الوثيقة المنسية ( وثيقة كامبل تبرمان )
3 الجمعة 01 مارس 2013 - 02:05 م
lwthyq_lbrytny_lbdyl.jpg
الوثيقة المنسية ( وثيقة كامبل تبرمان )
- الوثيقة أسست لوعد بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين ، وأقامت دولة إسرائيل في قلب الوطن العربي كجزء من منع وحدته وتقدمه .
- السياسة الأمريكية تشكلت تجاه العرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على المباديء الأساسية لهذه الوثيقة.
كتب: منير درويش
لا ندري عدد السياسيين العرب الذين اطلعوا على وثيقة كامبل أو أدركوا مخاطرها في التأسيس للدور الاستعماري والهيمنة الغربية على وطننا العربي والدول الإسلامية منذ ما يزيد عن مئة عام وحتى الآن .
الوثيقة عبارة عن رسالة صاغها اللورد هنري كامبل رئيس وزراء بريطانيا بين عامي ( 1905 - 1908 ) . وبعث بها إلى الجامعات البريطانية والفرنسية لدراستها ،
وقد أصدرتها هذه الجامعات عام 1907 تحت اسم ( وثيقة كامبل ) . وهي تتضمن خطة غربية ( بريطانية ) تتيح للحضارة الغربية استمرار السيطرة على العالم . وقد بقيت الوثيقة حبيسة الأرشيف البريطاني ولم يفرج عنها سوى لمدة أسبوعين فقط ثم أعيد سحبها من جديد خوفاً من آثارها المحتملة على العلاقات البريطانية مع العالم لكن كثير من المراكز البحثية والمواقع اقتنصتها وعممتها.
ترى الوثيقة: إن من واجب بريطانيا تقسيم العالم إلى ثلاث مساحات ليسهل التعامل معه.
المساحة الأولى: هي المساحة الغربية التي تنتمي إليها والتي عليها أن تبقي زمام السيطرة على العالم بيدها.
المساحة الثانية : هي المساحة الصفراء ( ربما كانت نسبة للعرق الأصفر ) التي لا ترى آنذاك أنها تنافس الحضارة الغربية أو تتناقض معها ، بل يمكن غزوها ثقافياً نظراً لهشاشة ثقافتها ( حسب الوثيقة ) مع التعامل التجاري معها .
المساحة الثالثة: المساحة الخضراء، وتدعي الوثيقة " أن اللون الأخضر هو لون (الشر ) في الثقافة الغربية. هذه المساحة التي تحتوي على منظومة قيمية ودينية منافسة للمنظومة الغربية المسيحية التي صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من بعضها " .
وتؤكد الوثيقة على " أن من واجب الحضارة الغربية أخذ الاحتياطات والاجراءات لمنع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الثقافية أو إحدى دولها لأنها مهددة للنظام القيمي الغربي ، ولا بد من التعامل معها وفق الإجراءات التالية .
1 - حرمان دولها من المعرفة والتقنية وضبطها في حدود معينة.
2 - إيجاد أو تعزيز مشاكل حدودية متعلقة بهذه الدول.
3 - تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول ، ويظل مرهوناً بالمحيط الخارجي .
إن المتابع للسياسة البريطانية ومجمل السياسات الغربية فيما يتعلق بالوطن العربي وبعض الدول الإسلامية منذ ذلك التاريخ يجد أن هذه الوثيقة أسست لوعد بلفور عام 1917 بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين ، وأقامت دولة إسرائيل في فلب الوطن العربي كجزء من منع وحدته وتقدمه . كما أسست لاتفاقية سايكس - بيكو بتقسيم الوطن العربي إلى مناطق نفوذ بين بريطانيا وفرنسا وفرض الانتداب والاحتلال عليها كما منحت إيطاليا حق استعمار ليبيا ، وهي التي ساهمت بفعالية في مقاومة نجاح أي مشروع نهضوي عربي أو إسلامي
لقد تشكلت السياسة الأمريكية تجاه العرب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية على المباديء الأساسية لهذه الوثيقة مع الفارق بإحلال السيطرة الأمريكية محل السيطرة الأوربية والاستعمار القديم بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهي التي دعت أيضاً صموئيل هنتنغتون إلى عرض نظريته حول صراع الحضارات كنوع من الصراع الديني بعد انتهاء الصراع مع الاتحاد السوفييتي وكتلته الاشتراكية .. هذه النظرية الثني تبنتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة وخاصة إدارة جورج بوش الابن ..
لو توقفنا عند بنود الوثيقة نجد أن السياسة الغربية عملت على مدى مئة عام على تحقيق مضمون بنود هذه الوثيقة .
فعلى صعيد المعرفة والتقنية ، بقي الوطن العربي يعاني من ضعف هذه التقنية بعد أن ساهمت شعوبه مساهمة فعالة في الحضارة العالمية وزودتها بكم هائل من المعارف والعلوم ، صحيح أن شعوبنا تتحمل مسؤولية التقصير إلا أن السياسة الغربية كان لها دور رائد في هذا المجال .
ففي الوقت الذي سمحت فيه لإسرائيل بامتلاك كل أنواع التقنية وساعدتها في ذلك كما ساعدتها على امتلاك السلاح النووي وهي الدولة الوحيدة التي سمحت لها بذلك في نفس الوقت واجهت مشروع عبد الناصر النهضوي فيما يتعلق بوحدة العرب ونهضتهم كما واجهت مشاريع التنمية التي توفر لمصر بنية تحتية للتقدم حتى وجهت لها ضربة موجعة في هزيمة حزيران عام 1967 . كما واجهت جميع المشاريع العلمية التي حاول العراق امتلاكها إما بتخريب المراكز العلمية وضربها كما فعلت إسرائيل بضرب المفاعل النووي العراقي في بدايته أو بتهديد العلماء وخطفهم وقتلهم أو بإغراء بعضهم لهجر وطنه واستمرت في ذلك حتى احتلاله عام 2003.
وهي ترفض على نحو قاطع محاولة إيران امتلاك الطاقة النووية بحجة الخوف من تحولها نحو السلاح النووي وكذلك تفعل مع سورية التي توجه إليها الأنظار كي لا تبدأ بأي مشروع يؤسس لامتلاكها الطاقة النووية حتى لأبسط الخدمات
وسعت عن طريق السماسرة والوسطاء إلى تجميد مؤسسة الإنتاج الحربي العربي مقابل تزويد الدول المساهمة بالأسلحة الجاهزة بأسعار خيالية .
شكلت اتفاقية سيكس - بيكو بين بريطانيا وفرنسا الموقف الأشد استعمارية تجاه الوطن العربي وقسمت دوله إلى مناطق نفوذ واحتلال بينها ، وأجهضت مشروع إقامة دولة عربية في سورية بعد نجاح الثورة العربية عام 1916 رغم الوعود التي كانت قد قطعتها للعرب وقابلتها باحتلال الدول التي كانت تشكل نواة هذه الدولة ولم تكتفي بذلك بل عززت التجزئة ومتنت الحدود وتركت بعضها عرضة للخلافات بين الدول العربية . أو بينها وبين دول الجوار .
على صعيد الأقليات ، بذلت السياسات الغربية جهوداً لتشجيع الانقسامات داخل المجتمعات العربية والمجتمعات الإسلامية الأخرى . فشجعت الانقسامات الطائفية والقومية في العراق لكن ثورة 1920 أثبتت فشل هذه المحاولات عندما واجه الشعب العراقي بكل فئاته الاحتلال البريطاني حتى الاستقلال. كما حاولت فرنسا إبان احتلالها لسورية من إقامة دويلات طائفية لكن الثورات السورية التي شملت جميع مكونات الشعب واجهت الاستعمار وكان رد الفعل الشعبي التمسك بوحدته الوطنية ودولته الوطنية الموحدة التي شكلت مركزاً رئيسياً للدفاع عن المشروع القومي العربي .
كما واجهت بقية الدول العربية مثل هذه المحاولات وكذلك الدول الإسلامية إيران وتركيا، لكن المحاولات بقيت قائمة والفشل يلاحقها.
نحن هنا لا نعيد كتابة التاريخ لكننا لا نؤمن بالقول : " إن العربي لا يقرأ إلا أننا أيضاً لا نتجاهل حقيقة أننا أهملنا هذه الوثيقة ودورها .
لقد أكد عبد الناصر دوماً إن مواجهتنا للمشاريع الاستعمارية هي دفاع عن أنفسنا و شكل الدعم الذي قدمه الشعب العربي في كل أقطاره لثورة الجزائر عام 1954 ، ومقاومة الأحلاف المشاريع الاستعمارية الأساس لمواجهة بنود هذه الوثيقة في محاولة أيضاً للدفاع عن النفس لكنه بالمقابل كان يجب أن تدرس هذه الوثيقة في كتب التاريخ كما درس وعد بلفور واتفاقية سيكس - بيكو وغيرها من المشاريع ، لأن دراستها لا تجعلنا نفهم السياسة الأوربية تجاه وطننا بل موقف السياسة الأمريكية في هذه المنطقة وأهدافها منذ أن دخلت كلاعب أساسي في السياسة الدولية وحتى الآن .
* تم النشر بالتعاون مع مركز يافا للدراسات والأبحاث القاهرة
ساحة النقاش