مقدمـــــــــــــــة:
إن الاستمرار البشري قائم على أساس التفاعل المتعدد المستويات والذي يمتد من النفسي إلى الاجتماعي ، فهذين المستويين النفسي والاجتماعي يبدأ لدى الفرد في أول مكتسباته لدى الأسرة ، وهذا في إطار التبادل العلائقي مع الوالدين اللذان يسهران على تلبية وتحقيق مطالب نموه الجسمية والنفسية والاجتماعية ، فحتما سيتفاعل في أسرته التي ينتمي إلى وسطها وهذا تبعا للمرحلة التي يعيشها الفرد .
فطبيعة العلاقة الأسرية بين الوالدين والطفل أو الابن لها الأثر على الحياة النفسية الاجتماعية لدى الفرد ويظهر هذا الأثر حسب صنف وطبيعة العلاقات أو أساليب المعاملة الو الدية السائدة في البيت تجاه الابن ، فالأثر الحسن الناتج عنه هو جعل الفرد يعيش الانسجام والتلاؤم معبرا عن إشباعه لدوافعه ورغباته وحاجاته ، وإذا كان الأثر سيئا فإنه يجعل الفرد سيء التوافق في مختلف مجالات حياته كتوافقه الصحي والدراسي ،و سوء التوافق هذا يؤدي إلى اضطراب يمس جوانب الفرد الذاتية وبالتالي يكون توافقه ناقصا وغير مساير للحياة الجماعية .
وبما أن الأسرة تشغل مكانا هاما وتلعب دورا فعالا في حياة الفرد فإنها تلعب دورا يؤثر على حياته التكوينية ، باعتبار أن المتربص يقضي في مؤسسات التكوين المهني وقتا من حياته اليومية يتفاعل فيها مع الأساتذة والمشرفين والمتربصين مشكلا بذلك عضوا في جماعة ، ويجد نفسه في مجتمع تكويني له نظامه وخصوصياته يسعى المتربص إلى تحقيق الاندماج والتعايش لتحقيق الانسجام والتوافق التكويني والنفسي والاجتماعي.
وكما أكدت نظريات العلوم النفسية والاجتماعية أن أساليب المعاملة الو الدية تؤثر على جوانب متعددة من حياة الفرد ،فماذا لو كان هذا الفرد متربصا ، فالاحتمال كبير جدا على وجود تأثير على جانب توافقه التكويني .
الفصل الأول: موضوع الدراسة
تحديد إشكالية الدراسة.
تحديد فرضيات الدراسة.
أهمية اختيار الموضوع.
أسباب اختيار الموضوع.
أهداف الدراسة.
تحديد مفاهيم الدراسة.
الدراسات السابقة.
تحديد إشكالية الدراسة:
الأسرة هي الخلية الأساسية في تكوين أي مجتمع وهي الإطار الرئيسي الذي ينمو فيه الطفل. وهي التي تسير هذا النمو من سن الطفولة حتى سن المراهقة عل الأقل فهي بذلك تؤثر في شخصية الطفل ، وهي الجماعة الأولى التي تساهم في تكوينه وإعداده .إذ يتم في نطاقها إشباع حاجاته الجسمية والنفسية وعليه يؤكد علماء النفس على أهمية التربية الصالحة والسليمة منذ الولادة حتى النضج ، لينشأ الطفل سليما من الجانب الوجداني والاجتماعي والأخلاقي والتربوي
« ويرى ملاك جرجس من جهة أخرى أن سلوك الوالدين يؤثر تأثيرا كبيرا في سلوك الطفل ، حيث أن هذا الأخير يكون فكرته نفسه عن ذاته في بادئ الأمر من خلال علاقته بأسرته فقد يرى نفسه محبوبا ومرغوبا فيه أو منبوذا كفؤا أو غير كفء ، ومن ثم ينشأ راضيا عن نفسه أو ساخطا عليها وغير واثق منها ،فتسود حياته النفسية التوترات والصراعات التي ينتج عنها الشعور بالضيق والقلق والاكتئاب »1
ولهذا فإن الوالدين لهما القسط الأكبر في التأثير على النمو النفسي للطفل وفي تكوين شخصيته وكما يؤثران على نموه العقلي ، الانفعالي والاجتماعي .
وكما يؤكد علماء النفس التحليلي أن التناقض الموجود في سلوك الوالدين وحرمان الأبناء من الدفيء العاطفي ، وقسوة الآباء وتفرقتهم بين الأبناء تكون من بين أهم العوامل التي تؤدي إلى العصبية 2 .
حيث أن الطفل يلاحظ سلوكات من حوله ، وينقل تصرفاته ونتيجة لذلك فهو يتعلم أساليب جديدة الاستثارة الانفعالية والعصبية.
ومنه نستنتج أن السلوكات الصادرة عن الوالدين تؤثر تأثيرا كبيرا على التوافق العام للأبناء ، فكما يعرف التوافق هو حالة من التلاؤم بين الشخص وذاته وبين الشخص وبيئته المحيطة به ، ويتضمن قدرة الفرد على تعديل سلوكه واتجاهه إذا وجد مشكلات معينة .
لكن الطفل ابتداءا من سن السادسة يصبح بحاجة إلى الانفصال جزئيا عن الأسرة لينتقل إلى مؤسسات اجتماعية تربوية وتعليمية وتكوينية أخرى هي المدرسة و المتوسطة والثانوية و التكوين المهني والتي يقضي فيها جزءا من وقته، يتلقى فيها أساليب تربوية وتعليمية من المفروض أن تكون مكملة لما يتلقاه في الأسرة ، تساعده على مواجهة الحياة بجوانبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية وحتى ينجح في ذلك يجب عليه تخطي كل مراحلها التعليمية ولن يتسنى له ذلك إلا بتوافق دراسي جيد، فنجاحه في المدرسة بمختلف مراحلها وكذلك في التكوين المهني مرهون بتوافقه في هذه المؤسسات، أي تلاؤمه مع ذاته أولا ثم مع الأفراد المحيطين به من مدرسين وزملاء وأطراف آخرين من هذه المؤسسات . وبما أنه سينتقل إلى المدرسة وإذا لم يوفق فيها سيوجه على التكوين المهني ، والتي سينتقل إليها بنفس الشخصية التي تطبعها أسرته ، نتساءل فنقول :هل التوافق التكويني للمتربص يتأثر بمعاملة أفراد أسرته وبصورة أدق هل أن أساليب المعاملة السيئة التي تصدر عن الوالدين تؤثر على التوافق التكويني للأبناء ؟ هل هناك فرق بين الذكور والإناث في درجة تأثير الأساليب على توافقهم التكويني ؟
2-تحديد الفرضيات:
2-1الفرضية العامة:
أساليب المعاملة الو الدية السيئة لها تأثير سلبي على التوافق التكويني سواء بالنسبة للذكور أو الإناث
2-2 الفرضيات الجزئية:
يؤدي أسلوب تفريق الوالدين بين الإخوة إلى سوء التوافق التكويني سواء بالنسبة للذكور أو الإناث
يؤدي أسلوب المعاملة السلطوية إلى سوء التوافق التكويني سواء بالنسبة للذكور أو الإناث .
يؤدي أسلوب العقاب الجسدي المبرح إلى سوء التوافق التكويني سواء بالنسبة للذكور أو الإناث
أهمية الموضوع:
تعددت وتنوعت الدراسات التي تطرقت أو التي تضمنت التوافق المدرسي للتلميذ أو الطالب كموضوع بحث ارتكزت عليه ، إلا أن ارتباط التوافق التكويني بأساليب المعاملة الو الدية لم يحضى بالقسط المحتمل أن يحضى به .
أصبحت لأساليب المعاملة الو الدية الأثر الكبير في ظهور وانتشار الاضطرابات التوافقية في السنوات الأخيرة والتي تمثل المشكلة الصحية العامة، وتزداد مظاهرها انتشارا يوما بعد يوم كالاضطرابات السلوكية مثل : السرقة ، الاعتداء ، التسرب المدرسي .....، والاضطرابات الانفعالية مثل : الغيرة والحقد المبلغ فيهما والغضب ، والأمراض العقلية : كالاكتئاب والذهان والفصام.....، والأمراض السوسيوباتينية مثل الإدمان على الكحول والمخدرات ، والأفعال المناهضة للمجتمع ، حيث تشير بعض الإحصائيات التي أجريت في بعض الدول إلى حجم وخطورة هذه المظاهر .
وفي غياب إحصائيات رسمية في الجزائر عن مثل هذه الاضطرابات التوافقية فإن إفرازات التحولات التي يعرفها المجتمع خاصة الاقتصادية والسياسية والتي أثرت على الإنسان ( الفرد) وعلاقته توحي بدون شك باتساع نطاق هذه الاضطرابات لدى مختلف الأفراد . وتزداد أهمية تشعب وبعد أساليب المعاملة الو الدية من جهة و تأثيرها على تكيف النشء من الطفولة إلى المراهقة ،وكذا ازدياد تأثيرها على التوافق التكويني للمتربص وسلوكاته الشخصية من جهة أخرى، ومن العوامل الأساسية الكامنة وراء بروز ظواهر التوافق السوي والغير سوي في مرحلة التكوين الأسرة التي يتلقى فيها الابن دروسه الأولى في التوافق البشري مع الآخرين ، فينتقل بذلك من التمركز حول الذات إلى الانتقال التدريجي إلى إنشاء علاقات في التكوين المهني ، وفي البيت تكون إنسانيته أكثر استقلالية.
وباعتبار الأسرة أول جماعة ومنظمة اجتماعية فإنها تمارس قواعد الضبط الاجتماعي على أفرادها والذي يتم عن طريق التنشئة الأسرية وأساليب المعاملة التي تستعملها مع أبنائها ، فالأسرة التي تتبنى أساليب معاملة إيجابية تساعد أبناءها على التوافق ، أما تبنيها لأساليب معاملة سلبية فإنه يتسبب في ظهور الكثير من السلوكات غير التوافقية عند أبنائها وهذا عدم التوافق يمس حتى التوافق التكويني .
ولأن التكوين المهني يشغل وقتا لا بأس به في حياة الفرد (الحياة الدراسية) فهي تطبع عليه علاقات ونظام وعادات فانسجامها مع الفرد يؤدي إلى توافق تكويني وعام سليم والعكس صحيح.
أسباب اختيار الموضوع :
مما لا شك فيه أن أي باحث يرغب في إعداد بحث ما يجد نفسه بين عشرات المواضيع كلها جيدة ، لكن رغم تنوعها وكثرتها فإن الباحث يفضل موضوع ما من بين هذه المواضيع الأخرى،لهذا فإن اختيارنا لهذا الموضوع يرجع لعدة أسباب يمكن تلخيصها فيما يلي :
قلة المراجع النظرية والميدانية التي تناولت موضوع أساليب المعاملة الوالدية وأثرها على التوافق التكويني والتوافق العام.
الرغبة منا في تزويد الحياة في التكوين المهني بمثل هذه المواضيع للإستفادة الفعلية منها .
الرغبة في التحقق العلمي من ملاحظات لاحظناها في المحيط الأسري حول المعاملة الوالدية وأساليبها وتأثيرها على التوافق التكويني للأبناء خاصة الأساليب السلبية منها
إبراز المعاناة النفسية للمتربصين وآثارها السلبية في علاقاتهم الاجتماعية في التكوين المهني وتوافقهم التكويني، كما أظهرت عدة دراسات نتائج سلبية من بينها هروب المتربصين من البيت ومراكز التكوين المهني والتشرد في الشوارع
أهداف الدراسة :
تهدف هذه الدراسة إلى:
إبراز أهمية أساليب المعاملة الو الدية والحث على دراستها بصفة واسعة
الكشف عن أثر أساليب المعاملة الو الدية السلبية.
محاولة معرفة مدى تأثير المعاملة الو الدية السلبية على التوافق التكويني للمتربص.
التوصل إلى نتائج ميدانية مع إمكانية تطبيقها مرفوقة بتوصيات للأسرة والتكوين المهني بالجزائر.
نزع الستار على ظاهرة سوء المعاملة الو الدية باعتبارها من الخصوصيات جدا في كل عائلة ومنع التدخل فيها لأنها حسب رأيها طريقة تربوية لتعديل سلوكات الأبناء
7- الدراسات السابقة:
هناك عدد من النماذج النظرية التي تصف سلوك الوالدين في معاملة الأبناء:
فلقد قام SYMONDS نموذجا اشتمل على بعدين قطبين وذلك عام 1939 أحدهم يعتبر أن " تقبل الابن " من جانب الوالد أو الوالدة ، والثاني" السيطرة على الابن" من جانب الوالد أو الوالدة يكون ضده " الخضوع للابن" أي لطلباته وأغراضه وأوامره وبذلك فإن البعدين تبعا لهذا النموذج هما [1]
التقبل-الرفض.
السيطرة-الخضوع.
وفي عام 1909ظهر نموذج scheaferلسلوك الوالدين في معاملة الأبناء على النحو التالي :
الاستقلال – الضبط AUTONOMY VS CONTROL
الحب – العداء LOVE VS HOSTILITY
ولقد عرض BECKER نموذجا مقترحا لسلوك الوالدين مع الأبناء عام 1969 جاءت أبعاده الثلاثة على النحو التالي : الدفء – العداء، التشدد- التسامح ، الاندماج المقلق – الحياد الهادئ
أما الباحثة Baumrind فقد توصلت إلى أربع طرق يعمل بها أبهم هي :
الالتزام بالضبط الوالديناء الآباء
مراعاة مطالب النضج
التواصل بين الوالدين والطفل
الدفء الوالدي ( العطف والحنان)
وقد انتهت الباحثة في عام 1971 من مراجعة دراستها في ضوء دراسة أخرى وركزت على ثلاثة أساليب يعامل بها الأبناء من قبل الوالدين وأضافت إليهم فيما بعد أسلوب آخر الحزم والتسلط والانسجام[2]
وإذا كانت هناك أساليب للمعاملة الو الدية تمارس مع الأبناء ، قد حاولت الدراسات استكشافها ، فإن التباين الشبه الظاهر يوحي بوجود أنماط وأساليب تمارس على وتيرة واحدة خلال مراحل نمو الأطفال ، ولا يمكن القول باستقلاليتها ، وغالبا تختلف مستوياتها باختلاف المستويات الاقتصادية ، والثقافية ، والاجتماعية للأسرة.
فإذا ارتضينا التقبل أو دفء المعاملة أسلوبا في ضوء ما سبق ، ننتظر تأثير هذا الأسلوب على انتماء الابن للجماعات واندماجه مع الآخرين ومن ثم استدخاله للقيم والمعايير . كما أن جحود الوالدين أو أحدهما مع الابن يفقده لجزء من الأمن ويتعلم الأنانية بالإضافة إلى افتقاد جزء من القدرة عل التوافق العام .
ويكتسب أسلوب دفء المعاملة أهميته والرفض أو الجحود من قبل الوالدين خطورته كما يشيرPark وHetherington في أن الابن يحاول تجنب التفاعل مع الوالدين الجحودين كلما تمكن مما يقلل من دور والديه في تنشئته ، بالإضافة إلى توهج الغضب والعدوان الذي لا يستطيع الابن توجيهه إلى والديه فيزيحه إلى الآخرين [3]
ويعد الضبط الوالدي الذي يقابل الاستقلال من أساليب المعاملة التي كشف عنها كل من Sheefer وBecker وفيه يمارس الأب أو الأم سلوكيات تغير السلوك النامي للطفل وتكف عن ميوله ، ويصل الضبط إلى الصرامة حينما يضع الوالدين قواعد ويطلبان من الطفل الالتزام بها ، وإذا لم يؤكدا على الالتزام بها يقال أن الضبط لين ، ويختلف ذلك عن الحماية الزائدة التي تعتني بالابن في جميع أوقاته لتقدم كلما يرغب لتهدئته .
وترى Baumrind أن الوالدين يحاولان تشكيل أبنائهما فيكبحان إرادة الابن ويبخلان بتشجيعه على ممارسة جزء من الحرية تحت رعايتهما و في ذلك يكون الوالدان على مسار التسلط الوالدي firm-disciplin . ويستخدم بعض الآباء أشكال مختلفة من العقاب تتباين من الكره الحقيقي إلى ممارسة الضرب أو النقد والتوبيخ وأحيانا سحب الامتيازات .[4]
ويذكر Bordizimsky Etal أن الأبناء الذين كان عقابهم بقسوة من قبل الوالدين أصبحوا عدوانيين مع غيرهم من الأطفال وأيضا مع المعلمين ، وينتظر من الأطفال الذكور الذين تمت ممارسة القسوة عند عقابهم أن يصبحوا منحرفين أو لهم سلوكيات مضادة لمجتمعهم حينما ينخرطون في المراهقة[5]
وعلى أي حال فإن أي شكل من الأشكال القاسية والعنيفة مع التعامل مع الابن يعد سوءا لمعاملته Child Abuse فالعقاب البدني القاسي بإفراط وإهمال الابن يعتبر من قبيل سوء المعاملة ، التي عند استمرارها مع الصغير تجعله يبدو له وجه عجوز عند مقارنته بمن هم في مثل سنه من الأطفال ، ولا يخفى أنه من الصعب تحديد عدد الأطفال العرب الذين يعانون من سوء معاملة والديهم .والوالد المسيء لابنه بإفراط يمكن أن يكون والدا مريضا ويحتاج إلى علاج نفسي،ويذكر Collmer و Park أن الدراسات انتهت إلى أن الوالد المسيء في غالب الأحوال أسيئت معاملته وهو طفل فهذا الأب بينما كان طفلا كان أمامه نموذج مسيء له ، والاحتمال الأعظم أن يكون قد امتص معاييره وطريقته ، وهذا ما دفع Belsky إلى ذكر أهمية دراسة تاريخ نمو الوالد المسيء ، نظرا لإمكانية أن يكون تاريخ النمو النفسي للوالدين أو أحدهما سببا في سوء معاملة الأبناء[6]
كما تطرقت بحوث Breese – Kalhoren-Albaldwen التي أجريت عام 1945 على 824 أسرة بهدف التعرف على الاتجاهات الو الدية في التنشئة الاجتماعية للأبناء، وتبين لهم أن الاتجاهات السائدة هي التدليل و التقبل كما توصل Shefer E, S في سنة 1965 إلى ثلاثة أبعاد هي:
التقبل المقابل للرفض
التحكم الصارم مقابل التحكم الرخو
الاستقرار السيكولوجي مقابل التحكم السيكولوجي
كما توصل الباحث SIEEGELMAN في نفس السنة إلى ثلاثة أنماط أيضا وهي الحب والتشديد في المطالب، والعقاب.
أما على المستوى العربي فحددت هذه الأساليب في عدة دراسات منها الرائدة التي قام بها محمد عمار إسماعيل و رستم نام منصور سنة 1959 حيث توصلا إلى عدد من الاتجاهات الو الدية للتنشئة الاجتماعية هي : التسلط، الإهمال، القسوة، الحماية الزائدة، التذبذب، الألم النفسي، التفرقة في المعاملة.[7]
الفصل الثاني: أساليب المعاملة الو الدية .
تمهـــــــيد:
أولا: أساليب سوء المعاملة الو الدية:
لمحة تاريخية
تعريف أساليب سوء المعاملة الو الدية .
وجهات النظر حول أساليب سوء المعاملة الو الدية.
أشكال سوء المعاملة الو الدية.
ثانيا :علاقة الطفل بوالديه في العائلة الجزائرية .
تعريف الأسرة.
مميزات الأسرة الجزائرية.
الطرق التربوية المستعملة في الأسرة الجزائرية .
العلاقات الو الدية مع الابن.
خلاصــــــــــــــــــة.
تمهـــــــــــــــــــــــــــــــيد:
لقد أثارت أساليب المعاملة الو الدية وأشكالها وأنواعها الكثير من الجدل والنقاش في تأثيرها على النفس البشرية من مشاعر توافقية تبعث بالتقبل أو مشاعر غير توافقية تبعث بالاستياء والتي تولد النفور أو الانطواء والعدوانية .
وإن تعددت أشكال أساليب المعاملة الو الدية وتفاوت درجات تأثيرها التي يرتبط بها الأفراد يمكن أن يكون لها نتائج واسعة جدا على أن الإتجاه نحو السلبيات يزود الحاجة من دراستها، ويرجع أغلب المختصين إلى أن معظم ما يعانيه الصغار من مشاكل يواجهونها في حياتهم أو في تعاملهم مع الغير إلى أساليب المعاملة التي تتضمن السلبية في تعامل الأفراد والوالدين بها.
أولا : أساليب سوء المعاملة الو الدية :
لمحة تاريخية
تعريف أساليب سوء المعاملة الو الدية .
وجهات النظر حول أساليب سوء المعاملة الو الدية .
أشكال سوء المعاملة الو الدية .
أولا : أساليب سوء المعاملة الو الدية :
لمحــــــــــــــــــة تاريخـــــــــــــــــــــــية :
عند اطلاعنا على تاريخ سوء المعاملة نرى أن هذه الظاهرة قديمة بقدم البشرية ، وعلى الرغم من قدمها فإن المجتمع لم يوليها أي اهتمام إذ وجد راشدون يبيعون الأطفال وآخرون يستغلونهم مقابل أجرة ضئيلة،ولم تكن تعتبر كأعمال تعسفية لأن القيم الإجتماعية آنذاك كانت تعطي الحق للأولياء في تقرير مصير أولادهم ولم تتلقلى الإهتمام الذي تستحقه حتى نهاية القرن 18 وبداية القرن 20 ,حيث توجه العديد من العلماء من البلدان الأوروبية والأمريكية لدراسة موضوع سوء المعاملة و يرجع هذا الاهتمام إلى تطور كل من الشعور بالمشاكل و طرق التفكير خاصة من جانب الأطباء و المساعدين الاجتماعيين , ولقد حاجات الابن لزمن طويل غير معترف بها و هذا راجع إلى الحرية المطلقة التي يتخذها الأولياء في تربية أولادهم, بل توصل الأمر إلى تخصيص لهم جلاد خاصا لعقابهم.
ومع مرور الزمن و تطور الفكر والإحساس بالمشكل ظهرت شخصيات تاريخية تندد بهذا مثل:THOMAS MOORE الذي كان يستعمل ريشة الطاووس لضرب بناته و أفلاطون 400 ق.م الذي قام بثورة ضد معلمي المدارس بسبب لجوئهم إلى الضرب كوسيلة تربوية و دعا إلى استبدالها باللعب [8].و دعت آراء هؤلاء الباحثين بإنشاء جمعية في 1925 بنيويورك لأعادة تربية الجانحين وخصصت فرعا لإيواء الأطفال المتشردين و المسعفين وكذلك الأطفال المعرضين للمعاملة القاسية من طرف أوليائهم [9] . ثم نشأت جمعية خاصة لحماية الأطفال المعاملين بعنف سنة1871 ومع تطورات القرن 19 نرى أن العديد من كتاب هذا القرن أقروا بحاجيات الطفل الجسمية و النفسية أمثال:[10]Jullis vallee وemile zola و victor hugo.
و في 1960 أظهر الطبيب الشرعي tardiau أولى الملاحظات الإكلينيكية التي بينت آثار و جراح الأطفال المضروبين الذين توفوا من جراء سوء المعاملة, و تبعا لذلك ظهرت قوانين ونصوص تدين من انتشار هذه الظاهرة مثل قانون 1889 حول تخلي الأولياء عن واجباتهم , و كذلك قانون 1898 الذي يشمل عقوبات جنائية ضد معاملة الأولياء لأطفالهم.
وهكذاأعطت الأعمال الإكلينيكية و البسيكوسوسيولوجية في نهاية القرن 18 أهمية كبيرة لطب الأطفال, كما كان لمدرسة طب الأطفال الأمريكية دورا في نشر التوعية و التحسيس بهذا المشكل, حيث نظمت الجمعية الأمريكية سنة 1909 أول مؤتمر دولي في الجراحة العصبية سنة1944 و أعمال caffey سنة 1945 و silvermen سنة 1953 في التصوير بالأشعة لطب الأطفال أن معظم آثار الجراحة و الأمراض المجهولة عند الأطفال سببها المعاملات السيئة التي مورست عليهم , ونظرا لخطورة المشكل و تفاقمه أنشئت سنة 1979 عدة جمعيات و منضمات من بينها الجمعية الفرنسية للإعلام و البحث حول الأطفال المتضررين R.E.M.I.F.و الشركة العالمية لوقاية الأطفال من سوء المعاملة والإهمال منطرف الوالدين I.S.P.C.A.N. و التي تنظم كل سنتين مؤتمر دولي تنشر دوريات حول سوء معاملة الطفل و إهماله.[11]
2-تعريف سوء المعاملة:
مما رأيناه يمكننا وضع مجموعة من التعاريف لسوء المعاملة :
يعرفها Strauss(p) : نضع تحت مصطلح الأطفال المساء إليهم أطفال ضحايا من طرف أوليئهم أو أشخاص مسؤولين عنهم سواء بمعاملة خشنة أو بغياب عمدي للعناية بالطفل مما ينتج عنه إصابة جسدية أو إضطرابات الحالة العامة ويضاف في هذا الإطار حاليا الأطفال الذين يكونون ضحايا لبعض السلوكات التي تترك آثار جسدية مرئية، معاملات عدوانية خشنة ، سلوكات سادية، حرمان وجداني ، إستغلال الطفل في بعض الأعمال التي لا طاقة له بها والتي لا تناسب سنه وأين يكون تأثيرها على المدى الطويل خطيرا على النمو العاطفي للطفل، ويمكن أن نضيف إلى كل هذا زنا المحارم ( أب – بنت ) إغتصاب الأطفال ، الدعارة ، استعمال الأطفال في الأفلام الجنسية الفاضحة[12]
تعريف وضع من طرف التجمع الأوربي في المؤتمر الرابع لعلم الإجرام الذي أنعقد في ستراسبورغ سنة 1978 الذي يقول الأفعال والتقصيرات التي تقلق الطفل بخطورة تمس كيانه الجسدي ، نموه الجسمي ، العطفي، الفكري والعقلي ، هذه التظاهرات التي سببها الإهمال، و/أو الجروح ذات السبب الجسدي و/أو النفسي و/أو الجسدي من طرف أحد الأقارب أو من طرف أشخاص آخرين الذين يكفلون الطفل[13]
ويعرف Mignot سوء معاملة بقوله هم أطفال ضحايا من طرف والديهم أو أشخاص أوصياء عليهم بالتعدي العمدي وتظم حاليا إلى هذا التعريف الخشونة الجسدية ، الجنسية، غياب العناية بالطفل ، الحرمان الوجداني، فحاجيات الطفل في هذا الصدد تكون غير مفهومة وغير مشبعة .الشىء الذي يؤدي إلى اختلال التوازن النفسي الوجداني[14]
من خلال التعاريف السابقة يمكننا القول أن الأطفال المعاملين معاملة سيئة هم أطفال يعانون من حرمان عاطفي ومادي واستغلال وتعدي جسدي وجنسي.هذه المعاملة السيئة تخلف أضرار جسدية ونفسية خطيرة تؤثر سلبا على نظرة الطفل لنفسه وللآخرين ، وللمجتمع والمستقبل.
وأخيرا نستخلص أن مصطلح سوء المعاملة التي يمارسها الراشدين على الأطفال يحدد بإرجاعه لكل ثقافة مجتمع من المجتمعات، فالثقافة هي التي تعطينا معطيات هذا المصطلح وخاصة الأساليب التربوية التي يستخدمها المربون من أولياء ، معلمين ، أشخاص لهم مسؤولية رعاية وتربية هؤلاء الأطفال وعموما نستطيع تقسيم سوء المعاملة إلى قسمين وهما الأكثر شيوعا في المجتمع الجزائري:
العنف الجسدي : هو نوع من أنواع سوء المعاملة على الأطفال وتتمثل هذه الممارسة القياسية أو السيئة في أشكال الضرب ، الركل ،والضرب مثلا كالعصا أو بعض الوسائل الحادة كما يستخدم بعض الأفراد العض، الحروق تاركا بذلك أثار واضحة على جسد الطفل ، زرقة ، أثار حروق ،كسر ، وكذلك أثار نفسية.
العنف المعنوي: و يتمثل في ذلك الأسلوب الكلامي الذي يدخل في المعاملة السيئة على الأطفال"كالشتم والسب " والذي لديه آثار بالغة على نفسية الطفل ، وكذلك العنف الرمزي وهذا الأخير يعتبر أخطر أنواع العنف والعدوان والذي يتمثل في عملية الاحتقار أو التجاهل ويصل أحيانا إلى العزل الذي يمارسه الكبار ضد الصغار.
3- وجهات النظر حول سوء المعاملة :
وجهة نظر المجتمع :
المعاملة السيئة التي يقع ضحيتها الطفل هي إحدى المميزات التي وجدت في كل العصور وكل البلدان، وإنها تشكل جزء من تاريخ الإنسان
كما أنه من الصعب تقبل أن الراشد يقوم بأعمال عنيفة جسمية أو معنوية إلى درجة المس بحياة الطفل الشيء الذي يظهر مخالفا تماما لما يسمى بالغريزة الأبوية
وأخطر أشكال العنف التي تعتمد الآن هي سوء معاملة الأطفال، فإن كان مجتمعنا يقتدي في تربيته بالمثل الإسلامية يجب أن يحارب هذه الظاهرة الغير حضارية التي تمثل نوعا من الهمجية ، و إلا أنه مع الأسف نلاحظ هذه الظاهرة قد تفشت في أوساط اجتماعية واسعة وأخطر من هذا أن البعض يرجع استخدامه لهذه الظاهرة إلى تقاليد اجتماعية وتعليم دينية لا أساس لها إنما هي مجرد خرافات دخلت مجتمعنا في مراحل الجهل والتخلف وبقيت لاصقة فيه مستغلة الفراغ الاجتماعي والثقافي الذي يعيش في مجتمعنا[15]
ومن أهم الأسباب التي تدفع الراشد إلى استخدام ظاهرة سوء المعاملة ضد الأطفال:
غياب لغة حوار بين الراشد والطفل لأسباب مختلفة أهمها ضيق الوقت ، فالراشد لا يملك الوقت ليهبه للطفل، وكذلك ثقافيا فهي الثقافة الجزائرية مثلا و خاصة التقليدية عندما يتحدث الكبار للصغار يصمتون فقط وليس لهم الحق في التحدث.
توارث التقاليد البالية التي تعتمد عل فرض الاحترام على الصغير للكبير بأساليب القوة والعنف مما يؤدي إلى احتقار الطفل لنفسه والتمرد على الراشد مما يؤدي به إلى الانحراف أو الجنوح.
فالمجتمع الجزائري يعتبر أن العقاب الجسدي أو الإهانات الموجهة للطفل وسيلة تربوية وليست كأسلوب سوء معاملة الابن ، فالابن يعتبر ملك للوالدين وليس لأي أحد الحق في معارضتهم أو التدخل في الوسيلة التربوية التي ينتهجونها..
وجهة نظر الإسلام:
يلجأ الطفل الذي يعاني القسوة الظالمة والمعاملة الأليمة إلى الانتحار أو مقاتلة أبويه أحيانا وترك البيت نهائيا ، أو ربما يصبح مجرما في المجتمع أو شاذا أو منحرفا في الحياة و الصيوعة و الانحلال و هذا ما أجمع عليه علماء التربية.
وقد أمر الإسلام بتعاليمه ومبادئه القويمة الخالدة ، كل من لديه مسؤولية التوجيه والتربية ولا سيما الآباء والأمهات منهم ،يأمرهم جميعا أن يتحلوا بالأخلاق العالية والمعاملة اللطيفة والرحيمة حتى ينشأ الأولاد على الاستقامة ويتربوا على الجرأة واستقلال الشخصية وبالتالي يشعروا أنهم ذوا تقدير واحترام وكرامة.
وهذه بعض توجيهات الإسلام في المعاملة الرحيمة والمسايرة اللطيفة،
قل تعالى " إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى" النحل الآية 90..
وقل سبحانه :" والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين" آل عمران الآية 34.
وروى أبو الشيخ في الثواب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رحم الله والدا أعان ولده على بره"[16]
كما كان لعلماء التربية توجيهات مثل :
أبو حامد الغزالي : وهو من أوائل الذين كتبوا في مجال التربية وله تفسيرات تتفق مع أحداث الآراء التربوية في عصرنا فمن نصائحه الأساسية : " على المربي أن يكون شفوقا عطوفا على الأطفال ولا يلقي عليهم فوق طاقتهم وأن يستخدموا معهم اللين والكلام الطيب " ومن أهم أقواله أيضا في هذا الميدان "يجب العناية وتشجيع الطفل ، مدحه وعدم استخدام العقاب واللوم ضده إلا في حالة الضرورة القصوى وبشكل خفيف" وقد وردت أقواله في كتابه التربوي "إحياء علوم الدين"[17]
ابن سينا : يعتبر من رواد الطب النفسي في العصور الوسطى وفي كتابه رسائل سياسية " تعرض الأساليب الصحيحة الناجعة وأهم ما جاء فيه "لا يجوز الإتجاه إلى العقوبة البدائية إلا إذا لم تنجح وسائل التهذيب الأخرى على ألا يكون العقاب مذلا للصبي ماسا بكرامته مؤذيا لجسمه" [18]
وجهة نظر القانون :
الحق الذي يمتلكه الآباء في تربية أولادهم كما يحلو لهم ، والحق في حياتهم الخاصة بدون تدخل الدولة يجب أن يكون عادلا وهذا ما أشار إليه القانون ، وذلك بإعطاء الأطفال الحق في الحصول على العناية والحماية الكافية وبالتالي التخلص من العقوبات الوحشية وغير المألوفة.
فالقانون الجزائري أعطى الطفل حق إمكانية الحصول على الرعاية والأمن والطمأنينة وذلك بمعاقبة كل من يتعدى عليه قصد المس بصحته أو إيذائه وهذا من خلال العديد من المواد والتي نذكر البعض منها للإستدلال به حول وجهة نظر القانون بالنسبة لسوء المعاملة :
المادة 269 :
" كل من جرح أو ضرب عمدا قاصرا لا يتجاوز سنه السادسة عشر أو منع عنه عمدا الطعام أو العناية إلى الحد الذي يعرض صحته للضرر أو ارتكب ضده عمدا أي عمل آخر من أعمال العنف أو التعدي فيما عدى الإيذاء الخفيف يعاقب من الحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة من 1500 إلى 5000دج"[19]
المادة 270:
" إذا نتج عن الضرب أو الجرح أو العنف أو التعدي أو الحرمان المشار إليه في المادة السابقة مرض أو عدم القدرة على الحركة أو عجز كلي عن العمل لأكثر من خمسة عشر يوما أو إذا وجد سبق إصرار أت ترصد فتكون العقوبة الحبس من ثلاثة إلى عشر سنوات والغرامة من 500إلى 6000 دج"[20]
المادة 271:
إذا نتج عن الضرب أو الجرح أو العنف أو التعدي المشار إليه في المادة 269 فقد أو بتر أحد الأعضاء أو الحرمان من استعماله أو فقد إبصارإحدى العينين أو أية عاهة مستديمة أخرى فتكون العقوبة السجن المؤقت من عشر سنوات إلى عشرين سنة وإذا نتج عنها الوفاة بدون قصد إحداثها لكنها حدثت نتيحة لطرق علاجية معتادة تكون عقوبتها السجن المؤبد وإذا وقع الجرح أو التعدي أو الحرمان بقصد إحداث الوفاة فيعاقب الفاعل باعتباره ارتكب جناية القتل أو شرع في ارتكابه"[21]
المادة 272:
" إذا كان الجناة هم أحد الوالدين الشرعيين أو غيرهم من الأصول الشرعيين أو أي شخص آخر له سلطة على الطفل أو يتولى رعاية فيكون عقابهم مايلي :
العقوبة الواردة في المادة 270 وذلك في الحالة المنصوص عليها في المادة 270
بالسجن المؤقت من 5 إلى 10 سنوات وذلك في الحالة المنصوص عليها في المادة 270
بالسجن المؤبد وذلك في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 1 و2 من المادة 271
بالإعدام وذلك في الحالات المنصوص عليها في الفقرتين 3 و4 من المادة 271"[22]
المادة 314:
"كل من ترك طفلا أو عاجزا غير قادرا على حماية نفسه بسبب حالته البد نية أو العقلية أو عرضه للخطر في مكان خال من الناس أو حمل الغير على ذلك يعاقب لمجرد هذا الفعل بالحبس من سنة إلى 3 سنوات فإذا نشأ عن الترك أو التعريض للخطر مرض أو عجز كلي لمدة تجاوز العشرين يوما فيكون الحبس من سنة إلى سنوات.
وإذا حدث للطفل أو العاجز بتر أو عجز في أحد الأعضاء أو أصيب بعاهة مستديمة فتكون العقوبة السجن من 10 إلى 20 سنة " [23]
المادة 315:
إذا كان مرتكب الحادث من أصول الطفل أو العاجز أو ممن لهم عليه السلطة عليه أو ممن يتولون رعايته فتكون العقوبة كما يلي :
الحبس من سنتين إلى خمس سنوات في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
السجن من عشر إلى عشرين سنة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة المذكورة.
السجن المؤبد في الحالة المنصوص عليها في الفقرة الرابعة من المادة المذكورة."[24]
فمن خلال النصوص القانونية السابقة الذكر نجد بأن القانون الجزائري كان واضحا حول التنويه بحقوق الطفل وإعطائه حقوق مثله مثل باقي أفراد المجتمع ، وتعريض كل من يمس به أو التعدي على حياته إلى أشد العقوبات.
أشكال سوء المعاملة الو الدية :
4-1 الرفض الوالدي : يعني الرفض إدراك الابن من خلال معاملة والديه له أنهما متضايقان منه ، وأن هناك حاجزا بين الابن ووالديه ، أو بين الابن وأحد والديه مبنيا من عدم الثقة مع إدراك الابن أنه مرفوض وغير مرغوب فيه و محروم من الدفء والحنان الوالدي .
وفي أسلوب الرفض يدرك الابن أن والديه لا يتقبلانه وأنهما كثيرا الانتقاد له وهما لا يبديان مشاعر الحب و الود نحوه ولا يحرصان على مشاعره ولا يقيمان وزنا لرغباته ، بل يشعر أنه يتباعد عنهما ، وعلى العموم فإن الابن يحس من جراء معاملة والديه بهذا الأسلوب أنه ابن غير مرغوب فيه ، وكذلك فالرفض يتمثل في شعور الوالدين بأن الابن مشكلة كبيرة تؤرقهما فيتمنيان أن لا يكون لهما أولاد يرصدون تصرفاته باستمرار . 18
إن شعور الابن وإدراكه بأن والديه يرفضانه يبعث القلق الدائم في نفسه ويشعره بعدم الأمن فيفتقد الثقة بنفسه وبالآخرين ويميل في تصرفاته إلى العدوانية بسبب تعرضه للإحباط الدائم مما يعوق نموه وتوازنه النفسي بسبب عدم إشباع حاجاته إلى الحب والأمن والتقدير .
4-1-1 مظاهر الرفض الوالدي :
من الطرق التربوية المتبعة داخل بعض الأسر والتي لها علاقة بعملية التوافق الرفض وهو كما ذكرناه سابقا أسلوب تنشىء خاطئ يتجلى في نبذ الابن والتنكر له والسخرية من أفكاره ،والانتقاص من قيمته ، ومقارنته بأقرانه أو إخوته ، وتوجيه اللوم والنقد له عند قيامه بأي تصرف خاطئ مهما كانت درجته ، وعدم التكلم عنه بخير ، والشك في تصرفاته وأقواله ، ويصف " بالدوين" المنزل النابذ بأنه : " منعدم التكيف،ويتصرف بالصراع والمشاجرات والاستياء بين الأب وأبنائه، والذي يفتقر بدرجة كبيرة إلى العلاقات الإنسانية الطبيعية سواء بين أفراد العائلة أو بين العائلة والعالم الخارجي ،"19
ومن مظاهر الرفض الوالدي عدم مشاركة الوالدين هموم ابنهم وعدم الاستماع إلى انشغالاته للتخفيف من معاناته اليومية ، وكذلك عدم انسجام أو تناسق الوالدين في إتباع طريقة معينة للتوجيه ، أو استخدام الوالدين أو أحدهما لأكثر من أسلوب في كل مرة دونما هدف محدد ودونما تنسيق معين من أسلوب لآخر أو التناقض بين أقوالهما وأفعالهما في التنشئة مما ينتج عنه النموذج الأبوي الصالح، والثابت الذي يبحث عنه في تدرجه لاكتساب هويته.
ومن صور هذا الأسلوب هو كثرة التخويف والتهديد والوعيد للابن ، ورفض الأصدقاء الذين يخرج معهم، والتقييد من حريته ، والتقليل من طموحاته ،والتحفظ الدائم من اختياراته بحجة صغر سنه وطيشه ،ومعرفته السطحية بأسرار الحياة، وعجزه عن إدراك مصلحته وحقائق الأمور، كما يمكن أن يتخذ هذا الرفض على شكل عدم الاكتراث والسلبية التي يبديها بعض الآباء أمام مشكلات أبنائهم والتي تكون مسؤولية عن الكثير من مظاهر التسيب وصعوبة التوافق ، فالأبناء بحاجة إلى تحرير أنفسهم و الاستقلال بها عن الضوابط العائلية ، فإن لم يجدوا سبيلا إلى ذلك و وجدوا الكبار متمثلين في الآباء ،عاجزين عن الإرشاد عن طريق الحرية فإنهم لابد أن يلجؤوا إلى الانحلال والتسيب . 20
وقد يكون الرفض الوالدي للابن ماديا ويتجلى في عدة مظاهر منها عدم اهتمام الوالدين أو احدهما بالنظام الغذائي للابن ، واللامبالاة بأحواله الصحية أو عدم تنبيهه بالابتعاد عن الأماكن الغير لائقة للعب ، أو عدم الاعتناء بنظافة جسمه وملابسه ومظهره العام .22
ومن مظاهر الرفض المادي كذلك حرمانه من مصروفه اليومي أو عقابه البدني بسبب أخطاء بسيطة يرتكبها ، فمثل هذه السلوكات الو الدية السيئة تزيد حتما من تراكم القلق والمواقف المحبطة المتكررة ، كما ترسخ فيه فكرة عجزه وعدم استطاعته على التفكير السليم والتصرف المناسب في المواقف الاجتماعية المختلفة .
4-1-2- أساليب الرفض الوالدي للمراهق
هناك عدة أساليب تكمن وراء إتباع الوالدين لأسلوب الرفض للابن وهي تختلف من أسرة لأخرى حسب شدتها وكثافتها وثقافتها ومن هذه الأسباب ما يلي
1-شخصية الوالدين
للحالة الجسمية و العقلية و النفسية للوالدين انعكاسات واضحة على نوعية رعاية الابن كما قد تشكل حاجزا نفسيا قد يعيق تكيفه المتزن فإصابة احد الوالدين أو كليهما بمرض أو بإعاقة حسية أو حركية أو حسية حركية تؤثر سلبا على التربية السليمة للأبناء.
أما عن الحالة النفسية و العقلية للأبوين فتؤكد بعض الدراسات على أن الوالدين العصبيين يفتقدان إلى الاستقرار العاطفي في علاقتهما الزوجية و العائلية فالنمط التربوي لمثل هؤلاء الآباء يتسم بالإهمال و التذبذب و عدم الاستقرار25
ويمكن أن تتسم شخصية الوالدين ببعض السلوكات و العادات الشاذة كالتدخين و شرب الخمر و لعب القمار و التحايل على الناس فتصرفات مثل هؤلاء الآباء تنعكس سلبا على علاقتهم بأبنائهم فهذا الصنف من الأولياء قد يعرض الابن للعقاب البدني أو الطرد من البيت وفي بعض الأحيان يدفع أبنائه إلى سلوكات خاطئة أو لا يهتم بمطالبهم و حاجاتهم وما يمكن أن يقال للآباء يقال للأمهات ، فالأم المستهترة أو السكيرة أو ذات العلاقات المريبة، أو محترفة الرذيلة، يكون تأثيرها أشد في معاملة أولادها، كما أن الأم كثيرة الشجار مع الجيران والخلاف مع الأب على مشهد ومسمع الأبناء توصف بأنها شخصية غير متزنة ،وتميل معاملتها لأبنائها للرفض واللامبالاة والقسوة أكثر من ميلها إلى الحب والتفهم.
وباعتبار أن الابن يحتاج إلى نماذج و قدوات يحذو حذوها، فالشخصية المضطربة للأبوين تلعب دورا مهما في تقديم النموذج السيئ للأبوة والأمومة وهذا من خلال معاملتهما للأبناء، التي تتعدد فيها مظاهر الرفض والقسوة والإهمال.
2- الاستقرار الانفعالي داخل الأسرة :
إن بعض الظروف والمواقف و السلوكات الدائمة داخل المنزل تؤدي إلى معاملة سيئة للابن تزيد من صعوبات تكيفه الأسري والاجتماعي ومن هذه المواقف الانفعالية نجد :
الجو المتزمت الذي يقتل روح المرح والسرور والمبادرة والذي يسيطر عند بعض الأسر فتقتل الأفكار والمبادرات ، وتشعر صاحبها بالإحراج والإحباط والانطواء .
- اللوم والنقد: فالعلاقات الأسرية التي يطغى عليها اللوم والاتهام والنقد تسبب الكثير من الانفعالات المضطربة الضارة في شخصية أبنائها.
- سيطرة روح الكراهية بين أفراد العائلة وهذه من الانفعالات السلبية السائدة في بعض الأسر، فإن سادت روح الكراهية بين أعضاء الأسرة يدرك الابن أنه مرفوض غير مرغوب فيه نتيجة لعدم شعوره بروح العطف و بدفء الحنان أثناء معاملة والديه وأفراد أسرته ، فتتحطم نفسيته وتزيد من حيرته وصعوبة توافقه. 26
3-سن الوالدين :
لعمر الوالدين تأثير في تربية النشء، فكلما زاد الفارق الزمني بين الآباء والأبناء إلا وزادت حظوظ الفشل في الوصول إلى أساليب تربوية متزنة وطرق توجيهية تقوم بين الطرفين ، وتكون محل اتفاق بينهما وتشابه .
فصعوبات التكيف تزيد عند الجيل الثالث بازدياد اتساع فارق السن بينهم وبين آبائهم بسبب اختلاف طرق التفكير ومعالجة المشاكل ومواجهة الصعاب ، وأسلوب العيش وأساليب المعاملة التي كثيرا ما يضنها الأبناء أنها مهمشة لشخصيتهم ورافضة لتصوراتهم وطرق تفكيرهم ونظرتهم للمستقبل ، بينما يرى فيها الآباء الطريقة الصائبة والتوجيه السديد لتزويد الأبناء بالخبرات الحياتية اللازمة للتأقلم مع الظروف المعاشة . 27
4-المستوى المادي والاقتصادي للأسرة :
تهدف الظروف الاقتصادية والمادية للأسرة إلى تحسين مستويات معيشتها، وهذا يتوقف أساسا على دخل الأسرة كمؤشر على مدى قدرة معيلها على توفير الغذاء والكساء ومتطلبات التعليم والرعاية الصحية، بالإضافة إلى كيفية استغلال المعطيات المادية المتوفرة فيها
يمكن القول أن المستوى الاقتصادي والمادي المتميز بالفقر والبطالة صعوبة الظروف المعيشية لقلة الدخل في مقابل ازدياد ومطالب وحاجيات العائلة وعدم توفر أو ضيق السكن، وصعوبة توفير الرعاية الصحية اللازمة، يزيد من احتمال إهمال الوالدين لرعاية أبنائهم و الاستسلام لظروف الواقع المعاش. 29
5- الظروف الاجتماعية للأسرة :
إن نمط العلاقات والتفاعلات الاجتماعية والنفسية في محيط الأسرة يحدد درجة تماسكها وقوة الروابط فيها ، فالأسرة التي تفقد إحدى دعامتيها كالأم أو الأب أو تعيش ظروف اجتماعية صعبة تجعلها شبه عاجزة عن مراقبة وتوجيه سلوكات أبنائها ، لذا قد يميل البعض منهم إلى ممارسة بعض السلوكات الغير توافقية ، ونجد منه سوء التوافق العائلي الناتج عن التفكك الأسري أو فقدان أحد الوالدين أوكليهما أو الطلاق أو الهجر أو تعدد الزوجات أو غياب الأم أو الأب لفترة طويلة .
6- المستوى التعليمي والثقافي للأسرة :
للأسرة الدور الكبير إلى جانب المؤسسات الاجتماعية الأخرى لنقل التراث الثقافي من جيل لآخر، كذا القيم والمعايير التي تفرضها أنماط الثقافة العامة والخاصة.
فالمستوى التعليمي والثقافي للأسرة الجزائرية يحدد نواحي الصراع في حياة أفرادها خاصة حين تتعارض مضامين القيم الأساسية والعادات السائدة فيها مع طبيعة شخصية الابن ، ومحاولاته لإشباع حاجاته وسعيه وراء ت�
ساحة النقاش