مشكلات ومجالات وبرامج وأساليب إرشاد الطلبة الموهوبين

 

مقدمة

المشكلات الإرشادية للطلبة الموهوبين والمتفوقين

مجالات إرشاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين

 

أولاً:

مفهوم الذات Self-Concept

 

ثانياً:

تدني مستوى التحصيل Underachievement

 

ثالثاً:

الاختيار المهني

 

رابعاً:

الأسرة والمدرسة

برامج إرشاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين

 

أولاً:

خصائص برنامج الإرشاد

 

ثانياً:

أهداف برنامج الإرشاد

 

ثالثاً:

عناصر برنامج الإرشاد

أساليب الإرشاد الفردي

 

أولاً:

المقابلة

 

ثانياً:

التعبير الكتابي

 

ثالثاً:

التلمذة Mentorship

 

رابعاً:

النشرات الإرشادية

أساليب الإرشاد الجمعي

 

أولاً:

الندوات واللقاءات الدورية

 

ثانياً:

خدمة المجتمع والأعمال التطوعية

 

ثالثاً:

التدريب على القيادة

دور الاختبارات والمقاييس في عملية الإرشاد

 

مقدمة

 

     بدأ الاهتمام بالحاجات الإرشادية للطلبة الموهوبين والمتفوقين متأخراً بأكثر من  ثلاثة عقود عن بداية الاهتمام بحاجاتهم التربوية أو التعليمية. وربما كان للنتائج التي توصل إليها تـيرمان Terman ورفاقه حول الخصائص الشخصية والنفسية لأفراد عينته أكبر الأثر في صرف أنظار التربويين والباحثين والآباء لفترة من الوقت عن أهمـية خدمات الإرشاد لهؤلاء الطلبة. ويعود الفضل بدايةً في إثارة الاهتمام بحاجاتهم الإرشادية للباحثة والمربية ليتا هولينغويرت Hollingworth التي وصفها جوليان ستانلي Stanley من جامعة جونز هويكنز بأنها الحاضنة والأم لحركة تعليم الطفل الموهوب والمتفوق في الولايات المتحدة الأميركية.

 

   لقد ساهمت دراسات هولينغويرت وأبحاثها في تسليط الأضواء على فئة الطلبة الموهوبين والمتفوقين كإحدى الفئات التي تنتمي لمجتمع ذوي الحاجات الخاصة من الناحيتين التربوية والإرشادية، وقدمت أدلة وشواهد ساطعة على ما يلي:

- وجود حاجات اجتماعية وعاطفية للطلبة الموهوبين والمتفوقين؛

- عدم كفاية المناهج الدراسية العادية وعدم استجابة المناخ المدرسي العام الذي يغلب عليه طابع الفتور وعدم المبالاة تجاه الطلبة الموهوبين والمتفوقين؛

- وجود فجوة بين مستوى النمو العقلي والعاطفي للطلبة الموهوبين والمتفوقين، حيث يتقدم النمو العقلي بسرعة أكبر من النمو العاطفي؛

- ضياع 50% أو أكثر من وقت المدرسة دون فائدة تذكر بالنسبة للطلبة الذين تبلغ نسبة ذكائهم 140 فأكثر؛

 

    وعبرت المربية هولينغويرت بعبارة بليغة عن حال الطلبة الموهوبين والمتفوقين بقولها: "أكتافٌ صغيرة تحمل أدمغةً كبيرة"، وقولها: " أن تجمع بين عقل راشد وعواطف طفل في جسم طفولي معناه مواجهة صعوبات معينة " ومنذ عام 1950 بدأ تأسيس مراكز الإرشاد وتطوير البرامج الإرشادية للطلبة الموهوبين والمتفوقين وعائلاتهم في الولايات المتحدة الأميركية. إلا أن قضايا الإرشاد لم تشغل حيزاً يتناسب مع أهمـيتها في برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين، ولم ينظر إليها بجديـة حتى بداية الثمانينات من القرن العشرين. ومن المتوقع –في ضوء المؤشرات الراهنة- أن يزداد الاهتمام بالحاجات الإرشادية لهؤلاء الطلبة مع ازدياد التقدم في برامج تعليمهم ورعايتهم.

 

        المشكلات الإرشادية للطلبة الموهوبين والمتفوقين

 

  تشير دراسات كثيرة حول التكيف الاجتماعي والعاطفي للطلبة الموهوبين والمتفوقين إلى أنهم فـي المحصلة (أو كمجموعـة) يظهـرون مستوىً جيـداً من التكيف العاطفي، ويتمتعون بعلاقات جيدة مع رفاقهم. ولكن بعض الدراسات تشير إلى إمكانية وجود بعض المشكلات العاطفية والاجتماعية المرافقة للموهبة وخاصة عندما تكون الموهبة من مستوىً مرتفع. ويحدد بعض الباحثين عدداً من خصائص الطلبة الموهوبين والمتفوقين التي يمكن أن تعرضهم للمجازفة أو توقعهم في مواقف صعبة مع أنفسهم ومع الآخرين، ومن بين هذه الخصائص نذكر: الحساسية الزائدة ، قوة العواطف وردود الفعل، الكمالية، الشعور بالاختلاف والنمو غير المتوازن في المجالات العقلية والاجتماعية والعاطفية. وتم التوصل إلى ثمانية أنواع من المشكلات والمخاوف التي يشكو منها هؤلاء الطلبة، وهي:

 

أ. عدم إدراكهم لمعنى الموهبة والتفوق وعدم تعريفهم بذلك.

ب. شعورهم بالاختلاف وعدم التقبل من جانب الآخرين.

جـ. التوقعات المرتفعة التي غالباً ما يضعها لهم الآباء والمعلمون والرفاق.

د. الملل والضيق الذي يعاني منه معظم الوقت في المدرسة.

هـ. مضايقة رفاقهم الطلبة لهم بالسخرية أحياناً وبكثرة الأسئلة والانتقادات والطلبات أحياناً أخرى.

و. الشعور بالحيرة والتردد في مواجهة موقف الاختيار الدراسي الجامعي أو المهني لاختلاط الأمور وكثرة الفرص الممكنة.

ز. الشعور بالقلق المرافق لإحساسهم الشديد بمشكلات المجتمع والعالم وعجزهم عن الفعل أو التأثير فيها.

 

ح.     الشعور بالعزلة، واللجوء إلى إخفاء تفوقهم من أجل التكيف مع الرفاق، والتشدد مع الآخرين، ورفض القيام بأعمال معادة، ومقاومة السلطوية، وتدني الدافعية، والاكتئاب، وعدم تقبل النقد والقلق الزائد.

وكما يبدو فإن بعض هذه المشكلات والمخاوف يعود إلى مصادر خارجية يمكن تلخيصها في أن المجتمع لا يتقبل الطلبة الموهوبين والمتفوقين ولا يتفهم سلوكياتهم. كما أن البعض الآخر من هذه المشكلات يرجع إلى الخصائص الشخصية الموروثة لهؤلاء الطلبة، وأنماط تعلمهم، والنمو غير المتوازن في الجانبين العقلي والانفعالي، وشدة حساسية النظام العصبي لديهم.

  وأوردت سيلفرمان (Silverman, 1993) قائمةً بالمشكلات التي يواجهها بعض الطلبة الموهوبين والمتفوقين كنتيجة للتفاعل بين خصائصهم الشخصية وبيئاتهم الاجتماعية، واشتملت القائمة على ما يلي:

- تدني مستوى التحصيل الدراسي؛

- الاكتئاب الذي يختفي غالباً وراء ستار الملل؛

- إخفاء القدرات؛

- فهم الذات والانطواء الذاتي؛

- المنافسة الزائدة؛

- تجاهلهم في الأسرة والاهتمام بأخوتهم الأكبر سناً؛

- اتجاهات الآخرين السلبية نحو قدراتهم؛

- الشعور الزائد بالمسؤولية نحو الآخرين؛

- الإعاقات المخفية؛

- قلة الرفاق الموثوقين؛

- النمو غير المتوازن؛

 

  وهناك مشكلاتٌ تكيفية تظهر بنسبة مضاعفة لدى الطلبة الذين يصنفون كموهوبين ومتفوقين من المستوى الأعلى مقارنةً بالطلبة العاديين. وتشير بعض الدراسات (Robinson & Noble, 1991) إلى أن ما بين 20 و25% من هؤلاء الطلبة يعانون من مشكلات تكيفية تضم ما يلي:

- العزلة الاجتماعية؛

- إرهابهم ومناكدتهم من قبل رفاقهم الأكبر سناً؛

- اهتمامات اللعب الخاصة بهم التي لا يجدون من يشاركهم فيها من رفاقهم؛

- قلة الرفاق الذين يمكن مشاركتهم الميول والاهتمامات؛

الاعتماد الكبير على الوالدين في الصحبة والعشرة؛

- فقر المناخ المدرسي؛

- التوقعات المرتفعة من قبل الآخرين؛

- الوعي بقلق الوالدين نحو موهبتهم؛

 

ويعاني الطلبة الموهوبون والمتفوقون عموماً من جراء بعض الأزمات والمشكلات ذات الطابع التطوري. بمعنى أن بعض هذه الأزمات قد يبرز ويتفاقم في مرحلة عمرية أو دراسية معينة، وقد يرتبط بعضها بالذكور أو الإناث، وكلما ازدادت درجة التفوق والموهبة ازدادت الاحتمالات بأن تشتد الأزمات والمشكلات. وقد تمكن بعض الباحثين من تحديد عدد من الأزمات التطورية التي يحتمل أن يواجهها الطلبة الموهوبون والمتفوقون خلال مراحل نموهم المعرفي والنفسي المختلفة. ومن الأمثلة على ذلك ما أوردة الباحثان بلاكبيرن وإريكسون (Blackburn & Erikson, 1986) كما يظهر في الجدول رقم1:

 

 

الجدول رقم (1)

المراحل الدراسية والعمرية والأزمات النفسية المرتبطة بها

 

المرحلة الدراسية

المرحلة العمرية

الجنس

الأزمة

الابتدائية الدنيا

6-9

ذكور/إناث

النمو غير المتوازن وخاصة بالنسبة للذكور الذين لديهم تأخر في النمو الحركي

الابتدائية العليا

10-12

ذكور/إناث

تدني مستوى التحصيل الدراسي لانعدام فرص التحدي في منهاج المدرسة العادية

المتوسطة

13-15

إناث

الصراع بين الرغبة في تحقيق مستوىً رفيع من التحصيل والرغبة في الشعبية بين الذكور

الثانوية

16-18

ذكور/إناث

صعوبة الاختيار الدراسي الجامعي الذي يحدد مهنة المستقبل نظراً لتنوع القدرات وتعدد الخيارات

الجامعة

19-

ذكور/إناث

عدم القناعة بما هو دون الكمال في مستوى التحصيل والعمل

 

 

        مجالات إرشاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين

 

   على الرغم من تنوع المجالات أو الموضوعات التي تتناولها البرامج الإرشادية للطلبة الموهوبين والمتفوقين، إلا أنه يمكن حصرها في عدد محدود من القضايا الرئيسة التي ينبغي التركيز عليها في الجوانب المعرفية والانفعالية والمهنية. وأهم هذه القضايا ما يلي:

 


 

أولاً:    مفهوم الذات Self-Concept

   يعرف مفهوم الذات بأنه نظامٌ من الأبنية المعرفية التي تقوم بدور الوسيط في تفسير الأحداث والسلوكيات المتعلقة بالفرد وفي الاستجابة لها سواء أكانت موجهةً له أم صادرةً عنه. ويتضمن المفهوم كلا من إدراك الفرد لذاته وتقييمه لها. ويعد مفهوم الذات من أبرز موضوعات البحث والدراسة في مجال إرشاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين، غير أن معظم هذه الدراسات تركزت حول مفهوم الذات الأكاديمي ومفهوم الذات الاجتماعي. ومع أن النتائج تتفق حول مفهوم الذات الأكاديمي إلا أنها تبدو متناقضة عندما يتعلق الأمر بمفهوم الذات الاجتماعي. وبغض النظر عن نتائج الدراسات، فإن بعض الطلبة الموهوبين والمتفوقين يحتاجون للإرشاد لأن تقديرهم لذاتهم إما أن يكون سلبياً وإما أن يكون متذبذباً وحائراً.

 

  ويرتبط بمفهوم الذات اتجاهات هؤلاء الطلبة نحو موهبتهم، حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال من الموهوبين والمتفوقين ينظرون بإيجابية لأنفسهم، ولكن رفاقهم ومعلميهم ينظرون إليهم بصورة سلبية. أما الموهوبون والمتفوقون في سن المراهقة فينظرون بإيجابيـة لقدراتهم الأكاديميـة ونمـوهم الشخصـي، ولكن تصنيفهم كموهوبين ومتفوقين يحمل معه آثارٌ سلبية بالنسبة لعلاقاتهم الاجتماعية وعلاقاتهم مع الرفاق بوجه خاص (Kerr, Colanglo & Gaeth, 1988).

  وربما كانت أساليب الإرشاد الجمعي أكثر فاعلية في مساعدة الطلبة الموهوبين والمتفوقين على فهم ذواتهم وفهم الآخرين، لأن التفاعل بين أفراد المجموعة يوفر فرصةً لتبادل الخبرات والآراء واكتشاف المشاعر وتعديل الاتجاهات نحو الذات ونحو الآخرين.

 

ثانياً:   تدني مستوى التحصيل Underachievement

  يعرف تدني التحصيل بأنه تناقض أو فجوة بين الأداء في الامتحانات المدرسية وبين أي مؤشر من المؤشرات الاختبارية للقدرة الفعلية للطالب، كاختبارات الذكاء والاستعداد أو الإبداع أو التحصيل المقننة. ويمكن تقييم مدى الفجوة أو التناقض بين القدرة أو الطاقة Potential من جهة وبين الأداء الفعلي Actual Performance من جهة أخرى عن طريق مقارنة نتائج الطلبة على محكين مما يلي:

- اختبار ذكاء فردي (أو اختبار استعداد) واختبار تحصيل مقنن؛

- اختبار ذكاء فردي (أو اختبار استعداد) ومعدل التحصيل المدرسي؛

- تقدير المعلم وتوقعاته والأداء اليومي للمهمات والواجبات الدراسية؛

  ومن أهم الخصائص التي ترتبط بتدني تحصيل الطلبة الموهوبين والمتفوقين التقدير المتدني للذات Low Self- Esteem، والذي يبدو بمثابة الأساس أو المصدر لمعظم مشكلات تدني التحصيل. وترتبط بتدني تقدير الذات سلوكاتٌ أخرى قد تكون ناجمةً عنه أو مرافقةً له. ومن بين هذه السلوكات:

- التجنب الدفاعي للواجبات الأكاديمية المهددة عن طريق التقليل من أهمـية النجاح في المدرسة، والانشغال بنشاطات خارج المدرسة، ومهاجمة الأجواء السلطوية للمدرسة، ووضع أهداف مثالية عليا يصعب تحقيقها؛

- تدني مستوى الضبط الذاتي وعدم وضوح العلاقة بين الجهد والنتيجة وتطور نمط غير صحيح من الأحكام في حالتي النجاح والإخفاق، كأن يعزى النجاح للحظ والإخفاق للافتقار للقدرة؛

ممارسة عادات دراسة رديئة، وعدم إتقان المهارات، وعدم التركيز، وعدم الانضباط في المدرسة والبيت؛

  وقـد درست هـذه الظاهرة بتعمق مـن قبـل بعض الباحثين الذين يعدون خبـراء في مجـال إرشـاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين. وفي مقدمـة هؤلاء الباحثين نذكر سلفيا رم Sylvia Rimm التي تعرف بغزارة إنتاجها من المقالات والكتب التي تعالج ظاهرة تدني التحصيل لدى بعض الطلبة الموهوبين والمتفوقين، ومن أمثلة ذلك كتابها الذي نشر عام 1986 بعنوان "أعراض تدني التحصيل: الأسباب والمعالجات"Underachievement Syndrome: Causes and Cures، وكذلك الباحثة ويتمور Whitmoreالتي نشرت كتاباً معروفاً عام 1980 بعنوان "الموهبة، الصراع، وتدني التحصيل" Giftedness, Conflict, and underachievement. ويركز الكتاب على الطلبة الموهوبين والمتفوقين الذين يعانون من صعوبات في التعلم وتدني التحصيل المدرسي.

 

وقـد تنـاول الباحثون ظاهـرة تدنـي التحصيل مـن مختلف جوانبها التي تشمل:

- تعريف المفهوم وأسبابه والسلوكات الدالة عليه؛

- أساليب التشخيص وأساليب العلاج؛

- العلاقات بين تدني التحصيل، ومتغيرات العائلة، والمدرسة، والجنس، والعرق والشخصية؛

 

  ومن الأهمـية بمكان أن نبرز الدور المهم الذي تلعبه المدرسة في تطور مشكلة تدني التحصيل أو معالجتها لدى الطلبة الموهوبين والمتفوقين، ذلك أن تدني التحصيل سلوكٌ يمكن تعلمه من الأسرة والمدرسة والمجتمع.وإذا كانت المدرسة هي المؤسسة التي يتوقع منها المجتمع أن تنظم البرامج التربوية الملائمة لتحقيق النمو السوي للطلبة من الناحيتين المعرفية والانفعالية، فإنها مطالبةٌ بأن توفر حداً أدنى من الشروط التي تحفظ للأمة أبناءها الموهوبين والمتفوقين من أن يتحولوا إلى عاجزين متدني التحصيل.

 

  وقد وصفت ويتمور (Whitmore, 1980) الأجواء الصفية التي تدعم وتسبب تدني التحصيل لدى الطلبة الموهوبين والمتفوقين بصفات عديدة من أهمها: قلة الاحترام للطالب، التركيز على التقييم أو التعزيز الخارجي، التركيز على المنافسة، الجمود وعدم المرونة، المبالغة في اصطياد الأخطاء، التوقعات المتدنية من قبل المعلم وقلة التحدي لقدرات الطالب عن طريق إعطائه المزيد من المهمات المعادة لإشغاله. وسوف تتم مناقشة متغيرات الصف المثير للتفكير والمدرسة التي ترعى الإبداع لدى الطلبة في الفصلين الحادي عشر والثاني عشر من هذا الكتاب، ولكن يبدو واضحاً أن الصفات المذكورة أعلاه هي أهم ما يميز الصف المتمركز حول المعلم.

 

ثالثاً:   الاختيار المهني

  يستطيع معظم الطلبة الموهوبين والمتفوقين النجاح في حقول دراسية ومهنية عديدة بالنظر إلى تنوع قدراتهم واهتماماتهم. إلا أن تعدد الخيارات الدراسية المتاحة لهم -بقدر ما هو حالةٌ إيجابية- ربما يقود إلى حالة من الإحباط عند مواجهة موقف الاختيار مع نهاية مرحلة الدراسة الثانوية بوجه خاص، ذلك أن الطالب الموهوب والمتفوق لا بد أن يختار هدفاً مهنياً واحداً ويحيد أو يلغي قائمةً من الخيارات الممكنة التي يستطيع النجاح فيها. ولا شك أن اختيار هدف مهني واحد يمثل تقييداً وتحديداً لهامش عريض من الاهتمامات والميول.

 

  لقد وجد الباحثان كير وكولانجلو (Kerr & Colanglo, 1988) أن أعلى 5% من الذين تقدموا لاختبار الجامعات الأميركية (ACT) American College Testing عبروا عن حاجتهم للمساعدة في تحديد أهدافهم المهنية والتربوية أكثر من حاجتهم للمساعدة في الأمور الشخصية. وأشارت نتائج تحليل اختياراتهم أنهم كانوا في معظمهم يتوجهون لدراسة الهندسة والطب والقانون إلى حد ما، بينما كانت دراسة التربية والعلوم النظرية في أدنى سلم أولوياتهم. ومع أنه لا يوجد تفسيرٌ علمي لهذا التوجه في الاختيار، إلا أنه يبدو واضحاً ميلهم للمهن التقليدية التي تتمتع بمكانة مرموقة في المجتمع.

 

  وإذا كان معظم الطلبة الموهوبين والمتفوقين يخططون لمتابعة دراساتهم العليا بعد حصولهم على الدرجة الجامعية الأولى حتى قبل أن يتخرجوا من المدرسة، فإنهم لا بد أن يفهموا الأبعاد الحياتية التي تترتب على ذلك من حيث التأخير المتوقع لاستقلاليتهم الاقتصادية وأحلامهم في الزواج وتكوين أسرة. وقد تشغل قضية الزواج بصورة خاصة حيزاً من تفكير الفتيات اللاتي يتوقعن ضغوطاً أسرية كلما طالت مدة الدراسة، بالإضافة إلى أنهن قد يفقدن فرصة الاختيار كلما تقدمن في السن.

 

  أما القرار الذي يتعلق باختيار جامعة مرموقة لمتابعة الدراسة الجامعية فإنه يتأثر بمستوى التوقعات المرتفعة للأسرة والمدرسة والأصدقاء. ومن الطبيعي أن يبحث الطلبة الموهوبون والمتفوقون عن أرقى الجامعات سمعةً للالتحاق بها، ولكنهم يصطدمون عادةً بمحددات الواقع خاصة عندما تتوجه أنظارهم إلى جامعات معروفة خارج الوطن وليس في مقدور أسرهم الإنفاق عليهم في هذه الجامعات باهظة التكاليف. وقد يكون من المناسب أن نشير إلى واقعة حقيقية لأحد طلبة مدرسة اليوبيل التابعة لمؤسسة نور الحسين في عمان، لقد أتيحت فرصة لهذا الطالب أن يحصل على بعثة للدراسة في إحدى جامعات ولاية تكساس الأميركية عام 1997، ولكنه بعد أن أخذ وقته في التفكير والاستشارات قرر أن لا يتقدم للبعثة لسبب بسيط هو أن الجامعة لا تقع ضمن الصف الأول من الجامعات الأميركية (مثل هارفرد وبرنستون وبيركللي) حسب المعلومات الواردة في إحدى المنشورات التي تصنف الجامعات الأميركية.

 

   وفي هذا الصدد أجرى المؤلف دراسةً مسحية (غير منشورة) لأوائل امتحان الثانوية العامة في الأردن خلال الفترة من عام 1968 حتى عام 1987 بدعم من المنحة الملكية للثقافة والتعلم، وشملت الدراسة 821 طالباً وطالبة من الفرعين العلمي والأدبي بعضهم كان لا يزال على مقاعد الدراسة الجامعية والبعض الآخر كانوا يعملون داخل الأردن وخارجه، وأشارت نتائج الدراسة المتعلقة بالاختيار المهني إلى ما يلي:

عبر حوالي 33% من أفراد الدراسة -ومعظمهم من العاملين- عن رغبتهم في تغيير تخصصاتهم لو أتيحت لهم فرصةٌ أخرى. كما أفاد 66% منهم بتجاهلهم لحاجة سوق العمل عند اختيار تخصصاتهم في الجامعة؛

أفاد 33% من الأوائل العاملين أنهم لا يشعرون بالسعادة والرضا في العمل لأن ظروف عملهم لا تحقق لهم إشباعاً ماديـاً ومعنوياً كافياً، ووجد أن 60% من العاملين لا يمارسون أعمالاً تنسجم مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم؛

 

  إن هذا النتائج تقدم دليلاً إضافياً لما توصلت إليه دراسة كر وكولانجلو (المشار إليها سابقاً) على حاجة الطلبة الموهوبين والمتفوقين للإرشاد المهني والإرشاد التربوي حتى تكون اختياراتهم مبنية على أسس سليمة ومدروسة. وذلك بالرغم من اعتقاد بعض المرشدين بأن تعدد الاختيارات وتنوعها أمام الطلبة الموهوبين والمتفوقين يجعلهم أحراراً في اختياراتهم دونما حاجة حقيقية للمساعدة، متناسين أن تعدد الخيارات قد يكون مشكلة من شأنها تعقيد عملية الاختيار.

 


 

رابعاً:   الأسرة والمدرسة

  يمارس الوالدان عادةً أنماطاً تقليدية -مشتقة من خبراتهم مع أبنائهم العاديين- في التعامل مع أبناءهم الموهوبين والمتفوقين. وليس من المتوقع أن يكون لدى الوالدين معرفةً وافية بخصائص الأطفال الموهوبين والمتفوقين ومشكلاتهم واحتياجاتهم، وبالتالي فإنهم يجدون صعوبةً في التكيف، وحيرةً في اتخاذ القرارات المناسبة عندما يواجهون طفلاً يتصرف بطريقة لا تنسجم مع توقعاتهم المبنية على خبراتهم مع الأطفال العاديين، وقد يشعرون بالعجز أو عدم الكفاية عندما يكون طفلهم نابغة Precocious Child أو متقدماً بدرجة غير عادية في نموه العقلي. وقد يكون عجزهم بسبب عدم قدرتهم على تقديم الدعم العاطفي الذي يحتاجه طفلهم الموهوب، أو بسبب عدم قدرتهم على توفير الخبرات التربوية أو المثيرات العقلية اللازمة. وقد يترتب على تصنيف أحد أبناء الأسرة كموهوب مشكلاتٌ بين الأشقاء أو بين الوالدين أو بين الوالدين وأشقاء الطفل الموهوب والمتفوق، وفي بعض الأحيان يكون الجو العام للأسرة مشحوناً.

 

  ومن أمثلة الممارسات التي تؤدي إلى توتر جو الأسرة محاباة الوالدين لطفلهما الموهوب والمتفوق، والاهتمام الزائد به، والإكثار من مدحه والثناء عليه، ومقارنته بأشقائه في معرض الإشارة لتحصيله المدرسي وتصرفاته في المنزل وغير ذلك. إن مثل هذه الممارسات قد تثير حفيظة الأشقاء وتعمل على تطوير مشاعر الغيرة والحسد والكراهية بينهم وبين شقيقهم الموهوب والمتفوق، وربما تؤدي إلى تطور حالة من التنافس المحموم بين الأشقاء وعدم التكيف والانسجام. ومن جهة أخرى لا يتفق الوالدان دائماً على دقة تصنيف أحد أبنائهم ضمن فئة الموهوبين والمتفوقين. وعندما لا يكون الاتفاق قائماً بين الوالدين تصبح الأجواء مهيأة لردود فعل متباينة ومختلطة تجاه طفلهما.

 

   أما العلاقة بين الأسرة والمدرسة فإنها تتلخص في الدور الذي يمكن أن تقوم به المدرسة لمساعدة الطفل الموهوب والمتفوق. ذلك أن الأسرة تتوقع من المدرسة أن توجه اهتماماً لطفلها من حيث المناهج الدراسية والواجبات المنزلية وغيرها. وقد تكون العلاقة وديةً وتعاونية إذا كانت المدرسة متفهمة للأمر، وقد تكون عاصفةً ومشحونةً بالصراعات عندما لا تكون إدارة المدرسة ومعلموها على وفاق مع الأسرة. وتحدد طبيعة العلاقة بين الطرفين ما إذا كانا سوف يتعاونان لرعاية موهبة الطفل في حدود الإمكانات المتاحة أو أن تتحمل الأسرة بمفردها مسؤولية الرعاية.

 

  إن المرشد المدرسي يمكن أن يمارس دوراً فعالاً في تطوير علاقات إيجابية بين إدارة المدرسة ومعلميها من جهة وبين أولياء أمور الطلبة الموهوبين والمتفوقين من جهة أخرى بغض النظر عن طبيعة البرامج التي تقدمها المدرسة، وسواء أكان لدى المدرسة برامج خاصة أم لم يكن. وذلك عن طريق العمل مع كل طرف على حدة، ومساعدة الطرفين على تطوير علاقات مثمرة لمصلحة أبنائهم وطلبتهم. وتزداد أهمـية دور المرشد عندما تكون هناك حاجةٌ لاتخاذ قرار بالتسريع الأكاديمي للطالب الموهوب والمتفوق

 

برامج إرشاد الطلبة الموهوبين والمتفوقين

 

   تمثل خدمات الإرشاد جزءاً أساسياً من برامج تعليم الموهوبين والمتفوقين ورعايتهم. وسواء كان البرنامج التربوي إغنائياً Enrichment أو تسريعياً Acceleration فإنه يبقى قاصراً عن تلبية احتياجات الطلبة ما لم يتم تدعيمه بخدمات إرشادية منظمة ومتكاملة. وذلك لأن إهمال هذه الخدمات يؤثر –لا محالة– بصورة سلبية على: دافعيتهم للتعلم والإنجاز، وطموحاتهم المستقبلية، وتقديرهم لذاتهم، ونموهم العاطفي، وعلاقاتهم الاجتماعية، ونموهم المهني، واختياراتهم الدراسية أو المهنية. كما أن خدمات الإرشاد ضرورية لمساعدة الطلبة الموهوبين والمتفوقين على التكيف مع حقائق عالمهم الخارجي التي تكون محبطةً في بعض الأحيان، ومع مكونات عالمهم الداخلي بما يحويه من قدرات ودوافع وميول وقيم واتجاهات.

 

أولاً:    خصائص برنامج الإرشاد

  تظهر المراجعة الوافية للكتابات والدراسات المتعلقة بخدمات الإرشاد للطلبة الموهوبين والمتفوقين أن برنامج الإرشاد المتكامل والفعال ينبغي أن تتوافر فيه مجموعة من المواصفات والشروط من أهمها:

 

         ‌أ-         أن يكون البرنامج مبنياً على الحاجات التطورية للطلبة الموهوبين والمتفوقين، وقد سبقت الإشارة إلى نموذج من هذه الحاجات في بداية الفصل.

      ‌ب-      أن يكون البرنامج شاملاً يغطي جوانب النمو في المجالات المعرفية والانفعالية والمهنية.

      ‌ج-                أن تستخدم فيه أساليب الإرشاد الفردي والإرشاد الجمعي معاً.

        ‌د-        أن يتضمن البرنامج بعداً وقائياً لتحاشي الوقوع في المشكلات المتوقعة حسب الفئة العمرية، وبعداً علاجياً للتعامل مع المشكلات الموجودة فعلاً.

     ‌ه-                أن تستخدم فيه أساليب الإرشاد وتكتيكاته المختلفة حسب ما تقرره طبيعة الحالة والأهداف الموضوعية.

        ‌و-        أن يكون البرنامج مبنياً على خصائص الطلبة الموهوبين والمتفوقين في المجالات المعرفية والانفعالية.

        ‌ز-       أن يتضمن البرنامج مادة تعليمية تعرف في الأدب التربوي بالمنهاج الانفعالي Affective الذي يشمل التربية القيادية، ومفهوم الذات، والنمو ال

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1606 مشاهدة
نشرت فى 4 ديسمبر 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,916