بقلم: د. سعيد اللاوندي 410
كنا نشكو دائما أن العلم شئ والواقع شئ آخر حتي خرج علينا هذا الرجل د.سامي نصار بدراسة تحدث فيها تربويا عن ثورة 25 يناير, تعليقا علي ماكنا طرحناه علي هذه الصفحة.. يقول الرجل: في ثمانينيات القرن الماضي أطلق المفكر الكبير زكي نجيب محمود كتابه مجتمع جديد.. او الكارثة كان بمثابة صرخة في واد لم تجد أذنا صاغية في مجتمع شد الي الماضي بوثاق لافكاك منه, وأدار عقله اليه خاضعا مستسلما, لا ناقدا مستنبطا أفضل ما فيه.
وفي اعقاب ثورة الشعب المصري في25 يناير, نجد أنفسنا كتربيويين محاضرين في ذات المأزق تعليم جديد أو الكارثة وليس ثم من مفر.
والشواهد علي فشل نظامنا التعليمي أكثر من أن تعد أو تحصي, وهي تفوق في تداعياتها الكيفية كل ما يبيح من جداول وارقام.
ان الهدر الكيفي الناتج عن فشل التعليم والمتمثل في اضطراب المعايير والقيم وشيوع التعصب والعنف وتدني مهارات العمل, وضعف المشاركة المجتمعية, وشيوع اللا مساواة والاستبعاد والإقصاء, يتجاوز في خطورته حدود التعداد والاحصاء.
واستمر د. سامي نصار أستاذ أصول التربية بالجامعة يقول:
> في هذه اللحظة التاريخية التي تجتازها مصر, وإذا كنا نحلم بتعليم جديد يجنبها الكارثة, فلابد أن تكون لدينا شجاعة المراجعة, والمراجعة التي أقصدها هنا ليست مجرد ذكر جوانب فشل نظامنا التعليمي, فكل هذا شائع ومعروف ولا يتطلب شجاعة لذكره, وإنما الشجاعة مطلوبة لمراجعة منطلقاتنا الفكرية وأيديولوجياتنا الأساسية التي ارتكبت في ظلالها الخطايا التعليمية وأوردت تعليمنا مورد الفشل.
لقد تخلف نظامنا التعليمي لأننا لم نستطع أن نبني دولة بالمعني السياسي للدولة, فمن الناحية التاريخية يمكن القول بأننا أمة, ولكننا من الناحية السياسية لم نؤسس دولة ما ومن هنا جاءت أزمة التعليم وفشله, وهذا بدوره أدي إلي فشل مشروع الدولة, وكأنها حلقة مفرغة جهنمية لا نستطيع الخروج منها, فازدهار التعليم وتقدمه رهن بوجود الدولة المدنية التي ترسم له سياساته, وتحدد أهدافه, وتحشد له الموارد في ضوء سياسة عامة تتبناها, كما أن التعليم هو الدعامة الأساسية لبناء الدولة المدنية.
نعم نحن أمة بالمفهوم الثقافي للأمة, ولكننا لم نصل بعد لنصبح دولة بالمعني القانوني والسياسي للدولة, فالأمة هي التعبير الثقافي عن الدولة, والأخيرة هي التعبير السياسي عن الأمة, فالدولة هي مجتمع سياسي مستقل بمجموعة من المباديء الدستورية والقانونية, والمؤسسات التشريعية والتنفيذية, والحدود الجغرافية ونظم الحكم والدفاع العسكري, ومن هنا عندما نريد تعريف الدولة فإننا لا نلجأ إلي التصورات المتعلقة بالعرق أو الدين أو اللغة, وإنما نعرفها في ضوء أنماط التنظيم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
فالدولة هي التي تتمتع بالاستقلال السياسي والمبادئ القانونية التي تنمو علي الفروق العرقية والطبقية والدينية بين أبناء الأمة وترسي قيم المواطنة وحقوقها وثقافتها, وتضمن المساواة بين جميع المواطنين.
وفي مصر اختلطت الأمة بالدولة, ولم نستطع أن نرسم الحدود الفاصلة بينهما, ولم نستطع أن نحدد الآليات التي يمكن من خلالها أن نعبر عن أنفسنا كأمة لها هويتها الثقافية أو كدولة لها كيانها القانوني والسياسي.
وفي إطار هذا الخلط اختطفت النظم الاستبدادية التعليم لتثبيت أركانها وضمان استمرارها في الحكم. وكان سلاحها في عملية الاختطاف هذه, تأكيد التماهي بين الأمة والدولة, ومن هنا تم توظيف الكثير من المفهومات الثقافية التي تتناقض بل وتقوض الأسس التي تقوم عليها الدولة, مثل تكريس السلطة الأبوية وإسقاطها علي نظام الحكم, فالحاكم أو الرئيس صار ربا للعائلة أو راعيا مسئولا عن رعيته, ومن ثم لا تجوز مناقشته أو الخروج عليه, أضف إلي هذا ما تزخر به مناهجنا الدراسية من صور رفض الآخر والاستعلاء عليه باسم القومية أو الدين, وإقصاء الأقليات باسم التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية.
هكذا استطاعت أنظمة الحكم وقوي الضغط أن توظف التعليم في تشويه الوعي وتزييفه من خلال اللعب علي الخيوط المتشابكة بين الأمة والدولة, وهذا ما تحاول التيارات الإسلامية جرنا إليه من خلال الدعوة إلي الدولة الدينية.
ثم طرح الرجل هذا السؤال:
> ما السبيل إذن لبناء تعليم جديد؟
ثم أجاب يقول: لا سبيل إلي ذلك إلا من خلال دولة مدنية بكل شروطها ومقوماتها وفضاءاتها العامة والخاصة, يكون فيها التعليم تابعا للدولة وليس للحاكم, تصوغ سياساته مؤسسات تتشكل وتدار بطريقة ديمقراطية.
فالدولة المدنية هي المسئولة عن التعليم وهي التي تنأي به عن أن يسقط فريسة في أيدي حاكم مستبد, أو تيار ديني يدعي لنفسه العصمة, أو تيار سياسي يدعي لنفسه امتلاك الحقيقة.
وهنا لابد أن يتحول التعليم إلي حركة اجتماعية تقود المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا بحيث يسهم بشكل حر ومستقل في حركة المد الديمقراطي, مؤكدا علي حقوق الإنسان؟ وعلي المساواة والعدل الاجتماعي والاقتصادي في ظل المواطنة والحرية السياسية, رافعا في كل ذلك لو اء العلم والعقلانية والتفكير الناقد, معليا من شأن الحوار, ثقافة وأسلوبا للحياة والتعلم في مجتمع المعرفة.
> الساكت عن الحق:
.. الدكتور السيد عبد الخالق هو أول رئيس لجامعة المنصورة بالانتخاب. واذ نهنئه بثقة مجلس التدريس من دكاترة في الجامعة نأمل أن ينظر باهتمام شديد لكلية الآداب فرع دمياط خصوصا أن عميد الكلية جاء بزوج ابنته رغم أنف الجميع وجعله يقوم بالتدريس رغم أنه يعمل في كلية التربية النوعية!
.. وزير التربية والتعليم اهتم مؤخرا بالمعاهد القومية التي تشرف علي نحو 40 مدرسة وبدلا من أن يترك رئيس المعاهد يمارس ديكتاتوريته بعد حل مجلس الإدارة, أمر بانتخاب المجلس مرة ثانية.. لكن هنا سؤال: رئيس المعاهد بلغ الثامنة والستين من عمره ورغم ذلك ظل في موقعه.. لماذا؟!
المزيد من مقالات د. سعيد اللاوندي<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش