"الشعر من أجل التعايش السلمي" عنوان لافت وربما يكون جديدا ومثيرا للتأمل وطارحا للعديد من الأسئلة خاصة في زمن التربص والتنابذ والصراعات الدائرة هنا وهناك. الزمن الذي نحياه الآن والذي لا تكف ساقية الكراهية فيه عن الدوران ليل نهار.
عنوان طموح ويحمل قدراً من الرومانسية ولكن لم لا؟ المهم أن نبدأ ونمنح لاحلامنا المزيد من المساحات فكل الأماني ممكنة إذا توافرت لها يد ترعاها بإخلاص ومحبة وتري أن بإمكان الشعر بناء جسور متينة يعبر خلالها البشر معا إلي عالم أكثر أمنا وسلاما وأكثر قدرة علي تهيئة بيئة روحية سليمة يعيش فيها الجميع مدخرين طاقاتهم لما فيه خير الإنسانية. علي هذه الخلفية جاءت المبادرة الحضارية "ملتقي الشعر من أجل التعايش السلمي" الذي أقامته مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري. علي مدي ثلاثة أيام في إمارة دبي تحت رعاية الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس الوزراء حاكم دبي.. وقد اجتمعت لهذا الملتقي الدولي الكبير كل أسباب النجاح. حيث حرصت المؤسسة علي دعوة شعراء ونقاد وباحثين من قارات العالم الخمس. أدلي كل منهم بدلوه في جلسات نقاشية جادة ورصينة. وترجمت العديد من القصائد الشعرية إلي العربية ومن العربية إلي اللغات الأخري. ووفرت مطبوعات في غاية العمق والأناقة. واتاحت الفرصة لاظهار الوجه العربي المشرق أمام شعراء وباحثين يمثلون مختلف الحضارات والثقافات. وخرج الجميع مؤمنين بقدرة الشعر علي توحيدهم تحت مظلته. ليس من خلال كلمات انشائية حماسية وإنما من خلال الكشف بالبحث والدراسة عن الامكانية الهائلة للشعر علي الفعل الحضاري والإنساني.. وربما يكون الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين رئيس مجلس أمناء المؤسسة قد أصاب كبد الحقيقة عندما قال في كلمته الافتتاحية إن المؤسسة رأت أن تجمع في هذا الملتقي بين الشعر والحوار لتكون من هذين الجذرين شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء وقصدنا أن يرقي الحوار بالشعر إلي ملامسة الهم الإنساني العام. وأن يسند الشعر الحوار ليصبح ثقافة يتبناها الجميع.
ونحن في المؤسسة- يواصل البابطين- نؤمن أن الشعر والحوار في أرفع تجلياتهما هما من نبع واحد. فالشعر العظيم هو انطلاقة للروح من قيودها ومن تضاريس الواقع الخانقة إلي آفاق لانهائية حيث يمتزج الحلم بواقع جديد أكثر إشراقا وشفافية. كما ينطلق منهج الحوار بالناس من الخنادق التي حفرت لهم. والكهوف التي خسروا فيها إلي الفضاء الإنساني العام. حيث السلام والأمن والاحترام للجميع والشعر الخالد تهذيب للنفس وترقية للذوق لكي يصبح الإنسان في رهافة الوردة وفي صفاء الضوء.. كما أن الحوار ينزع من الإنسان أنياب أنانيته وأظافر حقده. يقتل فيه المدنس قابيل. ويحيي فيه المقدس هابيل.
أبحاث وفعاليات الملتقي تعددت وناقشت العديد من القضايا مثل صورة الشرق في الشعر العالمي. وصورة الآخر في الشعر العربي القديم وغيرها من الموضوعات التي سنعرض لها الأسبوع القادم.
ساحة النقاش