علاقة الرجال بالنساء بين المساواة والتوصية
بقلم د.على جمعة ٣٠/ ٦/ ٢٠١١
مبنى الأمن الاجتماعى فى دين الإسلام هو العلاقة بين الرجل والمرأة إذ هى أساس المجتمع، وتقنينها وفقاً لقواعد ومفاهيم واضحة هو أفضل سبيل لتحقيق الأمن والسلام الاجتماعى فى المجتمع البشرى، وقد أقام الله سبحانه وتعالى هذه العلاقة على أساسين هما: المساواة بينهما فى أصل الخلقة والعبودية والتكاليف الشرعية، ثم توصية الرجال بالإحسان للنساء كفرض وفضيلة وذلك لرقة طبعها وخجلها أن تطالب بحقوقها. أما عن مبدأ المساواة فقد ساوى الله جل جلاله بين الرجل والمرأة فى أصل الخلقة، فأخبر سبحانه بوحدة الأصل الإنسانى الذى خلق منه الرجال والنساء فى أكثر من موضع من القرآن الكريم قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» [النساء: ١]، وقال سبحانه: «هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا» [الأعراف: ١٨٩]. كما ساوى ربنا بينهما فى أصل العبودية له وحده، ولم يفضل جنساً على آخر، بل جعل مقياس التفضيل التقوى والصلاح والإصلاح قال تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» [الحجرات: ١٣]. وساوى الله بين الرجال والنساء فى أصل التكاليف الشرعية، من حيث الثواب والعقاب على فعلها وتركها، قال تعالى: «مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ» [غافر: ٤٠]، وقال سبحانه: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّنْ بَعْضٍ» [آل عمران :١٩٥]، وقال تعالى: «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا» [النساء: ١٢٤]، وقال سبحانه وتعالى: «مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ» [النحل: ٩٧]. كما ساوى ربنا بينهما فى أصل الحقوق والواجبات، قال تعالى: «وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ» [البقرة: ٢٢٨]، وقال تعالى: «لِلرِجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا» [النساء: ٧]. ولقد سارت السنة النبوية على نفس المنهج القرآنى فى تعدد وتنوع النصوص المصرِّحة بمساواة المرأة والرجل فى أصل العبودية والحقوق والواجبات، ومن ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن النساء شقائق الرجال» (أخرجه أبو داوود والترمذى). ولم تقتصر نصوص الشرع الشريف على تأكيد المساواة فى أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وإنما تعدى الأمر إلى التوصية بالمرأة وذلك لما تتسم به المرأة - كما ذكرنا - من رقة فى الطباع، وخجل فى الأخلاق، قد يحولان بينها وبين المطالبة بحقوقها ومعاملتها معاملة حسنة، فأوصى الله عز وجل الرجال بهن خيراً وأن يتعاملوا معهن بالمعروف فى أكثر من موضع فى القرآن الكريم. قال تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا» [النساء: ١٩]، وقال سبحانه: «وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى المُحْسِنِينَ» [البقرة: ٢٣٦]، وقال عز وجل: «أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِن كُنَّ أُوْلاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٍ» [الطلاق: ٦]. كما اهتمت السنة النبوية بالحث على التوصية أكثر من تأكيدها لمبدأ المساواة، فأمر بها صلى الله عليه وسلم بصورة صريحة واضحة، فقال: «استوصوا بالنساء خيرًا» (أخرجه البخارى ومسلم)، بل اعتبر النبى، صلى الله عليه وسلم، مقياس أفضلية الرجال حسن معاملة المرأة والزوجة بصفة خاصة؛ وذلك لطول معايشتها للرجل وشدة اقترابها منه، فقال صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» (أخرجه الحاكم فى المستدرك)، ورغَّب النبى، صلى الله عليه وسلم، فى الإحسان إلى الزوجة بالتوسعة عليها فى النفقة، فعن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته فى سبيل الله، ودينار أنفقته فى رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجرا الذى أنفقته على أهلك» (صحيح مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «مهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها فى فى امرأتك» (البخارى). كل النصوص السابقة تؤكد أن المرأة كالرجل فى أصل التكليف، وأصل الحقوق والواجبات، وأن الاختلاف الذى بينهما فى ظاهر الحقوق والواجبات من قبيل الوظائف والخصائص، وليس من قبيل تمييز نوع على آخر، فلا يعد اختلاف الوظائف والخصائص انتقاصًا لنوع، فمثلا إذا وعد أب أن يكسو أبناءه فى العيد، فالظلم هنا أو الانتقاص هو أن يكسو الأبناء دون البنات، ولكن ليس من الظلم أن يفرق بين نوع الملابس التى يلبسها ابنه الذكر، عن تلك الملابس التى تلبسها ابنته الأنثى طبقا لاختلاف الوظائف والخصائص. فالمرأة تمتاز بخصائص فكرية وعاطفية وفسيولوجية، وتقوم بوظائف تناسب طبيعتها وتكوينها، فهى الزوجة التى تحمل الحياة، وهى الأم التى تربى المولود وترضعه وتحنو عليه، وهذه الوظائف تتناسب مع تلك الخصائص المذكورة، فى توافق مبهر مع طبيعة الحقوق التى تتميز بها، والواجبات التى تلتزم بها فى منظومة متكاملة، تبرز تميز كل نوع عن الآخر، كما تجعله متكاملا معه، مندمجا، ومكونًا بهذا التكامل وذلك الاندماج الفريد أولى وأهم لبنات المجتمع، وهى الأسرة. |
ساحة النقاش