هذه النسخة بصيغة html للملف http://dr-ghareeb.com/abook/chap6.rtf .

يقوم G o o g l e تلقائياً بإنشاء نسخ بصيغة html للوثائق التي يصادفها خلال البحث في الإنترنت، بحيث يمكن عرضها في متصحفات الانترنت.

نمذجة العلاقة السببية بين التحصيل الدراسي ومفهوم (*)

 

الذات والأعراض الاكتئابية : دراسـة للتأثيرات المباشـرة وغـير المباشرة على الأعراض الاكتئابيـة فـى المرحلة الإعدادية بدولة الإمارات العربية  

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

       

 

    

 

              يهدف البحث إلى اختبار صحة العلاقة النظرية بين متغيرات التحصيل الدراسي ومفهوم الذات والأعراض الأكتئابية كما يوضحها النموذج المقترح وبالتالي التوصل إلى نموذج يحدد اثر بعض المتغيرات الهامة في الأعراض الأكتئابية و ذلك في ضوء ما تعكسه بيانات البحث . كما يهدف البحث أيضا إلى التعرف عما إذا كان ثمة تأثير لمتغير الجنس على مفهوم الذات والأعراض الأكتئابية .

 

    ضمت مجموعة المفحوصين 421 من تلاميذ المدارس الأعدادية بدولة الإمارات العربية المتحدة ، كلهم من مواطنى هذه الدولة (208 اناث و 213 ذكور) واستخدم في الدراسة (أ) المجموع الكلى لدرجات التحصيل الدراسى عن النصف الأول من العام الدراسى من السجلات المدرسية (ب) مقياس الأكتئاب (د) للصغار (ج)مقياس بايرز-هاريس لمفهوم الذات .أستخدم في البحث اسلوب تحليل المسار في التعرف على اتجاهات التأثير بين متغيرات البحث من خلال نموذج سببى . عرضــت نتائج البحث وتمت مناقشتها في ضوء الأطار النظرى للبحث والدراسات السابقة.

 

 

ــــــــــــــــــــ

 

(*) يتوجه الباحث بوافـر الشكر والتقدير للزميلين والصديقين د/ بديوي علام ، بتربية عين شمس ، و أ.د/ رضا رزق ، بتربية الأزهر على مساعدتهما المخلصة والصادقة في العمليات الإحصائية للبحث.

 

 

 

 

مقدمة: منطقية البحث:

 

    تعتبر عملية التعلم جوهر العملية التعليمية والهدف الأساسى الذى يسعى إلى تحقيقه النظام التربوى. وتقع مرحلة التعليم الإعدادى فى قلب مرحلة المراهقة، والتى تشهد تعديلا وتغييراً فى مفهوم الفرد عن ذاته سعيا وراء تكوين هويته الثابتة. ومن ناحية أخرى تناولت الدراسات الأثر الذى يتركه العجز أو الصعوبة فى التحصيل على حالة التلميذ الانفعالية واحتمالية معاناته من الأعراض الاكتئابية. وقد اختلفت عشرات الدراسات فيما بينها فى أى من صعوبة التعلم أو الأعراض الاكتئابية يؤثر على الآخر. ولقد ظهر نموذج نظرى موجه فى محاولة لفهم الاكتئاب والأعراض الاكتئابية وهو نموذج الاستهداف - الضغط diathesis-stress، ويقوم هذا النموذج على اعتبار أن مصادر الضغط الخارجية، عوامل تؤدى تأثيرها على الاستهداف الشخصى ليحدث الاكتئاب. وقد يكون هذا الاستهداف معرفى، أو بنيوى constitutional أو مزيج من هذه الأنواع الاستهدافية. ويتضمن نموذج الاستهداف- الضغط فى ذات الوقت نموذجاً مخففاً لخطر الإصابة بالاضطراب النفسى، فإن العوامل الحامية، افترض أنها عبارة عن ظروف يمكن أن تخفف من التأثيرات الضارة لمصادر الضغط. وقد بدأ علماء النفس منذ أواخر الثمانينيات تركيز اهتمامهم على الدور الذى تلعبه بعض المتغيرات المعدلة moderators أو المخففة buffers لآثار أحداث الحياة الضاغطة، والتى تحمى الأفراد من المعاناة من الاضطراب. وقد اقترحت العديد من هذه المتغيرات المخففة أو المعدلة moderators variables لضغوط الحياة السالبة وتقليل الإصابة بالاضطراب النفسى. وقد ركزت أغلب الدراسات حول هذا الموضوع على الاستهداف المعرفى، ليصبح النموذج "الاستهداف المعرفى - الضغط" وينبني هذا النموذج فى الاكتئاب والأعراض الاكتئابية على أن الأفكار والإدراكات cognitions السالبة تعتبر عامل استهداف يتفاعل مع أحداث الحياة السالبة ليسهم فى حدوث واستمرار الاكتئاب أو الأعراض الاكتئابية. وفى هذا الصدد، يرى بندورا ان معتقدات الناس فى إمكانياتهم تؤثر فى مدى ما يخبرون من ضغوط ومشاعر اكتئابية فى المواقف المهددة أو الشاقة، وأيضاً تؤثر فى مدى مستوى دافعيتهم. فإن التهديد ليس خاصية ثابتة للأحداث الموقفية ، كما أن تقييم احتمالية وقوع أحداث منفرة لا يعتمد بالكامل على قراءة علامات خارجية للخطر والأمان، ولكن للتهديد خاصية علاقية relationalتتعلق بالمزاوجة match أو المزج بين الكفاءات المدركة للمواجهة وجوانب منفرة كامنة فى البيئة (Bandura, 1989) ويرى بندورا أن الناس الذين يعتقدون أن بإمكانهم ممارسة التحكم والضبط على تهديدات كامنة لا يستحضرون ذهنياً إدراكات قلقة، ولذلك فهم لا ينزعجون بها، ولكن الذين يعتقدون أنهم لا يستطيعون التعامل مع تهديدات كامنة، يخبرون مستويات مرتفعة من الضغوط والقلق، أنهم يميلون للارتكان لعجزهم فى التعامل أو فى المواجهة، وينظرون إلى العديد من جوانب بيئتهم على أنها مملوءة بالخطر وخلال هذا التفكير غير الكفء أو غير المؤثر، فإنهم يقسون على أنفسهم ويعطلون مستوياتهم الأدائية (Ibid.) ولذلك يرى بندورا أن أى محاولة لفهم محددات السلوك الإنسانى يجب أن تأخذ فى الحسبان تأثيرات الذات بوصفها عاملاً فعالاً. وتقترح الدراسة الحالية مفهوم الذات كمتغير معرفى بوصفه أحد المتغيرات الوسيطة بين أحداث الحياة السالبة - المواقف التحصيلية - والأعراض الاكتئابية . ويقوم هذا الاقتراح على أساس ارتباط مفهوم الذات بالتحصيل الدراسى من جهة - يترافق التحصيل الدراسى الجيد مع مفهوم ذات إيجابى للتلميذ - ولارتباطه أيضاً بالأعراض الاكتئابية من جهة أخرى - ترتبط الأعراض الاكتئابية غالباً بمفهوم سالب عن الذات . ووفقاً لنموذج الاستهداف المعرفى - الضغط، فإن مفهوم الذات فى حالة انخفاضه ، يتوقع جزئياً أن يساهم فى تعرض التلميذ لبعض الأعراض الاكتئابية فى حال مواجهته صعوبة فى التحصيل الدراسى - حادثه حياة ضاغطة - ويقترح أيضاً هذا النموذج أن مفهوم الذات فى حال ارتفاعه - يتوقع جزئياً أن يساهم فى تخفيف حدة الآثار الانفعالية فى حال مواجهة التلميذ صعوبات فى التحصيل الدراسى بوصفها موقفاً ضاغطاً.

 

    ولأن أغلب الدراسات التى تناولت عوامل الاستهداف للضغوط ومخففات الضغوط قد تم إجراؤها على مفحوصين من مجتمعات غربية ولأن النظريات المعرفية فى الاكتئاب والأعراض الاكتئابية - وخاصة نظرية بك Beck - والتى تخدم كأساس لهذه الدراسات أيضاً قد نشأت من عمل هؤلاء مع عينات من المجتمعات الغربية، فإن الشواهد تؤكد أنه من غير المستحب تعميم نتائج هذه الدراسات على مجتمعات غير غربية (Lightsy & Christopher, 1997, P. 452) . ولهذا فقد اختار الباحث عينة الدراسة الحالية من مجتمع خليجى - الإمارات العربية - فى محاولة لفحص مدى إمكانية تعمييم نتائج الدراسات الغربية فيما يتعلق بعوامل الاستهداف - الضغط، على أحد المجتمعات الخليجية وذلك لاعتقاد لديه بناء على الخبرة العملية والدراسات التى أجراها فى هذا المجتمع باحتمال وجود بعض الاختلافات بين المجتمع الخليجى - ممثلاً بمجتمع الإمارات - وغيره من المجتمعات -بما فى ذلك المجتمع المصرى - سواء فى المتغيرات المدروسة أو فى طبيعة العلاقات بينها. ويؤكد الباحث أنه لا يقصد بذلك عمل مقارنة ثقافية، ولكنه يلقى بعض الضوء الذى قد يوضح وجود أى اختلافات محتملة بين نتائج الدراسة الحالية ونتائج الدراسات السابقة وخاصة المعروضة فى الجزء الخاص بالدراسات السابقة فى البحث الحالى.

 

    ويجدر الإشارة، إلى أنه سوف تدرس الأعراض الاكتئابية بوصفها ردود فعل اكتئابية ولن يدرس الاكتئاب الإكلينيكى، أن ردود الفعل الاكتئابة لمصادر الضغط تعتبر ظاهرة هامة فى حد ذاتها، فكلا من الأطفال والراشدين يعانون نوبات من الاكتئاب من وقت لآخر على الرغم من أنها لا تبلغ فى شدتها ودوامها ما تبلغه الصورة الكلينيكية للاكتئاب . ولأن هذه الحالة الوجدانية يمكن أن تعرقل الرفاهة النفسية ونوعية التوظيف الفردى، فإنه يمكن جنى الكثير من المكاسب من وراء فهمنا لمحدداتها والوقاية منها والتقليل من حدوثها، وخاصة وقد أشارت بعض الدراسات (Ibid. P.451) أن الأفراد الذين يظهرون أعراض اكتئابية تتضاعف فرصة أصابتهم بالاكتئاب الكلينيكى - الرئيسى major depression - أكثر من أربعة أضعاف خلال عام من معاناتهم من الأعراض الاكتئابية مقارنة بهؤلاء الذين لا يخبرون هذه الأعراض.

 

    وسوف يستخدم أسلوب تحليل المسار Path analysis فى التعرف على اتجاهات التأثير بين متغيرات البحث من خلال نموذج سببي causal model والذى ينظم العلاقة بين المتغيرات المستقلة والمتغيرات التابعة.

 

مشكلة البحث:

 

    تختلف نوبة الأعراض الاكتئابية عن الاكتئاب الكلينيكي المرضى في أنها تعتبر حالة وقتية ، كما يمكن قياسها بمقاييس الاكتئاب العادية فقط دون إضافة باقى الأساليب الكلينيكية مثل المقابلات الكلينيكية وغير ذلك من أساليب متعارف عليها في مجال علم الأمراض النفسية. ومع ذلك، فأنها تتصف وتتضمن العديد من الأعراض الإكتئايبة المعرقلة للتوظيف الفعال للفرد مثل: الحزن، فقدان الوزن، فقدان الاهتمام في الأنشطة السارة، مشاعر عدم القيمة، اضطراب النوم والشهية وغير ذلك من أعراض. وتختلف أيضاً نوبة الأعراض الاكتئابية عن الاكتئاب المرضى في أنها أكثر انتشاراً في المجتمع العام، فبينما ينتشر الاكتئاب المرضى بنسبة حوالى 2% ـ 5% لدى الأطفال، (Nolen - Hoeksema et al, 1992) وينتشر أيضاً في البالغين بنسبة 2.5% ـ 3.5% (ليندزاى وبول ـ ترجمة صفوت فرج 2000 صـ 127)، فإن نوبات الأعراض الأكتائبية توجد لدى الأطفال بنسبة 10% - 15% ، ولدى الراشدين بنسبة 9% - 20% (المرجعين السابقين) وتزداد أهمية دراسة الأعراض الاكتئابية في أنها وعلى الرغم من أنها مؤقتة transitory إلا أن الأفراد الذين يعانون منها تزداد فرصة إصابتهم بالاكتئاب المرضى الكلينيكى أكثر من أربعة أضعاف فرصة أصابة من لم يعانون منها من أفراد خلال عام واحد فقط من مرورهم بخبرة الأعراض الاكتئابية.

 

    ومن أهم مواصفات التلاميذ في المرحلة الإعدادية مرورهم بخبرة مرحلة المراهقة وما تتضمن من متغيرات وظروف وضغوط خاصة في المجال المدرسي، مما يجعلهم أكثر أستهدافاً للعديد من المشكلات النفسية ومن بينها الأعراض الإكتئابية مقارنة بمن هم في مراحل نمو تالية ـ الرشد ـ وتتحدد مشكلة الدراسة الحالية في دراسة أثر أحد أنواع ضغوط الحياة ـ وهى الضغوط المدرسية ـ على ما يمكن أن يعاني منه تلاميذ هذه المرحلة من الأعراض الاكتئابية، والدور الذى يمكن أن يلعبه متغير آخر معرفى في التوسط mediating بين كل من ضغوط الحياة المدرسية والأعراض الاكتئابية ، وهو مفهوم الذات استناداً على نموذج الاستهداف المعرفى ـ الضغط في محاولة لمعرفة المتغير أو المتغيرات التى يمكن أن تساهم في وجود أو تخفف من أثر هذه الأعراض.

 

أهمية البحث:

 

    يهتم البحث أساساً بالأعراض الاكتئابية لطلاب المدارس الإعدادية ، ويتناول أثر متغيرين على هذه الأعراض بناء على ما أظهرته نتائج العديد من الدراسات في هذا الصدد. وتتجلى أهمية البحث في التعرف على أثر كل من التحصيل الدراسي ـ بوصفه مصدر ضغط بيئي ـ ومفهوم الذات ـ بوصفه نوع من الاستهداف المعرفي ـ على الأعراض الاكتئابية ـ بوصفها أكثر أنواع المشكلات الانفعالية انتشار في المرحلة العمرية المدروسة ، وهذا سوف يتيح قدرا أكبر من المعلومات للتربويين والنفسيين يساعدهم في محاولاتهم التخفيف من هذه الأعراض لدي الطلاب ، وذلك قبل أن تتحول إلى زملة كاملة تستعصى على التربويين التدخل في التعامل معها . وبذلك فإن الاهتمام في التعامل مع التلاميذ لا يقتصر فقط على الجانب التحصيلي ، بل يتضمن بالإضافة إلى ذلك تقديم بعض أنواع المساعدة النفسية في شكل العمل على تحسين مفهوم الذات وتخفيف الأعراض الاكتئابية .

 

أهداف البحث:

 

    يهدف البحث إلى اختبار صحة العلاقة النظرية بين متغيراته الثلاثة كما يوضحها النموذج الإحصائي المقترح ، وبالتالي التوصل إلى نموذج يحدد أثر بعض المتغيرات الهامة على الأعراض الاكتئابية في ضوء ما تعكسه بيانات البحث، وبذلك ، يصبح الهدف الأساسي للبحث هو : فحص الدور الذي يلعبه مفهوم الذات للتلميذ كمتغير وسيط mediator فـي العلاقة بين المواقف التحصيلية بوصفها أحــداث حيــاة ضاغطــة ، والأعراض الاكتئابية.

 

تحديد المصطلحات:

 

    التحصيل الدراسي ـ مفهوم الذات ـ الأعراض الاكتئابية ـ المتغيرات المعدلة ـ المتغيرات الوسيطة .

 

التحصيل الدراسي Academic Achievement :

 

    يشير مصطلح التحصيل الدراسي في مجال علم النفس التربوي إلى مستوى من الحذق والكفاءة في ميدان العمل الأكاديمي أو المدرسي ، سواء بصفة عامة أو في مهارة معينة كالقراءة أو الحساب (جابر عبد الحميد وعلاء كفافي ، 1988) .

 

    وفي البحث الحالي . يُعرف التحصيل الدراسي بأنه المجموع الكلي لدرجات الطالب / الطالبة في المواد التي درسها كما يظهره التقرير المدرسي عن النصف الأول من العام الدراسي .

 

مفهوم الذات Self- Concept :

 

    يعرف مفهوم الذات بصفة عامة بأنه ادراكات الفرد عن نفسه ، وهذه الإدراكات يتم تشكيلها من خلال خبرته وتفسيراته للبيئة التي يعيش فيها ، وبتقييمات الآخرين المهمين في حياته لمواصفاته attributions وسلوكه . (Shavelson., Hubner & Stanton, 1976, P.411) ويعرف مفهوم الذات في قاموس العلوم السلوكية بأنه "تقييم appraisal أو تقدير الفرد لنفسه" (Wolman, 1973, p.342) ويُعرفه جابر عبد الحميد وعلاء كفافي (1995 ص 4838) بأنه مفهوم الفرد وتقييمه لنفسه بما يشتمل عليه من قيم وقدرات وأهداف واستحقاق شخصي . ويعرف مفهوم الذات في البحث الحالي إجرائياً بأنه الدرجـة التـي يحصـل عليهـا المفحوص علـى مقياس مفهوم الذات المستخدم (هاريز ـ بيريس) .

 

الأعراض الاكتئابية Depressive Symptoms :

 

    يشير مصطلح الأعراض الاكتئابية إلى العلامات أو المؤشرات الاكتئابية ؛ وفي البحث الحالي . تعرف الأعراض الاكتئابية إجرائياً بأنها بعض أو أغلب الأعراض السبعة والعشرون التي يتكون منها مقياس الاكتئاب (د) للصغار CDI . ومعني ذلك، أننا لا نعني بالأعراض الاكتئابية .. الاكتئاب الكلينيكي أو المرضى ، ولكنها مجرد أعراض متفرقة لم تصل في تجمعها القدر الذي يمكن أن تعطي التشخيص الكلينيكي للاكتئاب .

 

المتغيرات المعدلة والمتغيرات الوسيطة Moderators & Mediators Variables :

 

    يعرف جابر عبد الحميد وعلاء كفافى (1992 ص 2233) المتغير التوسطى moderator variable ، بأنه المتغير الذى لا يتصل بالمتغير المقاس أو المتغير المحك ولكنه لا يزال فاعلا فى معادلة الانحدار بسبب علاقاته الهامة بالمتغيرات المنبئة الأخرى. ويعرف الباحثان المتغير التوسطى mediator variable بأنه يعادل مصطلح المتغير الوسيط intervening variable (فى نفس المرجع ص 2122). وعلى الرغم من تشابه معانى كلا المتغيرين كما اتضح فى السطور السابقة ، إلا أن المتغير المعدل moderator يتضح أنه يؤثر ، بينما المتغير الوسيط mediator يتلخص دوره فى أنه يتوسط mediate . مع ملاحظة أن العديد من الباحثين يستخدمون المصطلحان بالتبادل للدلالة على معنى واحد.

 

    ويرى كول وتيرنر (Cole & Turner, 1993) أن المتغير المعدل moderator variable هو المتغير الذى يظهر أثره عندما تتنوع قوة أو وجهة العلاقة بين متغيرين كوظيفة لتواجده . أما المتغير الوسيط mediator variable فهو متغير يؤثر على متغير ثانى - متغير العائد - بطريقة غير مباشرة فقط من خلال عملية أو خطوة توسطية intermediate مُقدمه بمتغير ثالث، وُينظر إلى المتغير التوسطى فى نفس الوقت على أنه نتيجة consequence للمتغير الأول وسبباً لمتغير العائد أو النتيجة . وسوف يتخذ الباحث مفاهيم كول وتيرنر فى تعامله مع المتغيرات المعدلة والمتغيرات الوسيطة .

 

إطار نظرى للبحث:

 

    سوف يتضمن هذا الجزء من البحث قسمان ، يتناول القسم الأول متغيرات ومفاهيم البحث الأٍساسية لإلقاء الضوء على كل متغير أو مفهوم لتوضيح معناه والفرق بينه وبين غيره من المصطلحات أو المفاهيم قريبة الشبه به ثم ما استقر عليه موقفنا من معنى له . ويتناول القسم الثانى الأساس النظرى للبحث.

 

القسم الأول: متغيرات البحث الثلاثة:

 

أ- التحصيل الدراسى:

 

    أن تعريف هذه المصطلح واضح فى ذهن المتخصصين فى مجال علم النفس عامة، وفى مجال علماء النفس التربوى والصحة النفسية على وجه الخصوص وحيث ذكرنا التعريف الذى تبنيناه للمفهوم فى حديثنا عن تحديد المصطلحات. ومع ذلك يبقى فى هذا المقام التفرقة بين التحصيل الدراسى المعتاد ، والذى يعنى هنا المجموع العام الفعلى لدرجات الطالب / الطالبة فى المواد التى تم تدريسها له كما يظهرها التقرير المدرسى ، وبين التحصيل كما تظهره مقاييس التحصيل المعيارية standardized tests ، وبين كفاءة الذات التحصيلية المدركة.

 

    أن معنى التحصيل كما يقاس بالمقاييس المعيارية التحصيلية هو "نتائج المقاييس المقننة من قبل على المجموع العام المشتق منه العينة المدروسة وعلى مستوى قومى، وفى هذه المقاييس لا يعرف التلميذ نتائج أداءه عليها، إنما ترفع هذه النتائج إلى اللجنة القومية التى تستخدمها فى صياغة وإعادة صياغة المناهج التدريسية أو فى تحديد المستوى التحصيلى العام على المستوى القومى . وكمثال لهذه المقاييس نجده فى دراسات (Rogers et al 1979., Maruyama et al, 1981., Pottebaum et al, 1986) فى قسم الدراسات السابقة فى البحث الحالى . وهذا النوع من المقاييس، ، يقل استخدامه فى مصر بالطبع ، وأن كان له بعض أوجه الاستخدام فى بعض البحوث ، ولم يستخدمه الباحث لما ظهر له من عيوب مقارنة بدرجات التحصيل الفعلية المستمدة من تقارير التلميذ فى المدرسة ؛ فقد وجد الباحثون السابقون وغيرهم أيضاً ممن عرضت دراساتهم ، أن تأثير التحصيل الدراسى على باقى المتغيرات المرتبطة به ، يظهر بصورة أقوى فى محيط المقارنة الاجتماعية ، ففيها يقارن التلميذ مستواه التحصيلى بالمستويات التحصيلية للآخرين فى الفصل الدراسى ، وأن المدى الذى تكون فيه هذه المقارنة لصالحه ، إلى المدى الذى يدعم ويقوى مفهومه لذاته والعكس ، إذا كانت هذه المقارنة فى غير صالحه ، ربما يؤدى ذلك إلى التقليل من مفهومه لذاته (Rogers et al. 1978, P. 56) وخلاصه القول ، أن التحصيل كما يقاس بمقاييس التحصيل المقننة المعيارية ، يحرم التلميذ من التغذية الرجعية لما أداه فى المواقف التحصيلية .

 

    والمفهوم الثالث للتحصيل هو كفاءة الذات المدركة للتحصيل ، وقد استخدم هذا المفهوم كثيراً فى المجال ، وادى ذلك إلى وجود بعض الخلط فى النتائج . ولتوضيح الفرق بين التحصيل الدراسى الفعلى وكفاءة الذات المدركة للتحصيل، يتضح من تعريف كفاءة الذات المدركة self-perceived-efficacy "بأنها تقييم الفرد لقدرته على أداء سلوك معين" ، بمعنى يهتم تعريف كفاءة الذات المدركة بتوقعات كفاءة الذات وليس بمهارات الذات الحقيقية ، أى أن كفاءة الذات المدركة تشير إلى إدراكات الفرد لقدراته وسلوكه . وكما يقول بندورا "أن إدراك كفاءة الذات يهتم بأحكام الفرد على قدرته الشخصية" . أن مصطلح كفاءة الذات المدركة يعتبر مصطلح محورى فى النظرية الاجتماعية - المعرفية ، ويرى أصحاب هذه النظرية أن مصطلح كفاءة الذات المدركة يمثل ميكانيزم حاسم crucial بالنسبة لإحساس الفرد بالضبط الشخصى على مصيره وفى التوافق الناجح لأحداث الحياة؛ وأن هذا الإحساس بالضبط الشخصى والتوافق الناجح يعمل كمخفف buffer هام ضد الاضطراب النفسى.

 

    وقـد اقترحت عدة أنواع من كفاءة الذات المدركة وأكثرها تواترا فى التراث النفسى ، كفاءة الذات المدركة للتحصيل الدراسى وكفاءة الذات المدركة للسلوك الاجتماعي . وفيما يتعلق بكفاءة الذات المدركة للتحصيل، تختلف عن التحصيل الفعلى كما اتضح ذلك سابقاً ، لأن المفهوم الأول يتعامل مع إدراكات الفرد لموقفه التحصيلى ، بينما يتعامل المفهوم الثانى مع الأداء التحصيلى الفعلى للفرد كما يقاس ذلك بمقاييس التحصيل المتنوعة . وبالطبع هناك علاقة بين المفهومين ، إلا أن هذه العلاقة لا تجعل منهما مصطلحان متطابقان .. وبالنسبة للبحث الحالى. يهتم بالتحصيل الفعلى للطالب ، كما تظهره المقاييس التحصيلية المدرسية ، ولم يتعامل مع كفاءة الطالب المدركة لتحصيله self-perceived achievement efficacy.

 

ب- مفهوم الذات:

 

    فى تناولنا لهذا المفهوم ، لابد من تناوله فى علاقته بمفهومين آخرين وهما تقدير الذات self-esteem وكفاءة الذات المدركة self-perceived efficacy . أشار هانسفورد وهاتى (Hansford & Hattie, 1982, PP. 123-142) إلى أن هناك خمسة عشر مصطلحا يتم استخدامها فى الإشارة إلى الذات (Ibid.PP.132- 133) وقد وجد الباحثان أن هناك ما يشير إلى أن الفرق بين مصطلحى مفهوم الذات self-concept وتقدير الذات self-esteem فرق ضئيل جداً، مما يدل على أن معنى المصطلحين قريباً جداً من بعضهما (Ibid.) ويرى شافيلسون وزملاؤه (Shavelson et al, 1976, P. 411) أن مفهوم الذات يعرف بشكل عام بوصفه "ادراكات الفرد عن نفسه، وهذه الإدراكات تتشكل من خلال خبرة الفرد وتفسيراته للبيئة التى يعيش فيها والتقييمات من جانب الآخرين المهمين فى حياته له، ومواصفاته attributions وسلوكه. أن التفرقة بين وصف الذات self-description وتقييم الذات self-evaluation لم تتضح بعد لا من الوجهة النظرية ولا من الوجهة العملية ، وبناء على ذلك ، فإن مفهوم الذات self-concept وتقدير الذات self-esteem تم استخدامها بالتبادل وبنفس المعنى فى الأدب النفسى" (Ibid. PP 414 - 415). ويدلل شافيلسون وزملاؤه على قولهم بأن مقياس تقدير الذات (كوبر سميث)وهو أكثر المقاييس انتشاراً يستخدم كمقياس لمفهوم الذات العام (Coopersmith, 1967, Dyer, 1964., Smith, 1973., Epstein & Komorita, 1971 In shavelson et al, 1976, P 424) 

 

    وفي دراسة حديثة لسميث وبيتز (Smith & Betz, 2002, PP. 438 - 448) أشار الباحثان إلى أن تقدير الذات يعتبر أحد مظاهر مفهوم الذات (Ibid. P.439)، وتناول الباحثان المفهومان بوصفهما مفهوما واحد في إشارتهم إلى صعوبة أن ينكر العاملون في مجال الإرشاد النفسي أهمية مفهوم الذات للعميل أو تقديره لذاته سواء فى ظهور مشاكله أو فيما يقدم له من أنواع العلاج . ويقدم بيتز وزملاؤه ما توصل إليه بلاسكوفتش وتوماكا من تلخيصهما للنظريات والبحوث حول المفهومين (Blascovich & Tomaka, 1991 , In Betz et al, 1995, P. 76) من أن تقدير الذات فى مقارنته بمفهوم الذات يعتبر تقييم وجدانى affective - فى مقابل المعرفى - لقيمة الفرد ، وينظر إليه أيضاً بوصفه احترام الذات self-regard أو تقبل الذات . self-acceptance ومن ناحية أخرى ، يعتبر مفهوم الذات تعبيراً واسعاً وشاملا broader and inclusive يشير إلى إدراكات ومعتقدات معرفية أو سلوكية محددة للذات، تم يتناول الباحثان المفهوم الثالث الذى يهمنا فى تحديد علاقات بعض المفاهيم بمفهوم الذات وهو مفهوم كفاءة الذات المدركة، فيذكرون "أن توقعات كفاءة الذات.. الاعتقاد بأن الفرد يمكنه بنجاح إكمال سلوك محدد تعتبر مثالاً من مكون مفهوم الذات" (Bandura, 1977, 1986 In Betz et al, 1995. P.76) ثم يرى جويندون (Guindon, 2002, P. 205) أن المنظرين قد بحثوا معنى تقدير الذات كأحد المصنفات فى فئة مفهوم الذات ثم يلخص رأيه بالقول "يعتبر مفهوم الذات ، من أكثر المفاهيم قرباً لتقديرات الذات .. ولأنه ينظر إلى مفهوم الذات بوصفه ادراكات الفرد لنفسه، والتى تتشكل من خلال خبراته، مع تفسيراته لبيئته، فربما يقدر الناس أنفسهم فى أبعاد متعددة ، ويقومون بأحكام عما يكونون - مفهوم الذات - ويستجيبون انفعالياً للتقييم - تقديرالذات-(Szymanski & O'Donohue, 1995 In Guindon, 2002, P. 207) . ويـرى بيتز وكلاين (Betz & Klein, 1996, P. 439) ، أن كفاءة الذات والتى تعنى التقييم المعرفى لقدرات الفرد، دائماً ما يتم التفرقة بينها وبين مظهر آخر من مظاهر تقييم الذات self-appraisal والذى يعتبر انفعالى أو وجدانى affective فى طبيعته وهو تقدير الذات العام. ويستشهد الباحثان بما قاله بندورا من أن "كفاءة الذات المدركة تهتم بالأحكام judgments على القدرة أو الإمكانية الشخصية ، بينما يهتم تقدير الذات بأحكام قيمة الذات self-worth". وفى آخر بحث نشر فى التراث النفسى حول الموضوع فى سبتمبر 2002 (Judge., Erez, Bono. & Thoresen, 2002, PP. 693 - 710) اقترح الباحثون وجود التداخل بين متغيرات نفسية أربعة وأنها تشترك فى مفهوم أو تكوين أساسى .. والمتغيرات الأربعة هى تقدير الذات، العصابية (بقطبها الإيجابى الذى يعنى الثبات الانفعذالى) مركز الضبط الداخلى ، وكفاءة الذات المعممة .. وفى تناولهم عاملوا تقدير الذات كمعاملة مفهوم الذات واقترحوا بناء على نتائج أربعة دراسات فرعية قاموا بها ، أنه على الأبحاث التى تتعامل مع هذه المتغيرات الأربعة أن تتوحد وتتكامل ، وأنه وعلى الرغم من قيمة تناولها منفردة، إلا أن على الباحثين أن يدركوا التشابه بين هذه المتغيرات، ويضعوا فى اعتبارهم المبدأ أو الأساس العام لها.

 

    تلخيصاً لما سبق مرتبطاً بمفهوم الذات كأحد متغيرات البحث الحالى وعلاقته بتقدير الذات وكفاءة الذات المدركة ، نجد أن هناك علاقة وثيقة بين المتغيرات الثلاثة سمحت لنا بالرجوع إلى بعض الدراسات السابقة التى تتعامل مع كل من تقدير الذات وكفاءة الذات المدركة فى تعاملنا مع مفهومنا الأساسى وهو مفهوم الذات … كما سوف نعتمد على هذه العلاقة الوثيقة بين المفاهيم الثلاثة إلى حد كبير فى تناولنا للجانب النظرى للبحث .

 

ج- الأعراض الاكتئابية:

 

    لقد عرضا تعريفنا الإجرائى لمصطلح الأعراض الاكتئابية، وما نود إضافته هنا تلك الحساسية الشديدة لدى العاملين فى المجال بضرورة التفرقة بين ما يمكن الإشارة إليه بالاكتئاب العادى normal depression والاكتئاب الكلينيكى أو المرضىclinical  depression أو depressive disorder والواقع يرى الكثير من العاملين فى المجال أنه أصبح من المقرر التأكيد على عدم وجود خط فاصل واضح بين نوعى الاكتئاب ، وأن الفرق بين النوعين من الاكتئاب ربما ينحصر فى دوام persistence حالة الكآبة وشدتها وأبعادها (Roth & Kerr, 1970 In Parker, 1980, P. 67) وهناك أيضاً العديد من الشواهد التى تقترح أن العوامل التى تؤثر على الإفصاح عن الأعراض الاكتئابية الكلينيكية يوجد أصلها أو أساسها فى الاتجاهات الاستجابية لدى الأفراد غير المكتئبين إكلينيكيا (Byrne, 1980, In Byrne, 1981, P. 90). ويرى بندورا وزملاؤه فى بحث حديث أن الاكتئاب أصبح اضطراباً شائعاً للدرجة التى تجعل استخدام مصطلح الاكتئاب غير مناسب إلا فى الحالات التى يتم فيها استخدام المقابلات الاكلينيكية .. ومع ذلك، فإن علم الاضطرابات النفسية يجب إلا يحجب pre - empt كلمة الاكتئاب عن باقى الأشكال الأقل شدة من الاكتئاب(Bandura et al, 1999).

 

    وبالعودة إلى مصطلح الاكتئاب العادى الذي سبق استخدامه، فإنه يقصد به اكتئاب التوافق أو ما اصطلح عليه في الدليل الرابع التشخيصى الاحصائى للجمعية الأمريكية للطب النفسي DSM- IV باضطراب توافق مع اكتئاب.. وفي تعريفه نجد أنه "اضطراب يحدث بعد شيء ضاغط stressor محدد (الطلاق ـ الفصل من العمل، مرض جسمى أو كارثة طبيعية) وتكون استجابة الفرد لهذا الضغط استجابة حادة أو أكثر مما يتوقع بطريقة عادية، أو تُحدث عجزاً واضحاً ومؤثراً في نشاطات الفرد الاجتماعية أو المهنية أو الشخصية؛ ويفترض أن تزول الأعراض مع الوقت، أو في حالة انتهاء الموقف الضاغط أو عندما يتم تنمية مستوى جديد من التفاعل الكفء ، أو التوافق" (غريب ، 1999 ص 446) وبالطبع يسهل على الباحثين تذكر هذه المعانى التى كانت ولا تزال تطلق على ما يعرف بالاكتئاب الاستجابي reactive - depression .

 

    وتلخيصاً للحديث عن مصطلح الأعراض الاكتئابية، نشير إلى أنه وعلى الرغم من أنه كان يمكن استخدام مصطلح الاكتئاب فى البحث الحالى دون أن يكون قد جانبنا الصواب، إلا أننا فضلنا استخدام مصطلح الأعراض الاكتئابية .. على الرغم من أن بعض الأبحاث في التراث النفسي الأجنبي تستخدم مصطلح الاكتئاب، دون أن تستخدم أى وسائل تشخيصية أو مقابلات اكلينيكية ، فقط تكتفي باستخدام مقياساً للاكتئاب، ولعل أحد الأمثلة بحث بندورا وزملاؤه المشار إليه (Bandura et al,1999). ويضاف إلى ذلك الإيضاح فيما يتعلق بالأعراض الاكتئابية والاكتئاب.. أننا قدمنا تبريرنا في تناول وعرض بعض الدراسات التى تناولت الاكتئاب، جنباً إلى جنب مع الدراسات التى تناولت الأعراض الاكتئابية، وسوف يلاحظ الباحث المدقق أنه في أغلب الدراسات التى استخدمت مصطلح الاكتئاب، لم يتم استخدام أية وسائل اكلينيكية للوصول إلى تشخيص الاضطراب، وبالتالى، لم تضع هذه الدراسات حدا فاصلاً بين الاكتئاب كزملة أعراض. والاكتئاب كمجموعة أعراض لم تصل في تجمعها حدا لوصفه بالاضطراب.

 

د - المتغيرات المعدلة والمتغيرات الوسيطة Moderators & Mediators Variables

 

    يقصد بالمتغير المعدل moderator variable، المتغير الذي يظهر أثره عندما تتنوع قوة أو وجهة العلاقة بين متغيرين كوظيفة لتواجده. أن المتغير المعدل ليس بحاجة إلى التأثير على المتغير الناتج outcome variable، ولكنه بالأحرى يمثل مجموعة من الظروف تخفف أو تعدل من العلاقة بين متغيرين أو أكثر (Cole & Turner, 1993). أما المتغير الوسيط mediator variable، فهو متغير يؤثر على متغير ثانى ـ الناتج ـ بطريقة غير مباشرة فقط من خلال عملية أو خطوة توسطية intermediate ومقدمة بمتغير ثالث . أن المتغير الوسيط ينظر إليه في نفس الوقت على أنه نتيجة consequence للمتغير الأول وسببا لمتغير النتيجة أو العائد. وفي النموذج التوسطى الكامل، يترجم التأثير الكامل للمتغير الأول على المتغير الناتج من خلال المتغير الوسيط mediator variable (Ibid.) ويرى كول وتيرنر أن هناك شكوك نظرية في إمكانية تطبيق النماذج التقليدية للمعدلات المعرفية cognitive moderators، للاكتئاب عند دراسة الأطفال، وتقترح البحوث أن النموذج التوسطى المعرفى cognitive mediation model ربما يناسب أكثر في تفسير الاكتئاب أو الأعراض الاكتئابية لدى الأطفال أن نموذج التوسط يقترح أن حادثة حياة سالبة محددة، ربما يتم استدخالها بواسطة الطفل على أنها منظومة ذات سالبة self - schemata . ومثال ذلك ما لاحظه كول (Cole, 1991 in Cole & Turner, 1993) من أن أنواع معينة من التقييمات المؤسسة أو المبنية على الكفاءة ـ من جانب الأقران أو المدرسين ـ قد تنبأت بالتغيرات في كفاءة الذات المدركة طوال العام الدراسى؛ كما لا حظ كول أيضاً، أن التزكية السالبة للكفاءة من جانب الأقران قد ارتبطت بدلالة احصائية بالأعراض الاكتئابية لدى الأطفال. وقد وجد العديد من الباحثون علاقات قوية بين الاكتئاب والكفاءة المدركة ذاتياً؛ وفي الواقع، فإن التقييم السلبي للذات (أو مشاعر عدم القيمة) ربما تكون أكثر الأعراض شيوعاً لاكتئاب الطفولة.

 

    وسوف نعتمد في البحث الحالى على النموذج التوسطى لمناسبته لعينة البحث، وفيما يلي شروط هذا النموذج كما يتم تناولها في التراث النفسي. هناك أربعة شروط لعملية التوسط أقترحها كيني وزملاؤه (Kenny et al, 1998 in Tram & Cole, 2000) الشرطين الأولين هما أن يكون المنبئ له القدرة على أن يتنبأ بكل من المتغير التوسطي mediator والنتيجة أو العائد ، كأن يتنبأ الحدث السالب ـ الإخفاق الدراسي في البحث الحالى ـ بمفهوم الذات السالب ـ ومن ثم بالأعراض الاكتئابية كنتيجة أو عائد outcome. والشرط الأخر الذى اقترحه كينى وزملاؤه لعملية التوسط mediation هو أن الوسيط mediator يجب أن ينبئ بمتغير النتيجة أو العائد، كأن ينبئ مفهوم الذات في البحث الحالى كمتغير وسيط، بالأعراض الاكتئابية كعائد أو نتيجة لعملية التوسط والشرط الأخير لعملية التوسط هو أن تأثير المتغير المنبئ على العائد أو النتيجة يجب أن يختفى عندما يتم ضبط الوسيط mediator  وفي البحث الحالى يفترض أن يختفي تأثير المتغير المنبئ ـ التحصيل الدراسي ـ على العائد أو النتيجة ـ الأعراض الاكتئابية ـ عندما يتم اختفاء أو ضبط المتغير الوسيط وهو مفهوم الذات.

 

    والواقع هناك أدلة بالتراث النفسي على أن مفهوم الذات يتوافر فيه شروط المتغير التوسطي mediator variable (Kenny et al, 1998 In Tram & Cole, 2000)

 

أولاً: أن الأحداث السالبة ـ صعوبات التحصيل الدراسي في هذا البحث ـ ترتبط بالأعراض الاكتئابية لدى الصغار (انظر الجزء الخاص بالمتغيرين في قسم الدراسات السابقة).

 

ثانياً: أن الأحداث السالبة ـ صعوبات التحصيل الدراسي في هذا البحث ـ ترتبط بمفهـوم الذات (انظر الجزء الخاص بالمتغيرين في قسم الدراسات السابقة).

 

ثالثاً: أن مستوى منخفض من مفهوم الذات يرتبط بالأعراض  الاكتئابية، (انظر الجزء الخاص بالمتغيرين في قسم الدراسات السابقة).

 

رابعاً: أن تأثير الأحداث السالبة ـ صعوبات التحصيل الدراسي ـ على الأعراض الاكتئابية، يختفى أو يقل بعد ضبط متغير مفهوم الذات على الأعراض الاكتئابية. وهذه النقطة هى محل اهتمام الدراسة الحالية.

 

القسم الثانى: الأساس النظرى للبحث:

 

    يعتبر اكتئاب الطفولة (*1) من الموضوعات الهامة والذى يحتل منزلة خاصة لدى العاملين في مجال الصحة النفسية وذلك لانتشاره الواسع ولدوره المعرقل للتوظيف العام للطفل؛ علاوة على ذلك، فإن الاكتئاب لا يعتبر ظاهرة وقتية يمكن أن يعبرها الأطفال، فإن النوبات الاكتئابية تميل إلى التكرار خاصة إذا استمرت وبقيت الأسباب المؤدية إليها فاعلة وناشطة . لذلك، فإن الاستهداف المبكر للاكتئاب يعتبر منبئ بتكرار حدوثه وبشدته في مرحلة الرشد  (Petersen et al, in Bandura, et al, 1999) .

 

    وعلى الرغم من اختلاف نظريات الاكتئاب فيما يتعلق بالمحددات المعينة التى تمثلها سبباً للاكتئاب، إلا أنها على وجه العموم تشترك في نموذج الاستهداف ـ الضغط diathesis - stress بوصفه موجها نظرياً. وفي هذا النموذج تعتبر مصادر الضغط الخارجية عوامل تؤدى تأثيرها على الاستهداف  الشخصى ليحدث الاكتئاب. وبناء على هذا التوجه التنظيرى، فإن الاستهداف قد يكون في المحل الأول معرفى، أو بنيوى constitutional أو مزيج من هذه الأنواع الاستهدافية. ويتضمن نموذج الاستهداف ـ الضغط غالباً نموذجاً مخففاً لخطر الإصابة بالاضطراب. أن العوامل الحامية protective يفترض أن تكون ظروفاً يمكن أن تخفف buffer من التأثيرات الضارة لمصادر الضغط (Ibid.) أن الدلائل التى تؤكد صحة الميكانيزمات المفسرة للاكتئاب، تحمل معها تضمينات عن كيفية منع هذا الاضطراب وأيضاً كيفية التخفيف من حدته. وعلى الرغم من الاتفاق بين العلماء حول أهمية أحداث الحياة الضاغطة السالبة في إحداث الاكتئاب والأعراض الاكتئابية، إلا أنه لوحظ أن العديد من الناس الذين يقعون تحت وطأة ضغوط شديدة سالبة في حياتهم لا يتحولون أو يقعون فريسة للاكتئاب، ولذلك، ومنذ أواخر الثمانينات، اهتمت البحوث بالدور الذى تلعبه بعض المتغيرات المعدلة moderators أو المخففة buffer لآثار أحداث الحياة الضاغطة السالبة والتى تحمى الأفراد من المعاناة من الاكتئاب والأعراض الاكتئابية بعد أن تأكد للدارسين، أن الضغوط السالبة وحدها لا ينظر إليها باعتبارها كافية لإحداث أو استثارة الاكتئاب. وقد اقترحت العديد من هذه المتغيرات المخففة أو المعدلة أو المتوسطة بين ضغوط الحياة السالبة والأعراض الاكتئابية؛ فنجد نيزو ورونان قد اقترحا أسلوب حل المشكلة (Nezu & Ronan, 1988 In Dixon & Reid, 2000, P.343) بينما اقترح آلو وكليمنتس (Alloy & Clements, 1992 In Dixon & Reid, 2000, 393) تصور أو تهيئ الضبط، وأقترح ليتنرى (Lightsey, 1994 In Lightsey & Christopher, 1997) كفاءة الذات المعممة واقترح ديكسون ورايد أحداث الحياة الإيجابية كمخفف للأعراض الاكتئابية ومعدلاً لها (Dixon & Reid, 2000) ويقترح ليتزى وكروستوفر المعتقدات الإيجابية (Lightesy & Christopher, 1997)، بينما اقترح ترام وكول معتقدات كفاءة الذات كمتغير معدل للعلاقة بين أحداث الحياة السالبة والأعراض الاكتئابية (Tram & Cole, 2000). ولأن أغلب الدراسات قد اقترحت طبيعة معرفية للمتغيرات المخففة أو المعدلة للآثار السلبية لضغوط الحياة وأثر ذلك على ظهور أو عدم ظهور الأعراض الاكتئابية، فقد تم تحديد نوع الاستهداف في نموذج الاستهداف ـ الضغط في تفسير والتعامل مع الأعراض الاكتئابية ليصبح التركيز على الاستهداف المعرفي ـ الضغط. ويذهب نموذج الاستهداف المعرفى ـ الضغط إلى أن المعارف أو الادراكات السالبة تعتبر عامل استهداف يتفاعل مع أحداث الحياة السالبة لُيسهم في حدوث واستمرار الاكتئاب أو الأعراض الاكتئابية. ووفقاً لوجهة النظر هذه، من المرجح أن يصاب بالاكتئاب الأفراد الذين لديهم نمط معرفى سالب وذلك عندما يخبرون حوادث حياة ضاغطة وذلك بمقارنتهم بالأفراد الذين ليس لديهم هذا النمط (Hilsman & Garber, 1995). والمعروف أن بك (Beck) رائد النظرية المعرفية في الاكتئاب، قد أقترح أن الأفراد المكتئبتين يتصفون بثالوت معرفى لوجهة نظرهم عن أنفسهم والعالم من حولهم والمستقبل، كما أن لديهم تحيزات سالبة وتشويهات في تجهيز المعلومات information - processing ؛ كما أقترح بالإضافة إلى ذلك المنظومات الاكتئابية depressive schemas أو الاتجاهات المختلة وظيفياً والتى تنشط بمصادر ضغط هامة داخل مجال استهداف الشخصية، مما يؤدى إلى أفكار تلقائية سالبة... واكتئاب (Beck, 1976). والواقع، أنه باستعراض الأبحاث الامبريقية، يمكن استخلاص دلائل قوية على أن الأفكار أو الادراكات الخاطئة تترافق أو ترتبط بالاكتئاب سواء لدى الكبار أو الصغار، ومع ذلك، فإن الدلائل على ما إذا كانت المعارف أو الادراكات تلعب دوراً سببياً في حدوث الاكتئاب تعتبر قليلة إلى حد ما. ويرى هيلسمان وجاربر، أن الادركات والأفكار السالبة عن الذات قد ارتبطت بالاكتئاب، فقد افترض بناء على ذلك أن تقدير الذات والمنظومات الذاتية السالبة تلعب دوراً في نشوء ودوام الاكتئاب (Hilsman & Garber, 1995) ويستشهد الباحثان بدراسات قاما بها، وحيث أوضحت أحدها، أنه وعلى الرغم من أن أغلب الطلاب الذين حصلوا على تقدير دراسي أقل مما يتوقعون لأنفسهم ـ موقف ضاغط ـ قد أظهروا مشاعر اكتئابية في حال معرفتهم بهذه النتيجة، إلا أن الذين اتصف منهم بنمط أعزائى عام وثابت (تفكير سلبي) هم فقط الذين استمروا في المعاناة من المشاعر الاكتئابية لعدة أيام. ومعنى ذلك، أن التفاعل بين نمط الأعزاء والحادثة السالبة قد تنبأ بدلالة احصائية بالاكتئاب. ووجد ميتالسكي وزملاؤه أيضاً (Metalsky et al, 1993) نتائج مشابهة، حيث وجدوا تفاعل بين نمط الأعزاء والضغوط في التنبؤ بالأعراض الاكتئابية وبالذات لدى الطلاب ذوى المستوى المنخفض في تقدير الذات. وقد اقترح بروان وهاريس (Brown & Harris, 1978 In Metalsky et al, 1993) أن اليأس يعتبر سبب محورى للاكتئاب واقترحا الباحثان أن الانخفاض في تقدير الذات يعتبر عامل استهداف ربما يسهم في وقوع الأعراض الاكتئابية من خلال عملية اليأس. لذلك، أعتبر ميتالسكي وزملاؤه، أن نظريات تقدير الذات يمكن النظر إليها على أنها تتضمن استهداف ـ ضغط، ومكونات متوسطة mediators.. أى أن تقدير الذات المنخفض هو عنصر الاستهداف، وأن اليأس هو الوسيط. وقد اقترح الباحثون أن تقدير الذات الإيجابي ربما يعمل كمخفف buffer ضد الاكتئاب وذلك بتحطيمه العلاقة المفترضة بين الاستهداف العزوى attribution diathesis واليأس، وهذا يتماشي مع منطق نظرية اليأس، والذى يفترض بوضوح أن متغيرات أخرى غير الاستهداف العزوى يمكن أيضاً أن تكون لها اثر impact على اليأس ونمو الأعراض الاكتئابية.

 

    والواقع، يوجد الكثير من الدراسات التى ركزت على تقدير الذات كمتغير هام في ظهور الاكتئاب وأيضاً كمتغير مخفف للاكتئاب والأعراض الاكتئابية وذلك مثل دراسة (Flippo & Lewinsohn, 1971, In Lewinsohn ., Gotlib & Seeley, 1997, P.371) وكذلك وجد (Kernis et al, 1991 In Lewinsohn ., Gotlib & Seeley, 1997) أن العلاقة بين انخفاض تقدير الذات والاكتئاب كانت أقوى لدى الأفراد الذين يعانون من انخفاض مزمن في تقدير الذات مقارنة بالأفراد الذين يتقلب تقديرهم لذواتهم؛ كما وجد حديثاً (Roberts et al, 1996 In Lewinsohn ., Gotlib & Seeley, 1997) أن مستوى تقدير الذات يعتبر عامل حاسم في الاكتئاب، وأنه ليس مجرد متغير محدد أو مخصص لهذا الاضطراب، بل هو أكثر من ذلك، فإنه يمكن أن ينبئ بالاكتئاب (Ibid. P.371). ولذلك، يرى بعض العاملين في المجال، أن تقدير الذات أو مفهوم الذات المنخفض ربما كان عامل استهداف والذى بالتفاعل مع مصدر الضغط، يؤدى إلى مزيد من الانخفاض في تقدير الذات، أو يجعل الجوانب السلبية من الذات أكثر بروزا ويزيد من خطر الإصابة بالاكتئاب. وتوالت الدراسات التى فحصت تقدير الذات أو منظومات الذات كمستهدفات diatheses في ظهور الاكتئاب ، ومن هذه الدراسات تلك التي قام بها هامين وزملاؤه (Hammen et al, 1985 In Hilsman & Garber, 1995) حيث أوضحت نتائجها أن حوادث الحياة السالبة وبمصاحبة تنظيمات الذات السالبة أنبأت بالتغيرات في الاكتئاب على مدار أربعة أشهر . ووجدت دراسات عديدة أخرى أن مفهوم الذات يُعدِّل moderates من العلاقة بين الحوادث الحياتية الضاغطة وظهور الاكتئاب لدى الراشدين (Borucki, 1991., Brown et al, 1990., Parker, 1980 In Hilsman & Garber, 1995).

 

    ويتأسس الإطار النظرى للبحث الحالى على عدة افتراضات، الأول أن مفهوم الذات يعتبر أحد المحددات الرئيسية للسلوك الإنساني وأنه متغير حاسم في قدرة الفرد على مواجهة الض

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 708 مشاهدة
نشرت فى 2 أكتوبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,686,545