لم ننم تلك اللية فقلوبنا متضرعة معلقة بحكم الاعدام الذي قد يصدر على القيادات الاثنا عشر وعلى رأسهم فضيلة الشيخ عمر عبد الرحمن . وياله من مصاب لو حدث.
كان المحامون قد توسلوا للدكتور عمر عبد الرحمن  ليتراجع عن مرافعته أمام المحكمة لكن الشيخ صمم على مرافعته قائلا : "اذا كنا سنتقاعس عن كلمة الحق هنا فلماذا خرجنا من بيوتنا إذاً؟ ولذا ازداد تخوفنا من إعدام الشيخ  بعد مرافعته الشجاعة أمام المحكمة كما سبق وفصّلنا.
استعددنا للذهاب الى المحكمة حسب توجيهات الاخوة الكبار نتيجة لتوقعاتنا السابقة لما سيحدث هذا اليوم.
جهّز كل منا متعلقاته الخاصة به بحيث يمكن لغيره أن يأخذها له بفرض تغيير مكان اقامته بعد الحكم سواء لحصوله على البراءة أو للحكم عليه كما أسلفنا.
عندما فُتحت الأبواب تناقل الاخوة رؤيا رآها الشيخ "سيد فراولة" المؤذن أنه يركب سيارة نقل وفيها اثنا عشر بابا  فسقط أحدها فنزل هو وأعاده وانطلقت السيارة فكانت هذه رؤيا مبشرة بعدم صدور أحكام بالاعدام فالباب رجل قيِّم أو مقدم.
كان التفتيش مشدداً هذه المرة والحراسات تفوق كل مرة تشديدا
كان المعتاد أن تختار كل  سيارة أميرا لها إلى أن تصل لمكانها   فأوصى الأمير بالانشغال بالدعاء والذكر وعدم اللغو وأحيانا بالهتافات لا إله الا الله .. إسلامية إسلامية عند مرور السيارة بتجمعات بشرية.
في أرض المعارض كانت القوات ضخمة وحاشدة ومستعدة استعداد الحرب من كل نوع ولون! فهذا حرس المحاكم لون زيهم كذا وهؤلاء القوات الخاصة بلونهم الأسود وهؤلاء المطافي وهؤلاء الأمن المركزي وهكذا.
عند نزولنا تعالت هتافاتنا وأناشيدنا كالمعتاد .
وفي قاعة المحكمة كانت الحراسات متنوعة ومنهم قوات ترتدي الأقنعة الواقية بمنظرها المخيف ومنهم رجال القوات الخاصة المنتشرة بجوار الأقفاص .
وعند تمام دخولنا أقفاص الاتهام الإحدى عشر فوجئت الحراسات بلافتات تعلق على الأقفاص فصدرت أوامر للقوات برفع هذه اللافتات ولكنهم فوجئوا بمنعهم من ذلك من داخل الأقفاص  فحدثت معركة امام كل لافتة فتوقفوا ولكنهم فوجئوا بالمفاجأة الثانية وهي ارتداء الاثنى عشر قياديا فانلات حمراء (لون ملابس الاعدام) فارتبكت القاعة جدا وتوتر الوضع ودأبت حركة القيادات الأمنية ذهابا وإيابا واتصالا وانفعالا.
وتم فك  آلات التصوير التلفزيوني  ثم إخراجها من القاعة .
ثم انتهى التوتر بيأس  أمن المحكمة من نزع اللافتات أو منع لبس الأحمر .. يبدو أن قرارا ما قد تم أتخاذه.
بعد الهدوء بدأ البرنامج الخاص لهذا اليوم من داخل الأقفاص
بدأ البرنامج بقراءة القرآن من فضيلة الشيخ عمرعبد  الرحمن  ثم توالت الكلمات  ..
من هذه الكلمات كلمة موجهة لرجال الشرطة، وكلمة لأجهزة الاعلام الأجنبية ،ورسالة الى العالم ألقاها الدكتور أيمن الظواهري بالانجليزية بينما ألقاها بالفرنسية مهندس الاتصالات ابراهيم عيسى ،ورسالة الى المحامين ورسائل عدة.
خطب  الشيخ كرم زهدي خطبة مؤثرة وصَّى فيها اخوانه وصية مودع فوصى الذين سيفرج عنهم والذين سيحكم عليهم وختم وصيته بقول الله عز وجل ( فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَاللهِ حَقٌ وَلَايَسْتَخِفَّنَّكَ الذينَ لايُوقِنُون)
وخطب الدكتور ناجح ابراهيم ووصى إخوانه وصية مؤثرة وختمها باعلان براءته من أي التماس يكتبه أحد باسمه لتخفيف حكم الاعدام اذا صدر عليه.
بعد أن انتظرنا بدأ المحكمة اذا بنا نفاجأ بتأجيل الحكم الى موعد آخر وكان الراجح أن سبب التأجيل هو مشكلة الفانلات الحمراء واللافتات.
بدأ الأمن بإخراجنا سريعا من الأقفاص الى سيارات العودة فمزق الاخوة بعض اللافتات والقوها في القاعة بينما خبأوا الباقي في دورات المياه وكذلك بعض الفانلات الحمراء.
عندما رجعنا الى السجن وجدنا استياء شديدا من ضباط السجن من إحراجهم بخروج ملابس حمراء من السجن وبعدها تم تفتيش شديد للبحث عن الفانلات الحمراءواللافتات.
وهكذا بعد استعدادنا القوي تم التأجيل فكانت فرصة لاستدراك بعض الأمور والتأكيد على أخرى.
ـ أعاد الاخوة الكبار ـ كما كنا نسميهم ـ عرض كتاب "ميثاق العمل الاسلامي"
أعددنا برامج وفقرات اذاعية أكثر مناسبة لختام هذه المرحلة وبداية مرحلة جديدة .
من هذه الفقرات فقرة تسمى "الرصاصة الأخيرة"
مضمونها بقيت رصاصة أخيرة من رصاصات ذي الحجة اكتوبر 1981نطلقها الآن:
الاسلام قادم ونحن قادمون
ولدعوتنا عائدون
.......
ثم نشيد:
عائدٌ أنا من حيث أتيت
عائدٌ أنا لمسجدي
عائدٌ الى الصلاة والركوع والسجود
عائدٌ الى الطريق خلف أحمد الرسول
عرفتُ قصة الطريق كلَّها
وعائدٌ أنا برغمها
كالفجرِ كالصباحِ مغدق وباسم
والخطو كالرياح عاصف وعارم
قبل الجلسة الأخيرة للنطق بالحكم والتي كانت مؤجلة نبهوا علينا عدم أخذ أي شيء أحمر وفي الصباح فتشونا بدقة ومنعوا كل أحمر  حتى المصحف الأحمر منعوه أو الشبشب كذلك!
ولكن هناك فوجئوا بالاخوة الاثنا عشر وقد ارتدوا فانلات بيضاء ولكن مكتوب عليها بالاحمر "إعدام"
وبعض اللافتات تم تعليقها
لكن هذه المرة دخل القاضي بسرعة ونطق الحكم على  عجل
بدأ القاضي باسم المتهم الثاني وليس الأول فارتجت القاعة بالتكبير لقد نجا الدكتور عمر ( المتهم الأول )من حبل المشنقة ليس ذلك فحسب وانما حكم ببراءته.
كان المشهد عجيبا لم يتمالك أحد بعد أن نطق بأول اسم فتأكد عدم وجود حكم بالاعدام.
كان هذا يكفينا لسجود الشكر والتكبير والتعانق والتهنئة والفرح الى حد البكاء  وكأننا لاتريد ان نسمع بقية الأحكام فكل ما بعد ذلك هين.
ظلمة حالكة السواد انقشعت فجأة .. وألم بعيد المنال أصبح في اليد فجأة.
 ذلك فضل الله والله ذو الفضل العظيم .
لو كانت هناك كاميرا صورت هذا المشهد لتعذر تفسيره فقد كنا في حالة متناقضة قهذا ساجد وهذا يهتف وآخر يكبر وغيره يبكي بكاء شديدا وغيره يقفز لأعلى وآخرون يريدون ان يسمعوا فالقاضي لاينطق كل الاسماء انما نطق اسماء المحكوم عليهم ثم قال : "وبراءة بقية المتهمين"
أما خارج المحكمة ( كما علمت من أحدالأهالي فيما بعد ) فقد  تجمعوا أمام أرض المعارض انتظارا للحكم وهم في غاية القلق  فخرج اليهم أحد الحاضرين بالداخل مسرعا  ليبشرهم بالخبر وهو يشير اليهم من بعيد فرحا لكنهم لايدرون ما يقصد فلما وصل اليهم أغمي عليه وسقط أرضا قبل أن ينطق بكلمة فازداد القلق  والضجر لقد ظنوا أنه أغمي عليه من صدمة الأحكام فاهتموا بافاقته وهم في أشد الغيظ: هل هذا وقته؟! قم .. أخبرنا..  وأخيرا نطق قال: لايوجد حكم بالاعدام فضجوا بالتكبير وسجدوا شكرا وكبروا وهللوا وفرحوا وتعانقوا وبكوا فرحا وأخذوا يهتفون في شبه مسيرة تجولت في الجزيرة الخضراء المقابلة لأرض المعارض
بعد انتهاء النطق بالحكم تنهَّد أحد الضباط قائلا: "أشهد أن لاإله الا الله" .. أخيراانتهت القضية ؟
 قال له أحد الاخوة : لا .بل الآن بدأت القضية.
 قال الضابط مستغربا؟ أي قضية ؟
قال الأخ قضية الإسلام .. قضية الدعوة الى الله الآن سنخرج ليبدأ فصل جديد من قضية الدعوة الى الاسلام.
 قال الضابط: ياعم أنا أكلمك عن هذه القضية نحن كنا نقوم كل يوم من نومنا الساعة الثانية صباحا.
وهكذا اسدل الستار على قضية القرن 
وحسب مجلد «أسباب الحكم فى قضية الجناية رقم 462 لسنة 1982 أمن دولة عليا - قضية تنظيم الجهاد - إعداد وتقديم عبدالعزيز الشرقاوى المحامى»، فإن عدد المتهمين 302
نسب إليهم ستون واقعة،
 وأوراق القضية 35 ألف صفحة
تضمنت شهادة 45 شاهد إثبات و30 شاهد نفى،
 واستغرقت مرافعات النيابة 9 جلسات، ومرافعات 95 محاميا، ونظرت القضية أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ، برئاسة المستشار عبدالغفار محمد أحمد، وعضوية جمال على فؤاد، وإبراهيم عبدالسلام طه، المستشارين بمحكمة استئناف القاهرة، والادعاء من المستشارين رجاء العربى المحامى العام لنيابة أمن الدولة العليا، والمستشار ماهر الجندى، المحامى العام، وعبدالمجيد محمود ومحسن مبروك، رئيس النيابة وعبدالسميع شرف، وكيل النيابة

 

 

 

 

ساحة النقاش

على الدينارى

denary
موقع خاص بالدعوة الى الله على منهج أهل السنة والجماعة يشمل الدعوة والرسائل الإيمانية والأسرة المسلمة وحياة القلوب »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

287,043