في أصول مصر المستقبل‏(3)‏
بقلم: د‏.‏أنور عبد الملك


نواصل البحث في أصول مصر المستقبل‏,‏ نتساءل‏:‏ أين مصر اليوم من إدراك خصوصية الموقف العالمي المحيط منذ مطلع القرن الجديد؟ ما هي نظرة مصر الدولة والثورة والأحزاب والطلائع الي العالم الجديد‏,‏ الذي يتشكل من حولنا ونحن في قلبه؟ أو بعبارة أخري‏:‏ ما هي سياسة مصر الخارجية‏.

 

ما هو رأي القوي الطالعة في مكانة مصر بين الأقطاب والمراكز الجديدة, وقد أراد تحرك الشعب منذ52 يناير أن يفرض بإجماع نادر التخلص من سياسة مكانك سر التي شوهت مكانة الأمة منذ ثلاثة عقود, خاصة في السنوات الثماني الأخيرة.
شعب مصر يرحب بإعلان الدكتور نبيل العربي, وزير خارجية مصر الجديد, بإعطاء الأولوية لإعادة ترتيب وزارة الخارجية يدا في يد مع تحديد معالم سياستنا الجديدة بين الأمم.
من أجل هذا كان لزاما علينا أن نقدم رؤيتنا لمكانة ودور مصر في العالم الجديد.
أولا: العالم الجديد يحيط بمصر من كل جانب بتقلبات وثورات وحروب منذ مطلع هذا العام, كانت دائرة الشرق الأوسط العربية, ومصر في قلبها, في حالة ركود منذ ثلاثة عقود بعد أن فرضت معاهدة كامب ديفيد(8791) شروط دولة الهيمنة الأمريكية لتحييد مصر, قلب العالم العربي, وتمكين إسرائيل من تهديد الأمن القومي لدولنا وشعوبنا, كان هذا هو عصر الهيمنة الأمريكية المطلقة علي منطقتنا بشكل محكم أوهم قطاعا واسعا من الطلائع بأن الولايات المتحدة أصبحت مركز الهيمنة العالمية دون منازع بعد تفكيك نظام القطبية الثنائية الأمريكية ـ السوفيتية عام.1991
انتشر هذا الوهم الأسود بينما أدركت قطاعات واسعة من دول وشعوب العالم أن دولة الهيمنة الأمريكية دخلت الي مستنقع حربي العراق ثم أفغانستان, الي درجة أصابت أركان قوتها الاقتصادية والمالية بنزيف متزايد, هذا في الوقت الذي صعدت فيه كوكبة من الدول خارج نطاق منظمة حلف شمال الأطلنطي( الناتو), وفي مقدمتها الصين, وكذا روسيا والهند وألمانيا واليابان والبرازيل وتركيا, بينما لم تنكسر رحلة تقدم إيران الثورة.
ثانيا: أجمع المحللون أن حروب العدوان الأمريكية تهدف الي الجمع بين السيطرة علي دائرة الطاقة في الشرق الأوسط الكبير من الجزائر الي آسيا الوسطي, يدا في يد مع تطويق الدولة العظمي الصاعدة في الصين, من آسيا الوسطي الي المحيط الهندي حتي شرق المحيط الهادي.
وفي هذا الجو, انطلقت شرارة الانتفاضات الثورية في العالم العربي وهي, بالنسبة لدولة الهيمنة الأمريكية, تحركات خطيرة يمكن أن تهدد مكانة الأنظمة التابعة للولايات المتحدة بحيث تهتز القبضة الأمريكية علي منطقة النفط الأولي, عماد تقدم اقتصادات الدول الصناعية وقدراتها الاستراتيجية, من هنا كان التردد, بل التخبط, في تحركات مسئولي الإدارة الأمريكية بين دعم العروش المتبقية والإشادة بشباب التحرير وزملائه في تونس, وفي هذا الجو بدأت انتفاضة قطاع من شعب ليبيا الشقيق لاقتلاع حكم العقيد معمر القذافي, وفي هذا الجو, تحركت دول حلف الأطلنطي لفرض منطقة الحظر الجوي الي حد تدمير القوات الليبية في اتجاه إنهاء حكم العقيد القذافي في ليبيا, كان هذا بناء علي قرار اتجاهي لمجلس الأمن, بعد دعوة مجلس جامعة الدول العربية بأغلبية أعضاء الجامعة برغم معارضة أقلية بقيادة سوريا والجزائر, وفجأة انقسم مجلس الأمن: روسيا والصين ضد العمليات العسكرية التدميرية, ومعهما الهند وألمانيا والبرازيل, مما دفع بجامعة الدول العربية الي محاولة تصحيح موقفها بعد أن فاتها( كذا) أن فرض الحظر الجوي معناه تدمير جميع دفاعات ليبيا الجوية, أي فتح المجال للاطاحة بالنظام الليبي وفتح أبواب ليبيا وطاقاتها النفطية المهمة أمام دول حلف الأطلنطي.
إن مجرد ذكر قائمة الدول التي تعارض العمليات الحربية ضد ليبيا تقدم للرأي العام المصري والعربي صورة ناصعة للمراكز الطالعة التي تتجه الي صياغة العالم الجديد, وكأن امتحان مأساة ليبيا جاء ليفتت جو الركود الفكري في دوائر فهم الموقف العالمي الجديد في ديارنا المصرية والعربية.
ثالثا: العالم الجديد الطالع من حولنا لا يمثل نظاما دوليا جديدا, مازلنا في مطلع مرحلة التخلص من وهم نظام سيطرة القطب المهيمن الأوحد منذ1991, خاصة بعد أن انتشرت عوامل الضعف بشكل متزايد في أركان الاقتصاد والعجز في مجال العمليات الاستراتيجية, برغم التفوق الهائل في الترسانة الحربية, ثم بوجه خاص في ساحة التأثير المعنوي الذي يتقلص في معظم دوائر العالم بشكل ملحوظ كما نشهده في رحلة الرئيس الأمريكي في أمريكا اللاتينية التي تجتمع اليوم حول ريادة البرازيل, وأفكار طاقم زعمائها الوطنيين المتقدمين وفي مقدمتهم لولا داسيلفا وشافيز.
المرحلة التي نحياها اليوم هي بكل دقة مرحلة بدايات صياغة عالم جديد ـ عالم جديد وليس نظام عالمي جديد, ذلك أن القوة الفاعلة اليوم تتجه الي عدد محدود من الأقطاب السياسية الكبري أي الصين في المقام الأول, ثم روسيا والبرازيل, هذا الي جانب ظهور دوائر جيو ـ ثقافية طالعة وخاصة: آسيا الشرقية, وجنوب شرق آسيا, والمحيط الهندي, ومنظمة شانجهاي للتعاون, من شرق روسيا الي سواحل الصين علي المحيط الهادي, مير كوسور وتحالف دول أمريكا الجنوبية اللاتينية, اتحاد أمريكا الشمالية, اتحاد أوروبا الغربية حيث تحدد ألمانيا مكانتها الرئيسية دون شراكة, ومازالت قارة إفريقيا تتطلع الي مجموعات إقليمية لم تتحدد بشكل متكامل حتي الآن, بينما يظل ظهور الشرق الأوسط الكبير كلاعب رئيسي علي الساحة العالمية مرهونا بتلاقي مثلث الأمم الثلاث الرئيسية ودولها القومية في المنطقة أي: مصر وتركيا وإيران.
رابعا: وقبل أن تنطلق مصر في التنقيب عن معالم سياستها الفاعلة علي ساحة صياغة العالم الجديد, وجب عليها ـ علي مصر دولة وشعبا ـ أن تولي الاهتمام الرئيسي الأكثر إلحاحا لساحة دائرة النيل الحيوية بكل معاني الكلمة, من وسط إفريقيا والبحيرات الي مصب النيل في البحر الأبيض المتوسط, وفي هذا تملك مصر ترسانة واسعة من الخبرات منذ عهد الوفد ثم اتجاه الضباط الأحرار الي إفريقيا قبل منح الدائرة العربية المكانة الأولي من الاهتمام ـ حتي أدارت مصر ظهرها بعد كامب ديفيد الي الحيوية في دائرة النيل الإفريقية.
إن التحرك الذي يتناقض مع إعلان وزير الدفاع الأمريكي جيتس في القاهرة بعد الفراغ من جولته التفتيشية في المنطقة بإعلانه: أن سرعة انتشار هذه الموجة( من التحركات) في المنطقة يثير التساؤلات علي كيفية التعامل مع الحكومات الموجودة من أجل احداث التغيير دون الإخلال باستقرار المنطقة...
استقرار المنطقة بالمفهوم الأمريكي معناه بطبيعة الأمر: دوام التبعية لدولة الهيمنة الامبريالية المتأزمة..
قال صاحبي: غريب, غريب مشهد مصر اليوم.. يبدو وكأننا خرجنا من الملعب, من ساحة لعبة الأمم الطالعة, وذلك لأول مرة منذ نهضة محمد علي وثوراتنا ضد الاحتلال والطغيان!.. هلا نلتفت, نخطط ونتحرك؟ العالم الجديد يتشكل من حولنا.. علينا أن نتحرك!.

 

المزيد من مقالات د‏.‏أنور عبد الملك
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 41/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
14 تصويتات / 122 مشاهدة
نشرت فى 5 إبريل 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,794,150