<!--
<!--<!--<!--<!--<!--
تقنين مقياس مدى التكيف لدى الدارسين
في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في مدينة الرياض
إعداد
الدكتور عبد العزيز بن عبد الله السنبل
1425 هـ ـ 2004
تقنين مقياس مدى التكيف لدى الدارسين
في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في مدينة الرياض
أولاً : مقدمة
إذا كان عام 1369هـ هو بداية الاهتمام بتعليم الكبار في المملكة العربية السعودية حيث استجابت مديرية المعارف المشرفة على التعليم لرغبات الأفراد في انتسابهم إلى المدارس الليلية، ففتحت أبواب بعض المدارس ليلاً لمكافحة الأمية، فإن عام 1374هـ يعد بداية لإدارة برامج محو الأمية وتعليم الكبار، حينما أنشئت في وزارة المعارف إدارة الثقافة الشعبية للإشراف على محو الأمية وتعليم الكبار ثم صدر أول نظام لتعليم الكبار ومحو الأمية عام 1376هـ (الحميدي وعبد الجواد، 1422هـ، ص 52 – 58).
وبدأت جهود المملكة في محو الأمية تؤتي ثمارها مع تطبيق خطط التنمية في المجتمع السعودي. وخلال الخطة الخمسية الأولى وبالتحديد في 9/6/1392هـ صدر مرسوم ملكي باتخاذ التدابير اللازمة لمحو الأمية بين جميع المواطنين في مدة أقصاها عشرين عاماً، وفي ضوء هذا المرسوم صدرت الخطة العشرين لمحو الأمية في المملكة بدءاً من عام 1395هـ، وعلى الرغم من المعوقات التي واجهت تطبيق هذه الخطة، تمكنت المملكة من الهبوط بنسبة الأمية بين الذكور من 60% عام 1392هـ أي قبل الخطة العشرينية إلى 7.44% عام 1422هـ الأمر الذي حصلت المملكة من أجله على عديد من الجوائز. وأهمها جائزة محو الأمية الحضارية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وشهادة تقدير لجهودها المتميزة في مجال محو الأمية، وجائزة اليونسكو لمحو الأمية، وكذا جائزة نوما (السنبل وآخرون، 2004، ص 470).
إن ما يستحق الإشادة به أن المملكة حققت هذا الإنجاز في مجال محو الأمية دون مصادرة لحرية الأفراد، أو فرض جزاءات أو عقوبات لمن لم يشارك، لذا أتت المشاركة طوعية وبدوافع داخلية لا خارجية، فأثمرت وأصبح عمل المملكة في هذا المجال نموذجاً يحتذى.
هذا وتتبنى وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية برامج جدية للقضاء على جيوب الأمية في المدن والقرى والنجوع، ومن هذه البرامج برنامج وزارة بلا أمية، وبرنامج مدينة بلا أمية، وبرنامج محو الأمية في عام واحد، وذلك بقصد القضاء على الأمية نهائياً خلال فترة قياسية. هذا وتشير آخر إحصاءات تعليم البنين 1422/1423هـ إلى أن المملكة بها 1155 مدرسة بها فصول محو الأمية يبغ عددها 2177 فصلاً يدرس بها 31100 دارساً منهم 23278 دارساً سعودياً (وزارة المعارف، 1422هـ).
ومما لا شك فيه أن نجاح جهود المملكة في مكافحة لأمية مثال يحتذى ويقف وراءه عدة دعائم، يأتي في مقدمتها الحافز المادي للدارسين والمعلمين وتطوير برمج محو الأمية واختصار مدة الدراسة إلى ثلاث سنوات بدلاً من أربع سنوات (السنبل وآخرون، 2004، ص 475).
ولا شك أيضاً أن تكيف الدارسين مع برامج محو الأمية من ناحية، ومع أساليب التعامل مع المعلمين والإدارة في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار من ناحية أخرى، يؤثر – بشكل ما – على استمرار الدارسين الكبار في برنامج محو الأمية ونجاحهم في إتمامه مما دفع الباحثون إلى دراسة أثر التكيف في نجاح برنامج محو الأمية، والبحث عن أدوات موثوقة تستخدم في تحديد هذا الأثر.
وانطلاقا من أهمية أدوات القياس العلمية المقننة طرحت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مشروعا استهدف بناء عدد من أدوات القياس والتقويم تم تنفيذه بالاتفاق مع مركز البحوث التربوية بوزارة التربية والتعليم بالمملكة الأردنية الهاشمية، وأشرف على تنفيذ المشروع عد من رجالات التربية المشهود لهم بالكفاءة والتميز والتمرس. ومن بين المقاييس التي تم بنائها في إطار ذلك المشروع، مقياس لقياس التكييف لدى الدارسين ببرامج محو الأمية وتعليم الكبار. وتم تقنين هذا المقياس على البيئة الأردنية.
ونظرا لأهمية هذا المقياس، ارتأى الباحث تقنينه على البيئة السعودية مستخدما بذلك طرائق وأساليب إحصائية أكثر تقدما مما استخدم في بناء المقياس الأول، والعمل على نشره وتحكيمه تحكيما علميا يمكنه من دخول الأدبيات العلمية في الوطن العربي، علما أن المقياس المطور من خلال المنظمة لم يتم نشره حتى الآن، ولم يتم تحكيمه تحكيما علميا مما لا يمكن من استخدامه وتطبيقه بشكل منهجي وعلمي.
ثانياً : مشكلة الدراسة
هناك علاقة حوار وأخذ وعطاء بين العلم والقياس، فتقدم العلم يتطلب توفر أدوات للقياس، وتوفر أدوات للقياس تؤدي إلى تطور العلم، لدرجة أن بعض الدارسين أختزل هذه العلاقة فعرف العلم، من هذا المنظور - بأنه ما يمكن قياسه، وقديما قال الفيثاغوريون إن الموجودات أعداد، وأن الأشياء تنشر بالأعداد، وأن العدد ماهية الأشياء، وأن الأشياء مصنوعة من العدد وحديثاً يرى العلماء أن كل ما هو موجود يمكن قياسه. لذا ظهرت الأساليب الإحصائية لتوضيح الغامض وتنظيم المختلف (عثمان، 1994، ص 7).
وعلى الرغم من استخدام الاستبانة أداة لمجمع المعلومات في البحوث العلمية، " إلا أنها ليست بالأداة الجامعة للنفاذ إلى الحقيقة " (دالين، 1993، ص 432)، وإنما تعد فعالة فقط في قياس الاتجاهات وبخاصة نحو المواقف ذات الطبيعة الجدلية (Nachimias & Nachimias, 1981, P194)، أما المقياس فهو أداة مقننة يتوفر فيها شرط الموضوعية والصدق والثبات والمعيارية. ويرى عديد من الباحثين أن النمو في مجال التربية العربية بحثاً وتطبيقاً يتطلب بناء مقاييس تقيس من خلال العمل التربوي وعملياته ومخرجاته، وبغير هذه المقاييس لا يتوقعون تجديدا تربوياً يتصف بالعلمية.
وإذا كان العمل التربوي في بلداننا العربية يتطلب بناء مقاييس تقيس شتى أبعاد العمل التربوي، فإن مجال تعليم الكبار بحاجة ماسة إلى المقاييس التي تقيس شتى جوانب شخصية الكبير العربي وتأثير ثقافته وظروف حاضره على ما يعانيه من مشكلات. وفي هذا الإطار، تأتي أهمية تقنين مقياس مدى تكيف الدارسين في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار على البيئة السعودية ليسد فراغا يستشعره المتخصصون في هذا المجال.
ثالثاً : دوافع بناء المقياس
توافر للباحث عدة دوافع لإنجاز مقياس مقنن لقياس مدى تكيف الدارسين في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار، يمكن إجمالها فيما يلي:
1 – إن المقياس الذي أعدته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم في المملكة الأردنية الهاشمية لم يتم تحكيمه تحكيما علميا دقيقا، ولم يتم نشره بشكل علمي منهجي، الأمر الذي لا يجعل المقياس المعدَّ بصورته الأولية معتمدا من الناحية العلمية. الأمر الذي يحتم إضفاء الصفة العلمية والمنهجية عليه. مع العلم أن تطبيقه على عينة أردنية قد لا يعني بالضرورة أنه صالحا للتعميم على كافة المناطق العربية.
2 - وعلى مدى هذه الخبرة الأكاديمية والإدارية الطويلة لاحظ الباحث افتقار المكتبة العربية إلى المقاييس العلمية المقننة في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، الأمر الذي جعله يلتفت الى هذه المسألة ويخصها بعدد من دراساته وأبحاثه.
3 - إدراك الباحث حاجة التربية بصفة عامة، وتعليم الكبار بصفة خاصة، إلى المقاييس التي تتسم بالموضوعية والصدق والثبات والمعيارية. والموضوعية تجنب القياس الذاتية، ويعد المقياس موضوعياً إذا كان يعطي نفس الدرجة بغض النظر عن من يطبقه (جابر وكاظم، 1978، ص 422). أما ثبات المقياس Reliability فيقصد به أن يعطي نفس النتائج إذا ما استخدم أكثر من مرة تحت ظروف مماثلة.
4 - إحساس الباحث بانتشار معاملة الأطفال على أنهم راشدين كبار، ومعاملة المتعلم الكبير على أنه تلميذ في مراحل التعليم العام. إلى جانب تناسي الفروق التي تفصل بين الصغار والكبار كمتعلمين، على الرغم من الاختلاف بين مفاهيم تعليم الكبار Andragogy ومفاهيم تعليم الصغار Pedagogy، خاصة بعد أن كشفت دراسات برونر Bruner، وكل من بوير وهولستر Bower & Hollister، وكل من إيسكو وستيفنسن Iscoe & Stevenson عن أن الكبير هو الفرد الناضج الذي يشعر بحاجته لتحقيق ذاته والقدرة على ذلك، وأنه يستخدم خبراته في التعلم، وأنه يشخص استعداداته للتعليم، وأنه ينظم ما تعلمه لمواجهة مشكلات حياته (عبد الجواد، 1410هـ، ص 7). وهذا ما دفع الباحث لإيجاد مقياس مقنن يحدد مدى تكيف الدارس الكبير مع برامج محو الأمية، للتثبت من مدى انتشار بعض الأساليب غير الصحية للكبار، والتي يمكن اكتشافها من خلال نتائج تطبيق مقياس مدى التكيف بجوانبه المختلفة.
رابعاً : أهداف الدراسة
تسعى هذه الدراسة إلى تحقيق الأهداف التالية :
1. إعادة تقنين مقياس مدى التكيف على بيئة المتعلمين الكبار بالمملكة العربية السعودية. والمقياس في صورته الأولية طور في إطار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على عينة من الدارسين في برامج محو الأمية وتعليم الكبار بالمملكة الأردنية الهاشمية.
2. دراسة أثر متغيرات موقع الدراسة، والمستوى الدراسي، والعمر، والوظيفة، والبيئة الاجتماعية، والحالة الاجتماعية، ومرات الرسوب على استجابات عينة الدراسة عن أسئلة المقياس المقنن.
3. توفير مقياس مقنن يمكن تطبيقه في عدد من مناطق المملكة، للتعرف على مدى تكيف الدارسين، وعلاقة ذلك بتحصيلهم ودوافعهم، وغير ذلك.
خامساً : أهمية الدراسة
تنبثق أهمية تقنين مقياس لتكيف الدارسين في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار من أهمية المقاييس من ناحية، ومن أهمية مواجهة الأمية من ناحية أخرى، ومن أهمية خصائص الدارس الكبير في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار من ناحية أخرى.
وأهمية المقياس تبرز من كونه يعطي قيمة رقمية تدل على القدر الموجود من سمة معينة أو متغير محدد (الدوسري، 2000، ص 48). وهذا يعني أن بناء مقياس لتحديد مدى تكيف الدارسين في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار سوف يمكن المخططين والمشرفين والإداريين من معرفة مقدار سمة التكيف لدى هؤلاء الدارسين، وفي ضوء ذلك تعديل الخطط والبرامج والأساليب الملائمة لتعليم الكبار.
أما عن مشكلة الأمية فإنها من أخطر المشكلات التي تحد من انطلاقة المجتمع في طريق التنمية، وكلما زادت نسبة الأمية اشتدت خطورتها، ومن هنا تبذل الدول والشعوب جهوداً مكثفة في مواجهة الأمية، وتعد السياسات والخطط والبرامج للقضاء عليها (السنبل وآخرون، 2004، ص 439). وهنا تبرز أهمية الدراسة الحالية باعتبار أن قياس مدى تكيف الدارس الكبير مع برامج محو الأمية يعد من أهم محددات نجاح مراكز محو الأمية وتعليم الكبار في تحقيق أهدافها.
والأميون الكبار ليسو جهلة متخلفين، كما يتوهم البعض، إنما لديهم خبرات مكتسبة – تفوق بلا شك خبرات الصغار – تساعدهم على استخلاص المعاني لاستخدامها في حل المشكلات التي تواجههم. والدارس الكبير يعتز بذاته ويصنع قراراته بنفسه، ويرغب في تعلم ما يحتاج إليه ليقوم بأدواره الاجتماعية، ولتوظيف ما يتعلمه اليوم في غده. لذا تشير الدراسات إلى أن الدارس الكبير يتميز عن التلميذ الصغير في مفهوم الذات، وفي الخبرات، وفي وجهة التعلم، وفي الاستعداد للتعلم. وهذا ما دفع عديد من العلماء ومنهم ماكليلاند McClelland إلى وضع عدد من الاستراتيجيات لمساعدة الدارسين الكبار في تطوير دوافع التحصيل (Knowels, 1981, P. 109). وهذا أيضاً ما يبرز أهمية بناء مقياس لمدى تكيف الدارسين الكبار في مراكز محو الأمية وتعليم الكبار.
سادساً : الإطار النظري للمقياس
يركز الباحث في الإطار النظري للمقياس على التكيف ويناقشه من خلال أربعة أبعاد هي : ماهية التكيف، ومجالات التكيف، ونظريات التكيف، وقياس التكيف.
6/1 : ماهية التكيف :
تتحدد معرفة ماهية التكيف من خلال التطرق إلى ثلاثة عناصر هي : مفهوم التكيف وخصائصه وأساليبه.
6/1/1 : مفهوم التكيف :
تشير المفاهيم إلى أن التكيف Adaptation مصطلح مرتبط بعلم الحياة يدل على تغير في الكائن الحي سواء أكان في البناء أم في الوظيفة يجعله أكثر قدرة على المحافظة على حياته أو على أبناء جنسه، واستخدام المصطلح في علم النفس الاجتماعي ليشير إلى تغيير سلوك الفرد لكي يتفق مع غيره من الأفراد وخاصة باتباع التقاليد والخضوع للالتزامات الاجتماعية (بدوي، 1986، ص 8).
ثم انتقل مفهوم التكيف من علم الحياة إلى علم النفس ليشير إلى التغيرات البنائية أو السلوكية التي تصدر عن الإنسان وتجعله أكثر مواءمة مع الظروف البيئية التي يعيش فيها (كفافي، 1997، ص 37)، وعادة ما يفضل الباحثون استخدام مصطلح التوافق Adjustment في المجالات النفسية والاجتماعية (مرسي، 1975، ص 151) للتعبير عن التكيف مع البيئة.
ويعد مفهوم التكيف – أو التوافق – من المفاهيم الأساسية في علم النفس عامة، الأمر الذي جعل بعض علمائه يُعرفون علم النفس من زاوية التكيف بأنه " العلم الذي يهتم بدراسة مدى قدرة الفرد على التكيف مع متطلبات بيئته وظروفه الاجتماعية " (Choen, 1994, P. 20). ونظراً لأهمية التكيف في تحقيق الصحة النفسية فإن المتخصصين في الصحة النفسية يعرفونها على أنها التوافق (القوصي، 1980، ص 54). ويدل هذا وذاك على أن التكيف من المفاهيم المحورية في علم النفس بشتى فروعه.
والإنسان بطبعه يتعرض لظروف بيئية واجتماعية مختلفة وعليه أن يستجيب لهذه الظروف ويتفاعل معها، وهذه الاستجابة مع الظروف البيئية والاجتماعية هي ما نطلق عليها ببساطة عملية التكيف النفسي والاجتماعي، خذ على ذلك مثالاً عندما ينتقل البدوي من بيئة البداوة إلى الحياة الريفية للسكن الدائم، فعليه القيام بعمليات التكيف وتحمل تبعاتها، وذلك بسبب اختلاف الثقافة الريفية عن ثقافته البدوية (العقيد، 2001، ص 217)، ونعني بالثقافة هنا ما يعنيه تايلور " ذلك الكل المعقد بما يتضمنه من دين ولغة وعادات وتقاليد وقيم وأخلاقيات وفنون وآداب وكل ما يميز المجتمع عن غيره من المجتمعات " (الخطيب، وآخرون، 2001، ص 24).
والدارس الكبير عندما ينضم إلى جماعة محو الأمية وتعليم الكبار يواجه ظروفاً جديدة توجب عليه أنماطاً من أساليب التكيف النفسي والاجتماعي، من شأنها أن تؤدي إلى حفظ توازنه النفسي والحياة بطريقة مقبولة مع البيئة الاجتماعية الجديدة.
ويكاد يتفق الباحثون فيما بينهم – على اختلاف توجهاتهم – على أن التكيف عملية تفاعل بين الفرد بما لديه من إمكانات وما يستشعره من حاجات – وبين بيئته بما لديه من خصائص ومتطلبات، يمكن الفرد من إشباع حاجاته وتحقيق متطلباته (الهابط، 1985، ص 24)، فالتكيف هو نتاج عملية تفاعل متبادلة بين الفرد وبيئته المادية والاجتماعية (محمد، 1997، ص 9).
وفي هذا المجال يعرف كوهين Cohen التكيف على أنه " تغير يقوم به الفرد للاستجابة للمواقف الجديدة أو أن يدرك الموقف إدراكاً جيداً (Cohen, 1994, P 32)، في حين يرى سيمون وزملاؤه أن التكيف " يعني التعامل مع المشكلات الحياتية وتحديات المطالب اليومية وكيفية تبريرها " (Simons et. Al., 1996)، أما أتواتر فيعرف التكيف بأنه " التغيرات التي نقوم بإحداثها في أنفسنا وبيئتنا من أجل إشباع حاجاتنا وتلبية المطالب الملقاة علينا، وتحقيق علاقات إيجابية مع الآخرين (Atwater, 1990).
ويعرف عوض التكيف بأنه " كل أشكال النشاط الذي يبذله الفرد من أجل إشباع دافعيتة وبلوغ أهدافه (عوض، 1987، ص 98). في حين يرى الطحان أن التكيف هو " مدى انسجام الفرد مع عالمه المحيط به " (الطحان، 1992، ص 196). أما الرفاعي فيعرف التكيف بأنه " مجموعة ردود الفعل الذي يعدل بها الفرد بناءه النفسي أو السلوكي ليستجيب لشروط محيطة محددة، أو خبرة جديدة " (الرفاعي، 1987، ص 26).
ويمكن استخدام مفهوم التكيف ليشير إلى ما يصل إليه الفرد من حالة نفسية نتيجة قيامه بالاستجابات التوافقية المختلفة رداً على التغير في الموقف، لذا فإن التكيف الجيد يصبح مصدراً للاطمئنان والراحة النفسية، بينما يكون التكيف السيئ مصدراً للاضطراب والصراع والقلق (الريحاني وآخرون، 1987، ص 25).
وبصفة عامة يمكن القول إن مفهوم التكيف من المفاهيم المحورية في علم النفس، وأنه لا يعني الاستجابة السلبية للظروف البيئية، بل يتطلب التكيف من الفرد أن يغير من أوضاع بيئته لتلائم مواقفه.
6/1/2 : خصائص التكيف :
يرى علماء النفس أن التكيف أو التوافق له خاصيتين رئيستين هما (العامري، 1974، ص 98) :
أ - أنه عملية مستمرة باستمرار الحياة.
ب - أنه عملية نسبية، بمعنى أنه قد يكون الفرد متوافق في فترة من حياته وغير متوافق في فترة أخرى، وقد يكون متوافق في مجال من مجالات الحياة، وغير متوافق في مجال آخر وهكذا.
ويضيف الطحان أن هناك بعض السمات الشخصية التي تدل على التوافق – التكيف – السوي مؤكدا أنه يتعذر على الفرد تحقيق التكيف بدونها وأهم هذه السمات ما يلي (الطحان، 1992، ص 201) :
أ - اتجاهات سوية نحو الذات.
ب - إدراك الواقع بشكل واقعي.
ج - أن يتوفر لدى الفرد كفاءات جسمية وعقلية واجتماعية وانفعالية تجعل الفرد قادراً على مواجهة مشكلات الحياة.
د - الاستقلالية، والثقة في الذات وتحمل المسؤولية.
هـ – تحقيق الذات بمعنى أنه يعي الفرد إلى تنمية إمكاناته إلى أقصى حد.
6/1/3 : أساليب التكيف :
لتحقيق التكيف – أو التوافق – يقوم الفرد بانتهاج مجموعة من الطرق والأساليب في مواجهة الضغوط النفسية والاجتماعية والبيئية التي يتعرض لها، وقد صنف كاميرون أنماط هذه الأساليب التي يمارسها الفرد لتحقيق التكيف على النحو التالي (الطحان، 1992، ص 203 – 205) :
أ - السيطرة على الموقف والوصول إلى حل.
ب - تجنب الموقف.
ج - تطويع الموقف أو المراوغة.
د - الهروب من الموقف أو تجاهله.
هـ - الشعور بالتهديد والمعاناة من الخوف.
ويضيف الطحان أن كلا من شايفر وشوين حددا مجموعة من الآليات التي تستخدم في عملية التكيف كعادات بديلة – أو غير مباشرة – ينتهجها كثير من الأفراد، وهي ذات أهمية للأفراد العاديين وهي (الطحان، 1992، ص 206).
أ - الأساليب الدفاعية: ويطلق عليها التحرك ضد الآخرين.
ب - الأساليب الهروبية : التي تتجنب الموقف وتؤدي في الغالب إلى العزلة حيث يتحرك الفرد بعيداً عن الناس.
ج - الأسلوب الخرافي : ويشكل كافة أشكاله التي تتسم بالخوف والقلق والشعور بالتهديد، مثل المخاوف المرضية.
د - الادعاءات المرضية : حيث يشتكي بعض الأفراد الذين لا يحققون توافقاً طيباً من بعض الأمراض الجسمية.
هـ - حالة القلق : حيث يبدي كثير من الأفراد غير المتوافقين الشعور بالقلق ويعتقد كل من شافير وشوبن أن هذا الأسلوب لا يعبر عن التوافق ولا يؤدي إلى خفض توتر القلق.
6/2 : مجالات التكيف :
6/2/1 : أنماط التكيف :
يحصر بعض الدارسين مجالات التكيف في مجالين هما : التكيف الشخصي أو الذاتي Personal Adjustment، والتكيف الاجتماعي Social Adjustment، في حين يوسع هاربر مجالات التكيف - أو التوافق – ليشمل التوافق التعليمي Educational Adjustment، والتوافق الاجتماعي Social Adjustment، والتوافق الشخصي Personal Adjustment، والتوافق الأسري Family Adjustment (السراج، 1409، ص 41).
في حين يصنف فهمي مجالات التكيف في أربعة مجالات رئيسة هي (فهمي، 1995، ص 34) :
(1) التوافق الاجتماعي، ويعني القدرة على عقد صلات اجتماعية ناجحة مع من يعاشرونه أو يعملون معه من الناس، وهذا يعني أن يتوافق الفرد مع البيئة التي يعيش فيها بجميع عناصرها المادية والاجتماعية وبصفة مستمرة. ومما لا شك فيه أن التوافق الاجتماعي يتضمن القدرة على المشاركة الاجتماعية واكتساب المهارات الاجتماعية والاتجاهات الإيجابية نحو الجماعة التي يعيش فيها الفرد.
(2) التوافق الانفعالي Emotional Adjustment ويقصد بالتوافق الانفعالي " أن يكون الفرد راضياً عن نفسه غير كاره لها أو نافراً منها أو ساخطاً عليها أو غير واثق منها، وأن تتسم – بالتالي – حياته بالخلو من التوترات والصراعات النفسية المقترنة بمشاعر الذنب والقلق والنقص.
(3) التوافق الأسري Family Adjustment ويقصد به قدرة الفرد على التعايش في الجو الأسري بعيداً عن المشكلات العائلية مع القدرة على تحمل المسؤولية والاحتفاظ بعلاقة حميمة مع أفراد الأسرة.
(4) التوافق الصحي Health Adjustment: ويعني القدرة على التكيف مع الأمراض المختلفة والتوتر المصاحب لها من خلال اتباع الأساليب والتعليمات الصحية بما يسمح للفرد ممارسة الحياة بشكل طبيعي، والتوافق الصحي يعطي مؤشراً عن الحالة الصحية للفرد يما يوجب العناية الصحية به عند سوء التوافق الصحي.
6/2/2 : التكيف والصحة النفسية :
يعد – التكيف – أو التوافق – من أهم المؤشرات الدالة على الصحة النفسية، فإذا لم يتمكن الفرد من تحقيق التكيف مع شروط وظروف بيئته تسوء صحته النفسية، والعكس صحيح. فالصحة النفسية هي نتاج عملية تكيف ناجحة، لذا يرى فهمي أن علم الصحة النفسية هو علم التكيف أو التوافق النفسي الذي يهدف إلى تماسك الشخصية ووحدتها وتقبل الفرد لذاته، وتقبل الآخرين له بحيث يترتب على ذلك كله الشعور بالراحة النفسية (فهمي، 1995، ص 98).
ويربط مغاريوس الصحة النفسية بدرجة نجاح الفرد في التوافق الداخلي بين دوافعه ونوازعه المختلفة، إضافة إلى درجة نجاحه في التوافق الخارجي بما تتضمن علاقاته ببيئته المحيطة بما فيها من موضوعات وأشخاص (مغاريوس، 1989، ص 71).
وعموماً يمكن القول : أنه كلما زادت درجة تكيف الفرد كلما زاد مستوى الصحة النفسية، وأن الشخص الذي يوازن بين دوافعه وحاجاته ومتطلبات بيئته ومحيطه الاجتماعي يوصف بأنه متوافق – متكيف – وأن ذلك يعني أنه يتمتع بصحة نفسية عالية.
6/2/3 : التكيف والتحصيل الدراسي :
أكدت عديد من الدراسات وجود علاقة ارتباطية موجبة بين مدى تكيف الطالب وتحقيق مستويات أعلى من الإنجاز الأكاديمي ومن هذه الدراسات ما يلي :
1 - دراسة زيدان (1983) عن العلاقة بين نوع الدراسة الجامعية والتوافق في جامعتي الملك سعود والإمام محمد بن سعود الإسلامية في المملكة العربية السعودية. وكان الهدف من هذه الدراسة معرفة مدى تأثير نوع الدراسة في إحداث التوافق النفسي، وكشفت الدراسة أن المتعمقين في الدراسات الدينية هم أكثر توافقاً عند مستوى دلالة 0.01 % في مجال التوافق العام والصحي، وعند مستوى 0.05 % للتوافق الانفعالي والأسري (زيدان، 1408هـ).
2 - دراسة رشا علي (1984) عن العلاقة بين التوافق الانفعالي ومستوى التطلع وقد توصلت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية سالبة بين مستوى التطلع والتوافق الانفعالي، وفسرت الباحثة هذه النتيجة بأن إسراف الفرد في تطلعاته يؤدي إلى الخوف من عدم القدرة على تحقيق تلك التطلعات مما يعني القلق والتوتر الدائم (علي، 1984).
3 - دراسة بيكر وبيرل (1984) Measuring Adjustment to College والتي هدفت إلى قياس درجة التكيف لدى طلاب السنة الأولى الجامعية وتوصلت الدراسة إلى وجود علاقة ارتباطية دالة بين الدرجة الكلية على اختبار التكيف الأكاديمي وبين المعدل العام لطلاب السنة الأولى الجامعية. كما توصلت الدراسة إلى أن الطلاب الأكثر تكيفاً هم الأكثر احتمالاً لأن يكونوا من ضمن الطلبة المتفوقين الذين يتم اختيارهم في مستوى السنتين الثالثة والرابعة ليكونوا أعضاء في جمعية خاصة للطلبة المتفوقين (بيكر وبيرلي، 1984).
4 - دراسة الريحاني (1987) حول " العلاقة بين التكيف الأكاديمي وبعض العوامل ذات العلاقة بطلبة البكالوريوس في الجامعة الأردنية. وقد توصلت الدراسة إلى أن المعدل التراكمي هو العامل الأكثر أهمية في تفسير التباين في التكيف الدراسي (الريحاني وآخرون، 1987).
5 - دراسة الديب (1991) حول " الإقامة بالأقسام الداخلية وعلاقتها بالتكيف الشخصي والاجتماعي والإنجاز الأكاديمي للطلاب في الكليات المتوسطة للمعلمين في سلطنة عمان ". وتوصلت الدراسة إلى أن هناك معاملات ارتباط بين أبعاد التكيف النفسي والتكيف الأسري، والإنجاز الأكاديمي في مواد التخصص (الديب، 1991، ص 7).
6 - دراسة ريما حبشي (1997) حول " الأنماط الشخصية التكيفية التي تميز ذوي التحصيل العالي وذوي التحصيل المنخفض ". وتوصلت الدارسة إلى أن ذوي التحصيل التعليمي العالي أكثر تفوقا في التكيف مع القيادة والالتزام بالطاعة، وأكثر قدرة على ضبط أمزجتهم وعلاقاتهم الاجتماعية والأسرية والعاطفية (حبشي، 1997).
7 - وفي دراسة الغنيمي (1405هـ) عن " علاقة مستوى التوكيدية بالتوافق " توصلت الدراسة إلى وجود علاقة جوهرية ذات اتجاه إيجابي بين التوكيدية والتوافق الاجتماعي والانفعالي (الغنيمي، 1405هـ).
8 - دراسة دمنهوري (1996) حول " بعض العوامل النفسية والاجتماعية ذات الصلة بالتكيف الدراسي ". وتوصلت الدراسة إلى وجود فروق ذات دلالة إحصائية من الطلاب الأقل تكيفاً والأكثر تكيفا بخصوص اتجاهاتهم نحو الامتحانات لصالح الطلاب الأكثر تكيفا، بمعنى أن الطلاب الأكثر تكيفاً كانوا أكثر إيجابية في اتجاههم نحو الامتحان وأقل قلقاً من أقرانهم ال�
ساحة النقاش