكتور ناجح ابراهيم رهبة المكان والوضع ففوجيء المعتقلون به يقوم  بتحفيظ حديث نبوي كل ليلة ثم يشرحه ثم يعقد مسابقة بسيطة يقدم بها جوائزرمزية للغاية   
كانت قيمة هذا العمل في جرأته أولا في هذا الجو المرعب الذي جاء بعد فترة تعذيب وتنكيل وإرهاب شديد تجعل كل انسان يراجع نفسه من حيث الأسباب التي جاءت به الى هذا المكان الذي ما إن يسمع العنبر كلمة "انزل تحت" الا ويغرق في صمت شديد من الرعب الذي خلفه تعذيب كل من يضبط ناظرا من نافذة الزنزانة متحدثا مع غيره .
ولذلك فقد قدرت ادارة السجن خطورة هذه الخطوة بان أخذت من تجرأ عليها وعذبته هناك ،في مكاتب الادارة
ولكن الدكتور كان يدرك هدفه كما يدرك الأثر السيء لسكوته فعاد الى القاء الحديث ولم يتوقف فكان لهذا الحديث أثراً عظيما في رفع المعنويات وتبديد الإحساس بسحق الإرادة وبأن كل شيء قد انتهى كما أنه قدم إجابة عن سؤال بديهي وهو: ترى ما الجديد في اراداة القيادة التي نالت النصيب الأكبر من التعذيب؟ وهل هناك تغيير؟ فجاء هذا الصمود إجابة عملية قوية.
كذلك كان الشيخ عبد الآخر حماد يشرح تفسير سورة يوسف فيمن حوله في عنبر "أ" وكان لهذا دور كبير في المعنويات،
ولما خفت القبضة الأمنية أعطى كثير من المشايخ الدروس العامة في العنبر من خلال نوافذ الزنازين وفي فناء العنبر.
كانت هذه الدروس تظهر مدى الاختلاف بين أبناء التيار الاسلامي فبينما يقوم شيخ كبير بالقاء موعظة ينبري أحد الشباب معلقا على بعض الأحاديث وتضعيفها والتحذير من الأحاديث الضعيفة وأثرها السيء على الأمة بأسلوب سيء فغالبا ما يقع جدال يتطور الى شجار.
كان أكبر احساس يضايق المعتقل هو انه مقبل على مجهول لايدري كيف ستكون الحياة في هذا الواقع واقع السجون ؟
كانت بعض التسريبات تأتي من ادارة السجن أنها متضجرة من سيطرة أمن الدولة على السجن بما يفقدها دورها وعملها .
في يوم تم أمر جميع المعتقلين بالنزول الى فناء السجن وعلى أعينهم العصابة كالمعتاد واذا بصوت يأمرهم برفع العصابة التي على أعينهم فاذا بهم أمام ضابط كبير عرَّفهم بنفسه: أنا العقيد محسن السرساوي مأمور السجن وانا المسؤل عنكم هنا ... لاتضعوا العصابة على أعينكم مرة أخرى .. اصعدوا الى زنازينكم .. فكانت هذه بداية مرحلة جديدة.
وفي هذه الفترة تمت بعض الاضرابات للتعجيل بفتح السجن ولكنها لم تؤثر فحدث تمرد كبير اختطفت فيه المفاتيح من السجانين وتم فتح كل الزنازين دفعة واحدة بعد أن كانت تفتح على مجموعات مما اضطر ادارة السجن لطلب مندوبين عن السجن لتقديم الطلبات وكانت هذه أول مرة نتعامل فيها مع ادارة السجن بشكل جماعي فتخوف الناس من الغدر بالمندوبين لكن في النهاية خرج الشيخ حمدي عبد الرحمن سوهاجي  ومحمد حسن الكريمي اسماعيلاوي وآخرون خرجوا للادارة وعادوا بنظام جديد ومرحلة جديدة  تم فيها فتح الفسحة لكل السجن والزيارة وإدخال الجرايد والكتب وإخراج نزلاء التأديب وكان منهم الشيخ عصام دربالة.
وقد عانى هؤلاء المندوبين عناء شديداً من التعامل مع المعتقلين خصوصاً جماعات التكفيرونظرتهم اليهم بصفتهم يخرجون للادارة فهم جزء منها.
 
في تلك المرحلة كان نزلاء سجن الاستقبال خليطا من كل الجماعات والاتجاهات الاسلامية من الاخوان المسلمين والمدارس السلفية وكانت أيامها مدارس كثيرة مثل  مدرسة الشيخ أسامة عبد العظيم حمزة،  مدرسة الشيخ محمد الدبيسي ،ومدرسة الشيخ حسن زبادي  ،  وجماعات التكفير المختلفة وكانت ايامها كثيرة مثل "جماعة المسلمين" شكري مصطفى أو "جماعة التكفير والهجرة " كما سمتها الداخلية  وجماعة "التوقف والتبين  و"الفرماوية" نسبة للشيخ الفرماوي وهم لايأخذون بالأسباب وكذلك "الأوابين" و"التوابين" وجماعة "الغرالمحجلين" و"حزب التحرير" الأردني  وقد ميزت ادارة السجن التسكين على اساس اقليمي فضمت أبناء الوجه البحري في صف من الزنازين سويا والقبلي في صف كما في عرف  السجون
ومع فتح الزنازين للفسحة بدأ ت كل جماعة أو مجموعة تبحث عن أبنائها في هذا الزحام وتحاول ان تنظم نفسها وتدعو الى فكرها
 
وتحرك بعض  قيادات الجماعة الاسلامية الموجودون في سجن الاستقبال أكبر السجون عددا ) الشيوخ حمدي عبد الرحمن وعبد الآخر حماد  وعصام دربالة
فبدأوا  بعض الدروس داخل زنازين الوجه القبلي للتحصين  من عقائد التكفير التي كانت منتشرة وكذا الرد على السلفيين الذين يُخطئون الأحداث وكان الشيخ عصام دربالة ينظم هذه الردود في دروس تستمر طوال الليل في زنزانته 17/4 التي نظم توافد كل ابناء الجماعة الاسلامية عليها
 
بعد فتح الفسحة حدثت مناظرات كثيرة على نطاقات ضيقة عاد فيها كثير من جماعات التكفير عن عقيدتهم حيث كانت غالبيتهم أميين.
بعد فتح الزيارة ظهرت الأخلاقيات الجميلة مثل الايثار وتبادل المعتقلون توزيع ما يأتي في الزيارت على بعضهم لكنه لم يكن وفق نظام مجدد وانما كل من تأتيه زيارة فستستفيد منها كل الزنزانة أولا ثم سيرسل صاحب الزيارة بعض الهدايا والصدقات  لأصدقائه في الزنازين الأخرى،
وكان من الظريف أن أشد عقوبة يلحقها أحد بآخر إذا تخاصما هي أن يمتنع عن الأكل من زيارته ويرفض قبول نصيبه مما يوزعه صاحب الزيارة على الزنزانة من ملابس أو غيره.
وبذلك فما إن فتحت الزيارات بقليل الا وتمت تغطية كل الاخوة باحتياجاتهم عن طريق الهدايا المتبادلة والصدقات. 
ـ  بعد فرز المعتقلين وتسكينهم على  أساس الوجه البحري مع بعضهم والقبلي مع بعض استراحت المناظرات بعض الشيء بين السلفيين الذين كانوا يتكلمون في شرعية الأحداث ويحرمونها بأسلوب فظ ،وبين شباب الجماعة الاسلامية وكذلك مع الاخوان الذين كانوا يتحسرون على الدعوة متهمين الجماعة الاسلامية بأنهم أخروا الدعوة 15 سنة جديدة للوراء
وكان من المعتقلين أصحاب مكتبات مثل الشيخ عبد الفتاح الزيني  غمروا السجن بكل أنواع  الكتب.
فضعف الاقبال على حفظ القرآن واشتد الاقبال على الكتب والقراءة حتى أصبح الشباب في حيرة ماذا يقرأ وماذ يترك من هذه الكنوز العلمية ؟
 
بعد فتح الفسحة عقدت صلاة الجماعة في فناء السجن وأعطى بعض المشايخ مواعظ ودروس كان الأشد اقبالا مواعظ الشيخ نشأت احمد حيث كان بليغا في دروس الرقائق وكنا في حاجة اليها .
في شهر مايو صدر قرار الاتهام في القضية رقم 462 أمن دولة عليا وعرفنا بالاسماء من الجرايد   
ومن الطريف ان موزع الجرايد (طه البوتلي) صاح في العنبر بأعلى صوته اسمع اسمك في قرار الاتهام وبدأ يعلن الاسماء ولكن اذا بنا نفاجأ بانقطاع الصوت وتوقف اعلان الاسماء ! مالذي حدث ؟ لقد فوجيء بوجود اسمه على غير المتوقع فصدمته المفاجأة ... سكت من هول الصدمة
كان صدور القرار صادماً لكثير منا فقد أدخل عدداً كبيراً ممن لاعلاقة لهم بالاحداث ضمن القرار ورغم أن الحزن قد خيم على جو عنبرنا عنبر" أ "الا ان عصام دربالة فسر وجود اسماء كثيرة ممن لاعلاقة لهم بالأحداث ضمن قرار الاتهام بأن عدد الحاصلين على البراءة سيكون كبيراً لتجميل صورة النظام الجديد نظام مبارك .... وبالفعل هذا ماحدث
انتشرت الشائعات خلال هذه الشهور وخصوصا قبل كل مناسبة حيث يشاع أن الجميع سيخرج على مولد النبي مثلا وكانت مباحث السجن هي التي تدير هذه الاشاعات
وبعد صدور قرار بيوم واحد فوجئنا بحملة أمنية مكبرة تعيد الى أذهاننا أيام التعذيب بعد أن كنا قد استرحنا قليلا من ذكراها فاذا بها تذكرنا بالسلب بعد العطاء الذي استعاذ منه الرسول صلى الله عليه وسلم ثم نودي علينا بالميكروفون أنه سيتم فرزنا وترحيلنا فيجب مساعدة الحملة في القيام بمهمتها ويبدو أن الذي وجه هذا النداء هو مأمور السجن وبذلك فهمنا سبب وجود هذه القوات الضخمة بأنواعها وألوان ملابسها فاطمأننا قليلا.
 
القضايا
أسفر هذا الفرز والترحيل عن اخراج عدد كبير من دائرة الاتهام واخلاء سبيلهم وهؤلاء تم ترحيلهم الى سجون أخرى تمهيدا للافراج عنهم كما أسفرت عن عدد من القضايا.
أولها قضية اغتيال السادات وكان عدد المتهمين فيها 24اريعة وعشرين متهما
المتهمون باغتيال السادات
خالد أحمد شوقى الإسلامبولي1ـ ، ملازم أول بالقوات المسلحة  
  عبد الحميد عبد السلام عبد العال علي، صاحب مكتبة .2
 عطا طايل حميدة رحيل، مهندس
 . 4ـ حسين عباس محمد، رقيب متطوع بالقوات المسلحة بالدفاع الشعبي،ً.
 . محمد عبد السلام فرج عطية، مهندس،.5
 . 6 ـ كرم محمد زهدي سليمان، طالب بكلية الزراعة، جامعة أسيوط، ً   
   7 ـ فؤاد محمود أحمد أحمد حنفي، وشهرته فؤاد الدواليبي، تاجر أثاث        
ـ عاصم عبد الماجد محمد ماضي، طالب بكلية هندسة أسيوط    8
 . أسامة إبراهيم حافظ، طالب بكلية هندسة أسيوط،.9
   10 ـ دكتور عمر أحمد علي عبد الرحمن، أستاذ بكلية أصول الدين، ً
عبّود عبد اللطيف حسن الزمر، مقدم بالقوات المسلحة، ً.11
 . 12ـ صالح أحمد صالح جاهين، مهندس
  . عبد الناصر عبد العليم أحمد درة، طالب ثانوي،.13
  . 14ـ طارق عبد الموجود إبراهيم الزمر، طالب بكلية الزراعة، جامعة القاهرة، ً
. محمد طارق إبراهيم محمد، طبيب أسنان،.15
 . 16أسامة السيد محمد قاسم، طالب بكلية الآداب، جامعة الزقازيق، ً
 .صلاح السيد بيومي علي، نقاّشً.17
  18علاء الدين عبد المنعم محمد إبراهيم، طالب بكلية التربية، جامعة الزقازيق، ً
  19أنور عبد العظيم محمد محمد عكاشة، طالب بكلية التربية، جامعة الزقازيق، ً
محمد طارق إسماعيل المصري، سائقً.20
 علي محمد فرّاج علي، نجّار بالزقازيقً.21
  عبد الله محمد محمد سالم، طالب بكلية أصول الدين،.22
. صفوت إبراهيم حامد الأشوح، صيدلي، .23
  24 ـ السيد علي محمد إسماعيل السلاموني، معيد بكلية التربية، جامعة عين شمس، ً
وقد حوكموا محاكمة عاجلة امام محكمة عسكرية حكمت بالاعدام على الخمسة الأول في قرار الاتهام وبالبراءة للأول والأخير
وتم تنفيذ حكم الاعدام في منتصف  شهر ابريل 1982 وتم ترحيل الباقين جميعا الى ليمان طرة
ثاني القضايا سميت بقضية أحداث أسيوط أو قضية الجهاد الكبرى وعدد المتهمين فيها( 302 ) متهم وصفت  بأكبر قضية أو قضية القرن
وهذه القضية تم فيها ضم الذين حوكموا في قضية السادات اليها فصار على رأسها الدكتور عمر عبد الرحمن ثم 12 من جماعتي الجماعة الاسلامية والجهاد هم مجلس شورى التنظيم المدمج ثم تنظيمات متفرقة منها تنظيم الدكتور أيمن الظواهري وأودع المتهمون في هذه القضية  في ثلاثة سجون ليمان طرة  والاستقبال والقناطر الخيرية  .
القضية الثالثة سميت قضية "الانتماء لتنظيم الجهاد" وكان عدد المتهمين أكثر من مائتين تقريبا وقد أودع المتهمين فيها سجن المزرعة
وكان على رأسهم الشيوخ عبد الآخر حماد ومحمد شوقي الاسلامبولي شفيق خالد ومجدي سالم والأستاذ منتصر الزيات المحامي
القضية الرابعة قضية الأحداث وهم الشباب أقل من 18 سنة وقد أودعوا سجن المرج ومن أشهرهم عصام عزام ومهاب رمضان
 
كما تم تخصيص سجن ليمان طرة للأسماء الأولى في قرار الاتهام وكان عدد منهم موجودا هناك في الليمان وهم المحكوم عليهم في قضية الاغتيال وعلى رأسهم الدكتورعمر عبد الرحمن والمقدم عبود الزمر وابن عمه طارق والشيوخ كرم زهدي وأسامة حافظ وعاصم عبد الماجد ولاحقا جيء بالدكتور ناجح ابراهيم من سجن القلعة والشيخ عصام دربالة وآخرين من سجن الاستقبال ثم بالشيخ رفاعي طه بعد القبض عليه بعد  سنة من الأحداث وبذلك يكون قد اجتمع في ليمان طرة كل مجلس شورى التنظيم وهم مجموعة من قيادات الجماعة الاسلامية وقيادات من جماعة الجهاد التي كان يرأسها المهندس محمد عبد السلام فرج والتي اندمجت مع الجماعة الاسلامية قبل الأحداث بالاضافة الى قيادات من تنظيم الدكتور أيمن الظواهري وهم الدكتور ايمن والمقدم عصام القمري والملازم جمال راشد 
 
بالنسبة لليمان طرة كان المعتقلون موجودين بعنبري التجربة والتأديب وهما عنبران في أول السجن بحيث يكونان قريبان من الادارة وهما ملتصقان يفصل بينهما جدار ومبناهما من الحجر منذ أيام الانجليز بأرضية أسفلت يفرش بالبرش الليف وتحته مبيد للحشرات وفي كل زنزانة جردل للبول وآخر لماء الشرب وطبقان كبيران يسمى الطبق "قيروانة" مصنوع خصيصا للسجون من الالمونيوم الثقيل
وعنبر التجربة (عنبر 4 ) مشهور في عالم السجون بأنه تأديب لعتاة المجرمين الذين لاتتحملهم العنابر العادية ولا عنابر التأديب  لشراستهم
ولهذا العنبر نظامه الخاص فسجانه يفخر بانه من أيام عبد الناصر وقد مر عليه مشاهير مصر من السياسيين والصحفيين وفي يوم أخرج كرسيا صغيرا وقال انه للأستاذ علي أمين  مؤسس جريدة الأخبار المعروف
حياتنا الجماعية
في ظل اغلاق الزنازين وسوء المعاملة لم نكن نستطيع ممارسة حياتنا الجماعية أو حتى الحد الأدنى منها   كما نريد
كما أنه لم يكن واضحا لنا كيف ستكون الحياة في هذا الواقع الجديد علينا عالم السجون؟ كيف ننظم حياتنا الشخصية؟
 وكذلك الجماعية خصوصا والمكان ضيق جدا وكل المنافع مشتركة ولاتوجد خصوصية تقريبا كما أن وجود مساجين جنائيين بيننا لانأمن جانبهم من ناحية ويختلفون معنا في طريقة المعيشة وفي كل شيء من ناحية أخرى.
كما أن كثيرا من المشايخ يركزون اهتمامهم على الجوانب النظرية والعلم والعبادة أما صياغة الحياة المعيشية فهي صعبة عليهم تحتاج الى تجارب وخبرة بالحياة العملية اكثر من الدراسات النظرية . الى درجة أن بعض المواقف ظهر فيها عجز الشيخ عن ترجمة الكلام النظري الى واقع نعيشه
في هذا العالم الجديد الذي تجمعنا فيه تفاصيل الحياة اليومية العامة والخاصة بما تحمل كلمة الخاصة من عادات كل واحد وطباعه وسلوكياته ومفاهيمه الخاصة ونظرته للحياة أي سينتقل كل منا بما يمارسه في بيته الى الجماعة وستنتقل الجماعة الى حياته في بيته وليس مجرد الاجتماع على عمل عام نمارسه خارج بيوتنا ثم نعود اليها بل المكان الذي نعيش فيه جميعا هو البيت والمسجد والملعب والعمل والطريق وكل شيء وهذه هي الصعوبة  إلا أن هناك عدة امور ساعدت على اقامة حياة متطورة نحو الأفضل والأكثر ملاءمة لهذا العالم منها:
1 ـ الاتفاق على القيادة الجماعية والسمع والطاعة للأمير فمازال مجلس الشورى هو القيادة وهذا ما أدى الى الالتفاف حول القرار كما ادى الى الحسم والقوة في تنفيذا القرار الذي تم التشاور بشأنه وهذا ما حمى هذه الحياة من تحولها الى غابة يأكل فيها القوي الضعيف كحياة المسجونين الجنائيين او الى مجموعات متخاصمة او شلل مؤثرة على نمط الحياة كما رأينا  في بعض القضايا السابقة وحكي لنا عن جذور هذه الأوضاع السيئة المخالفة للمباديء التي سجنوا من اجلها
ـ التشاور ومشاركة الجميع في قرارات الحياة اليومية وكان ذلك عن طريق جلسة يومية بعد صلاة العصر يعرض فيها المسؤل أهم مجريات الأمور ويناقش فيها اي قرارات جديدة نحتاجها وهذه المناقشات كانت بمثابة مدرسة لتداول الخبرات والتمهيد للقرارات قبل اتخاذها
ـ أخلاقيات القيادة وخصوصا التي رسخت الحب والتراحم والألفة وأكبر هذه الأخلاقيات تأثيرا في الحياة الجماعية هو القدوة فعمليا أرست القيادة مبدأ أن الأمير آول من يعطي وآخر من يأخذ وأول من يستيقظ وآخر من ينام وهذا هو مربط الفرس في الحياة الجماعية . إن أحدا من القيادة لم يخطب في هذا المعنى وانما عشناه:
ـ فرأينا الأمير يأتي عليه الدور في ما كنا نسميه النبطشية أي عليه أن يكنس العنبر ويطبخ ويوزع الطعام مثله كأصغرنا
ـ ورأينا الأمير يتمم على احتياجاتنا أولا وقد يتبقى له أو لايتبقى
ـ كان الأمير آخر من يخرج من العنبر الى الجلسة بعد أن يكون قد تأكد من خروج كل واحد ومعه احتياجاته .
ـ لم يحدث أن أحدا من المسؤلين تميز عن بقية اخوانه بشيء من المنافع العامة بل كان العكس
ـ كان الاخوة الكبار هم أكثرنا تبرعا من أموالهم لمصاريفنا العامة
لقد كنا في شوق شديد لرؤية الأخلاق الاسلامية مجسدة في التعامل الحقيقي بين المسلمين فلما رأيناه في القيادة سلمنا لها قياد حياتنا في هذا العالم المجهول وعذرناها وصبرنا معها على قلة خبرتها بهذه الحياة الجديدة
ـ الاستعداد للاستفادة من تجارب من سبقنا في عالم السجون سواء كانت هذه التجارب مكتوبة كما في كتابات الاخوان المسلمين او مازالت معاشة كما هي في حياة الموجودين في السجن مثل المحكوم عليهم في قضية الفنية العسكرية بسجن المزرعة وان كانت هناك فروق كبيرة في بعض الأمور أو حتى من حياة المسجونين الجنائيين التي كانت تمثل مثال العكس ببشاعتها في أكثر جوانبها حتى انه كان من المنفر ان يقال وهل سنكون مثل الجنائيين الذين يفعلون كذا وكذا؟
ـ التجاوب مع نقاط التحول التي حدثت في مسيرة الحياة جعلتنا نستوعب عالم السجون فننتقل الى الأوضاع الأكثر ملاءمة .
نقاط التحول في حياتنا في السجون
1ـ نقطة تحول في نظرتنا لأنفسنا
تجمع الناس في نظام حياة بدون سابق معرفة بينهم أمر صعب خصوصا مع اختلاف الطباع والعادات والتقاليد
 وتزيد الصعوبة مع قلة الموارد والمرافق المشتركة كدورات المياه ومساحة المكان مثلا واذا لم تكن هناك ضوابط للمعاملة فإن مشكلات ضخمة يمكن أن تقوم منها التعصب ثم التنازع العصبي بين العصبيات الموجودة ولذا ان تجارب مصلحة السجون تجعلها تفصل بين أبناء الوجه القبلي والبحري كما سبق وأشرنا وتظل هناك صعوبات ومشاكل الى أن تتشكل العلاقات وتبدأ أنفاس العِشرة تؤتي ثمرتها  بنوع من التعارف ثم التراحم ثم التحاب والتواد ويتم أيضا الاتفاق على ضوابط ونظام للتعامل بين الجميع
وقد كانت هناك في البداية عدة ظواهر نتيجة هذا التجمع منها:
ـ وجود تكتلات بين أبناء كل محافظة والتفاف حول قيادة لهم فهؤلاء أسايطة يلتفون حول د.ناجح ابراهيم وهؤلاء منياوية وهكذا
ـ جمود في العلاقات بين الذين لم تسبق معرفتهم ببعض
ـ وجود بعض المشاجرات خصوصا بين غير المتعلمين ورغم أنهم كانوا قلة إلا أن مشاكلهم كانت مزعجة
والأهم من كونها مزعجة انها كانت تعبث بعامل نفسي خطير وهو فكرة هذا التجمع عن نفسه خصوصا عندما يكون الشجار وما حدث فيه منحدرا الى مستوى يتناقض تماما مع الرسالة التي يدعو اليها وقام من أجلها وضحى الشهداء من أجلها بأرواحهم ودمائهم
هذه النقطة كفيلة بإقامته كيان أو تدمير اذا لم تعالج معالجة صحيحة
ففي البداية قبل أن يوضع نظام لحياتنا كانت القيادة تكتفي بالموعظة والدروس المستفادة ومحاولة الصلح
وكان هناك رادع معنوي شديد وهو فكرة الكيان عن نفسه فكان كثيرا ما يقال : انتبهوا الى أنكم مجاهدون وما حدث هذا يخالف صفات المجاهدين وإن العالم كله ينظر اليكم فكيف اذا رآكم وأنتم أصحاب المباديء ترتكبون هذه الأفعال الصغيرة؟
كان هذا القول رادعا يشبه السيف على رقابنا وكم كان مؤذيا لنا الى درجة كبيرة لكنه في نفس الوقت كانت له نتيجة سلبية خطيرة فهو محبط ويقذف بكل منا في دوامة السؤال :هل نحن فعلا أهل لهذه الرسالة؟ كيف ونحن تصدر منا هذا الأفعال؟
هذا السؤال كان يحدث تناقضا شديدا بين واقعنا ومثاليتنا.
نقطة التحول هنا نشأت عندما استمرت هذه المشكلات  وأخذت تبدو أنها طبيعية
وتمت نقطة التحول عندما ألقى الشيخ حمدي عبد الرحمن درسا من السيرة صحح فيه فكرتنا عن أنفسنا حيث ركز على أننا بشر وأن مجتمع النبي وقعت فيه بعض المشكلات واقترفت فيه بعض الآثام وضرب أمثلة وبالتالي لايمكن أن نتصور مجتمعا يخلو بنسبة ماءة في المائة من المشاحنات والمشكلات وإنما العبرة بأمور أهمها ماهي نسبة هذه البقع السوداء الى بقية الثوب الأبيض؟
ثم كيف يتم التعامل مع هذه الأمور؟ وحتما عندما تكون هناك طريقة شرعية صحيحة للتعامل مع الخلافات والمنازعات فلا بد أن يتطور الأمر الى الأحسن.
كان هذا الدرس نقطة فارقة كبيرة جدا في نظرتنا لأنفسنا وتعديل أو تخفيف النظرة المثالية المتناقضة مع واقعنا التي تضعنا تحت ضغط وفي خانة العجز عن الكمال المطلوب وبالتالي الاحباط واليأس عن محاولة اصلاح واقعنا وأنفسنا قبل ذلك.
هذا الدرس أزاح الضغط وأحدث نوعا مما يسمى بالتقبل الممهد للاستجابة للاصلاح والتطوير فقد بدأنا نتقبل واقعنا ونصحح فكرتنا عن أنفسنا فنحن بشر نصيب ونخطيء لكننا مطالبون بإصلاح أنفسنا ونحن مسلمون ولسنا مميزون بشيء خاص عن كوننا مسلمين ولعل هذا الدرس كان بذرة التربية على أننا لسنا طائفة مميزة دونا عن بقية المسلمين.
كان هذا التعديل على مستوانا الجمعي أما على مستوى نظرة كل منا لأخيه فقد كانت هناك مشكلة اذ يمكن لأحد أن يتساءل كيف يكون هذا هو الشيخ فلان وهو يخطيء أو به عيب أو طبع ما؟
فجاء الدرس الفارق من الدكتور ناجح ابراهيم بعنوان "الانسان يوزن بحسناته وسيئاته معا" وليس بسيئاته وحدها وهذا الدرس عدل نظرة كل منا لأخيه وفق هذا الميزان العادل فإذا أضيف التقدير ولاحترام الذي نشأ عن حوارات الجمعة مع كل واحد منا لتظهر الجوانب الخفية من شخصيته فإن قدرا من الاخترام قد نشا ثم تطور مع دوام العِشرة والاحتكاك الكاشف عن الأخلاق.
كما جاء تدريس الشيخ اسامة حافظ لكتاب العواصم من القواصم وخلاصته أن بعض الناس أخذوا يجمعون لعثمان بن عفان رضي الله عنه ويتصيدون الأخطاء ويضعونها بعضا فوق بعض حتى صارت جبلا يستبيحون به قتله وهو صاحب رسول الله المبشر بالجنة الذي له من الحسنات كالجبال رضي الله عنه ولو وضعوا كل ما ادعوه مقابل حسنة واحدة لأفاقوا من هذه الغفلة المهلكة .
أما العامل الكبير الذي أثر كثيرا على نظرتنا لأنفسنا فهو النظام الذي وضع وأنهى مرحلة الاعتماد على المواعظ وحدها في حل الخلافات والمشاجرات.. هذا النظام أراح كل واحد فينا فقد تحددت حقوقه وواجباته واستطاع أن يعدل نظامه الشخصي وفق هذا النظام العام الذي كفل له عدم اصطدامه بنظام غيره وبالتالي استقر نفسيا فلم يظهر منه جانب الغضب والسخط . لقد بدأ كل منا يعيش بطبيعته أو قريبا منها فشعر بشيء من الانسجام مع اخوانه كفرادى ومع المجموع ككيان    
ومن هنا اعتمدت حياتنا الجماعية على أساسين هامين:
الأول القيم والمباديء والمفاهيم الاسلامية السليمة التي أنشأت أعرافا جميلة
أذكر هنا أن الشيخ طلعت ياسين رحمه الله ألقى درسا شرح فيه الحديث الجميل (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه) ثم نزَّله على واقعنا ونبه الى أن بعض الاخوة يأتون لزيارتنا من العنبر الآخر فلا نستقبلهم بصفة جماعية ونترك كل أحد ليستقبله معارفه واعتبر هذا ليس من اكرام الضيف فقد يكون هذا الأخ قد جاء لنا جميعا وليس له من يعرفه فهو جاء ليسلم علينا بصفتنا اخوانه ؛وبالتالي ليس من اكرامه ما يحدث وهو أن يراه أحد اخوانه وهو لايعرفه ثم يتركه ويدخل الى زنزانته .ومن يومها تداركنا هذا الخطأ في حياتنا وأصبحنا اذا دخل العنبر أي أحد لزيارة أي أحد نستقبله جميعا ثم نُجري معه حوارا ثم نقدم له هددية باسم العنبر ثم نودعه جميعا وصار هذا عرفا بيننا.
الثاني النظم والقوانين والضوابط الصحيحة التي أنشأت استقرارا نفسيا وواقعيا فقد وضع جدول زمني لليوم والليلة تقيدنا به
وأذكر أننا كنا نجلس في درس فجاء اللبن للمرضى فقام مسؤل اللبن لاستلامه وتوزيعه وأراد أن يقوم بذلك دون أن يقوم أحد من الدرس لكنه وجد أواني بعض الاخوة غير نظيفة فاضطر أصحابها للانصراف من الدرس وعطلوا توزيع اللبن والدرس أيضا وهنا أتخذ الدكتور ناجح هذه الفرصة ليشرح لنا باب "وظائف اليوم والليلة" في كتاب "مختصر منهاج القاصدين" وأن لله عمل بالليل لايقبله بالنهار وعمل بالنهار لايقبله بالليل؛ فلكل وقت وظيفته والحياة ونظامها لا يتركنا نخالف هذا النظام فوقت غسل الأواني كان قبل الدرس كان يجب ذلك على الجميع ومن يخالف فسيضطر لتحمل ارتباك نظام يومه وتعارضه مع عمل آخر كما حدث.
وأذكر أيضا أن اثنين من أفاضل الاخوة اختلفا فارتفعت أصواتهما وصارت بينهما مشادة .. وكان أحدهما مسؤل العنبر(كنا نسمي المسؤل أيامها الأمير) فأساءنا هذا الموقف نفسيا جدا ولكن في اليوم التالي فوجئنا بتعليق مسؤلية المسؤال لحين انتهاء التحقيق فيما حدث وسبب التعليق حتى لايكون هناك حرج من المحققين معه ..ثم اعلنت نتيجة التحقيق وتم تعزير الاثنين ثم عودة المسؤل
وكما أستأنا كثيرا بسبب المشادة سعدنا كثيرا بالعدل ووضوح الضوابط وبأن الكيان أكبر من المسؤل.  
ومن هنا فإن علاقاتنا تطورت مع الوقت والعشرة وظهورشخصية كل منا تطورا هائلا يجعلني أكرر أن الحياة مع هذه المجموعة كانت متعة رغم قسوة الظروف وانعدام الموارد والامكانيات.
 
 2ـ نقطة تحول في نظرتنا لفترة السجن    
في البداية كان الغموض سائدا لنظرتنا لفترة السجن وقد ساعد على هذا الغموض
ـ التحقيقات وما كان يها من اعترافات أدى الى الاحساس بأن كل شيء انتهى وفشل بما في ذلك كيان الجماعة وبناؤها
ـ الشبهات والانتقادات التي أثارها المعارضون للأحداث من السلفيين والاخوان وغيرهم خصوصا وهم مضارون من آثارها
ـ توقع شدة الاحكام
ـ جدية عالم السجون علينا فهذه أول مرة نواجه هذا المجتمع وكيف سيواجه الانسان هذا المصير
الا أنه مع الوقت بدأت الصورة تنتقل تدريجيا من القتامة الى الغموض الى الوضوح التام لهذه المرحلة التي تعد مصيبة وبلاء لايستهان به في حياة الانسان وفد ساهم في الوصول الى هذا الوضوح :
أـ صدق القيادة وثباتها وإصرارها على  استكمال المسيرة داخل السجون رغم توقعها للاعدام
هذه الاصرار والصمود جعل القيادة تقف وقفة قوية تجاه الفوضى  وتذكر بأن فترة السجن محسوبة من عمرنا ليست مخصومة منه  وأن لنا أهدافا لم تنته بعد وان علينا ان نضع لأنفسنا أهدافا نستكمل بها المسيرة فقريبا ستصدر الاحكام ونكون بين مفرج عنه وبين باق لتنفيذ الحكم وكلنا يحتاج الى استعداد لما بعد ذلك والى أن يكون ذلك جماعيا لافرديا
ـ وأن الموت لن ينتظرحتى نخرج من السجن فمن الايمان عدم تضيع الوقت وانما الاستعداد الدائم للقاء لله
كانت هذه النظرة التي أفرزها الثبات والصمود والاصرار وهذا التوجيه  مقدمة بني عليها لملمة الكيان سواء كيان الجماعة الاسلامية أو كيان المعتقلين باختلاف انتمائهم والعمل في السجن ككيان واحد يجتمع على نظام حياتنا داخل السجن وكانت هذه ثاني ترجمة للاعتصام بالله بعد الاعتصام بالعقيدة الصحيحة وترسيخها والاعتناء بدراستها والتحصين من البدع المخالفة لها
جاء هذا التوجيه عبر ورقة تم توزيعها على الزنازين خاطبت ابناء الجماعة الاسلامية باعتبارهم كيانا لايزال يسعى لتحقيق أهدافه  وبناء على ما سبق خلصت الى أن تحقيق اهدافنا يحتاج الى عدة أمور أهمها نوع من الاستقرار وخصوصا في تعاملنا مع الادارة
ومن المواقف التي قوت فكرة كوننا كيانا واحدا أن مشاجرة وقعت بين أحد اخوة الجماعة الاسلامية وأحد الاخوةالعسكريين(ضابط جيش) من تنظيم آخر فانتدب الدكتور ايمن الظاهري مع آخرين للتحقيق في هذا الشجار وتقديم تقرير علني بعد صلاة العصر
فقال في التقرير: (نحن نؤكد على اننا هنا في السجن جماعة تشبه جماعة السفر يرأسها الدكتور عمر عبد الرحمن نحن نسمع له ونطيع مادمنا في السجن فاذا خرجنا فلكل منا انتماؤه وجماعته )  
ب ـ تحمل القيادة للمسؤلية وتقدمها وتصديها لها رغم ان الظروف كانت تدعو لعكوف كل على شأنه مادام العمل الذي قمنا لأجله قد فشل وانتهى كل شيء .
ويبدو ان بعض أو بمعنى أصح أحد القيادات كانت قد جنحت الى هذا المسلك غير أن تآزر اخوانه معه وقوة تيار الحياة الجماعية حمله معه مستجيبا للواقع الجماعي الثابت  القوي المتجه للمستقبل وليس باجترار الماضي
جـ ـ استفادة القيادة من خبرات السابقين في عالم السجون من الجماعات الاسلامية الأخرى خصوصا الموجود منهم في السجون آنذاك مثل قضية الفنية العسكرية وقضية التكفير
 
3ـ نقطة تحول في تعاملنا مع الادارة
في البداية كان تعامل كل احد مع الادارة فرديا ولاتوجد سياسة محددة للتعامل مع اعضاء الادارة .. يدخل الضابط العنبر فالبعض يرى ضرورة أن يقف معه   ويكسب وده بينما آخرون يسيئون اليه عاتبين على النوع الأول وإذا أرادت الادارة أحداً أرسلت اليه
الا أنه حدثت مواقف منها مشكلة كبيرة مع ضابط العنبر أدت الى اقتناع الادارة بأن تعاملها مع مندوب منا افضل من التعامل مع كل على حدة
كما أن الادارة كانت في البداية تفضل أن يتكلم كل عن نفسه ولكنها فشلت في فرض هذا المسلك حيث حدثت مواقف ظهر فيها التحدي بين الادارة من جهة وبين قيادة المعتقلين من جهة فانتصرت في النهاية ارادة المعتقلين
من هذه المواقف مثلا ان الاخوة امتنعوا عن دخول الزنازين اعتراضا على حرماننا من حقنا الطبيعي في الفسحة فصدرأمر من الشيخ عبود بعدم دخول الزنازين فجاء المأمور واصدر اوامره بالدخول والا ولكن رفض الاخوة الدخول وحدث اشتباك بينهم وبين العساكر وكبرت المشكلة ولم يدخل الاخوة الا بالقوة الضاربة وكان مقصوداً أن تصل الادارة رسالة أننا لن نتعامل إلا ككيان وقد حدث فعلا اقتناع الادارة ان معاملتنا ككيان أريح لها وبالتالي تم الاتفاق على وجود مندوب من الاخوة يكون مسؤلا عن التعامل مع الادارة وقد تطور هذا الامر تطوراً كبيرا واتفقنا على سياسات للمندوب ومنع تعامل اي احد مع الادارة الا من خلال الأخ المسؤل  فساهم هذا الوضع الى حد كبير في استقرار الأوضاع .
ـ وقد ساهم في استقرار الأوضاع وتقبل الاخوة لوجود نظام جماعي فهمنا لطبيعة عمل ضباط السجن فكنا نعتبرهم هم النظام الذي يعادينا لكنهم كثيرا ما كانوا يقولون: نحن أمناء مخزن ليس من سلطتنا أن نحبس أحدا ولا نفرج عنه نحن ننفذ فقط كما كانوا يقولون:  لاعلاقة لنا بسيرة اي أحد في الخارج ولا ما ارتكبه ما يهمنا هو سلوك المسجون في داخل السجن ولن نجامل أي جهاز أمني آخر في تأديب أحد  من يريد أن يؤدب احدا فليكن بعيدا عنا ويتحمل هو مسؤلية ذلك لايحملوننا نحن هذه المسؤلية ( هذه النظرة كانت بالفعل سائدة في الماضي لكنها تغيرت فيما بعد وتدخلت أمن الدولة في السجون)
ـ كما ساهم في استقرارالمعاملة بيننا وبين الإدارة أنها بدأت تقتنع بأن الأفضل لها أن تعطينا قدراً من الحقوق يكفي لإقامة حياتنا الطبيعية ومعايشنا والتالي سننشغل بالدراسة (ومعظمنا طلبة) وبالقرآن والمراجعة ونمارس من الأنشطة ما يشغلنا عن أي مشاكل مع الإدارة
أي بدأت تفهم الفرق بين المسجون السياسي والجنائي الذي لايجد ما يشغله فيختلق المشاكل بينما السياسي إذا وجد الحد المقبول من الحقوق انشغل بأنشطته وتثقيف نفسه . فهمت أن كثيرا من الممنوعات الخطيرة التي يستعملها المسجون الجنائي لاتشكل أي خطورة في يد السياسي كالمواد التي يتم تحويلها لمسكرات مثلا . وكذلك

التحميلات المرفقة

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 220 مشاهدة
نشرت فى 25 يوليو 2021 بواسطة denary

ساحة النقاش

denary

المقال جزء من الموضوع ...الموضوع كاملا في الملف

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

291,507