أدوية بتقنية الـنانو لعلاج السرطان..
وطرح الأرز الذهبي المعالج وراثيا العام المقبل
كتب - أشرف أمين :
159
ما هي رؤيتك لمستقبل العلوم البيولوجية ؟ What is your Biovision? كان ذلك هو السؤال الذي طرحه العلماء مرارا كلما اعتلوا منصة مؤتمر بيوفيجين الذي انعقد بمكتبة الإسكندرية فكل ما نوقش علي مدار4 أيام كان أشبه بجولة في عقول العلماء ودراساتهم الحديثة والتي ستغير مستقبلنا وطبيعة حياتنا.
بدا ذلك واضحا خلال سلسلة من المحاضرات عن مستقبل علاقة الإنسان بالروبوت, حيث عرض الدكتور كيفين ورويك الأستاذ بجامعة ريدينج ببريطانيا تجربة أجراها علي نفسه هو وزوجته علي مدار السنوات الأخيرة, حيث قام بزرع شرائح الكترونية في ذراعه تتيح له التواصل مع كل الأجهزة الإلكترونية دون أن يتحدث, وزرع شريحة الكترونية في ذراع زوجته كي يتواصل معها عن بعد, وهو ما أثبته عمليا. وطبقا لورويك فإن مستقبل العلاقة بين الإنسان والروبوت سيكون أمرا شديد التداخل, وفي الوقت الراهن علي سبيل المثال, تجري تجارب لاستخدام مخ الفأر ليكون بمثابة العقل المحرك للروبوت. أما الدكتور رونالد أركين الباحث بجامعة جورجيا تك بالولايات المتحدة فاقترح استبدال جنود الحرب بالروبوت, وأخذ يعرض إيجابيات هذا الأمر استنادا للأخطاء البشرية العديدة, واستشهد بتقرير صدر من الولايات المتحدة عقب غزو العراق ذكر فيه العديد من المخالفات وعمليات القتل, وأوضح أنه في حالة الروبوت إن تم برمجته علي بروتوكولات محددة فلن يخالفها, كما أن خسارة روبوت في الحرب ليست بنفس قيمة خسارة مجند, وإن كان ما طرحه, وفق رأيه, مجرد أفكار وليست مطروحة للتنفيذ.
وعرض الدكتور ناكمورا بجامعة طوكيو بحثا عن أنسنة الروبوت, حيث يتم حاليا تطوير عقل الروبوت كي يتمكن من تحليل المعلومات التي يلتقطها من حوله عبر الصورة والرائحة, كي يصل لاستنتاج معلومات محددة مثلما يحدث في عقل الإنسان, فمثلا إذا رأي الروبوت رجلا مرهقا يحمل عددا من الحقائب, فهذا يعني أنه يحتاج للجلوس أو لمن يحمل الحقائب عنه, يذكر أن المعلومات التي يجمعها ويحللها الروبوت لا تعتمد فقط علي كاميرا تصور ما تراه فقط, بل تم إضافة قرون استشعار يمكنها رصد حركة عضلات الجسم وتحديد حالة هذه العضلات, فمثلا يمكن للروبوت معرفة أن الشخص المرهق يعاني ألما في عضلات الساق. وهذا القدر من تحليل واستنتاج المعلومات يعد نتاجا لعدد من المشروعات البحثية الكبري منها, كما يوضح الدكتور ريتشارد فاركويك رئيس قسم علوم الأعصاب بجامعة لوزان بسويسرا, مشروع المخ الأزرق والذي حاول من خلاله العلماء وضع تصور لتفاعل الخلايا العصبية بالمخ البشري باستخدام برامج محاكاة للمخ. ويضيف فاركويك إنه رغم أهمية النتائج التي حصلنا عليها من هذا المشروع, لكنها ليست كافية, وحاليا يجري الإعداد لمشروع أوروبي أكبر يبدأ العام المقبل ولمدة 10 سنوات بتمويل مليار يورو لدراسة المخ البشري وبمشاركة 200 عالم و30 من أهم المراكز البحثية حيث سيتم جمع أكثر من3 ملايين دراسة أجريت علي المخ والجهاز العصبي وتحليلها عبر برامج للكمبيوتر لمحاولة رصد ورسم شبكة التفاعلات الكهربية والعصبية داخل المخ. ووفقا لفاركويك يجب أن ننتبه الي أن أسلوب تشخيصنا للأمراض أصبح غير مجد, خاصة حين نتعامل مع الأمراض المعقدة مثل السرطان وبعض أمراض المخ والجهاز العصبي والتي نجهل أسبابها إلي الآن, لذلك من المهم تكثيف كل التكنولوجيات والبحوث الأساسية التي أجريت علي المخ حتي نصل لقراءة أفضل وتشخيص أمثل للأمراض وسبل علاجها.
وعن الأدوية المصنعة بتقنية النانو, تحدث باتريك كوفرور أستاذ الصيدلة بجامعة جنوب باريس, مؤكدا أنها تقنية تهدف لتصنيع أدوية فعالة للتغلب علي الأورام السرطانية, من خلال تصنيع مركبات الدواء في حجم جزيئات النانو وتحميلها علي سطح مركبات كيميائية ناقلة تصل بالدواء الي الخلية المريضة دون أن تعرفها الأنظمة الدفاعية لهذه الخلايا المريضة, وبالتالي يخترق الدواء الخلايا ويقضي علي الورم. وأوضح كوفرور أن أهم عقبة ظلت تواجه الباحثين لسنوات هي إيجاد المركبات الناقلة للدواء, وأخيرا وجدنا أن سكوالين وهو نوع من الزيوت الموجودة في الأسماك يمكن استخدامه كناقل جيد للدواء دون أن يسبب أي آثار جانبية, فهو مركب طبيعي ومغذ للجسم, ومن خلال التجارب وجدنا أنه عند تركيب الدواء المكون من سكوالين وجزيئات العلاج الكيميائي لانحتاج لجرعات كبيرة من الدواء, وبالتالي يمكن تجنب الآثار الجانبية للعلاج, كما تجري حاليا أبحاث لتصنيع ناقلات للدواء يتم توجيهها من خارج الجسم عبر المجال المغناطيسي للعضو المصاب, ويمكن استخدامها في حالة الأورام الصلبة الموجودة في منطقة محددة بالجسم كالكبد, أما الأورام المنتشرة بأكثر من مكان, فمن الأفضل استخدام علاجات النانو المحملة علي مركب سكوالين أو أي مركب ناقل قابل للتحلل داخل الجسم, لكن رغم بلوغ المرحلة الثالثة من التجارب المعملية بنجاح علي علاجات النانو الدوائية, فإن نقص التمويل بسبب الأزمة الاقتصادية بأوروبا قد يؤخر هذا المشروع البحثي المهم.
وحول أثر الغذاءعلي صفاتنا الوراثية, تحدثت الدكتورة دانيلا هانيلور أستاذة التغذية الجزيئية بجامعة ميونخ التقنية وأكدت أن دراسة الجينوم لم تعد كافية لفهم كل التغيرات الصحية التي تحدث للإنسان, لذلك فإن اهتمام العلماء حاليا موجه لدراسة كل المؤثرات غير الثابتة مثل عدد ونوعية البكتيريا التي تعيش في الأمعاء, والتي تتفاعل سلبا أو إيجابا بحسب نوعية الطعام الذي نتناوله وأسلوب حياتنا, فكلما اهتم الإنسان بتناول الطعام الصحي وممارسة الرياضة, زاد عدد البكتيريا النافعة وقل عدد الضارة منها, ولذلك فإنه في المستقبل سيكون من الضروري فهم الحالة الصحية لكل فرد طبقا لملفات أخري بخلاف ملف الجينوم, ويشمل ملف الميكروبيوم والذي يرصد عدد ونوعية البكتيريا التي تعيش في أجسامنا, وملف للبروتيوم وهي البروتينات التي تتفاعل مع الشريط الوراثي, وأخيرا ملف الميتابولوم والذي يفسر عملية البناء والهدم التي تحدث في خلايا الجسم, كل هذه الملفات تتغير طبقا لنمط حياتنا والمؤثرات الخارجية التي نتعرض لها, لذا من المهم مطابقة كل هذه الملفات حتي نفهم الحالة الصحية ونختار العلاج الأمثل لكل مريض.
وفي الإطار نفسه, تحدث الدكتور إنجو بوتريكوس أستاذ علوم النبات بجامعة زيورخ عن مشروع الأرز الذهبي أو الأرز المعزز بفيتامين أ, والذي يعد أحد الحلول للحد من إصابة ثلث أطفال العالم بالعمي والوفاة بسبب نقص هذا الفيتامين في وجباتهم الغذائية, موضحا أنه علي مدي عقدين من الزمان تمكن هو والعديد من الباحثين من تعزيز الأرز بهذا الفيتامين والحصول علي كافة التصاريح الدولية التي أظهرت سلامته علي الإنسان أو البيئة, حيث من المقرر البدء في زراعته بجنوب شرق آسيا أواخر العام المقبل. وأعلن بوتريكوس أنه تبرع بحقوق الملكية الفكرية حتي يتاح للدول الفقيرة والأكثر احتياجا لهذا الغذاء من زراعته, حيث يعتمد نصف سكان العالم علي الأرز في وجباتهم الغذائية, وبالتالي إذا تم توفير 50 جراما يوميا من هذا الأرز الذهبي لكل طفل, يمكن وقايتهم من المخاطر الصحية الناتجة عن نقص فيتامين أ من ضعف بالجهاز المناعي والعرضة للعمي والوفاة. وشن بوتريكوس حملة غاضبة علي المؤسسات الدولية المعادية للأغذية المهندسة وراثيا والتي حاربت مشروعه البحثي لسنوات دون البحث عن سبل لإنقاذ ملايين الأطفال الذين يموتون في الدول الفقيرة بسبب سوء التغذية. كما عرض الباحث باث دوتيلث بجامعة نيجميجين بهولندا دراسة مهمة عن البكتيريا التي تعيش في أمعاء مرضي سرطان القولون, أظهرت أن هناك اختلافا كبيرا بين نوعية البكتيريا الموجودة علي الخلايا السرطانية مقارنة بما تم رصده علي الخلايا السليمة المحيطة بالسرطان, كما أظهرت التحاليل أن البكتيريا الموجودة علي الورم تفرز مواد للحد من نمو الورم, بينما البكتيريا علي الخلايا السليمة تنقل المواد السامة لإصابة الخلايا السليمة بالورم, مما يفتح الباب لمزيد من الدراسات حول سبل استخدام البكتيريا لعلاج السرطان أو الحد من انتشاره. وسعيا لرصد البكتيريا التي تعيش من حولنا, أعلن جاك جيلبر الباحث بمعامل أرجون القومية بالولايات المتحدة عن مشروع دولي بدأ منذ عامين لرصد مختلف أنواع البكتيريا الموجودة علي سطح الأرض, وأوضح أننا نعيش اليوم العصر الذهبي الثالث لعلم الميكروبيولوجي, وأن حجم معرفتنا بأنواع البكتيريا ضئيل للغاية, رغم أنها تعد ضمن الكائنات الأكثر تنوعا وعددا فهي موجودة في أي مكان يمكن تخيله من قاع البحار حتي البراكين, كما شجع المراكز البحثية في مصر للتعاون ورصد البكتيريا التي قد توجد في مناطق وبيئات لم تدرس من قبل مثل الواحات والصحراء الغربية.
ساحة النقاش