والليالي من الزمان حبالي‏...‏
بقلم: د.حامد عمار 135 

نعم إنها حبالي‏(‏ يلدن كل عجيب‏)‏ هذا ما عبر عنه الشاعر‏,‏ وهو يرقب زمانه‏,‏ وسرعان ما أثار هذا البيت الشعري لواعج التأمل فيما تضطرب به هذه الحقبة الثورية في زماننا من عجائب‏.‏ ولعل أول ما خطر لي ما تزدحم به من أحاديث وحوارات ولقاءات تليفزيونية وصحفية.

 

ومنتديات ثقافية مع كبار المسئولين الحكوميين, وأعلام الفكر والثقافة بمختلف أطيافها, وقادة الأحزاب يمينها ووسطها ويسارها, ومع شباب الثورة وأحداث مليونياتها. وكلها تطرح في خضم هذا التدفق الهائل آمالا وتصورات لكي تتمكن الثورة من شق طريقها دون عثرات.
وأرجو أن أظل متفائلا مهما شعرت من إحباط يبعث عليه هذا المحيط الهادر من الأحاديث والحوارات والكتابات, دون أن نجد أي فيض مماثل من مبادرات العمل والفعل المؤثر في أعماق الجسم المجتمعي ومشروعاته الإنمائية والثقافية لتحسين حياة البشر في مدن وقري الصعيد وبين من يحرقون الكنائس, ويعطلون حركة القطارات, ويطالبون بالثأر, ويعانون من مشكلات البطالة والقذارة والسولار.
كذلك لا يتسع المقال لذكر أنواع الأعمال لمعالجة المشكلات الميدانية في مختلف مجالات الوعي السياسي والتثقيف الجماهيري, ومحو الأمية الهجائية والوطنية. نحن في حاجة إلي القيام بمئات المشروعات التي تحرك الواقع من خلال العمل ومزيد من العمل. وكأني أردد هنا مقولة بيرم التونسي مع تطويرها( يا أهل المغني, دماغنا وجعنا, دقيقة عمل لوجه الله) وكأني أيضا مع الجاحظ في ملاحظته القيمة:( لقلة العاملين وكثرة الواصفين, قال الأولون: العارفون أكثر من الواصفين, والواصفون أكثر من العاملين). وأتذكر كذلك قولا حكيما نسيت قائله( حين نعتني بالمسجد علينا ألا ننسي المصلين). وهذا يعني ألا نوغل في الانشغال بمصالحنا الحزبية وما تستدعيه من انتعاش في صناعة الكلام. لكنه في نظرهم ليس هناك أي عمل أهم وأولي من تنظيم المؤتمرات الحزبية من أجل الانتخابات أم الأعمال والمعارك.
أما العجيبة الثانية من عجائب ليالينا الحبلي فإنها تبرز فيما طغي علي الساحة من انتشار دوائر الاختلاف والتباين والتنازع التي احتدمت خلال الحوارات والاجتماعات السياسية في العاصمة والأقاليم, وبين رؤي الأحزاب القائمة والوليدة وقياداتها, وبينهم وبين الحكومة ووزرائها. كما نقرأ كذلك عن أفكار لتأسيس دولة الإسلام العالمية وعن قيادات تزهو بأننا قادرون علي الفوز بالأغلبية البرلمانية وبالرئاسة:, لو أرادوا. ومن الذي يمنعهم؟!!
ومع كل هؤلاء تتواصل المطالب والاحتجاجات والاعتصامات الفئوية, بعضها معقول وأكثرها غير مقدر لظروف المجتمع الراهنة وهشاشتها, وأزماته الاقتصادية والمجتمعية والسياسية, شعارها وبعدي الطوفان.
ويبدو أن الروح القبلية لا تريد أن تفارقنا أو أن نفارقها في مواقفنا السياسية و الحياتية, بل وامتدت إلي خلق مواطن للخلاف والتناحر في الفاضية والمليان كما يقال. ولعل ذلك ما عناه الشاعر القديم حين قرر أن الخلاف سمة جوهرية من سمات ثقافتنا التي لا تزال تعشش في علاقاتنا وحواراتنا, مشيرا إلي خاصية خلق الخلافات ولو مع أخينا حين يبدو أنه لا يوجد خلاف مع الغير, حيث يقول:
وأحيانا علي بدر أخينا.. إذا ما لم نجد إلا أخانا
وثالثة العجائب ما أفرزته تلك الأجواء المضطربة من ظاهرة الخلاف والتشتت بين شباب الثورة أنفسهم. لقد قام هؤلاء الشباب بثورتهم الحاسمة دون أن نعرف لها قائدا. ووصفها أحدهم بأنها كالجواد الذي انطلق دون فارس, وأعلنا جميعنا في الحواضر والبوادي, حكومة وجيشا, أننا مع ثورة الشباب وأهدافها. وتمر الأيام وتتوالي الأحداث وتتسع مساحات الخلافات. ولم يكن أمام شباب الثورة من سبيل يبعدها عن التلاقح مع هذه الخلافات, إلي درجة قيل عنها إنهم نسوا ذواتهم, وجرفتهم التيارات المتلاطمة معها, لينقسموا فرقا وشيعا, وكل فريق مختلف مع الآخر يدعوهم رئيس الوزراء إلي لقاء للحوار معه فتستجيب فرق وتمتنع عن تلبية الدعوة فرق أخري. وقد بلغ هذا التباين إلي الدرجة التي سمعنا عنها من أن بعض الفرق تنفي الشرعية عن بعضها الآخر. ودخل بعضها تحت عباءة بعض الأحزاب لتفترق عن غيرها باسم الائتلاف الذي يرأسه فلان عما يرأسه علان. وهكذا أخذت هذه التجمعات تنسي ذاتها.
ومن أمثلة ذلك ما أشارت إليه الصحف من نموذج ائتلاف شباب ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين, ومن غرائبه ماحكاه معاذ عبد الكريم وأشارت إليه صحيفة الشروق(2011/6/8) في مقولته( لقد فشلنا في لقاء المرشد ونواجه الاغتيال المعنوي), ومرد ذلك إلي أنه فشل في لقاء المرشد العام للإخوان بعد أن بذل كل المحاولات الممكنة والواسطات القيادية لأخذ موعد لمقابلته, لكنه فشل في تحديد المرشد لأي موعد معه نظرا لمشاغله المتعددة. وهذا مما أدي به إلي مقولته( إننا الشباب نواجه الاغتيال المعنوي).
ولم يختلف هذا الموقف الذي اتخذه مرشد الإخوان مع زميل آخر هو محمد القصاص ممثل الإخوان في ائتلاف الثورة(الموجز2011/6/6) حيث يذكر أن( قيادات الإخوان المسلمين تتعمد تهميش دور الشباب ويتحكمون في الجماعة كما أنها من أملاكهم الخاصة). ومرجع هذه الأزمة يعزي إلي اختلاف بين الشباب والقيادات حول رغبة الشباب في المشاركة في جمعة مليونية27 مايو في مواجهة الفساد السياسي, وكان رأي الجماعة عدم المشاركة.

 

المزيد من مقالات د.حامد عمار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 119 مشاهدة
نشرت فى 19 يونيو 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,792,015