التعليم الجديد (٣)

  بقلم   د. رأفت رضوان    ٢٣/ ٦/ ٢٠١١

استعرضت فى المقالين السابقين دراسة أستاذ التربية «جين هيلى»، التى انتهى فيها إلى أن الجيل الجديد هو جيل مختلف فى نمطه الإدراكى عما سبقه من أجيال، نتيجة التدفق المعرفى غير المسبوق الذى يتعرض له منذ لحظة ولادته، وقلت إن الدراسة انتهت إلى أن تعليم أولادنا يجب أن يختلف فى المضمون وفى الشكل عن تعليمنا، وإن اختلاف المضمون يشمل الأهداف التعليمية ونواتج التعلم وأساليب وطرق التعلم، بالإضافة إلى المناهج وأساليب التقييم!! أما الاختلاف من حيث الشكل فهو يتحدث عن مفهوم جديد اسمه المدرسة المؤازرة أو الممتدة أو المدرسة بلا حدود (Augmented School)، إنها مدرسة بلا مبنى وبلا أسوار، حيث تصبح المدرسة حلقة من شبكة تعلم أكبر هى الإنترنت، وتصبح «الإنترنت» هى مدرسة كل المدارس!!

التعليم الجديد يرتكز على عالم الحواس المتعددة، وليس بالتركيز على حاسة واحدة، سواء كانت السمع أو الرؤية، لكنه تعليم وسائط متعددة تتشابك لتحقق أهداف التعلم، وهو تعليم يبدأ فى المراحل الأولى لحياة الطفل (بل لقد ذهبت اليابان إلى التعليم فى مرحلة الحمل وقبل الولادة).

أداة التعليم الأولى هى التليفزيون بوصفه الجهاز الأكثر انتشارا على مستوى الأسر، وهو الجهاز القادر على الوصول للجميع بما يحقق ديمقراطية التعلم، ولقد رأينا الكثير من دول العالم تسارع فى توظيف التليفزيون لتعليم أطفالها فى مراحل مبكرة جدا، من خلال برامج على أعلى درجة من الاحتراف التربوى من جانب، وأعلى درجة من الإبهار الإعلامى من جانب آخر، بما يضمن أن يحقق هذا الأسلوب التعليمى أهدافه بعكس العديد من البرامج الساذجة التى تبارت بعض القنوات التليفزيونية فى تقديمها، والتى تؤدى دائما لنتائج عكسية (قارن بين عالم سمسم وبرامج الأطفال فى التليفزيون المصرى لتكتشف الحقيقة!!).

الهند، الدولة التى كانت لسنوات قليلة أكثر فقرا من مصر وأكثر تخلفا، استطاعت توظيف التليفزيون فى منظومة تعليمية متطورة قفزت بمستويات التعليم فيها بصورة غير مسبوقة، وهى الدولة التى يصل عدد الطلاب فيها إلى حوالى ٣٤٠ مليون طالب. الهند بعكس مصر لم تراهن على الاستثمار فى الحجر من خلال بناء أبنية تعليمية عملاقة، ومدن تعليمية هائلة لأغراض المنظرة والشكل، لكنها استثمرت فى التكنولوجيا وفى الأنماط الجديدة من التعليم، ولهذا تطور التعليم بسرعة، بعكس حالنا.

فى مصر اختزلنا تطوير التعليم فى بناء آلاف المدارس التى غاب عنها الطلبة وضاع فيها التعليم بسبب عدم قناعة القائمين عليه بما يجرى، استوردنا النماذج الغربية المختلفة شكلا ومضمونا عنا، وجرينا وراء مشاكل كثافة الفصول وازدحامها، التى بالرغم من أهميتها لم تكن عائقا أمام دول كالهند والصين فى توفير تعليم جيد!!

بنينا مدارس بنمط واحد حتى فى مناطق لا يسكنها أحد، وكأن وزارة التربية والتعليم هى وزارة الإسكان والمجتمعات العمرانية الجديدة، وتصورنا أن إصلاح التعليم سيتم بالطوب والأسمنت والرخام.

طبعنا ملايين الكتب وأجبرنا التلاميذ على شراء مليارات الكراسات والكشاكيل، مع أننا نعرف أن «العلم فى الراس مش فى الكراس». حتى عندما قررنا إدخال التكنولوجيا، جرينا لشراء أجهزة كمبيوتر وسلمناها إلى مدارس لا تعرف كيف تستخدمها، فكان مصيرها التخزين حتى التقادم الكامل!!! ونسينا أن الأداة التى تُعطَى لمستخدم لا يعرف كيف يستخدمها تتحول إلى معوق أو كارثة!

التعليم الجديد هو مزيج من كل تكنولوجيا الاتصالات الجديدة: التليفزيون والراديو والكمبيوتر والنت والموبايل، تتشابك جميعاً تحت مظلة «شخص مؤهل» لتوظيفها لإطلاق طاقة المتعلمين وتحفيزهم للتعلم مدى الحياة.

المدرسة الجديدة هى «المزيج التكنولوجى الذى يتم توظيفه من خلال ميسر تعليمى» فى أى مكان وفى كل زمان.

«مش مهم المبانى»، لكن المهم الفكر الذى يدير استخدام المبانى، ومهم أكثر حالتها التكنولوجية ولو حتى باستخدام تكنولوجيات بسيطة، فاستخدام بروجيكتور وريسيفر لقمر صناعى يبث برامج تعليمية متميزة قد يكون أفيد ألف مرة من جهاز كمبيوتر لا يُستخدم أبدا!

[email protected]

* مستشار وزير التربية والتعليم

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 92 مشاهدة
نشرت فى 23 يونيو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,783