لماذا فشلت تجربة الإخوان فاروق جويدة 0 2957 طباعة المقال تمنيت مع الكثيرين غيري لو ان تجربة الإخوان المسلمين في حكم مصر قد نجحت ويومها كنا علي قناعة كاملة بأن من حق الإخوان أن يأخذوا فرصتهم في إدارة شئون الكنانة‏..‏ كان البعض يري أن المسئولية كبيرة وأن قدرات الإخوان اقل بكثير من ان تتحمل هذا العبء الثقيل وكانت صورة الإخوان التي حفظناها انهم يمثلون الإسلام السياسي الوسطي المترفع عن العنف والدم والإرهاب وان نجاحهم يمكن ان يمهد الطريق لترشيد تيارات اخري كانت دائما تفضل السيف علي الكلمة والعنف علي الحوار‏

ومازلت اعتقد ان هناك اسماء كثيرة لا تنتمي للإسلام السياسي وقفت مع الإخوان في تجربتهم الوليدة وخاصة في الأيام الأولي وان تكشفت بعد ذلك جوانب كثيرة غامضة في موقف الإخوان سحبت من رصيدهم التاريخي في الشارع المصري وجعلت اقلاما كثيرة تتحفظ في تأييدها أو ثقتها في هذه التجربة الجديدة.. في تقديري ان الإخوان فرطوا في جوانب اساسية من ثوابت المجتمع المصري بثقافته وتاريخه وطبيعة الحياة لدي المصريين وقد كشفت التجربة عن جوانب كثيرة وراء الاختلاف معهم في الفكر والمواقف والقناعات:
< كانت قضية الوطن والإنتماء من ابرز القضايا الخلافية مع الإخوان فنحن شعب يعتز كثيرا بدينه وثوابته فنحن متدينون بالفطرة ولا يوجد بيت مصري إلا وفيه نسخة او اكثر من القرأن الكريم ولوحات قرآنية تزين جدرانه والدين عنصر ثابت ومتأصل في تكوين الشخصية المصرية فكرا وسلوكا.. وهذا التدين لم يتعارض يوما مع الانتماء والولاء للوطن وهنا كان الصدام بين ثوابت الشخصية المصرية في تجسيدها وقناعاتها لمعني الوطنية مع طرح جديد من الإخوان ان الأصل في الثوابت ليس الأوطان ولكنه الأديان.. حرص الإخوان من البداية علي تغيير هذا الانتماء وكان هذا التوجه أاول جوانب الخلاف بين الإخوان وثوابت الشخصية المصرية ان انتزاع الوطن من الشخصية المصرية قضية صعبة بل مستحيلة لأن الدين والوطن كانا عماد الشخصية المصرية.
< حين وصل الإخوان الي السلطة كان ينبغي ان تبتعد مواكب السياسة عن مواكب الدين لأن العبث السياسي يتنافي تماما مع قدسية الدين ولكن الإخوان طمعا في المزيد من الهيمنة والسيطرة علي الشارع المصري استخدموا الدين مع السياسة في جمع الحشود وكان هذا ايضا من اهم واخطر اسباب الإنقسام في الشارع المصري فتداخلت السياسة مع الدين في المساجد ودور العبادة وتحولت المنابر الي منصات سياسية ابعد ما تكون عن سماحة الدين وكان ينبغي ان تبقي مواكب الدعوة بعيدا عن المعترك السياسي الذي لوث كل شيء وامام قدسية الدين حاول الإخوان إعطاء الوجه السياسي للحكم صبغة دينية في إقامة الشعائر والخطب السياسية التي تغلفها نفحات دينية وربما كان هذا الطرح مجديا ومفيدا مع الطبقات الأمية من المجتمع إلا انه كان من اسباب القطيعة مع تجمعات اخري تريد من يحدثها بالعقل والمنطق وشيء من الحكمة.
< اهتم الإخوان كثيرا بلعبة السلطة والكراسي والرغبة في السيطرة علي مؤسسات الدولة وقد تسرعوا في ذلك كثيرا امام مؤسسات ترسخت في حياة المصريين وافتقد الإخوان الكثير من الحرص والدراسة امام رغبة محمومة دون وعي بخطورة المناطق التي اقتربوا منها تحت دعاوي الإصلاح والتطهير.. دخلوا في صراعات مبكرة مع مؤسسات عتيقة كان منها القضاء والشرطة والإعلام والحكم المحلي والبنوك والمؤسسات السيادية, وفي الوقت الذي حاولوا فيه السيطرة علي هذه المؤسسات لم تكن لديهم الخبرات والكفاءات القادرة علي التغيير في هذه المواقع.. وكانت النتيجة ان الإخوان كشفوا عن نياتهم مبكرا مما جعل هذه المؤسسات تتوحد لتواجه هذا العدوان الصارخ الذي يهدد وجودها وتماسكها..
< في الوقت الذي بدأت فيه معركة الإخوان مع هذه المؤسسات كان هناك شعب ينتظر ثمار الثورة ولا ينتظر حصاد المعارك أو نتائجها وبدأت خيوط التواصل والثقة والأمل تتقطع بين الشعب والسلطة الجديدة الواعدة.. وهنا ايضا استطاعت مؤسسات الدولة ان تشارك من بعيد في هذه المعركة فكان دور الإعلام في تضخيم الأزمات وكشف النيات المغرضة وكان دور القضاء في تحريك الشارع وكان دور الشرطة التي تعرضت لعمليات تشويه ضارية من الإخوان امام غياب المسئولية حول احراق اقسام الشرطة واقتحام السجون ودعاوي تطهير الشرطة وهذه الأسباب جميعها تركت ظلالا كثيفة في العلاقة بين الإخوان وجهاز الشرطة وباقي مؤسسات الدولة.
< لم يعترف الإخوان في يوم من الأيام بنقص خبراتهم أو عجز قدراتهم أو عدم وجود الكفاءات لديهم وبدلا من ان يقتربوا من الناس ويتفاعلوا مع فئات المجتمع اصابتهم حالة من الغرور والتعالي وكانت سببا في نفور كفاءات كثيرة منهم وعدم رغبتهم في التعاون معهم.. كان الغرور وسيلة خاطئة لإخفاء العجز وإثبات الذات وربما كان هذا هو السبب الرئيسي في فشل جميع محاولات المصالحة الوطنية التي عرضتها مؤسسة الرئاسة وكانت سببا في حالة القطيعة مع القوي السياسية علي إختلاف توجهاتها.. وقد زادت حالة الغرور والتعالي حتي وصلت الي شعور بالاستخفاف بالمعارضة تحت إحساس مبالغ فيه انها لن تصنع شيئا..
لقد بالغت جماعة الإخوان في إحساسها بالثقة والإستغناء عن طوائف المجتمع المختلفة حتي وصلت بمؤسسات الدولة الي حالة من العجز الكامل.
< بالغت جماعة الإخوان في اهمية الدور الأمريكي في حكم مصر واعتمدت علي ذلك تماما امام قناعة كاملة ان حشود الإخوان في الشارع المصري تستطيع في أاي لحظة إجهاض أي محاولة للتغيير او المقاومة.. بالغ الإخوان في ثقتهم بأمريكا وبالغت امريكا في اعتمادها علي الإخوان ونسي الاإثنان معا ان هناك شعبا تغير في كل شيء في درجة وعيه ورفضه ولم تعد لديه حسابات مع اي شيء.. كان المصريون قد وصلوا الي درجة من القناعة انهم قادرون علي تغيير اي شئ ولهذا حين جاء الطوفان البشري يوم30 يونيه كان مفاجأة للجميع بما في ذلك البيت الأبيض.
< كانت للإخوان المسلمين علاقات واتصالات كثيرة سابقة مع عدد من الدول العربية وخاصة دول الخليج وكثيرا ما احتضنت هذه الدول رموز الإخوان الهاربين من مصر وكانت هذه الدول تنتظر من الإخوان وفاء بوفاء ولكن يبدو انهم لم يكونوا علي مستوي النبل في العلاقة مع هذه الدول ولهذا كان موقف دول الخليج من رفضها للحكم الإخواني في مصر من البداية.. ربما كان هناك تعاطف إنساني بين النظام السابق وقيادات هذه الدول في بداية الثورة ولكن الأمر تغير تماما مع وصول الإخوان للسلطة فلم يعد تعاطفا مع رئيس رحل ولكنه كان رفضا لنظام سطا علي الحكم في ارض الكنانة.. ولا نستطيع ان نتجاهل موقف هذه الدول ورفضها دعم الاقتصاد المصري وهو ما تغير تماما بعد سقوط الإخوان.
< أخطأ الإخوان حين جلسوا علي كراسي السلطة في حالة انتشاء غريبة متجاهلين ان هناك نظاما رحل وبقيت فلوله وكان من الغباء الشديد إهمال ملفات خطيرة مثل ملف الأموال الهاربة أو كثير من المواقع الحساسة التي لم يتغير فيها شيء او الاكتفاء بحل الحزب الوطني مع بقاء قواعده ونسي الإخوان ان هذه الفلول كان بينها وبينهم تاريخ طويل من المعاملات والصفقات وانهم يفهمون بعضهم جيدا ابتداء بجهاز امن الدولة وانتهاء برجال الأعمال الذين كانت تربطهم علاقات خاصة بين الوطني والمحظورة.. كان الإخوان من السذاجة بأنهم تصوروا ان بعض الصفقات مع رموز النظام السابق يمكن ان يغلق ملفات الماضي ويفتح معهم صفحات جديدة رغم انهم انتزعوا حكم مصر انتزاعا في عملية اقرب للمؤامرة.
< لا اجد مبررا لهذا العداء القديم بين الإخوان وجيش مصر وقد حاولوا اختراق الجيش بمجرد وصولهم للسلطة ولكنهم فشلوا في ذلك امام مؤسسة عريقة لها ثوابتها ومكانتها في ضمير المصريين.. لقد خلط الإخوان بين خصومتهم مع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وبعضها عداء شخصي وتاريخي وموقفهم من جيش مصر.. كانت الخصومة مع عبد الناصر خصومة سياسية بعد ثورة يوليو حين حاول الإخوان السيطرة علي الثورة ولم يكن للجيش علاقة بهذا الصراع غير ان عبد الناصر ينتسب اليه.. وبقيت لدي الإخوان رغبة دائمة في الانتقام ولعل ما يحدث في سيناء اآن يؤكد هذا الموقف الغريب الذي يتعارض مع ابسط واجبات الوطنية.. كان من العار ان يقف احد قيادات الإخوان في الأسبوع الماضي ويعلن انهم قادرون علي وقف الأعمال الإرهابية في سيناء خلال دقائق إذا وافق الجيش علي عودة الرئيس المعزول. ان موقف الإخوان من سيناء إدانة تاريخية.
كنا دائما نؤكد ان الخلافات السياسية والفكرية بين ابناء المجتمع الواحد ينبغي ألا تتحول الي خصومة وتتعارض مع مصالح الوطن وثوابته ومقومات وجوده وقد أخطأ الإخوان حين تصوروا ان فكر الجماعة يجب ان يكون ملزما لكل المصريين وان يشمل الوطن كله ولهذا لم يفرق الإخوان بين ولائهم للجماعة كدعوة دينية ومسئوليتهم عن حماية المجتمع كسلطة حاكمة ودولة مسئولة
< نسي الإخوان وهم يعقدون صفقات سياسية مع رموز دينية اتسمت بالتشدد الفكري والديني ان في مصر تراث حضاريا عتيق يصعب انتهاك ثوابته.. أن هناك فكرا متحررا وثقافة عميقة وفنا وإبداعا جميلا.. وهناك شخصية مصرية لها مكوناتها الحضارية ومن الصعب ان تقبل زلزالا يغير ثوابتها حتي ولو رفع راية الدين.. ان الدين في كل بيت والفن في كل وجدان والثقافة تملأ كل عقل وكان ينبغي علي الإخوان وتوابعهم ان يتعاملوا مع الشخصية المصرية بشئ من الحكمة والفهم والتحضر.. ولكن الإخوان صدموا الإنسان المصري البسيط.. صدموه في حياته حين وجد نفسه يواجه ظروفا اقتصادية وإنسانية أسوأ مما كان فيه.. وصدموه في فكره وهو الذي اعتاد وسطية الدين ليجد نفسه ضحية من ضحايا التشدد والعنف والفوضي وصدموه في اسلوب حياته حين رفضوه شكلا في مظهره ورفضوه موضوعا في الإستخفاف بدرجة وعيه وتدينه.. وفي شهور قليلة اصبح الإخوان في وادي واغلبية الشعب المصري في واد آخر, فقد بدا ان المسافة بعيدة جدا بين حلم الشارع المصري في وطن اكثر حرية وعدالة وتقدما ووطن آخر أراده الإخوان اكثر تشددا وتطرفا واستبدادا فكانت المواجهة وكان السقوط.
وعلي الجميع ان يستوعب الدرس لأن الشعب هو الذي جاء بالإخوان وهو ايضا الذي اطاح بهم والعاقل من اتعظ

.. ويبقي الشعر


وجه جميل..
طاف في عيني قليلا.. واستـدار
فأراه كالعشب المسافر..
في جبين الأرض يزهو في اخضرار
وتـمر أقـدام السنين عليه.. يخـبو..
ثـم يسقـط في اصفرار
كم عشت أجري خـلـفـه
رغم العواصف..والشواطيء.. والقفـار
هل آن للحلـم المسافر أن يكـف عن الدوار ؟
يا سنـدباد العصر.. إرجع
لم يعد في الحب شيء غير هذا الانـتـحار
ارجع.. فـإن الأرض شاخت
والسنون الخضر يأكـلـهـا البوار
ارجع.. فإن شواطيء الأحلام
أضنـاها صراخ الموج من عفـن البـحار
هل آن للقـلـب الذي عشق الرحيل
بأن ينـام دقيقة.. مثـل الصغـار ؟
هل آن للوجه الـذي صلـبوه فوق قناعه عمرا
بأن يلـقي القنـاع الـمستـعار؟
وجه جميل
طاف في عيني قليلا.. واستـدار
كان الوداع يطل من رأسي
وفي العينين ساعات تدق..
وألف صوت للقطـار
ويلي من الوجه البريء..
يغـوص في قلـبي فيؤلمني القرار
لم لا أسافر
بعد أن ضاقت بي الشطآن.. وابتعد المزار ؟!
يا أيها الوجه الذي أدمي فؤادي
أي شيء فيك يغريني بهذا الانتظار ؟
ما زال يسكرني شعاعك..
رغـم أن الضوء في عيني نار
أجري فألمح ألـف ظل في خطاي
فكيف أنجو الآن من هذا الحصار ؟
لم لا أسافر ؟
ألف أرض تحتـويني.. ألـف متـكإ.. ودار
أنا لا أري شيئـأ أمامي
غير أشلاء تـطاردها العواصف.. والغـبار
كم ظل يخدعني بريق الصبح في عينـيك..
كـنـت أبيع أيامي ويحملـني الدمار.. إلي الدمار
قـلبي الذي عـلـمتـه يوما جنون العشق
علــمني هموم الانـكسار
كانت هزائمه علي الأطـلال..
تـحكي قصة القـلـب الـذي
عشق الرحيل مع النـهار
ورأيتـه نـجما طريدا
في سماء الكـون يبحث عن مدار
يا سنـدباد العصر
عهد الحب ولــي..
لن تـري في القـفـر لؤلـؤة..
ولن تـجـد المحار
وجه جميل..
طاف في عيني قليلا.. واستـدار
ومضيت أجري خـلـفـه..
فوجدت وجهـي.. في الجـدار

قصيدة النجم يبحث عن مداره سنة 1993


لمزيد من مقالات فاروق جويدةرابط دائم: 
          25
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 78 مشاهدة
نشرت فى 2 أغسطس 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,598,004