دراسة ترصد معاناة الفلاح المصرى عبر العصور
رصدت دراسة تاريخية مصرية حديثة صورا لمعاناة الفلاح المصرى عبر العصور المختلفة، والتى تتشابه فى تفاصيلها منذ عهود الفراعنة وحتى اليوم.
وقالت الدراسة التى أعدتها الدكتورة خديجة فيصل مهدى والباحثة دعاء مهران إن مشاكل الفلاح المصرى لا تزال تتواصل عبر آلاف السنين وتتمثل فى المعاناة من اضطهاد الحاكم والشكوى من رخص أسعار المنتج الزراعى، وتجاهل الحكام لمطالبهم، حيث يعانى الفلاح اليوم من تجاهل الحكومة لمعاناته من نقص الأسمدة وعدم وجود دعم أو تسهيلات تمكنه من اقتناء المعدات الحديثة، وعدم تماشى دورة الرى مع متطلباته، ونقص المياه فى الكثير من المحافظات التى يمر بها نهر النيل والترع المتفرعة منه، وأشارت الدراسة إلى ضرورة فتح حوار مجتمعى لوضع استراتيجية وطنية للنهوض بالقطاع الزراعى ووضع حلول حقيقية لمشاكل الفلاحين والاستجابة لمطالبهم بما يحقق الاكتفاء الذاتى للبلاد من المنتجات الزراعية الاستراتيجية مثل القمح وقصب السكر، وحل مشكلات صغار الفلاحين مع فروع بنك التنمية والإصلاح الزراعى الذى يهدد آلاف الفلاحين بالحبس حتى اليوم، نتيجة للشروط التى وصفتها الدراسة بالمجحفة فى حق الفلاحين الراغبين فى الحصول على قروض وسلف زراعية.
وقالت الباحثتان خديجة فيصل مهدى ودعاء مهران: إن للفلاح المصري تاريخا ضاربا في القدم وتاريخا طويلا مع فنون الزراعة والحرث كما أن له تاريخا طويلا أيضا مع المعاناة يعود لعهود الفراعنة، فكما كان الفلاح في العصر الفرعوني يتمتع برشاقة وخفة حركة وفيا لأرضه رغم مشقته, كان يغني في الحقل ويشارك في مناسبة شم النسيم, وفي وفاء النيل.. فقد "عاش الفلاح المصري معيشة ضنكاً. فأما من كان منهم مزارعاً حراً فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابي".
كان الفلاح المصري معرضاً في كل وقت إلى أن يسخر في العمل لخدمة الملك، وتطهير قنوات الري، وإنشاء الطرق، وحرث الأراضي الملكية، وجرّ الحجارة الضخمة لإقامة المسلات وتشييد الأهرام والهياكل والقصور. انظر كيف رسم نص أدبي تاريخي معاناة فلاحى مصر الفرعونية: "هلا استعدْت في خيالك صورة الزارع حين ُيجبى منه عُشر حَبّه؟ لقد أتلفَتْ الديدان نصف القمح، وأكَلَتْ أفراس البحر ما بقى له منه، وهاجمتها في الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلَت بها الصراصير والماشية النهمة، والطيور الصغيرة تختلس منها الشيء الكثير؛ وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقي له في الأرض، تعدى عليه اللصوص. يضاف إلى هذا أن السيور التي تربط الحديد والمعزقة فقد بليت، وأن الثورين قد ماتا من جرّ المحراث. وفي هذه اللحظة يخرج الجابي من القارب عند المرسى ليطلب العشور، ثم يأتي حُرّاس أبواب مخازن "الملك" بعصيّهم، والزنوج بجريد النخل، يصيحون: تعالوا الآن، تعالوا! فإذا لم يأتهم أحد طرحوا الزارع أرضاً، وربطوه، وجرّوه إلى القناة وألقوه فيها مبتدئين برأسه، وزوجته مربوطة معه، ثم يسلك أطفاله في السلاسل، ويفرّ جيرانه من حوله لينقذوا حبوبهم".
وعلى الرغم من ذلك التاريخ من "الضنك والسخرة والظلم" فإن ذلك لم يمنع الفلاح المصري من أن يكون رائدا للزراعة في العالم وقائدا لتقدم وطنه ومسيرة حضارته حيث يؤكد علماء المصريات أن الحضارة المصرية القديمة قامت وازدهرت على الزراعة. وعبر التاريخ القديم والحديث ظلت الزراعة تفرض نفسها على مصر، تؤثر على اقتصادها وحضارتها وأسلوب الحياة فيها.
وكما أسهمت الزراعة والفلاح في صنع الحضارة المصرية فقد أسهمت الزراعة والفلاح في صنع التاريخ، ذلك التاريخ التقدمي الذي صاحب تطور البشرية منذ فجر نشأتها، واقترن بالمدنية ليتفاعل معها ويؤثر فيها. والزراعة كانت وما زالت أساس الحضارات، منها تكونت وبها دعمت، إنها تراث وتقاليد ومهنة وحياة، تسلمتها الأجيال المتعاقبة عبر التاريخ، وسجلها قدماء المصريين برسوم تاريخية على مقابرهم ومعابدهم لتسجيل أعظم حضارة عرفها التاريخ.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوÙد الاليكترونية الوفد - دراسة ترصد معاناة الفلاح المصرى عبر العصور
ساحة النقاش