بقلم : د. محمد الجوادي
إذا كان الحديث الشائع الآن يدور حول التساؤل عن البدء بالانتخابات الرئاسية أم البرلمانية, فإن الجواب الأصوب من وجهة نظري هو البدء بالانتخابات الجامعية,
فلعل أصدق مجال يمكن وصف الجامعات فيه بأنها قاطرة المجتمع هو كل مجال يتعلق بالديمقراطية.
وقد عاشت الجامعات22 عاما من الانتخابات الجامعية(2791 ـ4991) كانت أزهي عصورها فيما يتعلق بصعود القيادات الجامعية, كذلك كانت انتخابات الاتحادات الطلابية ما بين3791 و6791 هي الذروة التي خرجت آخر جيل مشتغل بالسياسة في مصر الحبيبة, قبل أن يأتي, بعد وقت طويل, الجيل الأورع الذي قاد ثورة1102 بكل اقتدار.
لهذا فإني أري أن الدولة مطالبة اليوم( من خلال السلطة التشريعية المتاحة للمجلس الأعلي للقوات المسلحة) بأن تسرع بتعديل سريع في قانون الجامعات يعيد الأمور إلي ما كانت عليه من توجه ديمقراطي, ويزيد من سقف الحرية, وجرعات الديمقراطية, ويهيئ الوطن لإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية علي أساس سليم من الوعي السياسي الذي لا يمكن أن ينشأ بين الجماهير, بينما الجامعة محرومة منه, ويمكن لي أن أقدم نموذج هذا التعديل علي النحو التالي:
1 ـ قبل بداية الشهر القادم مباشرة يقوم أقدم الأساتذة العاملين في كل كلية, أي أقدم الأساتذة الذين لم يصلوا الستين( وليس الذين وصلوا الستين ومدت لهم الخدمة حتي نهاية العام الدراسي) بدعوة الأساتذة للاجتماع في آخر يوم من الشهر, لانتخاب العميد والوكيل.
2 ـ يبدأ انتخاب العميد بأن يختار كل أستاذ أستاذا واحدا فقط لتولي العمادة بطريقة سرية.
3 ـ يجري فرز الأصوات في الجلسة ذاتها, فإذا كان الفائز بأعلي الأصوات قد تعدي خمسين في المائة من عدد الأصوات الحاضرة, أعلن فوزه بمنصب العميد, وإن لم يحقق هذه النسبة أعيد الانتخاب علي جولات متتالية حتي يتعدي الفائز بأعلي الأصوات نسبة الخمسين في المائة فيعلن فوزه.
وإذا لم يمكن لأحد الأساتذة أن يحقق هذه النسبة عبر ست جولات متتالية من التصويت أجل الانتخاب لليوم التالي وأجري بالطريقة نفسها.
4 ـ يكتفي في كل كلية بمنصب وكيل واحد ويصبح اسمه نائب العميد, وفي الوقت ذاته تخصص مكاتب الوكيل الثاني كصالون للأساتذة يهيأ لهم المناخ الديمقراطي, والممارسة الديمقراطية بحيث يتجمعون فيها متي شاءوا, ويجتمعون فيه أيضا متي شاءوا, ويتوافر لهم فيه ما يتوافر في جامعات العالم المتقدم من استراحة الأساتذة المزودة بمكتبة رقمية متقدمة تتيح لهم الاتصال بالعالم الخارجي من خلال الانترنت ووسائل الاتصال الحديثة.
وتخصص مكاتب الوكيل الثالث لذاكرة الكلية( وتاريخها) متمثلة في نصوص امتحاناتها, وأسطوانات سيديهات الرسائل, والتسجيلات, والسير الذاتية لأعضاء هيئات التدريس العاملين والسابقين بما يكفل تكوين شخصية الكلية العلمية ذات السمات الديمقراطية التي كونها التعاقب التاريخي, والتراكم الزمني, سعيا نحو العالمية.
5 ـ في اليوم التالي لانتخاب العميد يجري انتخاب الوكيل بالطريقة نفسها المنصوص عليها سابقا في اختيار العمداء, ويجري هذا الانتخاب, بعد أن تكون إجراءات انتخاب العميد قد تمت.
6 ـ يكتفي في كل جامعة بنائب واحد لرئيس الجامعة, ويشترط في رئيس الجامعة ونائبه أن يكون كل منهما قد تولي العمادة أو الوكالة من قبل.
7 ـ يجري انتخاب رئيس الجامعة من جمعية عمومية تضم الأساتذة الذين مر عليهم في درجة الأستاذية خمس سنوات علي الأقل, وهو ما يتوافق مع ما هو مشترط في القانون فيما يتعلق برئيس الجامعة, كما يمكن أن ينص في تعديلات القانون علي أن العمداء يختارون من بين الأساتذة الذين مضي عليهم في الأستاذية عامان علي الأقل.
8 ـ يجري انتخاب رؤساء الجامعات في مرحلة سابقة علي انتخاب العمداء, وبالأسلوب نفسه الذي وصف به انتخاب العمداء, ويجري انتخاب نواب رؤساء الجامعات في اليوم التالي لانتخاب رؤساء الجامعات بالطريقة نفسها. علي هذا النحو يكون التسلسل الطبيعي لانتخابات المناصب القيادية في الجامعة علي النحو التالي:
يبدأ انتخاب رئيس الجامعة وفي اليوم التالي لانتخاب رئيس الجامعة يبدأ انتخاب نائب رئيس الجامعة. في الأسبوع التالي يبدأ انتخاب العميد. في اليوم التالي لانتخاب العميد يجري انتخاب الوكيل. في الأسبوع التالي لانتخاب العميد والوكيل يجري انتخاب رؤساء الأقسام من بين أقدم عشرة أساتذة في القسم, في الأقسام التي يبلغ عدد أساتذتها ثلاثين أستاذا, ومن بين أقدم خمسة أساتدة في القسم في الأقسام التي يبلغ عدد أساتذتها عشرة أساتذة فأكثر, ومن بين أقدم ثلاثة أساتذة في الأقسام التي يقل عدد أساتذتها عن عشرة.
يكون شغل كل هذه المناصب الجامعية لمدة ثلاثة أعوام, أو نهاية العام الدراسي(13 يوليو) الذي يبلغ فيه الأستاذ شاغل الوظيفة سن التقاعد أيهما أبعد. يقتضي هذا أن تحرر كل عناصر الغموض في النصوص القانونية الخاصة بشغل هذه الوظائف, وهو ما أوضحته في دراسة سابقة بهذا العنوان, كما يقتضي هذا الحرص علي تداول السلطة والمناصب الجامعية, فلا يسمح بشغل وظيفة من هذه الوظائف لأكثر من دورتين, ولا يسمح علي وجه العموم بأن يبلغ مجموع مدد أستاذ واحد في هذه الوظائف الأربع أكثر من تسع سنوات.
بمقتضي هذا فإن الوكيل الذي قضي مدتين كاملتين وكيلا لا يكون من حقه أن يصبح عميدا, ولا نائبا لرئيس الجامعة, ولا رئيسا للجامعة إلا لفترة واحدة, كما أن الأستاذ الذي شغل منصب العمادة فترة وشغل منصب نائب رئيس الجامعة فترة أخري لا يصبح متاحا أمامه إذا انتخب رئيسا للجامعة إلا فترة واحدة فقط, وهكذا.
يتم إرساء مبدأ أن كل هذه الوظائف ليست إلا وظائف أساتذة فحسب, ولهذا فلا مانع من أن يعود رئيس الجامعة ليشغل منصب وكيل كلية أو عميد كلية, كما أنه لا مانع بالطبع من أن يعود إلي الأستاذية أو رئاسة القسم.. وهكذا.
بمقتضي هذا النظام الذي يتيح أن يتم انتخاب رئيس الجامعة قبل انتخاب العمداء فإن الفرصة تصبح متاحة لمن لم يقع عليه الانتخاب رئيسا للجامعة أن يصبح نائبا للرئيس, أو عميدا, أو وكيلا, كما أن انتخاب رئيس الجامعة يعطي الأساتذة المرشحين أنفسهم للعمادة الفرصة في اتخاذ قرارها بالاستمرار في الترشيح.
ساحة النقاش