<!--<!--

تاريخ النبوات الكبرى

                                         عصر آدم 5600ق.م – 4000ق.م

مقدمة :

لقد كتبت قبل سنوات كتاباً بعنوان " تاريخ العقيدة " وينقسم إلى قسمين القسم الأول يتناول تاريخ الأجناس البشرية المنقرضة هذه الأجناس التي نقرأ عنها في كتب علماء الأجناس البشرية ( الانثروبولوجيا ) ويهدف إلى معرفة تاريخ هذه الأجناس البشرية التي عاشت منذ مئات الآلاف السنين على الأرض  

بينما القسم الثاني من الكتاب يتناول تاريخ دعوات الأنبياء أو تاريخ النبوات الكبرى ينقسم القسم الثاني إلى عدة عصور وهي عبارة عن تاريخ الأنبياء الذين لهم شرائع من قبل رب العالمين    

متى ظهر آدم أبو البشر الحالي ؟

يمثل المكان عنصراً من عناصر حركة التاريخ ويعلب المكان دوراً في تحديد نوعية حرف الناس ومعرفة خصائص عصرهم ومميزاته ، اتفق المؤرخون قديما على ان ظهور ( هبوط ) آدم كان في الهند على جبل يقال له (نود) من أرض سرنديب ( جزيرة سريلانكا الحالية) وكانت تعد جزءاً من أراضيها الهند أيام الفتح الإسلامي (1)

مر آدم وزوجه في الجنة بتجربة إعداد وتحمل أعباء عمارة الأرض ( الخلافة ) ( 2) ويمتاز آدم بسرعة إعداده وشعوره بمشاركة العمل مع الآخرين أي الاختلاط بهم وهو شعور داخلي دفع آدم وزوجه إلى الهجرة ، ولو ان هناك من قال أن آدم نزل في الهند وأن حواء نزلت في جدة بقرب مكة ( 3) ورأي آخر يقول أن آدم وجواء هبطا  معاً بجبل أرض الهند (4) ، على أي حال فترة مكث آدم بأرض الهند عبارة عن فترة إعداد وتأقلم مع البيئة والجو على كوكب الأرض إلى أن أمر بالهجرة إلى الغرب عن طريق أفغانستان فإيران حيث أنه عاش فترة من الزمن وأنجبوا أولاداً تزوجوا وتعلموا الزراعة وهذا هو السر في ان آدم اخذ معه صرة ( كيس) من الحنطة او القمح عندما خرج من الجنة الأرضية ( 5)

اتجه آدم بعد ذلك غرباً باتجاه شمالي العراق وذلك في حدود 5100ق.م وساهم ومن معه في إرساء حضارة ( دور حلف ) امتازت هذه الحضارة بوجود الفخار الملون الزاهي الذي يعد فريداً من نوعه مع العلم انه صنع باليد وهذا يدل على العقلية التي امتاز بها آدم وذريته إلى جانب وجود الصحون والطباق فيها أشكال نباتية وحيوانية التي تستخدم لتناول الطعام ووجدت القلائد والأقراص الحجرية ( الختم ) التي تعتبر أقدم اختام بسيطة تظهر في هذه المنطقة ، ومن مميزات هذه الحضارة تطور دور السكن والمعابد مما يدل على استقرار الإنسان وممارسة العبادة في أماكن خاصة

كانت منطقة شمالي العراق منطقة سكنى للإنسان منذ العصور الحجرية الوسطى ، ولما وصل آدم إلى هذه المنطقة سكن فيها في قرية ( زاوي – جمي) وهي أقدم قرية في العالم ثم واصل هجرته إلى بلاد الشام ، وامتدت القرى إلى الجنوب ( منطقة كركوك الحالية ) فشهدت أول قرية هي قرية (جرمو) المعاصرة لمدينة ( أريحا) قبل 5000ق.م والغريب في الأمر ان المنطقة لم تشهد في العطاء الحضاري في فترة ما قبل هجرة آدم إلى شمالي العراق ، علماً أن هذه المنطقة قليلاً ما شهدت تعاقب هجرة الجماعات البشرية التي جاءت من كردستان والقوقاز وشمال سوريا منذ العصر الحجري القديم (6) وأخيرا استقر آدم ومن معه بقرب موضع قريب من دمشق ، تقول مقولة ان كلمة (دمشق) مشتقة من كلمة (دم) وكلمة ( سقي) أو شقة باللغة السامية القديمة وتشير الكلمة إلى حادثة قتل قابيل أخاه هابيل في هذا المكان ( دمشق) (7) وهناك رأي يقول أن ان قابيل قتل أخاه في جبل قاسيون شمالي دمشق ( مغارة الدم ) ( 8)

استقرار آدم في بلاد الشام :

تعتبر منطقة الشام همزة وصل بين ثلاث قارات : آسيا وأفريقيا وأوربا ، استطاع الإنسان منذ القدم الهجرة إلى القارات الثلاث بسهولة  ، وهناك قواسم مشتركة منها تشابه الحضارات فيها ، فقد سكن الإنسان منذ القدم بلاد الشام بعد ان خرج من موطنه الأول في أواسط آسيا وهاجر الإنسان النياندرتال إلى أوربا بعد ان ترك موطنه في حوض البحر المتوسط ومن ثم انتشر في أرجاء أوربا بل وهاجر إلى أفريقيا بعد اجتياز الجليد معظم قارة أوربا وعندما ظهر الإنسان العاقل في بلاد الشام تزاوج مع الإنسان النياندرتال ونتج إنسان جبل الكرمل واصبحت له السيادة بمعنى كثرت ذريته  ،  تعتبر بلاد الشام معتدلة المناخ والأمطار فيها تساعد على قيان الزراعة لذا مارس الإنسان منذ القدم حرفة الزراعة فيها ، لذا أولاد آدم مارسوا الزراعة في الشام وذلك قبل معرفة الإنسان الزراعة في بلاد النيل وبلاد الرافدين ، ولعل استقرار ذرية آدم في بلاد الشام جاء نتيجة ممارسة الزراعة ، ولعل هناك سبب هام آخر ساعد آدم وذريته بالهجرة إلى الشام هو قرب هذه المنطقة من مكة ( بيت الله الحرام ) ويعد هذا البيت محور وملتقى الأنبياء من ذرية آدم ، وقد ذكر تعالى أن من ذرية آدم أنبياء قبل نوح ( سورة مريم / 58)  لماذا لم يسكن ذرية آدم الجزيرة العربية ؟ وذلك تشهد الجزيرة العربية في هذه الفترة تقلباً في المناخ وظهور الصحراء وذلك منذ سنة 8000ق.م (  9)  

شهدت أريحا وهي أقدم مدينة في بلاد الشام حضارة عظيمة اعتمدت على الزراعة وعرف سكانها صناعة النحاس فصنعوا أدواتهم من النحاس بدلا من الحجر أي أن المنطقة شهدت بداية عصر التعدين  ( 10)

قصة هابيل وقابيل:

تعتبر هذه القصة مأساوية وقد تناولها المؤرخون قديماً وحديثاً على أساس أن أول دم سفك وأول انحراف مارسه بني آدم على الأرض ، تناول القرآن هذه القصة المأساوية في سورة المائدة ( الآيات 27-31) وبين القرآن السبب هو الصراع بين الحق والباطل وليس المسألة هي زواج أخ بتؤمة أخيه كما نقلها الطبري من التوراة ( 11)

وضح مفهوم الخير والشر لدى بني آدم وذلك من خلال تقوية علاقتهم بربهم ومعرفة النفس وعيوبها والتغلب على هذه العيوب منها الحسد والأنانية وحب الذات ، ولعل قابيل فشل في الابتلاء بعد ان أغواه إبليس العدو الأول لآدم وذريته ( 12) وأن إبليس لم يكن يغوي احداً قبل آدم بل ذهب مع الملائكة لمحاربة الذين يفسدون في الأرض كما يقول المفسرون في شرح آية:" قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها "( 13) ، على أي حال هرب قابيل بعد قتل أخيه هابيل وبعد ان دفنه كما يستفاد من قصة الغراب الذ بعثه تعالى ليعلم قابيل مواراة سواة اخيه (14)

يقول المفسرون ان قابيل لم يكن له عقب او نسل لن ذرية آدم انتهت إلى ابنه شيث الابن الثالث لآدم بعد قابيل وهابيل لكن يتبين ان إدريس النبي قد حارب ذرية قابيل واسترق منهم اناساً ومن بعض الأقوال يستفاد ان من ذرية قابيل فراعنة وجبابرة وجاء في كتاب ( الكامل في التاريخ ) أن احد أبناء قابيل قد قتل أباه ( 15) وهذا يعني ان قابيل كان له ذرية

قصة ادريس :

يعد ادريس نبياً من ذرية آدم ، بعث لإتمام شريعة آدم ، وقد شهد عصره تقدم في بعض العلوم ، إذ تعلم الناس زمن أي ساعات الليل والنهار وعبادة الخلوة في كل ساعة وعرف ادريس موعد الطوفان ، اختلف المؤرخون في مولد ادريس هناك من قال انه ولد بالشام وقد عاصر جده آدم وتعلم منه شريعته وأنه ذهب مع من ذهب إلى مصر لهداية الناس ، وهناك رأي يقول أنه ولد في ( منف ) بأرض مصر وهذا رأي ضعيف لأنه لم تكن موجودة في عصر ادريس ( 16)

ورأي آخر وهو مقبول يقول ان ولد في مصر خاصة في جنوب وادي النيل ورأي يقول انه ولد في بابل ونشأ فيها وتعلم الكتابة وحاربه قومه وخرج مع من آمن به إلى بلاد النيل ( 17) وهذا رأي ضعيف لعدم نشأة بابل في عصر ادريس

شهد وادي النيل بعد سنة 5000ق.م جموعاً بشرية سواء التي أتت من بلاد الشام وعلى رأسها ذرية آدم بعد مغادرة المناطق التي شهدت الجفاف طلباً للرزق ، او الجموع التي أتت من جنوب مصر ومنها ذرية التي مارست الزراعة يقول محمد عزة دروزة : إن المصريين القدماء عرفوا أسرار تخطيط المدن والكتابة الهيروغليفية على يد الساميين الذين دخلوا مصر قبل 3500ق.م وأن هناك شعباً قد دخل مصر قبل 4000ق.م أقاموا إمارات صغيرة قبل قيام المملكة الأولى بمصر ( 18)

بعث ادريس نبياً إلى ذرية قابيل الذي هاجر إلى مصر على أثر قتل أخيه ، خاصة اهالي الصعيد المصري وكان ادريس يدعو إلى شريعة آدم وشيث والتف حوله انصار فحارب بهم العصاة من ذرية قابيل في عصره ، وقد بنى المساكن ( خط المدن ) كي يجذب الناس إلى القرى وينشر الدين ، وتقدمت العلوم في عصره منها الفلك والطب

ملخص عصر آدم:

سادت في هذا العصر حضارة تتمثل مظاهر هذه الحضارة بناء القرى والمدن والحصون وقيام الصناعات اليدوية وانشار الكتابة وبالذات زمن النبي ادريس ( الكتابة التصويرية ) وانتشار ذرية آدم في منطقة الشرق الأوسط الحالية وشهدت هذه المنطقة امة واحدة تدرين بدين واحد وشريعة واحدة (البقرة/ 213ويونس/19)

 

 

                                    عصر النبي نوح ( 4000ق.م – 2000ق.م

يسمى هذا العصر بعصر الحضارات الكبرى ، بعد سيطرة الكفار على زمام الأمور وإبعاد اتباع الدين والشريعة عن السلطة والحكم ، شهد هذا العصر شريعة جديدة وهي شريعة نوح ، الذي يعده بعض المؤرخين الأب الثاني للبشر بعد آدم وذلك لانتشار ذريته بعد الطوفان في منطقة الشرق الأدنى وما جاورها ن ويعتبر نوح اول رسل أولي العزم كما في المفهوم القرآني وواجه اهل الكفر والانحراف حتى انه طلب من ربه ان لا يبقى احد ا من ذراري  الكفار على الأرض (  19)

أين ظهر نوح؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بأس بذكر مكان حدوث طوفان نوح ، أغلب المؤرخين يميلون إلى ان هذا الطوفان قد حدث في بلاد الرافدين ، ولكن اختلفوا في تحديد مكانه ، فالذين تأثروا بما جاء في التوراة يعتقدون ان الطوفان قد حدث لأهل بابل ومن هذا القول يتبين ان الطوفان حدث في جنوب العراق ، لكن هذا القول لا يسمد أمام الاعتبارات التاريخية والجغرافية والدينية ذلك ان جنوب العراق لم يشهد جموعاً بشرية إلا في حدود 3500ق.م وهو أول زمن لظهور السومريين الذين سكنوا هذه المنطقة ، بينما الطوفان قد حدث في حدود 3900ق.م حسب الجدول الذي ذكره عماد الدين إسماعيل أبي الفداء في كتابه ( المختصر في أخبار البشر ) ويسمى تاريخ أبي الفداء حسب ما نقله من التوراة وقد نقل ابن الوردي الجدول من ابي الفداء في كتابه ( تاريخ ابن الوردي )

كذلك السفينة التي رست على جبال ( أرارات ) او جبال الموصل لا يمكن ان تتجه نحو الشمال عكس اتجاه سير المياه ، لا بد من ان الطوفان قد حدث في الشمال واتجهت سفينة نوح نحو الجنوب ورست في منطقة الجبال المذكورة ، وأيضا ان بابل كمدينة لم تظهر في بداية دعوة نوح ، ويقال انها كانت مدينة لا شان لها أيام السومريين وذلك في حدود سنة 3000ق.م ، وأن بابل قد اشتهرت أيام الأكديين وبالتالي شهور بالبل كعاصمة لامبراطورية عيظمة كانت في زمن ( سرجون الأكدي ) مما جعل المؤرخين قديماً يعتبرون بابل قديمة وأكبر من حجمها الطبيعي ( 20) ثم ان ابن نوح قال كما قال القرآن : سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ( هود/33) وهذا يعني ان الجبال كانت قريبة من مساكن قوم نوح ، أي أنهم سكنوا شمال العراق وليس جنوبها وقد كانت منطقة شمالي العراق آهلة بالسكان منذ هجرة ذرية آدم إليها

الحالة السياسية في عصر نوح:

كانت العراق تابعة لبلاد الشام أيام ذرية آدم وإلى زمن ادريس لكنها انفصلت واستقلت عن الشام بعد بروز قوى سياسية في شمالي العراق ، وهذه القوى بدات تستقل أولاً من الناحية الصناعية والعمرانية وتتقدم على بلاد الشام ، ثم ان هذه القوى انتشرت نفوذها وسط العراق باتجاه خطي دجلة والفرات ، ويتبين ان السبب الأقوى لاستقلال القوى السياسية في بلاد العراق عن الشام هو انحراف العقيدة التي ظهرت بوادرها الأولى قبيل 4000ق.م ولكن ملامحها تشكلت بعد هذه الفترة الزمنية إلى جانب لا ننسى دور ( دويلات المدن ) التي ظهرت في هذه الفترة في العراق ككيانات سياسية منفصلة ثم توحدت بعد ذلك سياسياً ودينياً واستقلت عن الشام

وظهرت علاقات تجارية بين مصر ودويلات المدن وبينها وبين الشام فقد وجد الفخار الملون في مصر وهو من نتاج حضارة دويلات المدن ( حضارة جمدة نصر) التي عاصرت حضارة ( جرزة) المصرية (21)  

وبعد الطوفان وجدت آثار حضارية لدور ( جمدة نصر ) وعصر فجر السلالات ودور العبيد على السواحل الشرقية للمملكة العربية السعودية  ، وفي واحة البريمي في أبوظبي ( 22) ، وهذا يعني بوجود نوع من العلاقة بين هذه الدويلات والقوى السياسية المجاورة لها واعتقد ان العلاقة في البداية كانت سياسية ولكن بعد الطوفان هاجرت  اعداد كبيرة من البشر إلى جنوب العراق بمحاذاة الساحل الغربي للخليج وشكلت وحدات سياسية هناك في حدود 3000ق.م وامتد نفوذها إلى بلاد عمان وحضرموت بظهور قوم هود وقيام حضارتهم ، وشهد جنوب العراق في البداية هجرة السومريين لها وتكونت مدن هامة فيها مثل ( كيش ) و (لجش) و ( أور ) ( 23) 

يعتبر السومريون بناة حضارة عظيمة في بلاد الرافدين ، وقد ظهروا على المسرح السياسي في حدود سنة 3500ق.م ، هذا واختلف المؤرخون في أصل السومريين ن منهم من قال انهم جاءوا من الجبال الشرقية بين العراق وإيران ، وجففوا الأراضي القريبة من مصبي الرافدين لإقامة الزراعة عليها ، ومنهم من قال انهم من الشعوب القديمة التي سكنت بلاد الرافدين وهناك قول ثالث أنهم قال أنهم جاءوا من جبال كردستان من جهة الشرق واتجهوا جنوب العراق ووجدوا قبائل رحل في منطقة فأخرجوهم منها ( 24)

اعتقد أنهم جاءوا من إيران بعد أن عرفوا ان طوفاناً سوف يعم بلاد الرافدين وكانوا أصحاب حضارة ودين وجاءوا كي يحلوا محل قوم نوح في عمارة بلاد الرافدين بعد هلاكهم بالطوفان ، وقد ذكروا في تراثهم الطوفان وأن سبب الطوفان  غضب الإله لكفر الإنسان ولهذا اشتهروا بتقديم القرابين لإرضاء الإله وشكره ( 25)

يعتقد السومريون أن الملكية هبة من السماء وأن الصالح من الناس هو الذي يجب أن يحكم كي يطبق حكم الإله ، واشتهر ( أورروكاجينا ) من بيننهم بالصلاح ، حيث قام بإصلاحات بعد أن قام بانقلاب عسكري وسيطر على زمام الأمور في دويلة 0 لجش) وطهر البلاد من الفساد الإداري والخلقي ، وقال في قوانينه انه قام بالإصلاح بأمر من الإله ( تنجوسو) وهو إله دويلة (لجش) وانه جاء ليرفع الظلم من كاهل الفقراء والفلاحين ، وظهر هذا المصلح في حدود 2378ق.م وحكم لمدة ثمان سنوات ، ولكن نتيجة تآمر المترفين من الداخل عليه والذين لم يؤيدوا إصلاحاته فقد اتفقوا مع حاكم دويلة ( أوما ) المجاورة واسمه ( لوكال زاكيري) الذي هجم على ( لجش) وأسقط الحكم وقضى على (أوروكاجينا) وأصبحت ( لجش) تابعة لحكم ( أوما) ، وقال أتباع ( أوروكاجينا ) ان ملك ( اوما ) سوف يلقي نفس مصير ( أوروكاجينا ) وان السومريين سوف يقضي على ملك (أوما) نتيجة ابتعاده عن الدين وسوف يأتي قوم يخلفونهم ، بالقعل ظهر قائد عسكري واسمه ( سرجون الأكدي) وهو من الساميين من ذرية نوح الذين خرجوا من الجزيرة العربية واستطاع ( سرجون ) ان يقضي على ( لو كال زاكيري) ويقيم دولة كبيرة وهي الأمبراطورية الأكدية (26)    

الحالة الدينية في هذا العصر :

لما كثر نسل آدم وتميزوا عن الأجناس البشرية المنقرضة بكمال العقل ، فقد أشادوا حضارة كبيرة ومن مظاهرها تقدم الزراعة الصناعة ونشر العدل في ربوع الأرض ، وكانت النفوس على الفطرة ولم تظهر الأنانية بشكل  صريح وكان الناس راضيين بحكم الأنبياء من ذرية آدم وكان هدف هؤلاء الأنبياء هو حفظ شريعة آدم وتثبيت العقيدة في النفوس 

وكان بعض الأنبياء ملوكاً ولكن في عصر نوح بدأت فئة المترفين تسيطر على زمام الأمور كما مر ذلك في شمالي العراق وذلك لبعد المنطقة عن مركز النبوة بالشام ، ولحسن نية الناس بمن يمثلهم ويدير شئونهم ، وأصبح المجال مفتوحاً لفئة المترفين من تغيير مفاهيم الناس عن الحياة والكون الإنسان بعد تسلمها الحكم وظهر الانحراف العقائدي في قوم نوح كعبادة الأصنام وعدم الإيمان بالبعث والاستهزاء بالأنبياء والمصلحين قال تعالى : كذبت قوم نوح المرسلين (27) وأصبحت فئة المترفين تفكر بالأمور وتنظيم شئون الناس أضل من اتباع الأنبياء ، خاصة اتباع نوح الذي لا رأي ولا فكر لهم (28)  وظهر الجدال كأسلوب لمقارعة اتباع الأنبياء ، وبدأ الناس يعتمدون على تنظيم أفكارهم وما تمليه النفس عليهم لذا أخذ قوم نوح يجادلون بنيهم في أمور النبوة والبعث ، قال تعالى : قالوا يا نوح قد جادلتنا فاتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ( 29) وعلى الرغم أن الأنبياء يستخدمون أسلوب النصح والإرشاد إلا أن الكفار يعتبرون ذلك جدالاً فيجادلون الأنبياء وقد يعد قوم نوح أول من استخدم أسلوب الجدال مع الأنبياء

وظهر التمايز الطبقي في قوم نوح بعد سيطرة المترفين على زمام الأمور ، وزادت ثروة هذه الفئة بعد تحسن الزراعة نتيجة توفر مقوماتها قال تعالى: ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهاراً ( 30)  وساد العرف وفعل الأجداد والآباء محل القانون الإلهي وأصبحت مقولة : إنا وجدنا آباءنا على امة وإنا على آثارهم مقتدون (31) ديدن الكفار أمام الدعوة الإلهية ،  لذا كان لا بد من ظهور شريعة جديدة تصحح مفاهيم الناس بعد هذا الانحراف ( 32)

الطوفان :

أول عقاب جماعي ينزل على بني آدم هو الطوفان الذي حدث في عصر نوح وذلك في حدود سنة 3500ق.م بعد أن كذب قوم نوح بآيات الله سبحانه وبرسله

هل الطوفان عم الأرض كلها أم عم أرض بلاد الرافدين فقط؟

اختلف المؤرخون في ذلك إلا أن الرأي القائل بعدم عمومية الطوفان في كل الأرض هو الراجح لأسباب منها أن الآيات القرآنية لم تتعرض إلا إلى غرق قوم نوح فقط( 33) ويقول أهل فارس القدماء ان الطوفان قد حدث في بابل ( بلاد الرافدين) فقط وأن مساكن ولد جيومرث ( آدم) كانت بالمشرق فلم يصل إليهم (34) حدثت في العراق سنة 4000ق.م سلسلة من الفصول المطيرة غير العادية بسبب فيضان الأنهار كذلك حدثت فيضانات 3400ق.م وأشار السومريون إلى هذه الفيضانات التي حدثت في عهد نوح ( العائلة البشرية ، زرقانة) ويقول بعض أن الطوفان شمل الأرض بدليل قوله تعالى : وجعلنا ذريته هم الباقين ( الصافات / 77، والشعراء /119 إلا أن سيادة ذرية نوح بعد الطوفان وانتشارهم في منطقة الشرق الأوسط ليس معناه شمول الطوفان كافة الأرض وإنما انتماء الشعوب المعاصرة للقرآن إلى هذه الذرية مع وجود بشر من غير نسل نوح يعيشون خارج هذه المنطقة سواء قبل أو بعد الطوفان ولم تكن معروفة لدى معاصري الدعوة الإسلامية  ، وهناك أقوام من لا يقر ان الطوفان كان عاماً وغطى كل الأرض مثل أهل الهند وأهل الصين على اعتبار أنه غير عام ، على الرغم من ان التراث والدب العالمي تناول مأساة الطوفان مبيناً سبب هذا الطوفان هو قصور الإنسان وانحرافه ، وأن الطوفان يعد حدثاً تاريخياً وفاصلاً بين عصرين متميزين : عصر سلالات ما قبل الطوفان وعصر سلالات ما بعد الطوفان ، وأن الطوفان كان خاصاً بدليل أن سفينة نوح قد رست على جبل الجودي ( أرارات) وهو امتداد لسلسلة جبال أرمينيا ويعتبر جبل الجودي الآن من جبال الموصل على الرغم من ان بعض يعتبره جبلاً يقع في منطقة ديار بكر من الجزيرة ( 35) ، وتبين الاكتشافات الآثارية الحديثة ان الطوفان قد عم بلاد الرافدين اكتشاف ووجود الطمى والغرين فيها مما يدل على وجود فيضانات جارفة قد عمت المنطقة في عصر قبل التاريخ ( 36)  

قصة عاد:

جاء ذكر قوم هود بعد قوم نوح في كثير من الآيات القرآنية ، لكن ذكر ان التوراة لم تتعرض إلى ذكر أي من قوم هود او قوم صالح ( عاد ، وثمود) وذلك ان اليهود يكرهون أن يذكروا شيئاً عن مآثر ومناقب بني إسماعيل بن إبراهيم ( 37) إلا أن هذا القول يرده مقولة اليهود المعاصرين للدعوة الإسلامية للأوس والخزرج ان نبياً مبعوث الان قد أظل زمانه نتبعه فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ( 38)

قبيلة عاد تنسب إلى عاد بن عوض بن لارم بن غاثر بن إرم بن سام بن نوح ، وعاشت في حدود 3000ق.م ، إذ بعد انتشار أولاد نوح في الأرض  بعد الطوفان استقر بعض ذرية نوح جنوب الجزيرة العربية وبالذات في منطقة الربع الخالي الان ، وأقامت مدينة عظيمة ذات قصور عالية " إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد " ( 39) وأسرفوا طغوا في البناء والعمران نتيجة تكبرهم وتقدمهم على المم الآخرى في مجال العمارة ، يقول تعالى :" الذين طغوا في البلاد  فأكثروا فيها الفساد "  ( 40)  ، فبسطوا نفوذهم على مناطق مجاورة لهم واستبعدوا شعوبها (41) هذا ودلت الاكتشافات الآثارية على وجود بقايا نهر كبير في منطقة الربع الخالي الان ووجدت آثار بقايا حيوانات ، وقد أشار المؤرخ القديم ( هيرودوت ) إلى هذا النهر وسماه نهر ( كورس) في الجزيرة العربية وهذا النهر يصب في البحر الأحمر وهناك نهر آخر اسمه (قرح) بقرب البحر الأحمر وأن قوم هود قد اهلكوا بقرب هذا النهر  وهذا يعني ان قوم هود كانوا يعتمدون على الزراعة لتوفر مقوماتها منها وفرة المياه وخصوبة التربة ( 42)  استقلت عاد بعد ازدهار حضارتها عن السومريين الذين كان نفوذهم ممتد إلى جنوب الجزيرة العربية وذلك في الفترة الواقعة بين سنة 3000ق.م و2500ق.م يقول تعالى :" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم بسطة في الخلق فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون ( 43) فقد كانت لعاد قوة عسكرية مما ساعدهم على الاستقلال عن السومريين ، قال اتعالى :" قالوا من اشد منا قوة"( 44)  ويفهم أن عاداً ورثوا واقتبسوا من حضارة السومريين الشيء الكثير ، والدليل على ذلك أنه عثر في مساكن عاد على المرمر وعليه كتابة بالخط المسماري الذي اخترعه السومريون

بعد الطوفان ظهر عصر السلالات او دويلات المدن ، وأصبحت المدينة دويلة في بداية امرها وظهر تنافس بين هذه الدويلات خاصة في بلاد الرافدين وأيضا في جنوب الجزيرة العربية ، مما أدى إلى استقلال الدويلات بعد توحدها تحت زعامة قائد قوي ( عاد) عن بلاد الرافدين  ، وقامت دولة عاد ، وفي البداية كان هناك اتحاد قبلي ترأسه قبيلة عاد التي اشتهرت بكثرة عدد أفرادها وتنامي قوتها العسكرية ، وعلى رأس المجلس القبلي شيوخ القبائل ( طبقة الملأ) وعبر القرآن عن هذه الطبقة ب ( المجرمين ) يقول تعالى :" ولا تتولوا مجرمين ( هود/ 52) وقد ناصر هؤلاء المجرمين أصنامهم إذ لكل قبيلة صنم كما هو الحال بالنسبة لقبيلة قريش ، إذ وقفوا ضد دعوة هود الوحدانية بكل قوة كي ينصروا آلهتهم يقول تعالى :" وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك " (هود/ 53) وأشهر أصنامهم : صدا وصمودا وهرا ( 45)

بعد ظهور ملك قوي وهو شيخ قبيلة عاد وحد القبائل الأخرى تحت قيادته وأخذ يدعو إلى عبادة صنم واحد بدلاً من عبادة عدة أصنام وفرض ذلك على بقية القبائل وبسط هذا الملك نفوذه على اجزاء كبيرة من الجزيرة العربية وكون شبه امبراطورية ، لذا فرض عقيدة الشرك بجنوب الجزيرة العربية

بعث تعالى نبيه هود إلى عاد وأمرهم بالرجوع إلى دين الفطرة والتوحيد إلا ان قومه أصروا في غيهم وطلبوا البينة والحجة والدليل على صدق دعواه ( هود/53) وواصلوا العناد والإصرار على الكفر حتى انزل تعالى عليهم العذاب ( الحاقة / 6-7) وكان العذاب على شكل الصيحة ، وقبلها أصاب القوم قحط شديد بسبب عدم نزول المطر عليهم لمدة ثلاثة أعوام بهدف ان يتوبوا ويرجعوا إلى ربهم تعالى ، وعند دنو العذاب او الصيحة او الريح الصرصر العاتية محملة بالأتربة والغبار الكثيف رأوا في السماء السحب فاستبشروا بها ( الأحقاف /24) ودفنت مساكنهم ومن فيها تحت الرمال في منطقة الربع الخالي جنوبي الجزيرة العربية ( 46)

قصة ثمود:

جاء ذكر ثمود بعد قوم هود في القرآن الكريم :" واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد " الأعراف/ 74 ، ويحتمل مؤلف كتاب " التاريخ الجغرافي للقرآن " ( A geographical History of Quran  ) ان ثمود عاشت ما بين 1800-1600ق.م قبل النبي موسى واعتقد ان ثمود عاشت قبل هذه الفترة لاعتبارات تاريخية ودينية ومنها الآية السابقة أي أنهم ورثوا حضارة عاد  التي سقطت بعد سنة 2500ق.م

ظهرت قبيلة ثمود في منطقة الحجر وهي واقعة بين بلاد الحجاز وتبوك ( 47) وهناك قول ان ثمود تقع في الجنوب الشرقي من أرض مدين ( 48) وينقل بعض المؤرخين المسلمين أن رسول الله (ص) مر على تبوك في إحدى غزواته فنزل بالمسلمين عند ( الحجر) وهي بيوت ثمود وأن المسلمين رأوا الآبار والآثار لقوم صالح ( 49) واعتقد أن هذه الآثار لمدينة ميدن التي ظهرت بعد هلاك قوم صالح وهجرة صالح ومن معه من المؤمنين إليها ويسمون بثمود الثانية وقد ورد ذكرهم في المصادر الرومانية والآشورية إذ أن الرومان قد سيطروا على (بترا) والمناطق المجاورة لها ، وان سرجون الأشوري ( 722-705ق.م ) قد غزا شمال الجزيرة العربية واحتل ديار ثمود الثانية ( 50)

تعتبر الحجر اهم مدن ثمود وتقع بين الطريق التجاري بين الحجاز والشام وتسمى الآن مدينة صالح نسبة إلى النبي صالح وقبيلة ثمود تنتمي إلى عاد الثانية التي هاجرت قبل هلاك عاد الأولى إلى مكة ومن ثم إلى الشام ، في هذه الفترة كانت بلاد الشام تشهد عدة وحدات سياسية مستقلة مثل قوم ثمود الذين بلغوا اوج حضاررتهم في عهد صالح حيث قطعوا الأحجار من الجبال لبناء البيوت والقصور يقول تعالى  ":وثمود الذين جابوا الصخر بالواد" ( الفجر/ 9) وقوله تعالى :" وكانوا ينحتون من الجبال بيوتاً آمنين  " ( الحجر/ 82) وقد اتخذوا الجبال سكناً لهم من اجل طلب الأمان في منطقة تتعرض إلى هجمات من القبائل الرحل ، إذ كانوا يسكنون الغيران والكهوف المنحوتة من الحجارة آمنين من الحوادث الأرضية والسموية بزعمهم ( 51) كذلك قد يكون بسبب طيب هواء الجبال خاصة في فترة الصيف ، مع هذا فقد كانوا يتباهون في البناء ويستكبرون على غيرهم بل وبسطوا نفوذهم على الأراضي المجاورة لهم فاحتلوا القسم الجنوبي لبلاد الشام

النظام السياسي لثمود نظام قبلي ، وعلى رأس هذا النظام مجلس الملأ ويمثله رؤساء القبائل والعشائر ولهم رأي في الأمور الهامة وقد عبر القرآن الكريم عن طبقة الملأ ب ( المسرفين) ، يقول تعالى :" ولا تطيعوا امر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون "( الشعراء/ 151-152 ) وفي مورد آخر من القرآن ان عدد هؤلاء المسرفين تسعة رجال ، كما يقول تعالى :" وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون "( النمل/ 48) على أي حال هؤلاء المفسدون كان دورهم واضحاً في إبعاد الناس عن النبي صالح ، إلا ان صالحاً استطاع ان يكون جبهة ضدهم ( هود/ 62) نتيجة انقسام المجتمع الثمودي إلى قسمين ، يقول تعالى:" ولقد أرسلنا إلى ثمود اخاهم صالحاً ان اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون"( النمل/ 35) ، فريق مستكبر وعلى رأسهم رؤساء العشائر وفريق مستضعف وعلى رأسهم نبيهم صالح ( الأعراف/ 75) لقد احس المستضعفون بالظلم والتمايز الطبقي الذي مارسه المستكبرون من قومهم عليهم على الرغم من ان بعضهم ينتمون إلى قبيلة واحدة  ( قبيلة ثمود) وبقية المستضعفون جاءوا إلى ديار ثمود طلباً للرزق بحكم ان البلاد كانت مفتوحة جغرافياًَ وحاجة البلاد إلى الأيدي العاملة لبناء البيوت والقصور وممارسة الزراعة ، هناك رأي يقول ان ثمود ورثت نحت الصخور من مصر التي شيدت اعظم البناء وهو بناء الأهرامات قبل سنة 2000ق.م وهذا يعين وجود علاقة بين ثمود ومصر في هذه الفترة ولا يبعد ان ثمود كونت علاقات أيضا مع دويلات المدن في بلاد الرافدين وشمال بلاد الشام واحتمال ان ثمود أرادت ان تكون مملكة على غرار مملكة عاد ( امبراطورية ) إلا ان كفرهم وصدهم عن السبيل أدى إلى نزول العذاب عليهم واستئصالهم أو هلاكهم

سادت عبادة الشرك والوثنية في ثمود مثلما سادت في قوم نوح وهود من قبل ، لم اجد في الآيات القرآنية التي جاء فيها ذكر ثمود وصالح صراحة انهم كانوا يعبدون الأصنام كما في السور: الأعراف وهود والحجر والشعراء والنمل والقمر والشمس ، لكن هناك  دعوة من نبيهم صالح إلى التوحيد او عبادة الله ( الأعراف/ 73، والنمل/ 45) وهذا يكفي انهم كانوا مشركين وأنهم كانوا على ملة اجدادهم ( هود/ 62)  ، لهذا الاحتمال أنهم كانوا يعبدون الأصنام ، وقفت ثمود في وجه الدعوة الإلهية وأنكرت كل دعوات نبيها المرسل إليها لأن هذه الدعوة  تهدم بيان ملتهم (   52) ان ثمود تريد فرض الشرك على الأقوام المستضعفة ، وجمدت وظيفة العقل الذي ينادي بالتحكم إليه رب العالمين وسارت ثمود على العرف القبلي الذي ورثتها من الأجداد والآباء وأصبحت التقاليد الموروثة حجر عثرة أمام دعوة صالح ( الأعراف/ 28) كانت ثمود من سلالة الناجين بعد هلاك قبيلة عاد ، وقد كانت على الهدى بعد ان أنقذهم ربهم مع نبيهم هود ، ولكنهم انحرفوا نعد وفاة هود والصالحين من اتباعه ( 53)  البعد الزمني بين هلاك عاد الأولى وبداية تكوين الوحدة السياسية لثمود في الحجر ساعد على ظهور الانحراف في العقيدة لدى ثمود ويتمثل هذا الانحراف بتعدد الآلهة ( ص/5 ) طلب أهل الحجر من نبيهم معجزة على صدق دعواه :" فأت بآية إن كنت من الصادقين "( الشعراء/ 153) ، أرسل لهم تعالى ناقة على ان يخصص لها يوم كامل للسقي ويوم آخر للناس يسقون ( الشعراء/155) ، تآمر المفسدون على قتل الناقة بل وأرادوا قتل نبيهم صالح سراً حتى لا تطالب عشيرته بدمه عند اليأس من معرفة القاتل ، فعقروا الناقة فأنزل تعالى عليهم العذاب وأنقذ نبيه وأصحابه من كيد اهل الحجر ( هود/ 66-67)  

مميزات عصر نوح:

-          سيادة عبادة الأصنام خاصة في بلاد الرافدين ( قوم نوح ) وفي جنوب شبة الجزيرة العربية ( قوم عاد) وفي بلاد الشام (قوم صالح)

-          ظهور طبقة الملأ ودورها في تحريف عقائد الناس

-          هلاك وانقراض أقوام إلى درجة لم يسجل التاريخ ولا التوراة والانجيل لها ذكر إلا قليلاً

-          ظهور شريعة جديدة مكتوبة وهي شريعة نوح تعالج قضايا المجتمع وشئون الناس    

-          ظهور دويلات المدن وبالذات على يد السومريين الذين جاءوا بعد الطوفان وأقاموا حضارة كبيرة في بلاد الرافدين

-          مواصلة الهجرات الكبرى خاصة بعد الطوفان وانتشار أبناء وذرية نوح في أرجاء الأرض

 

عصر النبي إبراهيم

2000-1200ق.م

يعتبر إبراهيم شخصية  دينية وتاريخية كما تدل الآثار التي ذكرها احمد سوسة في كتابه " العرب واليهود في التاريخ " ويفد من يعتقد ان هجرة إبراهيم الخليل حقيقة غير واقعية ، ويشير إلى انه قام بدعوة التوحيد في بلاد الرافدين التي ساد فيها النظام الوثني ( عبادةا الأصنام والكواكب) ، وإن إبراهيم هاجر من بلاد الرافدين حوالى 1940ق.م باتجاه بلاد الشام ماراً على ( حران) ثم هاجر إلى مصر في عصر سنوسرت الثاني وهو من الأسرة الثانية عشر الفرعونية في حدود 1904ق.م ، ويعتبر هجرة إبراهيم إلى مصر أمراً طبيعياً بحكم العلاقة بين الكنعانيين ومصر في هذه الفترة التاريخية ، ويعتبر أحمد سوسة إبراهيم من سلالة الملوك البابليين الذين جاهروا بالتوحيد ( 54)

قبل سنة 1910ق.م كان الوضع السياسي متدهوراً في بلاد الرافدين حيث ظهر الصراع بين الإمارات: لاسا وآيسن وأور ، وأسفر الصراع إلى سيطرة أور على زمام الأمور ، وفي هذه السنة بدأ إبراهيم دعوته وتحدى سلطان زمانه ، وقاد إبراهيم لواء التوحيد منذ أن بعث نبياً وتصدى لقومه رافضاً عبادة الأصنام وبيان زيفها ( الأنبياء/63-66) وقد اتخذ قوم إبراهيم الكواكب أصناماً لهم نتيجة لتطور علم الفلك لدى البابليين لكنهم ألغوا عبادة الكواكب وعكفوا على عبادة الأصنام ، لذا أصبحت عبادة الأصنام سائدة في بابل ( 55) ، وكسر  إبراهيم  الأصنام ليحطم بذلك قدسية الأصنام في أذهان الناس لذا بدأ اتباعه يزيدون

وظهرت عبادة أخرى في عصر إبراهيم إلى جانب عبادة الأصنام وهي عبادة الفرد او عبادة الامبراطور ، بعد ان ساد نظام الدول الكبرى ( الامبراطوريات) ، وتحدى إبراهيم هذه العبادة مثلما تحدى عبادة الأصنام ، يقول تعالى :"  ألم تر إلى الذي حاج إبراهيم في ربه ان اتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربي الذي يحي ويميت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأتب ها من المغرب فبهت الذي كفر ( البقرة/258) وكف الملك عن إبراهيم بعد ان رأى المراء والوزراء قد تأثروا بمنطق إبراهيم لكنه بدا يؤذي إبراهيم بل وسجنه فبدأ إبراهيم يؤثر  على السجناء فأمر الملك نفيه إلى خارج أور ( 56)

خرج إبراهيم من أور باتجاه شمال العراق وقد نقل القرآن عن إبراهيم انه اتخذ أسلوب الاعتزال وعدم الاختلاط بالناس طلباً البيئة الصالحة وتكوين القاعدة الشعبية لدعوته فانتقل من مكان إلى آخر ،   : " واعتزلكم وما تدعون من دون الله "( 57) وقد سكن بعد خروجه من أور منطقة حران وهي تقع في تركيا الحالية وكانت مركزاً تجارياً بين نينوى وكيش وكان مع إبراهيم في رحلته هذه النبي لوط  وأتباعه من المؤمنين

يعتبر إبراهيم الأب الروحي والنسبي للبشرية بعد آدم ونوح ، ومثلما انتشرت ذرية آدم ونوح في أرجاء الأرض بهدف الإكثار من النسل و إعمار الأرض فأن إبراهيم كان صريحاً في دعوته من الله سبحانه بطلب الذرية الصالحة ( البقرة/124) وكان من ذريته الأمة المسلمة وعلى رأسها نبينا محمد (ص) فهو من نسل إسماعيل الابن الأكبر لإبراهيم ومن ذريته بني إسرائيل خاصة الأنبياء منهم الذي ينحدرون من ذرية إسحاق الابن الثاني لإبراهيم ( الأنبياء/72)

مميزات عصر إبراهيم:

1-      بدأت البشرية تستجيب نوعا ما لمنطق العقل خاصة وأن الملوك تسامحوا مع اتباع الأنبياء وعلموا ان اتلحدي لمر السماء من الأمور الخاسرة وقد خسر نمرود  وفضح أثناء جداله مع إبراهيم وبعد ان أنقذ الله عز وجل نبيه إبراهيم من النار ( الأنبياء 68-70) وبعد ان فشل نمرود في الإخلال بنظام الكون ( البقرة/258) وأيضا فشل فرعون مصر في وقف دعوة إبراهيم بالوحدانية بمصر عندما هاجر إليها إبراهيم ، وقد مكث إبراهيم ثمان سنوات في مصر أيام حكم سنوسرت الأول ( 58) ، وعاش المؤمنون من ذرية إبراهيم في مصر فترة من الحرية الدينية ودون ضغط خاصة أيام النبي يوسف ( يوسف/56) وقد كان ملكها قد عين يوسف على خزائن مصر

2-      ظهور عقيدة الإيمان بالمغيبات والتنبؤ بالمستقبل ، يقول ( ول ديورانت ) في كتابه ( قصة الحضارة ) : فلم يدرس البابليون النجوم ليرسموا الخرائط التي تعين على سير القوافل والسفن بل درسوها لتعينهم على التنبؤ بمستقبل الناس ومصائرهم ( 59) رأى إبراهيم ان العقل البشري أراد احتواء المغيبات وما يحيط به المستقبل من الأمور ، فقال إبراهيم لقومه انه يعلم ما يعلمه المنجمون وان قوله بخصوص الدعوة إلى الله عز وجل صادق ، وأراد ان يبين خطأ المنجمين خاصة بعد رواج علم التنجيم بخصوص التنبؤ بالمستقبل وان هذا الأمر أي الغيب بيد رب العالمين وعلى المنجم ان يتدبر آيات الله ويتعرف على سننه في الحياة والكون كي يقوي إيمانه بالله سبحانه ، كذلك أن يرتبط العبد بخالقه من خلال الدعاء فيكشف له ربه خزائن علمه ( الإلهام والوحي ) وفي زمن النبي يوسف ظهرت مشكلة تتعلق بالغيب وهي حلم ملك مصر فطلب التفسير من المنجمين فلم يحلوا المشكلة بعد ان فندوا كل حلم ( يوسف/44) فسر النبي يوسف الحلم ليبين للناس ان الأمور الغيبية بيد رب العباد ورب الأرباب وأنقذ يوسف مصر من الجفاف والقحط ( يوسف/47) هذا وتعرض د. عبدالحميد زايد إلى قصة يوسف دون ذكر اسمه إلا بالقول : خازن ملك مصر  السفلي  (  الخازن الهكسوسي ) (60)

3-      ظهرت الامبراطوريات في هذا العصر حيث ظهرت دول كبرى في كل من العراق وبلاد الأناضول ( تركيا ) ومصر ، وأخذت هذه الدول الكبى تبسط نفوذها على المناطق المجاورة لها لتكون امبراطوريات ، وظهرت اولى هذه الامبراطوريات في بلاد الرافدين وهي الامبراطورية الأكدية بزعامة ( سرجون الأكدي 2334-2154ق.م ) وهو من أصل سامي نسبة إلى سام احد أبناء النبي نوح ، واستطاع (سرجون ) ان يغزو الشام من اجل جلب النحاس والحجارة وخشب شجرة الأرز ، وجاء بعده حفيده ( نارام –سن 21370-2133ق.م ) الذي لقب نفسه ملك الزوايا الأربع ( 61) وجاءت امبراطورية أور الثالثة ( 2112-2004ق.م ) التي ورثت ممتلكات امبراطورية اكد ، وشهدت بلاد الرافدين بعد ذلك عصراً جديداً وهو العصر البابلي القديم ويمتد من 2004-1594ق.م ، فظهرت سبع سلالات متنافسة فيما بينها ببلاد الرافدين ، وأشهر ملوك هذا العصر الملك ( لبت- عشتار ، 1934-1924ق.م ) وله شريعة وقانون تشبه شريعة حمورابي ، وحمورابي يعد من سلالة بابل الأولى حيث وحد البلاد من أقصى شمال ما بين النهرين وغلى الخليج العربي ثم بسط نفوذه على بلاد الشام وبلاد عيلام ( إيران) ( 62) ، وفي مصر قامت المملكة الوسطى على انقاض المملكة الأولى وحكمت المملكة الوسطى من (1991-1792ق.م ) وبدأت بتوحيد مصر وتوسعة رقعة الدولة من خلال التوسع العسكري بالاستيلاء على بلاد النوبة جنب مصر وفلسطين في بلاد الشام ، ثم ظهرت امبراطورية جديدة بعد ذلك وبعد طرد الهكسوس الذين حكموا مصر قرناً ونصف القرن من الزمان ، وقد ظهر النبي يوسف في زمن الهكسوس وواصلت ال�

المصدر: الباحث: عباس سبتي

التحميلات المرفقة

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 71 مشاهدة
نشرت فى 6 أكتوبر 2012 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,675