مناهج التعليم و وسائل الإعلام هل بات من المُلحِّ على الصعيد التربوي متابعة سلوكيات الطلاب داخل المدرسة وخارجها؟ هل من الضروري الحفاظ على المدرسة بمبناها ومعناها؟ هل ازدادت الحاجة إلى تربية الطلاب أكثر على التحلِّي بالأخلاق الكريمة واحترام المعلم والرغبة المُلحَّة في طلَب العلم؟ هل ازدادت الدعوةُ إلى تعزيز حبِّ الوطن والولاء له والحفاظ على النظام، والاتصاف بصفات المسلم العصري المُعتزّ بدينه وقِيَمه وعروبته الأصيلة؟ كل هذه الأسئلة الآنفة الذِّكر ما هي إلا أهداف يسعى التعليمُ إلى تحقيقها، من خلال تربية الطلاب عليها داخل مَحضن المدرسة، ومتى ما تحقَّقت هذه الأهداف وغيرها، واستطاعت المؤسسات التربوية غرْسه في طلابها، أصبح المجتمع أكثر نماءً وعطاءً، فأصبح هناك مطالب تُناط بالمناهج التعليمية تحقيقها لدى الطالب؛ كي يُصبح فردًا صالحًا في وطنه وخارج وطنه، ولكن الملاحظ أن مِثل هذه التربويات التي تسعى لتحقيقها المجتمعات كافة، والمجتمع المسلم بخاصة، بدأت في الضُّمور، وأصبح تأثير المناهج التعليمية أقلَّ وطئًا من نظيرتها وسائل الإعلام الحديثة؛ حيث تتميَّز وسائل الإعلام بقدرتها التأثيرية والتوجيهية بسبب تنوُّعها ووفرتها، وتوظيفها للجوانب النفسية في جذْب الانتباه والتأثير والإقناع؛ مما يجعل المتلقِّي يتفاعل ويتجاوب معها، ومن هنا يكمُن أهمية الثقافة الإعلامية والتي تؤثِّر على شتى مجالات الحياة السياسيَّة والاجتماعية والاقتصادية، والتربوية والعقائديَّة والدينية، وغيرها. لذا؛ يجب على التربويين العمل على توثيق الصِّلة بين المناهج التعليمية وبين وسائل الإعلام بأنواعها المختلفة، واستثمارها أفضل استثمارٍ في التربية من أجل تعليم أفضل، يتمتَّع بمزايا عالية المواصفات؛ كالإبداع وحبّ الاستكشاف والتفكير الناقد والتحليل والقدرة على اختيار الغثِّ من السمين، وقد يكون السبيل إلى ذلك إيجاد وعي إعلامي لدى الطلاب في كل ما يَرِد إليهم في وسائل الإعلام، والتحقق من مدى مصداقيتها وما تتضمَّنه؛ مما قد يُطلق عليه أحيانًا (السم في الدسم)؛ لتحقيق أهداف مُغرِضة، ويُساعد في التصدي لذلك توظيف الإعلام في خدمة المناهج الدراسية. تشمل وسائل الإعلام عدة وسائل اتصال جماهيرية؛ أهمها: (الإنترنت، وشبكات التواصل الاجتماعي، والتلفاز، والإذاعة والصحافة، والمعارِض، والمتاحف، والمسرح، والمكتبات، والأنشطة الاجتماعية، والمحاضرات، والندوات)، وتشمَل المناهج التعليمية: (الأهداف التعليميَّة، المحتوى التعليمي، استراتيجيات التدريس الحديثة، وسائل وتقنيات التعليم، الأنشطة التعليمية، التقويم)، وبدمج المناهج التعليمية ووسائل الإعلام يَنتُج لدينا ما أستطيع وصْفه أو وسْمه بالمنهج الإعلامي، أو ما يُعرف في التربويات (بالإعلام التربوي)، الذي سعتْ إلى تطبيقه الدول المتقدِّمة كأمريكا واليابان، ولامجال لطرح تجارِبهما في هذا المجال، ولكن يَجدُر الإشارة إلى أن هذا النظام يَستلزِم التناغم مع التغيرات الحياتية والتطورات التكنولوجية، بما يُعزِّز عند الطالب القِيمَ الإسلامية إلى جانب القيم المجتمعيَّة والقيم المعرفية التي تجعله فاحصًا ناقدًا يُميِّز بين الصواب والخطأ، بعيدًا عن أسلوب الحشو باستخدام وسائل تقنية حديثة، والمهارات الثقافية التكنولوجية التي يتعلَّم معها الطالب كيف ينتقي من وسائل الإعلام ما يَتناسب مع دِينه وقِيمه وثقافته، ويتعلَّم معها المهارات الحياتية التي تُنمِّي لديه رُوح الإبداع والابتكار؛ مثل: (مهارات التفكير وإدارة الوقت وغيرها)، ولا يحتاج ذلك إلى تغيير المناهج فحسب؛ بل تغيير النظامِ المدرسي، وتأهيل المعلِّمين في الإعداد التربوي في الجامعات لهذا النوع من التعليم، المبنيّ على دمْج وسائل الإعلام بما يُعزِّز التعليم مدى الحياة، واعتبار الحياة مسرحًا كبيرًا، الكل يُمثِّل فيها بشخصيته، ومهما كانت الخطوات صعبة وطويلة، لكن مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة.
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
4,798,827
ساحة النقاش