نظرة معلوماتية علي اللائحة التنفيذية
لقانون مباشرة الحقوق السياسية
كتبت - جمال محمد غيطاس: 64 

بعد شد وجذب وطول انتظار‏,‏ صدرت اللائحة التنفيذية لقانون مباشرة الحقوق السياسية‏,‏ وهي الخطوة التي كان الكثيرون يعولون عليها كآلية لإرساء الإجراءات التنفيذية اللازمة لإدماج تكنولوجيا المعلومات في العملية الانتخابية بكاملها‏.

 

علي اعتبار أن التعديلات الأخيرة للقانون نفسه ـ قانون مباشرة الحقوق السياسية ـ قد أرسي عدة مباديء معلوماتية يمكن الاستناد إليها في إصدار لائحة تنفيذية تنتقل بمختلف جوانب العملية الانتخابية وإجراءاتها من عصر إلي عصر, لتجعلها مستندة إلي تكنولوجيا المعلومات, لكن اللائحة التنفيذية الجديدة لم تفعل ذلك, بل بالكاد قدمت لنا قلب معلوماتي ضعيف بلا أطراف.. أو بالأحري تقدمت خطوة وتجاهلت خمس في طريق توظيف التكنولوجيا انتخابيا.. كيف؟
تقتضي الإجابة تناول ثلاثة نقاط: الأولي المباديء الجديدة التي أضيفت للقانون بعد التعديلات, والثانية الفرص التي أتاحت هذه التعديلات إمكان الاستفادة بها في اللائحة التنفيذية لتوسيع نطاق الاستفادة من تكنولوجيا المعلومات انتخابيا, والثالثة الطريقة التي تعاملت بها اللائحة التنفيذية الجديدة مع قضية تكنولوجيا المعلومات.
فيما يتعلق بالنقطة الأولي يمكن القول أننا إذا نظرنا إلي التعديلات الجديدة لقانون مباشرة الحقوق السياسية من منظور تكنولوجيا المعلومات, سنجدها أتاحت العديد من الفرص والمميزات منها:
1ـ الانتقال من مفهوم الجداول الانتخابية الورقية إلي مفهوم قاعدة بيانات الناخبين, وهذا عمليا تغيير جوهري في منهجية إدارة البيانات الانتخابية يعتمد اعتمادا كليا علي أدوات تكنولوجيا المعلومات.
2ـ اعتماد قاعدة بيانات الرقم القومي كمصدر أولي وحيد للبيانات الانتخابية, وجعلها الجهة الأم التي يتم منها توليد قاعدة بيانات الناخبين, وهذا يلغي مباشرة كل ما لدي الإدارة العامة للانتخابات بالداخلية من بيانات وجداول سابقة.
3ـ جعل اللجنة العليا للانتخابات وأمانتها الفنية الدائمة هي الجهة الوحيدة المالكة لقاعدة بيانات الناخبين والمسئولة الوحيدة عن تلقيها وتسلمها من مصلحة الأحوال المدنية وقاعدة بيانات الرقم القومي, والمسئولة الوحيدة عن إعادة تهيئة وإعداد وتشغيل قاعدة بيانات الناخبين بالصورة التي تلائم متطلبات العملية الانتخابية في جميع مراحلها, بما في ذلك أي متطلبات تقتضيها أي أنظمة أو تعديلات يتم إقرارها علي طريقة تقسيم الدوائر الانتخابية أو النظام الانتخابي للبرلمان, أو أي قواعد بيانات ونظم معلومات أخري تتطلبها العملية الانتخابية.
4ـ إقرار مبدأ الربط الشبكي بين قاعدة بيانات الرقم القومي وقاعدة بيانات الناخبين الجديدة, لتحقيق التحديث التلقائي المستمر واللحظي لقاعدة بيانات الناخبين تحت الاشراف القضائي من واقع بيانات الرقم القومي كما تنص علي ذلك المادة الخامسة بوضوح, وهذا يلغي دور الإدارة العامة للانتخابات في تحديث ومراجعة بيانات الناخبين, ويجعل من المتاح إتمام عملية التحديث بطريقة مميكنة بالكامل.
هذه المباديء الجديدة في القانون فتحت الباب لأن تصنع اللائحة التنفيذية الجديدة معادلا معلوماتيا وتكنولوجيا لكل إجراء أو مرحلة من مراحل الانتخابات, فمثلا:
1ـ في الإجراء الخاص بتشكيل اللجان العامة الفرعية للانتخابات ولجان الاقتراع والفرز, كان أمام اللائحة فرصة لمعالجة هذا الأمر بنص ينظم تنفيذه عبر إنشاء قاعدة بيانات اللجان العامة والفرعية وربطها بقاعدة بيانات القضاة بأرقامهم القومية لتوزيع القضاة المشرفين علي اللجان.
2ـ في الإجراء الخاص بإعداد قواعد بيانات الانتخابات ومحتوياتها وطريقة مراجعتها وتنقيتها وتحديثها, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ ذلك عبر نصوص تنظم إنشاء قاعدة بيانات الناخبين, عن طريق استخلاص بيانات الناخبين من قاعدة الرقم القومي بعد أن بستبعد منها بيانات غير المسموح لهم بالتصويت والمستقاة من المحاكم والنيابات والجنسية والهجرة
3ـ في الإجراء الخاص بتحديد الدوائر الانتخابية وتعرف المواطن علي لجنته الانتخابية, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ ذلك عبر نصوص تنظم استخدام البرمجيات المتخصصة في حساب الكثافة السكانية للدوائر مقارنة بعدد النواب ـ الترابط والاتصال الجغرافي للدائرة ـ مطابقتها للتقسيم الإداري ـ توزيع اللجان الفرعية ومقر اللجنة العامة ـ ربط توزيع اللجان بقاعدة بيانات الناخبين ومحال إقامتهم.
4ـ في الإجراء الخاص بتوفير خدمات المعلومات الانتخابية للمواطنين, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ هذا الإجراء عبر نصوص تنظم خدمة الاستعلام عن اللجنة الانتخابية للناخب عبر الإنترنت من خلال قيام الناخب بإدخال رقمه القومي فيظهر أمامه اسم اللجنة وعنوانه وطريق الوصول إليها.
5ــ في الإجراء الخاص بتشكيل لجان تلقي طلبات الترشيح, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ ذلك عبر نصوص تنظم إنشاء نظم معلومات مؤمنة مرتبطة بمواقع علي الإنترنت تتلقي اللجان العامة والفرعية واللجنة العليا من خلالها ترشيحات المرشحين, كما تعرض من خلاله برامجهم.
6ــ في الإجراء الخاص بوضع وتطبيق نظام للرموز الانتخابية للأحزاب السياسية بالنسبة إلي مرشحيها وللمرشحين المستقلين, كان علي اللائحة أن تعالج هذه النقطة بنصوص تنظم كيفية إنشاء قاعدة بيانات المرشحين ووكلائهم بأرقامهم القومية والقوائم الحزبية لكل لجنة باستخدام برامج حاسب حيادية لتحديد رمز كل مرشح بشفافية ووضوح ومتابعة من قبل المرشحين ومندوبيهم وجماهيرهم.
7 ـ في الإجراء الخاص بتلقي البلاغات والشكاوي المتعلقة بوقوع مخالفات للأحكام المنظمة للعملية الانتخابية, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ هذه الخطوة من خلال نصوص تنظم إنشاء مراكز اتصال لتلقي الشكاوي وتسجيل الإجراءات المتخذة.
8ــ في الإجراء الخاص بوضع القواعد المنظمة لمشاركة منظمات المجتمع المدني المصرية والدولية في متابعة العملية الانتخابية, كان علي اللائحة أن تعالج تنفيذ هذا الأمر بنصوص تنظم استخدام برامج ونظم معلومات لتسجيل المراقبين بأرقامهم القومية وتسكينهم علي الدوائر المقررة مما يسهل علي القاضي لاحقا التأكد من هوية المراقب أو مندوب المرشح لتمكينه من التواجد في اللجنة.
هذه ثمانية إجراءات من بين حوالي19 إجراء تتضمنتها العملية الانتخابية من بدايتها لنهايتها, وقد أتاحت التعديلات الجديدة في القانون الفرصة لمعالجة هذه الاجراءات تكنولوجيا ومعلوماتيا بصورة عصرية في اللائحة التنفيذية, فما الذي حدث؟
من مراجعة بنود اللائحة يمكنني القول إن اللائحة الجديدة تعاملت مع الإجراءت الثمانية السابقة ــ والتي تقع جميعها في مرحلة ما قبل التصويت ـ بإهمال واضح وضيق شديد في الأفق, وتقريبا لم تقدم أي نوع من المعالجة المعلوماتية والتكنولوجية سوي في إجرائين, الأول هو الإجراء الخاص بإعداد قاعدة بيانات الناخبين وتشغيلها وتحديثها, وهذا تمت تغطيته في اللائحة بصورة كاملة, تنظيميا وإداريا, ولكن من الناحية الفنية ليس واضحا كما ينبغي, والثاني هو الإجراء الخاص بخدمة توفير المعلومات الانتخابية للمواطنين, وهذا عالجته بصورة جزئية مبتسرة بها الكثير من الملاحظات التي سنعود إليها لاحقا.
أما باقي الإجراءات الأخري فلم تعالجها اللائحة الجديدة وأهملتها بصورة واضحة, والدليل علي ذلك أن اللائحة عالجت قضية قاعدة بيانات للناخبين باعتبارها القلب المعلوماتي للعملية الانتخابية, ولم تعالج قواعد البيانات الأخري المكملة لها, والتي تمثل من الوجهة المعلوماتية الصرفة ـ الأطراف التي يتعامل معها هذا القلب وتمنحه مزيد من القوة والفاعلية والقيمة, ويتعين نقلها هي الأخري من العصر الورقي إلي العصر الرقمي وهي:
ـ قاعدة بيانات الدوائر الانتخابية والمقار واللجان الانتخابية العامة والفرعية والصغري وعناوينها وتوزيعاتها.
- قاعدة بيانات القضاة المشرفين والإداريين المعاونين لهم.
ـ قاعدة بيانات المرشحين ومندوبيهم ووكلائهم والشعارات الانتخابية.
- قاعدة بيانات مراقبي الانتخابات من منظمات المجتمع المدني.
ـ قاعدة بيانات مسئولي تأمين اللجان وتوزيعاتهم.
لقد كان الحد الأدني الذي نأمله في اللائحة التنفيذية أن تتضمن حزمة من النصوص المحكمة المتكاملة التي توجب بقوة القانون أن تترابط وتتلاقي قواعد البيانات الست معا, بحيث تكون بيانات الناخبين في القلب والخمس الأخري في الأطراف, ضمن نظام معلومات انتخابي قومي موحد, ينتح في النهاية حزم متكاملة من المعلومات الانتخابية التي تفي باحتياجات كل طرف من أطراف العملية الانتخابية, سواء ناخب أو قاض أو مرشح أو مراقب, كل حسب احتياجاته, وبما يجعل كل شخص يدخل اللجنة الانتخابية أو يتواجد بها أو حولها لأي سبب لابد وان يكون اسمه ورقمه القومي معروف ومسجل مسبقا, ضمانا لتحقيق اكبر قدر من الشفافية قبل وأثناء وبعد الانتخابات, وتحقيق انسياب سهل وسريع للمعلومات الانتخابية بين مختلف الأطراف كل فيما يخصه, مما يرفع من كفاءة العملية الانتخابية وإجراءاتها ونزاهتها.
ومجيء اللائحة التنفيذية علي هذا النحو من التقصير الحاد يعني أن الجهد المعرفي والتكنولوجي والمعلوماتي الضخم الذي بذل في قاعدة بيانات الناخبين يسفر فقط عن بيانات أولية يتم تعبئتها في مخازن رقمية ثم يعاد طباعتها علي الورق, دون ربط وتفاعل وتبادل للقيمة بينها وبين باقي بيانات المكونات الأخري للعملية الانتخابية, وهذا من الناحية المعلوماتية أمر بدائي القيمة, خفيف الوزن ويقترب من التهريج المعلوماتي, لأنه ليس من المعقول أن تنفق البلاد كل هذا الجهد وتدفع كل هذا الدم من أجل تعديل القانون علي هذا النحو, ثم ينتهي الأمر بمجرد الحصول علي بيانات استاتيكية جامدة مطبوعة علي ورق أو مجهزة بملفات بي دي إف علي أسطوانات لا يمكنها التفاعل مع بيانات أخري, ولا تصلح لبناء خدمات معلوماتية ذات قيمة مضافة أعلي, وتقديري أن مجئ اللائحة علي هذا النحو, يعني أننا أمام حالة من فقر الفكر أو فقر الجهد أو فقر الموارد.. وهذا حديث آخر نناقشه الأسبوع المقبل.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 115 مشاهدة
نشرت فى 20 سبتمبر 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,726,982