نحن وآباؤنا

مفردات غائبة وقيم منسية


وسط السَّيل العارم من المُتناقضات، تَتوه القِيَم وتَنعدم جدوى الكلمات، وكأنَّ القومَ يُساقون سراعًا بمنطق اللَّكمات، ويكأنَّ البَسيطة أضحت حَلْبةَ صراعٍ بعدما هاجت وماجت فيها الأزمات، وبين دوِّي اللَّكمات وأنين الكلمات، تاهت - للأسف - أجملُ المُفردات.

 

ومما يثير العجب، أنه مع نعومة الحياة، غابت المُفردات الجميلة، التي تُخبرنا بصفاء سريرة قائلها، وحلَّت نقيضتها مظاهر باليات.

 

شيءٌ مثيرٌ للخجل من النفس، أن نذكر كيف كان يعيش آباؤنا، وكيف نعيش نحن الآن، وشيءٌ يبعث على المرارة، أن ترتبط مظاهر التقدم الآن بتراجع القِيَم!

 

إذًا، غابوا فغابت!

 

تُرى ما سر هذا التناقض؟

 

كيف حافظ آباؤنا على مُفردات القِيَم، رغم خشونة العيش، وقسوة الحياة؟

 

ولماذا تاهت المُفردات نفسُها عند الأبناء، رغم نعومة العيش، ورفاهية الحياة؟

 

لِنتأمل - بعين الحكمة - ذلك الأمرَ المُثير للتفكير والعَجَب في نفس الوقت، ولنبحث عن سر غياب تلك المفردات.

 

لننظر ماذا كان يسمع آباؤنا؟ وماذا كانوا يرون؟ وماذا كانوا يعملون؟ وأين كانوا يسكنون؟ وكيف كانوا يحصِّلون قُوتَهم وشرابهم؟ وماذا كانت رؤيتهم للحياة؟ وما هي حكمتهم في الوجود؟

 

إنهم كانوا يسمعون للطبيعة، ويرونها بجمالها وأصالتها، ويعملون بآليَّة تتفق وكل الكون، فالنهار نهار، والليل ليل، بفطرةٍ سويَّة ﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30]، ﴿ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا * وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ﴾ [النبأ: 10، 11]، وكانوا يأكلون من أرضهم ﴿ أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ﴾ [النازعات: 31]، وكانت رؤيتهم للحياة ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185]؛ فامتلكوا الحكمة في كل أمورهم ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]، فركبوا الحياة - رغم قسوتها - وما لانت عريكتهم، وخبَروا حقيقتها فخبرت حكمتهم وثباتهم، وما حدث يومًا أن استَهوتهم، فكانت مَرضاة الله غايتَهم، فاعتلوا أعتى الأمواج وما أغرقتْهُم.

 

أما نحن...


فلا أدري لماذا لا يجاريني القلمُ، فأراه مُجبرًا على التوقف بعد (نحن) ليلتقط أنفاسَه - إن وُجدت - كي يستطيع التعبيرَ عما يرى ويسمع، وما هي رؤيتنا للحياة؟ وما هي حكمتنا في الوجود؟

 

عُذرًا! فقد تلوثت الأسماع، فسمعتْ ما لا يليقُ وجمالَ وعظمة ديننا، واهتزت الصورة، فتاهت وسط تفاصيلها المشوَّهةِ مفرداتُ القِيَم - وكأنها تسخر منا - وغابت مبادئُ كثيرة تمامًا كما غاب آباؤنا!

 

اللَّهم اغفر لأبي وارحمه - وكل من يرى حرفي ووالديه - واحشره مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقًا.

 

والحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللَّهم وسلِّم على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 



   


 


رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/54939/#ixzz2UH6EbDPD

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 75 مشاهدة
نشرت فى 25 مايو 2013 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,769