بالمستندات .. الذين باعوا بنك القاهرة
ليست كمثلها دولة ليس في نيلها ولا حضارتها وإنما في فساد مسئوليها فالفساد في مصر له ألف يد وملايين الوجوه ففي فساد بنك مصر ومن قبله بنك القاهرة درس لمن أراد أن يتعلم أصول الفساد.
القصة طويلة وممتدة منذ حوالي 7 سنوات وتحديدا في عام 2005 حينما قررت حكومة الحزب الوطنى المنحل دمج بنكى القاهرة ومصر في كيان واحد كان وقتها الدمج ليس لتنمية الاقتصاد الوطنى أو الحفاظ علي بنك القاهرة وإنما باعتباره بنكا ذا علامة تجارية سيصب في مصلحة بنك مصر, وبعد إهدار ملايين الجنيهات علي عملية دمج فاشلة وغير مدروسة صدر قرار في يناير 2007 باستحواذ بنك مصر علي أسهم بنك القاهرة بالقيمة الدفترية, ووصل إجمالي القيمة التي دفعها بنك مصر لوزارة المالية 1.6 مليار جنيه.
إلي هنا وتبدأ قصة فساد جديدة أبطالها هم مجلس إدارة بنك مصر الذين وافقوا علي بيع بنك القاهرة.
قصة بيع بنك القاهرة ليست قصة من وحى الخيال وإنما هى واقعة يكشفها أحدث تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات الصادر في 2011, وتبدأ القصة حينما تزايدت خسائر البنك وضعف مركزه المالي فكان لابد أن يبتكر مجلس الإدارة طريقة حتى يحقق البنك أرباحا حتى ولو كانت وهمية, فصدرت موافقة من مجلس إدارة بنك مصر في 5 مايو 2010 علي تأسيس شركة «مصر المالية للاستثمارات» لتكون شركة قابضة متخصصة في إدارة الأصول والاستثمارات المباشرة برأسمال قدره 1.5 مليار جنيه بين بنك مصر الذي يستحوذ فيها علي نسبة 99.999% وشركة مصر ابوظبي للاستثمارات العقارية بنسبة 10 أسهم وصندوق التأمين والمعاشات الخاص بالعاملين في البنك بنسبة 10 أسهم علي أن تكون قيمة السهم 100 جنيه.
بعدها بحوالي 20 يوما من تأسيس الشركة وتحديدا في 2 يونيو 2010 قامت إدارة بنك مصر بمنح الشركة الجديدة قرضا مساندا قدره 10.6 مليار جنيه يستحق السداد في يونيه 2017 أي بعد 7 سنوات من التأسيس بمعدل عائد 8% يسدد سنويا بما يعنى أن العائد يبلغ نحو 844 مليون جنيه, إلا أن المفاجأة التى رصدها التقرير أن الشركة الجديدة لديها نسبة عجز تصل إلي حوالي 44% في التدفقات النقدية لمقابلة خدمة الدين أو عوائده دون أن تقدم معالجة للعجز أو طريقة سداد عوائد الدين.
لم يجد مجلس إدارة بنك مصر مفرا من البيع لنفسه تحت مسمى شركة مصر المالية للاستثمارات المملوكة له لتدعيم عجز المخصصات الناتج من تحويل ديون متعثرة من بنك القاهرة الي بنك مصر والتى بلغت حوالي 23.8 مليار جنيه في 30 يونيو 2010 بزيادة قدرها 5.4 مليار جنيه بنسبة 29.5% خلال عام واحد وهو ما جعل مجلس ادارة البنك المركزى المصري ورئيس مجلس الوزراء وقتها الدكتور احمد نظيف المحبوس حاليا في طره بتهم فساد مالي وسياسي يوافق علي تملك بنك مصر للشركة الجديدة شركة مصر المالية للاستثمارات بنسبة 99.999%.
وبعد سماح الحكومة والبنك المركزى وإدارة بنك مصر للشركة الجديدة بأن تتملك بنك القاهرة لم يكن مستغربا أن يقوم بنك مصر خلال أسبوع واحد في الفترة من 23 يونيو وحتى 30 يونيو 2010 ببيع 8 شركات من محفظة استثماراته قيمتها الدفترية تصل الي حوالي 3.827 مليار جنيه منها 4 شركات غير مدرجة بالبورصة بإجمالي بيع للشركات الثماني 11.945 مليار جنيه .
وجاء بيع بنك القاهرة في مقدمة تلك الشركات بنسبة 99.999% ثم شركة المستقبل للتنمية العمرانية بنسبة 39.4% والشركة تمتلك حوالي 46 مليون متر مربع, ثم شركة الشرق الاوسط للصهاريج وأنابيب البترول بنسبة 10% , ثم شركة الإسكندرية للأسمدة أبو قير والتى تصل فيها مساهمة البنك 3.33% من اسهمها.
وأقر التقرير بعمليات البيع التى تمت من بنك مصر الي شركة مصر المالية للاستثمارات وقال عنه: «انها جاءت مستوفية الشكل القانونى», إلا أنه افصح عن الغرض الحقيقي لعمليات البيع الذي تمثل في تحسين صورة المركز المالي للبنك في 30 يونيو 2010 ونتائج أعماله عن السنة المنتهية حيث تم استخدام الجانب الأكبر من الارباح الناتجة عن بيع استثمارات بنك مصر للشركة في تدعيم مخصص القروض ومن ثم تخفيض فجوة المخصص بنحو 6.328 مليار جنه بدلا من 8.118 مليار جنيه وادراج حوالي 1.3 مليار جنيه ضمن مخصص مطالبات محتملة اخرى دون دراسة.
وكشف التقرير عن تواطؤ البنك المركزى المصري والحكومة في تأسيس الشركة الوهمية حيث إنها المرة الاولي في تاريخ مصر ان تتملك شركة اسهم بنك بالكامل ثم منحها قرضا بقيمة 10.6 مليار جنيه دون ان يكون لها موارد ذاتية ثم تجاوز المادة 71 من قانون 88 لسنة 2003 بشأن تجاوز نسبة الائتمان التى يقدمها البنك للعميل الواحد والاطراف المرتبطة به والتى تقتصر علي 3 سنوات فقط إلا أن البنك اعطى الشركة مهلة سداد بعد 7 سنوات يكون خلالها خربت مالطا!!, حيث انه بتلقائية شديدة كما يعلم جميع العاملين ببنك مصر والبنك المركزى سيتم اضمحلال هذه الشركة وتنتهى بالكامل بعد السنوات السبع.
ومن المعلوم ان الهدف الاساسي لهذه العملية الوهمية التى نتج عنها قانون بيع بنك القاهرة لشركة مصر المالية للاستثمارات وبالتالي أصبحت هذه الشركة لا تخضع لسيطرة وزارة المالية وهى المالك الحقيقي للبنك وبالتالي تمت خصخصة بنك القاهرة دون علم الشعب المصري لصالح تحقيق ارباح وهمية لبنك مصر عن العام المنتهى في 30 يوينو 2010 قدرها 510 ملايين جنيه يتباهى بها محمد بركات رئيس مجلس ادارة البنك امام الجميع ويكون له الحق في الحصول علي مكافآت خيالية مع باقي اعضاء مجلس الادارة, بالاضافة الي حصولهم علي مكافآت التوزيع من تلك الارباح.
وكان من ضمن الخسائر التى تكبدها بنك مصر خلال العام الماضي أدت الي ضعف مركزه المالي وصول رصيد القروض والتسهيلات التى منحها البنك للعملاء حتى 30 يونيو 2010 لحوالي 65.169 مليار جنيه تركز 45% منها لحوالي 16 عميلا فقط بلغت مديونياتهم 30 مليار جنيه واستحق البنك منهم التزامات عرضية بقيمة 2 مليار جنيه ووصلت عوائد مبالغ ديون عدد منهم الي 3 مليارات جنيه في حين بلغت مساهمات البنك لديهم حوالي 1.8 مليار جنيه منهم شركة مصر المالية.
واضاف التقرير ان حوالي 6 من عملاء البنك فقط وصلت ديونهم المستحقة لدى البنك 8.765 مليار جنيه وبلغت عوائد العملاء الستة 8.831 مليار جنيه وكان علي رأس العملاء الستة مجموعة ابراهيم كامل عضو لجنة السياسات السابق في الحزب الوطنى المنحل والمتهم في القضية المعروفة اعلاميا بـ«موقعة الجمل», ومجموعة شركات مجدى يعقوب, وشركات الهوارى, ومجموعة حسام ابوالفتوح, ومجموعة لكح, ومجوعة عادل اغا.
وكان أيضا من ضمن المخالفات التى رصدها التقرير عدم وجود مراكز مالية حديثة او ضعف المؤشرات المالية لعدد من عملاء البنك علي رأسهم شركة العز للحديد المسطح التى يمتلكها احمد عز امين التنظيم بالحزب الوطنى المنحل المحبوس حاليا في طره بتهم سياسية واقتصادية والتى بلغت قيمة مديونيات شركته حوالي 324 مليون جنيه ومجموعة ابراهيم كامل التى بلغت ديونها 2.780 مليار جنيه علي الرغم من عدم وجود قوائم مالية للشركة, وشركة المستقبل للتنمية العمرانية 476 مليون وشركة «فايننس» ليمتد 85 مليونا وجميع هذه الشركات لا توجد قوائم مالية لها كما ان الهيكل التمويلي لها غير متوازن وسبق لها تحقيق خسائر بمعلومية البنك.
كما اشار التقرير الي وجود 4 عملاء تجاوزوا نسبة 20 % و25% من القاعدة الرأسمالية للبنك هم الهيئة المصرية العامة للبترول والتى بلغ قيمة تجاوزها حوالي 332.5% شركة مصر المالية للاستثمارات التى اشترت بنك القاهرة ويبلغ تجاوزها بنسبة تجاوز تصل الي 580,5% وشركة ابراهيم كامل 118.4% ومجموعة شركات ساويرس 56.9 % .
ورصد التقرير عدم اعتداد البنك بخسائره وعدم احترام العملاء لمواعيد استحقاقات اموال البنك فقام البنك بمد الحد الاقصي للسداد الخاص بشركة مصر الخليج للفنادق والسياحة فرع مصر الجديدة الي 30 يونيو 2011 بدلا من نهاية ديسمبر 2010 علي الرغم من ان بداية السداد مارس 2011 علي الرغم من ان الشركة مصنفة لدى البنك علي أنها متعثرة وغير ملتزمة من خلال وصول مديونية الشركة الي نحو 511.6 مليون جنيه ثم تحقيقها لخسائر تصل الي 7 ملايين دولار في 2009 واخلالها بالتعهدات المالية المستحقة لديها بالاضافة الي ان الشركة محجوز عليها من قبل هيئة التأمينات الاجتماعية منذ 1994م بمبلغ 200 ألف دولار, إلا إدارة البنك تجاهلت كل ذلك وقامت بمنح الشركة قرضا لتمويل الاضافات والتوسعات لفندق هليوبوليس بمبلغ 45 مليون دولار, ويأتى ذلك في ظل عدم سيطرة البنك علي التدفقات النقدية مما أتاح للشركة استخدامها في أنشطة أخرى.
ورصد التقرير توسع البنك في الاستعانة بالمستشارين المتعاقدين مع البنك بعقود محددة المدة حيث بلغ عددهم 147 مستشارا بزيادة 58 مستشارا وبلغ اجمالي الاموال التى تم صرفها لهؤلاء المستشارين حوالي 23.17 مليون جنيه بزيادة 110% عن عام 2009 بالإضافة الي المزايا العينية التى أتاحها البنك لهم مثل السيارات علي الرغم من انها غير منصوص عليها في تعاقدهم مع البنك حيث تمت زيادة قيمة مرتبات عقودهم ما بين 16% و90% بالاضافة الي صرف مكافآت تشجيعية وعلاوت بإجمالي 2,5 مليون جنيه وصرف بدلات تمثيل وبدل حضور جلسات ولجان تقييم ومبالغ بالزيادة عن المكافأة الشاملة المحددة بالعقد وصلت الي 6 ملايين جنيه في عام 2010 بزيادة 1108 % عن عام 2009 والتى وصلت فيها تلك المبالغ الي حوالي 560 ألف جنيه فقط.
واشار التقرير الي استمرار لجوء البنك لمستشارين لا تتناسب مؤهلاتهم مع طبيعة الوظائف المسندة لهم علي الرغم من انتهاء عقود بعضهم, كذلك في ظل عدم استفادة البنك من العاملين فيه والحاصلين علي درجات علمية مناسبة لشغل وظائف المستشارين الخاصين.
الغريب ان المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات قد وافق علي اعتماد ميزانية البنك في اجتماع تم بينه وبين محمد بركات رئيس مجلس ادارة البنك قبيل اعتماد الميزانية العمومية للبنك في 30 يونيو 2010 وبحضور عدد من العاملين بالإدارة المركزية للبنوك لطلب موافقة «المحاسبات» علي تلك الميزانية والقوائم المالية المنتهية في ذلك التاريخ وكذلك الموافقة علي قيام الجهاز بتقديم شهادة منه بهذا الشأن.
المدهش هو أن «الملط» وافق علي اعتماد الميزانية اعترافا منه ليس بصحتها وإنما مجاملة وتكريما لجد«بركات» الذي شغل منصب رئيس المركزى للمحاسبات في فترة سابقة.
الأمر الذي يدين بشدة رئيس الجهاز السابق باعتباره الحارس علي اموال الدولة وليس المتستر علي الفساد.
السؤال الآن كيف لوزير المالية السابق الدكتور سمير رضوان أن يعلن عن بدء مفاوضات إجراءات شراء بنك القاهرة وفصله عن بنك مصر، ليصبح بنك تابع لوزارة المالية لتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهو لبنك الذي لم يعد ملكا للبنك مصر وانما ملك لشركة مصر المالية للاستثمارات, وبعد إقالة الحكومة السابقة اعلن بنك مصر ان هذه العملية لم تتم نتيجة اقالة الحكومة والتى جاءت لهم من باب الفرج حتى لا يتم افتضاح أمرهم في هذا التوقيت.
اقرأ المقال الأصلي علي بوابة الوفد الاليكترونية الوفد - بالمستندات .. الذين باعوا بنك القاهرة
ساحة النقاش