استقلال الجامعات المصرية بين الوهم والحقيقة
بقلم : د‏.‏ عواطف عبد الرحمن 89 

يسود الاعتقاد في الأوساط الجماعية بأن ثورة‏52‏ يناير لم تصل بعد الي الجامعات بسبب استمرار القيادات التي تصدر المشهد الجامعي ومعظمهم ينتمون الي القيادات السياسية التي أهدرت روح القانون ونشأت وترعرعت في مناخ يسوده الفساد المالي والإداري والتضليل الإعلامي‏,‏

 

 مما ادي الي استمرار تقزيم دور الجامعات التي تعد عمود التغيير المجتمعي الشامل, ولذلك تبرز قضية اصلاح التعليم الجامعي من خلال تأكيد ضرورة استغلال الجامعة وعدم السماح لأي سلطة تنفيذية أو أمنية أو عسكرية بالتدخل في شئون الجامعة علاوة علي تفعيل حق الأساتذة في انتخاب القيادات الجامعية من خلال منظومة محكمة من المعايير والضوابط العلمية والإدارية.. فالديمقراطية والعدالة الاجتماعية لن تتحقق في ظل استمرار التراجع العلمي في الجامعات وفي ظل استمرار القيادات التي عينها الحزب الوطني وجهاز أمن الدولة وكيف يتحقق التغيير في الجامعات المصرية في ظل قيادات تربت وتم تعيينها في ظل سيادة المؤسسة الأمنية وسطوة رجال الأعمال والديمقراطية الشكلية في مجلسي الشعب والشوري وانتشار الفساد والإفساد داخل وخارج الجامعات كيف نطمئن لهذه القيادات وهل هي قادرة حقا علي تبني فكر التغيير؟!
من الثابت تاريخيا أن الجامعة المصرية ظلت منذ نشأتها وحتي أوائل الستينيات حكرا علي أبناء الطبقات العليا في المجتمع المصري باستثناء بعض الطلاب المتفوقين الذين ينتمون الي الطبقات الشعبية. ومع تحقيق المجانية الكاملة للتعليم الجامعي عام2691 استطاعت جميع الشرائح الاجتماعية الحصول علي فرص متكافئة من التعليم تطبيقا للتوجهات الناصرية التي اعتمدت علي التعليم كوسيلة أساسية لإذابة الفوارق الاجتماعية بين الطبقات ولتحقيق الحراك الاجتماعي فيما بينها.
وإذا كانت هذه السياسة تمثل الوجه المضيء لثورة يوليو في مجال التعليم عموما والتعليم الجامعي علي وجه الخصوص إلا أنها انطوت علي جوانب أخري غير مضيئة تمثلت في سيطرة البيروقراطية والهيمنة الأمنية المباشرة وغير المباشرة علي أجواء التعليم الجامعي وبرامجه خصوصا بعد دخول الأمن إلي حرم الجامعات في منتصف الخمسينيات وتعيين وحدات الاتحاد الاشتراكي بالكليات وتأسيس القطاع الجامعي للاتحاد الاشتراكي وبهذه الإجراءات وغيرها نجحت ثورة يوليو في تعبئة الطلاب وأساتذة الجامعات لصالح القيادات السياسية للثورة.
هذا وقد تعددت القوانين التي أصدرتها السلطة السياسية من أجل إعادة صياغة المنظومة الجامعية وفي الوقت نفسه إحكام السيطرة عليها بالقانون والإجراءات التنظيمية والبيروقراطية ومنذ تلك اللحظة بدأ صراع الأدوار في الجامعة بين موقفها كمؤسسة حكومية وبين رسالتها في إنتاج المعرفة العلمية وتطوير المجتمع حيث حوصرت التوجهات النقدية وأصحاب الرؤي المخالفة للقيادة السياسة داخل الجامعات وأصبح الهدف الأساسي للسلطة السياسية ضمان الاستقرار الجامعي. ومنذ ذلك التاريخ أصبح اشتغال الطلاب الجامعيين بالسياسة عملا غير مشروع إلا في الحدود التي يرسمها النظام الحاكم والتي تعني الولاء المطلق لهذا النظام وتوجهاته وسياساته وبانتهاء الفترة الناصرية وجاء السادات الي السلطة عام0791 برز علي الساحة المصرية نظام اقتصادي ـ اجتماعي مغاير جذريا للتوجهات الاشتراكية التي تميزت بها الحقبة الناصرية. إذ بدأت حركة التحول من الاقتصاد الموجه الي الانفتاح والاقتصاد الحر, حيث استعاد كبار الملاك ورجال الأعمال والمال نفوذهم الاقتصادي وهيمنتهم علي صنع القرارات الوطنية.
أما حقبة مبارك(1891) فقد شهدت تراجعا متواصلا في دعم الدولة للخدمة التعليمية. وقد تجسد ذلك بالنسبة للتعليم الجامعي في إعادة المصروفات في مستوي الدراسات العليا( دبلوم ـ ماجستير ـ دكتوراه) وذلك خلافا للنص الدستوري الذي يؤكد مجانية التعليم في مختلف مراحله( المادة02 من دستور1791) علاوة علي الصيغ التعليمية التي ابتكرها المجلس الأعلي للجامعات والتي يتحمل فيها الطالب تكلفة تعليمية وتتمثل فيما عرف بنظام الانتساب الموجه والتعليم المفتوح والانتساب العام وهي صيغ تعكس معايير الاقتصاد الحر وتستند الي نصائح وتعليمات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي التي تزعم أن العائد الاقتصادي للاستثمار في التعليم الأساسي أعلي من التعليم الثانوي وهذا أعلي من التعليم الجامعي وبالتالي فإن التعليم العالي قد يكون عائدا سلبيا.
وفي إطار هذه التطورات التي بدأت منذ الانفتاح ظهرت توجهات التوسع في تأسيس المدارس الخاصة ومدارس اللغات الخاصة.
ويضاف الي الجامعات الخاصة ظهور الجامعات الأجنبية البريطانية والفرنسية والألمانية والكندية والتي يعتمد التعليم فيها علي لغة دولها. وإذا كان المبرر الرسمي المعلن لتشجيع التوسع في التعليم الجامعي الخاص والأجنبي هو التخفيف من الضغوط علي الجامعات الحكومية واستيعاب الطلب المتزايد علي التعليم الجامعي إلا أن ذلك لم يتحقق حتي الآن فلاتزال أعداد الملتحقين بالجامعات الخاصة والأجنبية محدودة بسبب رسومها الباهظة واستخدامها للغات الأجنبية في التدريس.
رغم أن الخطاب الرسمي قد دأب منذ السبعينيات علي تأكيد استقلال الجامعات ماليا بمعني حق كل جامعة في أن تضع لنفسها ما تراه من لوائح, وأكاديميا بمعني حق كل جامعة في أن تنشيء من الكليات والتخصصات ما تشاء في إطار احتياجات المجتمع إلا أن الجامعات لا تزال بعيدة عن الاستقلال الحقيقي فالدولة بحكم إنفاقها علي الجامعات تتولي تعيين القيادات الجامعية ورؤساء الجامعات ونوابهم وأمناء الجامعات. ويتولي رؤساء الجامعات تعيين العمداء والوكلاء ورؤساء الأقسام بشرط موافقة السلطات الأمنية.
برزت إشكالية استقلال الجامعة ودورها في تطوير المجتمع من ناحية وبين كونها اداة لضمان السيطرة الفكرية والسياسية علي الجامعة أساتذة وطلابا وتوظيفها لخدمة أهداف النظام الحاكم. وقد تفاقمت هذه الإشكالية منذ السبعينيات من القرن العشرين بتزايد سلطة المؤسسة الأمنية داخل الجامعات.
وخلاصة القول أن الاستقلال الفعلي للجامعات المصرية لم يتحقق بعد رغم أهميته القصوي.
كيفية تحقيق الدوران بين مبدأ الإدارة المستقلة للجامعة مع اعتمادها علي التمويل الحكومي الذي يصل الي57% من مجمل الميزانية, وما هي الحقوق التي تترتب علي هذا التمويل؟
وهل يحق لوزير التعليم العالي أن يصدر توجيهاته للجامعات حتي بشأن قرارات مجالسها؟ وهل يكفي أن نستبعد التدخل الحكومي والأمني كي تصبح الجامعات مستقلة تماما؟
وهنا قد يحق لنا أن نستلهم الخبرة التاريخية الخاصة بالتعليم الجامعي في مصر بالرجوع الي أول قانون لتنظيم الجامعة المصرية الذي صدر عام7291 وعدل في عامي3391 و5391 وينص علي أن الجامعة( تدير أموالها بنفسها) ويقوم علي إدارتها مدير الجامعة( يدير الجامعة ويمثلها أمام الجهات الأخري) ومجلس إدارة الجامعة( يختص بالجوانب المالية والانشائية) ومجلس الجامعة( يختص بالجوانب العلمية والإدارية). ويلاحظ أن ذلك قد روعي التوازن في المسئولية بين المعينين من قبل السلطة السياسية والمنتخبين, فبينما يعين مدير الجامعة بمرسوم فإن وكيل الجامعة كان ينتخب من مجلسها الذي يتكون في أغلبه من أعضاء منتخبين من مجالس الكليات.

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 256 مشاهدة
نشرت فى 13 أغسطس 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,687,137