إجازة زوجية من طرف واحد!
حق مكتسب للزوج.. وتحرم منه الزوجة
كتبت :سعدية شعيب
217
كثيرا ما يفضل الزوج أخذ إجازة زوجية صيفية- وغير صيفية- يمضيها مع أصحابه ودون رفقة زوجته وبدون دوشة أولاده, يعيد ذكرياته عندما كان عازبا بدون مسئوليات أسرية, تاركا لزوجته مسئوليات الأولاد تتحملها وحدها, مما يشعرها بالقهر والظلم والحزن لإزدياد الضغوط عليها.
فماذا تفعل الزوجة حيال هذه المشاعر السلبية تجاهه لتفضيله الإستمتاع والإسترخاء وحده دونها ودون أولاده؟ وهل يحق لها أن تأخذ إجازة زوجية مثلما يفعل ليرعي أولاده ويتحمل مسئوليتهم خلالها؟ أم أن الإجازة حق مكتسب له وحده؟
د. أحمد خيري حافظ أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس يؤكد أن البيت المصري يحكمه مجموعة من التقاليد الموروثة التي تعلي من شأن الرجل وتمنحه حقوقا بلا حدود في مقابل التضييق علي المرأة وتحميلها مسئوليات لاتنتهي.
فمفهوم الإجازة الزوجية هو مفهوم غربي يعتمد علي أن الحياة الزوجية شأنها شأن العمل تحتاج إلي راحة وتغيير, فالإنسان الغربي يعمل خمسة أيام في الأسبوع ويرتاح يومين كي يستعيد نشاطه وحيويته, والإجازة الزوجية للرجل والمرأة في المجتمع الغربي هي فرصة للخلاص من الملل والرتابة والخرس الزوجي, حيث يحتاج الطرفان إلي فترة زمنية من ابتعاد كل منهما عن الآخر حتي يتحقق لهما الاشتياق المتبادل والرغبة في التواصل من جديد, إلا أن الأمر في الأسر المصرية والعربية عكس ذلك, فالرجل هو صاحب الحق في التغيير وصاحب الحق في الاسترخاء والبعد عن الزوجة ومسئوليات الأولاد, في حين أن الزوجة ليس لها حق أن تترك أولادها فترة من الوقت تتفرغ فيها للسياحة والتريض والتغيير لتستعيد نشاطها وحيويتها لمواصلة أعباء العمل وتحمل مسئوليات الأولاد, وينتهي الأمر أن تتحول الإجازة الزوجية لإجازة للزوج ليس إلا, فهو الذي يستمتع بالبعد والسفر وصحبة الأصدقاء, وبعض الأزواج يعودون في هذه الإجازة لأسرهم الأولي من الآباء والأمهات والأخوة والأخوات, تاركين لزوجاتهم تحمل مسئولية الأسرة ومشاكل الأولاد في أثناء غيابهم, والنتيجة أن مفهوم الإجازة الزوجية لم يتحقق عند الزوجة بل علي العكس فإنها تشعر بالغيرة وبغياب العدالة, فليس لها حق مماثل لحق الزوج في الراحة والاسترخاء, بينما في المجتمعات الغربية فإن الإجازة الزوجية واجبة للزوجة وإحدي قواعد العلاقة بين الزوجين, وهي مقبولة نفسيا وشرعيا داخل الأسرة, بل كثيرا مايدعو الزوج زوجته إلي أن تقوم بإجازة منفردة مع صديقاتها أو أسرتها الأولي أبيها وأمها واخواتها حتي تجدد حياتها الزوجية, ولكن الظروف المادية لدي الأسر المصرية تعوق الإجازة الزوجية, فلايزال مفهوم الإجازة داخل الأسرة عبارة عن النوم الطويل وعدم النزول إلي الشارع لأن الإمكانيات الأسرية غالبا لاتسمح بالسفر إلي المصايف والمنتجعات, وإنما تسمح للزوج بأن يفعل ذلك دون حساب أو مناقشة, والنتيجة سفر الزوج دون باقي أفراد الأسرة.
ولكن في ظل المتغيرات الثورية التي يمر بها المجتمع المصري, وفي ظل النهضة المصرية الكبيرة للمرأة المصرية المشاركة في الثورة, والنشاط النسوي الذي يمثل قاعدة أساسية في المجتمع وهي الشراكة وعودة الحقوق المتساوية للطرفين, فإنه قد آن الأوان أن تأخذ المرأة حقها في الإجازة الزوجية بعيدا عن الضجيج والضغوط ومختلف المسئوليات الملقاة علي عاتقها, علي أن تكون هذه الإجازة بمفردها أو مع صديقاتها أو مع أسرتها الأولي الأب والأم والأخوات, وعلي الزوج أن يكون بديلا للزوجة في هذه الفترة, يقوم بمهامها ويتولي مسئولياتها ويؤدي ما كانت تؤديه زوجته, وتبادل الأدوار مفيد للطرفين, فكل منهما إنسان له حقوق وعليه نفس المسئوليات, والأسرة المصرية في حاجة إلي تعميق العلاقة الحميمة بين أفرادها ورأب الخلاف, ومازالت المرأة المصرية- التي فقدت كثيرا من خصوصيتها وتعرضت لكثير من الضغوط لدرجة أفقدتها القدرة علي اتخاذ القرار في مراحل كثيرة من حياتها- غير قادرة علي أخذ إجازة زوجية.
ويري د. أحمد خيري أنه إذا كانت الظروف الاقتصادية للأسرة والتكاليف الباهظة لاتسمح للمرأة بالسفر الطويل وأخذ إجازة طويلة, فإنها تستطيع استبدال ذلك بما يشبه الإجازات القصيرة, كأن تخرج نهارا كاملا مع صديقاتها إلي الحدائق تعود في نهايته إلي أسرتها بعدما تكون قد تخلصت من توترها والضغوط التي تعرضت لها, وهو أمر جيد يعود مردوده إيجابيا عليها, وعلي جميع أفراد أسرتها, فقد أكد علماء النفس أن القرب الشديد يؤدي إلي تفجر العدوان وليس إلي تفجر الحب, فالأجسام المتلاصقة تنتهي إلي الإقصاء والرغبة في البعد كما يحدث في الاتوبيسات, وكما يحدث في المساكن الصغيرة المتلاصقة حيث يشعر الأفراد بالعدوان والرغبة في الخروج إلي الشارع, ومن هنا ندعو أبناء مصر الجديدة- أبناء الثورة- أن يعطوا أمهاتهن أجازات صغيرة للاسترخاء, وألا يكبلوهن دائما بالمسئوليات والأعباء خاصة أن40% منهن أمهات معيلات, كما ينصح كل أم بأن ترسخ عملية التفاوض داخل الأسرة, فالعلاقة الزوجية هي علاقة تفاوض مستمرة وليست علاقة استسلام, ومن الأفضل في بداية الحياة الزوجية أن يتفق الزوجان علي الحقوق والواجبات.
ويدعو د.خيري المجتمع لطرح هذه الرؤي الجديدة, فالمرأة مثلها مثل الرجل لها طاقة نفسية وقدرة علي التحمل وعلينا أن نستجب لرغبتها في الابتعاد قليلا حتي تعود للأسرة فاتحة ذراعيها وبكامل طاقتها وحيويتها قادرة علي العطاء والإسعاد.
ساحة النقاش