الإسلام وعلاج العمى .. ٥ - معنى العهد الغائب

  بقلم   د. مبروك عطية    ٢٥/ ١١/ ٢٠١١

ومتى ذكر لفظ «عهد» تبادر إلى كثير من الأذهان معنى العقد، وما اتفق الناس عليه من وعود هو عهود وعقود، وللعهد معنى آخر يكاد يكون غائباً، إلا إذا كان غائباً بالفعل، وهو جريان الإنسان على خلق لا يتغير، تقول: عهدى به أنه لا يكذب، أى دائم الصدق، وقد فطن إلى ذلك الصديق أبوبكر- رضى الله عنه- حين قال فى النبى- صلى الله عليه وسلم-: «إن كان قال فقد صدق». عهد الناس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دائم الصدق، ودائم الوفاء وعهد المسلمون رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دائم العطاء لا يقول لسائل: لا.

أعدت امرأة من الأنصار بردة له- صلى الله عليه وسلم- وكانت قد جاءته فى حاجة إليها، فقال رجل: «كانت نفسى تشتهيها، فأعطاه إياها- صلى الله عليه وسلم-: فأخذها فعاتبه رجل وقال له: أنت تعلم أنه لا يقول لسائل «لا»، يعنى كيف تستغل هذا المعهود فيه- صلى الله عليه وسلم- وتسأله إياها وهو فى حاجة إليها، إنك على يقين بأنه سيعطيك، فلم لا تتركها له؟ فقال الرجل: ما سألته إياها لألبسها، وإنما سألته إياها، لأنها لامست جسده، فأردت أن تكون كفنى». قيل: وقد كانت كفنه، والشاهد فى تلك القصة أمران:

الأول أن هناك صفات معهودة، لا تتخلف، وكيف تتخلف وقد صارت خلقاً لا يغادر صاحبه، ولا يدعه، بل هو ملازم له مادامت حياته؟! وعندنا مشكلة فى هذا الخلق، فنحن نمشى على سطر ونترك ربما سطرين، أو أربعة، فالذى عهدته اليوم فى صلاة الفجر، إن شاء الله تجده مع المصلين فى رمضان المقبل، والذى تعهده اليوم من متصدق لا تراه إلا عند الكرب الجديد، فهو ابن الأزمة، ولذا وصف الله- تعالى- عباده المنفقين بقوله فى آية آل عمران: «الذين ينفقون فى السراء والضراء» أى هم دائمون على الإنفاق، فى السراء التى هى مظنة البخل والعطاء، والضراء التى هى مظنة المنع.

والذى تعهده صادقاً مرة تعهده بعد ذلك من الكاذبين مشكلة، نحن فى حاجة إلى تربية الأجيال على المعهود الذى لا ينقطع، بحيث نرى الواحد منهم فتُهلل استبشاراً بمجيئه، لأنا عهدناه عدلاً، نرضاه، يقول الصدق ولو على نفسه أو والده أو ولده، لا يتخلف. كان الرجل يسأل عن الصديق- رضى الله عنه- أول ما يسأل فى بيته، فإن لم يجده فى بيته سأل عنه فى المسجد، فإن لم يجده فى المسجد قال عن يقين: هو عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أماكن لابد أن يكون فى أحدها، فما بالنا نسأل عن الرجل اليوم فى أكثر من أربعين مكاناً ولا نجده؟! تقول هو فى مكان كذا فتسأل وربما سألته هو، فيجيبك بقوله: قليلاً ما آتى هنا، وإن سألته فقلت: سألت عنك عند فلان فلم أجدك، ألم تكن تأتى هنا؟ قال لك: كان زمان.

وهكذا يتعبنا ذلك تعباً شديداً، فنحن نريد من الطلاب أن يكون لهم عهد بالكتاب، وبالزراعة من المزارعين، نريد شخصا له عهد لا يتخلف، يعكف عليه، ويتمكن، ينتمى إليه، وينميه، وإذا أردنا وجدناه عنده. كان الرجل منذ زمن يود أن يلقى الرجل فيلقاه فى مسجد حيه، فى أى صلاة، لأنه عهد فيه أنه لا يتخلف عن الجماعة فيه، فإن تخلف مرة وجده بعدها، فماذا يفعل لو أنه كان يراه فى رمضان، فلما انقضى رمضان هجر المسجد إلى رمضان الذى يأتى بعد عام؟!

وقد سرى ذلك إلى الوظائف الحكومية، فأنت تجد الرجل قد يتخلف عن وظيفته، فغيابه عنها أكثر من تواجده فيها، حتى الذى لا يتخلف تراه يوماً فى موعده وعشرة أيام يقال لك: «هو على وصول» ويا طول «على» لو انتظرته فأين الرجل الذى كان يقال فيه «تضبط عليه الساعة»؟! والقطار الذى كان الناس يعهدونه منضبطاً صار هو الآخر غير منضبط، مأساة شملت كل شىء.

والثانى أن الذى عهدناه- إن وجد- يجب علينا أن نصدق ذلك العهد فيه، فلا نسأله شيئاً هو فى حاجة إليه فيعطينا إياه بناء على هذا المعهود فيه، لأن ذلك ربما يؤدى به إلى التخلى عن هذا المعهود- أى يضيق صدره، فإذا به يقول: «سوف يركبوننى»، والدليل على ذلك أن من الناس من انسلخ عن المعهود فيه لاستغلال الناس إياه، ومن ذلك زوجات منضبطات على معهود جميل فيهن، فلما رأين أزواجهن يسيئون إليهن تغيرن، فرحم الله رجلاً أعان من عهد فيهم الخير على الاستمرار عليه.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 61 مشاهدة
نشرت فى 25 نوفمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,783,043