كتبت : سناء صليحة 32
متوالية الأحداث التي شهدتها البلاد أخيرا و أعقبتها مجموعة من القرارات الخاصة بالأداء الإعلامي, بداية من قرارات حظر بث جلسات بعض المحاكمات, مرورا بقرارات تفعيل قانون الطوارئ و بيانات وزير الإعلام المصري أسامة هيكل حول الأداء الإعلامي وانتهاء بوقف بث قناة الجزيرة مباشر,
أثارت جدلا شديدا في الساحة الثقافية و الإعلامية بل والشارع المصري. فعلي مدي الأسبوع الماضي تجلي بوضوح الانقسام حول ما تم اتخاذه من الإجراءات, إذ رأي البعض فيها ردة عن حرية الإعلام و الشفافية وحق التعبير عن الرأي, بينما اعتبر فريق آخر أن الأخطار التي باتت تهدد مصر تقتضي اتخاذ أي إجراء لحماية أمنها و استقرارها. وما بين الحلم والرغبة في التغيير من أجل حياة أفضل, و بين الواقع المضطرب حولنا جميعا و الذي امتد ليصل لداخل جدران منازلنا و كل البيوت المجاورة, و التضارب بين قنوات البث التليفزيوني و التعليقات و الأخبار التي تطيرها مواقع الاتصال الاجتماعي علي شبكة الإنترنت و منطقية الحجج التي يطرحها الفرقاء, بات المواطن المصري حائرا و ممزقا بين واقع يعيشه وبين واقع إعلامي تخلقه الصورة و مفاهيم ملتبسة غير واضحة.
وعن مفهوم حرية الإعلام في العالم وضوابطها و حدودها و فاعلية فكرة حظر النشر في ظل أدوات الاتصال الحديثة, وأثر الواقع الذي ترسمه الفضائيات و شبكة الاتصال الاجتماعي في تكوين الرأي العام و تشكيل ثقافة ووعي المواطن وكيفية اكتشاف أبعاد الحدث الحقيقية تحدثنا مع د. عدلي رضا رئيس قسم الإذاعة و التليفزيون بكلية الإعلام بجامعة القاهرة و د.حسن عماد الأستاذ بنفس القسم و المتخصص في التشريعات الإعلامية.
يتفق د. عماد و د. رضا علي أن الحرية أحد العوامل الرئيسية لتقديم رسالة إعلامية لها مصداقية وقبول جماهيري. ويري د. رضا أن التشريعات الإعلامية يجب أن تدعم وسائل الإعلام في أداء عملها وبدون قيود عليها, مع تأكيد أن الحريات التي تمارس بها القنوات الفضائية عملها يجب أن تقابلها مسئولية نحو المجتمع الذي تعمل من خلاله, ذلك أن الملكية الخاصة للقنوات الفضائية لا تعني استباحة كل شيء و غياب نظام يحكم الممارسات الإعلامية لهذه القنوات.
وعن طبيعة القواعد المنظمة للعمل الإعلامي عالميا يقول د.عماد: مبدئيا لا توجد تشريعات إعلامية في المجتمعات الغربية والدساتير في المجتمعات الديمقراطية تحض علي احترام حرية التعبير مادام ذلك لا يسبب ضررا للغير. وهذه المجتمعات تفترض في العمل الإعلامي الدقة و الصدق و الموضوعية وكل المعايير الأخلاقية المتعارف عليها عالميا أو إنسانيا. في حالة إذا ما خرجت وسيلة إعلامية عن هذه المعايير, أو إذا ما أضيرت جهة أو فرد من النشر الإعلامي يتم الاحتكام للقضاء. والمحكمة الدستورية العليا في الولايات المتحدة الأمريكية منوط بها هذه القضايا وأحكامها نهائية, وطبقا للقانون لا يسجن إعلامي وإنما تكون العقوبة في شكل غرامة مالية كبيرة قد تؤدي لإفلاس الوسيلة الإعلامية أو إغلاقها مؤقتا. ويحدد د. عماد أشكال الضرر في توجيه الاتهام أو القذف أو السب أو انتهاك الخصوصية, وهذه الحصانة الأخيرة لا تحمي الشخصيات العامة( المسئول الحكومي و الشخصيات الرسمية) ولكنها تفعل لحماية المواطن. وفيما يتعلق بالدول النامية التي ننتمي إليها, يوجد ما يسمي بالتشريعات الإعلامية و في قانون العقوبات وهناك بنود تحظر نشر مواد معينة من قبيل التهكم علي الأديان والسلطات القضائية والتحريض, وإثارة النعرات الطائفية, بالإضافة لسلسلة من القيود التي تحددها قوانين الطوارئ. و يستطرد د.عماد قائلا: المشكلة أن هذه البنود عباراتها مطاطة والقوانين التي تكبل الحريات كثيرة, وبالتالي يتم منح الحرية أو حجبها طبقا لإرادة السلطة الحاكمة.
ومع أن د. رضا ضد إغلاق أي قناة إلا أنه يؤكد ضرورة محاسبة القناة و مقدم البرنامج إذا ما حدث خطأ أو تجاوز مشيرا لي أن هذا نظام معمول به في كثير من دول العالم المتقدم لأن الحرية ليست حرية مطلقة وإنما هي تقف عند حدود حرية المجتمع والآخر. ثم أضاف قائلا: لقد لوحظ من خلال الممارسة الإعلامية في مرحلة ما بعد ثورة25 يناير أن بعض القنوات الفضائية الخاصة تعمل وفقا لمصالح أجندات معينة ومصالح ضيقة ولا يهمها بشكل أو بآخر ما يرتبط بمفاهيم المسئولية المجتمعية في الممارسات الإعلامية. وبرغم أنني ضد إغلاق أي قناة إلا أن فوضي الممارسة الإعلامية في الفضائيات خلال المرحلة الماضية وحتي الآن أدت إلي بلبلة الرأي العام وتزييف الوعي والإثارة وتشويه صورة مصر خارجيا. أريد هنا أن أطرح سؤالا مهما, هو من الذي سمح بوجود قناة الجزيرة مباشر مصر دون إذن أو ترخيص والقضية في رأيي ليست في الترخيص لأنه في الأصل من غير الطبيعي أن يسمح لقناة دولة أجنبية أن تعمل علي أرض دولة أخري ذات سيادة, وأنا لم أسمع عن مثل هذا الأمر في أية دولة من دول العالم وإلا فلتسمح لنا قطر ودول أخري بإنشاء قنوات النيل علي أراضيها.
ويوضح د.عماد ضوابط البث التليفزيوني و الإذاعي في مصر قائلا: وسائل الإعلام في المنطقة العربية نشأت في إطار السلطة وبالتالي فهي مكبلة بعدد كبير من القيود, بالنسبة لمصر فالإذاعة و التليفزيون يعملان في إطار القانون13 لسنة1979 بمعني أن البث الإذاعي والتليفزيوني احتكار للحكومة لا يمكن أن تنشأ قناة إذاعية أو تليفزيونية دون موافقة الحكومة. و القانون يحدد هذا الاحتكار من خلال وزارة الإعلام و اتحاد الإذاعة و التليفزيون. و القانون المعمول به لا يتيح إنشاء قنوات خاصة و للتحايل علي هذا تم إنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي أو المنطقة الإعلامية الحرة كمنطقة لا تخضع للقوانين المصرية وبالتالي يمكن إطلاق قنوات لاتتبع الحكومة المصرية سواء كانت قنوات خاصة أو عربية من خلال الحصول علي ترخيص من هيئة الاستثمار ـ ومجموعة ضوابط الأنشطة التي تمارس في هذه المنطقة من بينها عدم منح تراخيص لقنوات ذات صبغة دينية أو حزبية أو طائفية أو تدعو للجنس أو للعنف وضرورة أن تلتزم الشركات التي تعمل في المنطقة الحرة بما يسمي ميثاق الشرف الإعلامي وهو ميثاق مهلهل و مجموعة من العبارات المطاطة التي لاعلاقة لها بمضمون العمل من قبيل الالتزام بقيم وعادات الدولة وكلها مفاهيم تحتمل التأويل. كذلك فإن منح الترخيص أو سحبه من اختصاص الحكومة المصرية.. ويتفق د, رضا ود. عدلي أن هذا النظام غير موجود في أي مكان في العالم وأنه نظام فيه عشوائية و قدر من التخبط الكبير, و يقدم د. عماد نموذج لجنة الاتصالات الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية المنوط بها منح تراخيص البث ويوضح أن مدة عملها7 سنوات وتتكون من7 أشخاص مشهود لهم بالخبرة والكفاءة ولا تنتمون لحزب من الأحزاب يعينهم رئيس الدولة( ولا يستطيع أن يعزلهم) بعد استشارة الكونجرس و مجلس الشيوخ. و مهمة هذه اللجنة منح تراخيص البث وتحديد موجة التردد والمجال الجغرافي للقناة وشرط الترخيص ألا يتم تقديم ما يتعارض مع متطلبات الجمهور وراحته و يفسرونها بالخدمات الإخبارية و فيما يتعلق بالبرامج الإباحية فلها علامات ومسئولية الرقابة تقع علي الأسرة, أما ما يخص التقاليد فتحدده القوانين الخاصة بكل ولاية و في حالة الضرر يتم اللجوء للقضاء. ويشير د.عماد إلي أن قرارات حظر تداول المعلومات يمكن تطبيقها حتي في ظل آليات الشبكة العنكبوتية من خلال التشريعات و قواعد التتبع علي الإنترنت التي تطبقها بعض الدول الأوروبية إذا ما كان الأمر يمس الأمن القومي.
وعن كيفية وصول المشاهد إلي الحقيقة من خلال متابعته لقنوات عديدة لها سياسات وأجندات متعددة يتفق د. عدلي ود.عماد لا يوجد إعلام محايد, في الخارج يعتبرون الوصول للحقيقة يتم من خلال تعدد وسائل الإعلام وحرية البث وتعدديتها, إذ تسمح لوسيلة إعلامية أن تقدم ما تخفيه وسيلة أخري, وبالتالي يحدث تكامل ويضيف د. عماد قائلا: الإنسان يعيش3 أنواع من الواقع هي: الواقع الاجتماعي الحقيقي والواقع الاجتماعي الملون بالرؤي الذاتية و الواقع الاجتماعي الإعلامي و الأخير تصنعه وسائل الإعلام من خلال التكرار والمضمون والصورة والإضاءة و زاوية الكاميرا والتعليق. فمن خلال هذه العناصر و المهنية يمكن الإيحاء للمشاهد بالمضمون والتكريس لأفكار إبراز حدث و تقليل أهمية آخر. من هنا يتبني اليونسكو اليوم الترويج لفكرة نشر التربية الإعلامية لتدريب المواطن العادي علي التعامل مع أجهزة الإعلام بعين ناقدة و تقييم المادة المقدمة, ومن المؤسف أننا بعيدين عن هذا كله بسبب الأمية وحالة الفوضي و الصخب. و يري د. عدلي رضا أن المشاهد يمكن أن يصل إلي الحقيقة من خلال مصداقية القناة التي يتعامل معها ومدي التزامها بالقواعد المهنية في العمل الإعلامي وكذلك مستوي وحرفية القائمين علي العمل الإعلامي, في كل قناة والأهم من ذلك ارتباط القناة بمصالح المجتمع الذي تعمل فيه وحرصها علي المصلحة العليا للبلاد, و هذا يتطلب إنشاء مجلس قومي للقنوات الفضائية مكون من شخصيات مشهود لها بالكفاءة والنزاهة ومراعاتها للصالح العام ويقوم هذا المجلس بوضع ضوابط الحصول علي ترخيص القناة, وأخري تتعلق بالممارسة الإعلامية بما لا يمس ممارسة الحريات, و محاسبة كل من يسعي إلي الإثارة وبلبلة الرأي العام وتزييف الوعي.
وأخيرا فإننا إذ نضع الأفكار التي طرحها اثنان من أهم الخبراء في مجال تخصصهما علي مائدة البحث و المناقشة, نشير إلي أن التعددية وحق المعرفة ووضوح المفاهيم والقوانين وتنمية ثقافة التفكير والنقد ضرورة يفرضها الواقع والتطور وفي هذا السياق لا نملك إلا أن نسأل: هل يمكن أن نطبق الفكرة التي يتبناها اليونسكو للتدريب علي تلقي المواد الإعلامية من خلال المناهج التعليمية لتدريب أبنائنا منذ الطفولة علي التعامل مع أجهزة الإعلام بعين ناقدة لاكتشاف الحقائق, و شحذ قدراتهم لمقاومة تزييف الوعي و تسطيح العقل و ربما تشكيل واقع جديد..هل يمكن؟!.
ساحة النقاش