بقلم: د. محمد عمارة 565
لا يختلف اثنان على سعد زغلول باشا 1273 ـ 1346هـ ـ 1857 ـ 1927م) قد تربع على عرش المحبة فى قلوب المصريين، كقائد لثورتهم الشعبية الكبرى سنة 1919م، وكزعيم للأمة، وأسطورة من أساطير الجهاد فى سبيل الحرية والاستقلال.
لكن الذين كتبوا تاريخ هذا الزعيم العظيم ـ وأغلبهم من العلمانيين.. قد أغفلوا ـ عامدين أو جاهلين.. الوجه الاسلامى لسعد زغلول.. وعلى سبيل المثال:
1 ـ تجاهلوا أن سعد زغول هو «شيخ» تعلم فى الأزهر، وتتلمذ على يد جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده، وتدرب على الكتابة فى «القسم غير الرسمى» الذى أنشأه محمد عبده فى «الوقائع المصرية» عندما عينه محمد عبده محرراً فيها.
2 ـ وتجاهلوا أن أول كتاب ألفه سعد زغلول كان (فى فقه الشافعية) ـ وعلى غلافه: «ألفه الفقير الى الله تعالى الشيخ سعد زغلول، الشافعى المذهب، من طلاب الأزهر الشريف».
3 ـ تجاهلوا أن سعد زغلول كان بمثابة الابن للشيخ محمد عبده، يرعى شئونه العامة وخاصة إبان نفيه عقب هزيمة الثورة العرابية.. وكان يفتتح رسائله الى أستاذه بعبارة «مولاى الأفضل، ووالدى الأكمل، أحسن الله معاده.. ومآبه».. وختم الرسائل بعبارة: «ولدكم سعد زغلول».
4 ـ ويتجاهلون أن سعد زغلول ـ وزير المعارف ـ عندما انشأ مدرسة القضاء الشرعى التى شاركت «دار العلوم» فى تجديد الفكر الاسلامى ـ إنما كان ينفذ رغبة استاذه محمد عبده فى إنشاء قسم حديث يخرج قضاة شرعيين ينافسون القضاة الذين يطبقون القانون الحديث بالمحاكم الأهلية، لإثبات جدارة القاضى الشرعى والتقنين الحديث للفقه الاسلامى، ولقد جعل شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوى مشرفا على هذه المدرسة.
5 ـ ويتجاهلون أن سعد زغلول ـ بعد أن قاد الثورة، وأصبح زعيما للأمة .. لم ينس فضل الأزهر عليه.. فذهب الى الجامع الأزهر ـ بعد عودته من أوروبا عام 1921م.. وخطب بعد أداء صلاة الجمعة ـ منوها بفضل الدراسة الأزهرية التى علمته الحرية والاستقلال الفكرى.. فقال : «لقد جئت اليوم لأؤدى فى هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعة، وأقدم واجبات الاحترام لمكان نشأت فيه، وكان له فضل كبير فى النهضة الحاضرة. تلقيت فيه مبادىء الاستقلال لأن طريقته فى التعليم تربى ملكة الاستقلال فى النفوس، فالتلميذ يختار شيخه، والاستاذ يتأهل للتدريس بشهادة من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه ومتأهل له، يوجه إليه كل منهم الأسئلة التى يراها، فإن أجاب الأستاذ وخرج ناجحا من هذا الامتحان كان أهلا لأن يجلس مجلس التدريس، وهذه الطريقة فى الاستقلال جعلتنى أتحول من مالكى الى شافعى، حيث وجدت علماء الشافعية فى ذلك الوقت أكفأ من غيرهم».
6 ـ ويتجاهل الذين كتبوا تاريخ هذا الزعيم العظيم موقفه إبان المعركة الفكرية الكبرى التى أثارها كتاب الشيخ على عبد الرازق (الاسلام وأصول الحكم) 1925م. وهو الكتاب الذى حاول علمنة الاسلام، وإنكار علاقته بالدولة والحكم والسياسة، وأهال التراب على نظام الخلافة الاسلامية.. فلقد كتب سعد زغلول أقسى نقد ونقض لهذا الكتاب، عندما قال: «لقد قرأت هذا الكتاب بإمعان لأعرف مبلغ الحملات عليه من الخطأ أو الصواب، فعجبت أولا كيف يكتب عالم دينى بهذا الاسلوب فى مثل هذا الموضوع ؟!
وقد قرأت كثيراً للمستشرقين وسواهم فما وجدت ممن طعن منهم فى الاسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير، على نحو ماكتب الشيخ على عبد الرازق. لد عرفت أنه جاهل بقواعد دينه، بل بالبسيط من نطرياته، وإلا فكيف يدعى أن الاسلام ليس مدنيا ولا هو بنظام يصلح للحكم ؟! فأية ناحية مدنية من نواحى الحياة لم ينص عليها الاسلام ؟ هل البيع أو الإجارة أو الهبة أو أى نوع آخر من المعاملات؟! ألم يدرس شيئا من هذا فى الأزهر؟! أو لم يقرأ أن أمما كثيرة حكمت بقواعد الاسلام فقط عهودا طويلة كانت أنضر العصور؟!.. وأن أمما لاتزال تحكم بهذه القواعد وهى آمنة مطمئنة؟! فكيف لا يكون الاسلام مدنيا ودين حكم؟! فأين كان هذا الشيخ من الدراسة الدينية الأزهرية ؟!
والذى يؤلمنى حقا أن كثيرا من الشبان الذين لم تقو مداركهم فى العالم القومى، والذين تحملهم ثقافتهم الغربية على الإعجاب بكل جديد سيتحيزون لمثل هذه الأفكار خطأ كانت أو صوابا، دون تمحيص ولا درس..
7 ـ كما يتجاهل المؤرخون العلمانيون ثناء سعد زغلول على نقد العلامة محمد فريد وجدى لكتاب الدكتور طه حسين (فى الشعر الجاهلى) ووصفه بأنه «كتاب شارح للحق، بمنطق يقارع بالحجة، فى أدب رائع، وتحقيق دقيق، وأدب فى المناظرة».
بل لقد علق سعد زغلول وهو يخطب فى مظاهرة طلاب الأزهر ـ المحتجين على كتاب (فى الشعر الجاهلى) ـ علق على تشكيك هذا الكتاب فى الصدق التاريخى لبعض قصص القرآن الكريم، فقال: «وماذا علينا إذا لم يفهم البقر»؟!
8 ـ كذلك تجاهل المؤرخون العلمانيون تقديم سعد زغلول ـ سنة 1926م ـ لكتاب مصطفى صادق الرافعى (إعجاز القرآن والبلاغة النبوية) وهو التقديم الذى جاء فيه: «لقد تحدى القرآن أهل البيان فى عبارات قارعة محرجة، ولهجة واخزة مرغمة، أن يأتوا مثله أو سورة منه، فما فعلوا، ولقد قدروا ماتأخروا، لشدة حرصهم على تكذيبه، ومعارضته بكل ماملكت أيمانهم، واتسع له إمكانهم. هذا العجز الوضيع بعد ذلك الاستفزاز الشامخ، هو أثر ذلك الكلام العزيز».
تلك إشارات ـ مجرد إشارات ـ للوجه الاسلامى لسعد زغلول، الذى قال عنه الشيخ رشيد رضا: «إن روح الأفغانى محمد عبده قد تجلت فى أعماله، وإنه قد أصبح عميد الحزب المدنى للأستاذ الامام وأقوى أركان هذا الحزب».
فهل نعيد قراءة تاريخنا الفكرى، الذى جهله الاسلاميون.. وزوره العلمانيون؟!
المزيد من مقالات د. محمد عمارة<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش