ـ 1 ـ
في وقت ما من حياتي كان الجمال يعنى شيئا خاصا بالنسبة لي ، أظن أن ذلك عندما كنت في السادسة أو السابعة من عمري ، بالضبط قبل عدة أسابيع وربما شهر قبل أن يحولنى ملجأ الأيتام إلى رجل عجوز .
وفي الملجأ كنت استيقظ كل صباح ، أرتب سريري كما لو كنت عسكريا صغيرا ، ثم علىً بعد ذلك أن أدخل في واحد من صفين ، يسيران بانتظام لتناول الإفطار مع عشرين أو ثلاثين صبيا ، يقيمون معي في نفس العنبر .
أتذكر بعد أن تناولت الإفطار في أحد أيام السبت عدت إلى العنبر لأرى مسئول الملجأ يطارد ملك الفراشات الجميل الذي يعيش مع مئات الفراشات وسط الأشجار الصغيرة المنتشرة حول الملجأ ، راقبته باهتمام وهو يمسك هذه المخلوقات الرقيقة ، واحدة بعد أخرى فيأخذها جميعا في شبكة ثم يشك الدبابيس في رأسها وأجنحتها ليثبتها بعد ذلك فوق لوح ثقيل من الكرتون .
يا للقسوة !كيف يقتل مثل هذا الشيء الجميل ، لكم سرت بين الأشجار والفراشات من حولي تحط فوق رأسي ويدي ووجهي ، فكنت أتأملها عن قرب .
عندما دق جرس التليفون وضع مسئول الملجأ اللوح الكرتونى الكبير فوق درجة السلم واتجه إلى الداخل للرد على التليفون ، أسرعت إلى اللوح وتأملت الفراشة التي ثبتها المسئول في اللوح فاكتشفت أنها ما زالت تتحرك ، أخذتها في يدي ولمست الجناح المثبت بالدبوس ، فخلعت الدبوس وخلصت الفراشة التي بدأت في الطيران قليلا ، ثم حاولت أن تطير بعيدا ، لكن كان هناك دبوس لم يزل مثبتا في أحد جناحيها ، سقط الجناح أخيرا ، وبالتالي سقطت الفراشة على الأرض وهي ترتجف بشدة . التقطت الجناح الممزق من فوق الأرض وبصقت عليه ثم حاولت أن ألصقه في مكانه ، وبذلك استطاعت الفراشة أن تطيرا بعيدا وتصبح حرة ، كل ذلك قبل عودة مسئول الملجأ ، لأنها كان يجب أن تبقى بعيدا عنه .
عند ذلك عاد المسئول من الباب الخلفي المجاور لحجرة الزبالة وبدأ يصرخ فيً فقلت له انني لم أفعل شيئا ، لكنه لم يصدقني ، التقط لوح الورق الكرتونى وبدأ يضربنى به على رأسي فطارت الفراشات بعيدا في كل مكان ثم قذف باللوح فوق الأرض وقال التقطه وضعه في صندوق الزبالة الموجود في الحجرة الخلفية للعنبر ، ثم خرج .
ـ 2 ـ
وهناك تحت شجرة عجوز كبير جلست وسط الزبالة محاولا جمع أجزاء الفراشات المتناثرة معا لكي أستطيع دفنها جميعا معا ، ولكن ذلك كان صعبا ، صليت من أجلها ثم وضعتها جميعا في صندوق أحذية قديم ممزق ثم دفنتها معا في قاع الحصن الذي بنيته على الأرض بأعواد البامبو بالقرب من شجيرة العليق المثمرة .
في كل عام عندما تعود الفراشات إلى الملجأ وتحاول أن تحط عليً ، يجب أن أدفعها بعيدا لأنها لا تعرف أن هذا الملجأ مكانا سيئا للحياة ومكانا أسوأ للموت .
|
ساحة النقاش