بقلم : د.حامد أبوأحمد
كثيرا ما تأملت في الظروف الصعبة التي مر بها جيلنا, هذا الجيل الذي ولد مع ثورة يوليو1952 أو قبلها بقليل,
فقد جاء مولد أبناء هذا الجيل وسط فرح غامر بالثورة وأهدافها الستة والإصلاح الذي حدث في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والصحية, ولكن هذه الفرحة لم تستمر طويلا, فقد جاءت هزيمة الخامس من يونيو عام1967لتحدث شروخا كثيرة في الأحلام والطموحات التي نشأنا عليها, وكان نصر أكتوبر1973 يؤهل للعودة مرة أخري الي جادة الطريق, ولكن من الواضح أن الأوضاع كانت تأخذ مسارا آخر يعمل علي ترسيخ التبعية بعد أن تحولت من المعسكر الشرقي الي المعسكر الغربي, وبدلا من الاشتراكية التي كانت مطروحة علي نطاق واسع انطلقنا نحو عصر الانفتاح, ثم أخذنا بوسائل وأدوات الرأسمالية البشعة التي قضت علي الأخضر واليابس في مجتمع غير مؤهل في الأساس لتطبيق الرأسمالية.
ففي الغرب يتمتعون بمؤسسات قوية ونقابات تدافع بقوة عن حقوق العمال والفئات الأخري, أما نحن فلم تكن لدينا هذه الركائز, وبالتالي من كان يدافع عن حقوق العمال في فترة الخصخصة الرهيبة التي نقلت حقوق الفئات الشعبية المطحونة الي أيدي حفنة من رجال الأعمال, وكثيرون منهم ومن الطبقة الحاكمة التي تحالفت معهم كان لديهم نهم شديد في الاستيلاء علي كل شيء بل إن نهمهم وصل الي درجة أنهم كانوا يريدون الحصول علي الجوائز العلمية والأدبية والاجتماعية, اضافة الي شرف النسب وغير ذلك من أوهام وتطلعات.
وفي المجال السياسي اندفعنا نحو الديكتاتورية بمفهومها الشامل الذي يضع كل السلطات في يد الحاكم الفرد الأوحد ولو أنها كانت ديكتاتورية من ذلك النوع الذي يعرف باسم المستبد الصالح لقبلناها, لكنها للأسف كانت ديكتاتورية قاهرة, عنيدة, تعاملت مع البلد بمنطق العزبة الخاصة التي يتحكم فيها الديكتاتور والقريبون منه والمحيطون به, بينما باقي الشعب معزول تماما وغارق الي أذنيه في المشاكل وصعوبات العيش والمطاردات البوليسية والأمنية, والتهميش الكامل, وقد تم ذلك من خلال مجموعة من الاجراءات, من بينها إنشاء مجالس نيابية شكلية تكون مجرد ديكور فقط, وتكوين أحزاب كرتونية تملك حق الصراخ في جرائد أسبوعية أو يومية لكن محظور عليها النزول الي الشارع, وتشكيل حكومات من أفراد ليس لديهم القدرة علي أن تكون لهم مواقفهم الخاصة ورؤيتهم التي تنطلق من اقتناعهم, وإنما علي العكس من ذلك لديهم الاستعداد الكامل لأن يكونوا سكرتارية عند السيد الرئيس بمن فيهم رئيس مجلس الوزراء نفسه.
وقد حدث نفس الشيء في كل المواقع الحكومية, فكان يتم اختيار أضعف الأشخاص ـ في الغالب ـ لشغل هذه المواقع, لأنه ليس مطلوبا منه إلا أن ينفذ تعليمات الأمن, أو كما سماه الشاعر أمل دنقل أبونا الذي في المباحث.
ظل جيلنا ينظر الي ما يجري حوله بكثير من الحزن بعد أن أصبح العجز هو الصفة المسيطرة علي أفراد هذا الجيل, لدرجة أن بعض الإخوة من كتاب الرواية قدموا لنا نماذج كثيرة للبطل العاجز عن الفعل: فعل ذلك سعيد سالم في روايته الشيء الآخر, ومحمد جبريل في عدد من أعماله, وخيري شلبي, وغيرهم أيضا الدكتور علاء الأسواني في مجموعته نيران صديقة قدم في القصة الأولي صورة للإنسان المصري المطحون المأزوم الذي لا يستطيع الخروج من أزمته, وكتب المرحوم إدريس علي روايته تحت خط الفقر والرواية الأخري عن العقيد القذافي التي صودرت.
كان أدباء وكتاب هذا الجيل ينفسون عن أنفسهم بهذه الكتابات الروائية أو بالكتابة السياسية المباشرة في الصحف السيارة وكان الآخرون يناضلون ويكافحون في كل مكان: في الندوات, والأجهزة الإعلامية المرئية والمسموعة, لاسيما القنوات الخاصة والصحف الحزبية أو المستقلة, لكن كان هناك إحساس عام بأن الخروج من قبضة النظام الديكتاتوري الذي يمهد للتوريث صعب جدا, وأننا محتاجون الي فترة طويلة من الكفاح والنضال والمواجهة.
وكشاهد علي عصر طويل من الديكتاتورية والاستبداد والفساد أقول إن كثيرين من أبناء جيلي من الأدباء والكتاب ماتوا في ريعان شبابهم لسببين: الظروف المعيشية القاهرة, وحالة الاكتئاب التي أصابت كثيرين منهم, لا أريد هنا أن أذكر أسماء, فالأسماء كثيرة, ولكني أشير فقط الي شيء معروف ومشهور: فهذا النظام البائد الفاسد الذي أدي الي تدهور كل شيء في الزراعة والصناعة ومستويات المعيشة, والمبيدات المسرطنة وغير ذلك, جعل الناس تعاني من الأمراض العضوية والنفسية, وجعل المصري يود لو فر بجلده من هذا البلد الظالم أهله.
فشكرا لشباب ثورة25 يناير2011 الذين أخرجوا مصر من هذا المستنقع
ساحة النقاش