د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى ٢- الإنجاز والتوكل على الله

٩/ ١٢/ ٢٠١١

بعد إعادة النظر مرات فى آيات القرآن الكريم التى تناولت قضية التوكل على الله ـ عز وجل ـ أقول مطمئناً: إن معنى التوكل على الله الإنجاز، فأنت إذا تدبرت قول الله تعالى من سورة آل عمران: «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين»، عرفت أن هناك مراحل قبل التوكل: مرحلة الفكرة، ثم مرحلة التشاور فيه، ثم مرحلة العزم على إنجازه، ثم مرحلة التوكل على الله، أى إنجاز ذلك العمل الذى طرأ عليك، وجاءتك فكرته من ذاتك أو من غيرك، ثم بدأت تستشير فيه أولى النهى والخبرة، وإذا بكل من تستشيره يعطيك رأيه، ثم يتفق الجميع فى النهاية على ما فيه الصلاح للجميع، وعندئذ تتوكل على الله بعد أن عزمت، وتنجز، وعندئذ تكون من المتوكلين.

وفى سياق التوكل جاء قول الله ـ عز وجل ـ من سورة يوسف: «وقال يا بنى لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغنى عنكم من الله من شىء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون». وقد كان، حيث دخل بنوه من أبواب متفرقة كما أمرهم، ألا ترى إلى قول الله تعالى: «ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغنى عنهم من الله من شىء. وإنه لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون». فقد جاء الحديث عن الفعل بعد التوكل، والفعل معناه الإنجاز فمن فعل فقد أنجز، ومن لم يفعل لم ينجز، فهل يرى كل إنسان نفسه متوكلاً على الله ـ عز وجل ـ بهذا المعنى؟ كم مرة توكلت على الله؟

إذا سألت شخصاً هذا السؤال فسوف يجيبك قائلاً: أنا طول عمرى متوكل على الله؟ إذاً لابد أن تسأله: كم إنجازاً أنجزت؟ وكم عملاً عملت؟ إن العرف الدعوى الموروث يفهم الناس أن التوكل على الله معناه الأخذ بالأسباب مع الثقة بالله ـ عز وجل ـ وهذا كلام جيد، لا بأس به، لأنه يؤدى إلى المعنى الذى نتناوله، فمادام الإنسان قد أخذ بالأسباب ووثق بنصر الله وتأييده فقد أنجز شيئاً.

لكن هناك جهودا لإحباط هذا المعنى، تفهم الناس أن التوكل على الله معناه النوم وترك العمل، وعدم التفكر، فالمتوكل على الله عند هؤلاء هو الذى يدع الملك للمالك، ولا يحرك ساكناً، ولا يسكن متحركاً، فالملك لله، ولا شىء يكون أو يحدث إلا بأمره سبحانه وتعالى، وهو وحده على كل شىء قدير، وقد جفت الأقلام، وطويت الصحف، وما أصابك فمن نصيبك وما لم يصبك فليس من نصيبك، فلماذا توجع قلبك وتصدع رأسك، وتتخبط مع الذين يتخبطون؟!

إنك بهذه الطريقة تجرح توكلك على الله، وهذا كله ظاهره الحق، وباطنه الضلال، أو كما يقال: كلمة حق أريد بها باطل، لأنها دعوة إلى التواكل، والتواكل آفة تشل الحياة ثم تضربها فى مقتل، فالذى يقول: «اجرى جرى الوحوش» قاصداً المعنى الحقيقى، أن يكون جريك جاداً قوياً، ولكن ذلك الجرى مبنى على أنك سوف ترضى بما قسم لك لأن الله ـ تعالى ـ لو بسط لعباده الرزق لبغوا فى الأرض على صواب.

أما الذى يطلق هذا المثل داعياً إلى النوم، لأن رزقك مقسوم، فلا فائدة من التعب وبذل الجهل العنيف على خطأ، ومن ثم نجد كثيراً من العبارات أشبه بالسلاح ذى الوجهين، والحق يقتضى أن نبحث عن الوجه الذى فيه صالحنا، وفق معطيات نصوصنا. إن الذين قالوا قبلنا «حسبنا الله ونعم الوكيل» كانوا على طريق الإنجاز، هم الصحابة الكرام الذين أصابهم القرح يوم أحد، وكان يوم السبت، وفى صباح الأحد دعاهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الخروج إثر العدو، ليعلم أن بهم قوة، فانطلقوا رغم الجرح قائلين: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، قال الله تعالى: «فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء»، وشتان ما بين قائل هذه العبارة وهو نائم مستسلم، وقائلها وهو منطلق على طريق الإنجاز، وهذا هو المتوكل بحق.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 60 مشاهدة
نشرت فى 9 ديسمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,670