حقوق الإنسان
بقلم: د. أحمد عبده عوض
الإيمان .. تواضع من غير ذل
عندما يرتفع رصيد الإيمان في قلب المسلم ترتفع معه قدرته علي التحمل. كما قال النبي الكريم صلي الله عليه وسلم: "ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا" "أخرجه الترمذي في سننه 5/528".
ومصائب الدنيا تبدأ كبيرة ثم تصغر بالإيمان واليقين. ولذا سنحاول هنا ان نبين أهمية الإيمان للتغلب علي اليأس والإحباط والقنوط من رحمة الله تعالي.
أولاً: ينشأ من الإيمان بالله أنفة النفس وعزتها. فينشأ عن ذلك تواضع من غير ذل. وترفع من غير كبر. فلا يكاد ينفخ أوداجه شيطان الغرور ويزهيه بقوته. لأنه يعلم ويستيقن أن الله الذي وهبه كل ما عنده قادر علي سلبه إياه إذا شاء. أما الملحد فإنه يتكبر ويبطر إذا حصلت له نعمة عاجلة.
ثانياً: المؤمن بالله يعلم علم يقين أنه لا سبيل إلي النجاة والفلاح إلا بتزكية النفس والعمل الصالح. أما المشركون والكفار فإنهم يقضون حياتهم علي آمال كاذبة. فمنهم من يقول: إن ابن الله قد أصبح كفارة عن ذنوبنا عند أبيه! ومنهم من يقول: نحن أبناء الله وأحباؤه فلن يعذبنا بذنوبنا! ومنهم من يقول: إنا سنشفع عن الله كبراءنا وأتقياءنا! ومنهم من يقدم النذور والقرابين إلي آلهته. زاعماً أنه قد نال بذلك رخصة في العمل بما يشاء.
أما الملحد الذي لا يؤمن بالله فيعتقد انه في هذه الدنيا غير مقيد بشرع الله تعالي وإنما إلهه هواه وشهوته وهو عبدها.
ثالثاً: المؤمن بالله تعالي لا يتسرب إليه اليأس. ولا يقعد به القنوط. لأنه مؤمن أن الله له خزائن السماوات والأرض. ومن ثم فهو علي طمأنينة وسكينة وأمل. حتي ولو طرد وأهين وضاقت عليه سبل العيش.
إن عين الله لا تغفل عنه. ولا تسلمه لنفسه. وهو يبذل جهده متوكلاً علي الله تعالي. بخلاف الكافر الذي يعتمد علي قواه المحدودة. وسرعان ما يدب إليه اليأس. ويساوره القنوط عند الشدائد مما يفضي به أحيانا إلي الانتحار.
رابعاً: الإيمان بالله يربي الفرد علي قوة عظيمة من العزم والإقدام والصبر والثبات والتوكل. حينما يضطلع بمعالي الأمور ابتغاء مرضاة الله. إنه يشعر أنه وراء قوة مالك السماوات والأرض. فيكون ثباته ورسوخه وصلابته التي يستمدها من هذا التصور كالجبال الراسية وأني للكفر والشرك بمثل هذه القوة والثبات؟!
خامساً: الإيمان يشجع الإنسان ويملأ قلبه جرأة. لأن الذي يجبن الإنسان ويوهن عزمه شيئان:
حبه للنفس والمال والأهل. واعتقاده ان هناك أحداً غير الله يميت الإنسان. فإيمان المرء بالله تعالي. ينزع عن قلبه هذين السببين. فيجلعه موقناً أن الله هو المالك الوحيد لنفسه وماله. فعندئذ يضحي في سبيل مرضاة ربه بكل غال ورخيص عنده. وينزع الثاني بأن يلقي في روعه ألا يقدر علي سلب الحياة منه إنسان ولا حيوان ولا قنبلة ولا مدفع ولا سبع ولا حجر. وإنما يقدر علي ذلك الله وحده.
ومن أجل ذلك لا يكون في الدنيا أشجع ولا أجرأ ممن يؤمن بالله. فلا يكاد يخيفه. أو يثبت في وجهه زحف الجيوش. ولا السيوف المسلولة. ولا مطر الرصاصات والقنابل. بعكس المشركين والكفار والمنافقين الذين لا يقاتلون إلا في قري محصنة أو من وراء جدر.
ويتلخص دور العقيدة في حياة المؤمن فيما يلي:
1- في جانب العقيدة: يعتقد ألا إله إلا الله. فلا معبود إلا الله.
2- في جانب التشريع: لا حاكم ولا مشرع إلا الله. فهو المنظم لحياة البشر ولعلاقاتهم وارتباطاتهم بالكون والأحياء وبني الإنسان. فيتلقي المسلم منهج حياته ونظام معيشته وقواعد ارتباطاته وميزان قيمه من الله عز وجل.
3- في جانب الفكر والوجدان: حالة من الانضباط لأن من يوقن انه خاضع لله خضوعاً مطلقاً. وان إلهه إله واحد لا شريك له. وهو المشرع الموجه له. فإنه بذلك يتحدد اتجاهه. فيعرف من هو؟ وما غاية وجوده؟ وما حدود سلطاته؟ فيعمل مع ما ومن حوله في حدود مضبوطة. دون زلل أو زيغ. فلا ينظر إلي نفسه نظرة دونية كمن يعتبر الإنسان ينحدر من سلالة القرود. أو ينظر إليه نظرة مغالية فيعطيه أكبر من حقه. كمن يتصور الإنسان طاغية جباراً يصارع الأقدار. أو بتعبير آخر: إلهاً صغيراً. فالإنسان المسلم إنسان فقط خلق لرسالة وغاية شرفه بها مرسلة وخالقه.
فيعتقد المسلم ان كل ما في الكون من ثروات طبيعية أو غير طبيعية إنما هو ملك الله عز وجل. بما في ذلك الإنسان والحيوان والنبات الجماد والملائكة والجن.. إلخ. لأنه خالق كل شيء وموجده. والمتصرف فيه كيف يشاء. قال الله تعالي: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك علي كل شيء قدير" "آل عمران: 26". وقال تعالي: "ولله ما في السماوات وما في الأرض" "آل عمران: 129".
والله عز وجل استخلف الإنسان لعمارة هذه الأرض. وسخر له كل شيء فيها. ولم يقيده إلا بطاعته والاهتداء بهديه. فماذا لله عز وجل؟ وماذا للإنسان من ملكية في هذه الأرض؟
إن الملك لله حقيقة وللبشر استخلافا ونيابة. ولكن ما معني هذا؟ إن معني هذا ان المالك الحقيقي للأشياء هو الله تعالي. لأن منطقنا البشري يقتضي ان يكون خالق كل شيء هو مالكه. وان الإنسان مستخلف فيما وهبه الله من مال. لينتفع به. والإنسان هنا ليس فرداً أو شخصاً معيناً به. بل هو الناس جميعاً.
اللهم ثبتني بأمرك. وأيدني بنصرك. وارزقني من فضلك. ونجني من عذابك يوم تبعث عبادك فقد أتيتك لرحمتك راجياً. وعن وطني نائياً. ولنسكي مؤدياً ولكتابك تالياً. ولك داعياً. ولقسوة قلبي شاكياً. ومن ذنبي خاشياً. أدعوك دعاء من كثرت ذنوبه وتصرفت آماله. وبقيت آثامه. دعاء من لا يجد لذنبه غافراً غيرك. ولا لمأموله من الخيرات معطياً سواك. ولا لكسره جابراً إلا أنت يا أرحم الراحمين. ولا حولولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 89 مشاهدة
نشرت فى 19 أغسطس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,686,063