د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. ١- «ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً»

٢٨/ ١/ ٢٠١١

من باب ما يسميه العلماء رد العجز على الصدر أقول: إن قول الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً» فيه نهى عن قتل النفس، وعلته لهذا النهى، تتمثل فى قوله سبحانه «إن الله كان بكم رحيماً» فلِمَ يقتل الإنسان نفسه والله به رحيم؟ رحيم به فى الدنيا حيث إن رزقه بيده لا بيد غيره لكنه من غبائه يرى أن رزقه عند الناس وبأيديهم، فإن بخلوا به لم ير لوجوده من معنى، فهو يهرع إلى قتل نفسه والتخلص من حياته، فهل سأل نفسه: إلى أين هو ذاهب بعد هذا الانتحار؟ فإن قال: إن الله أرحم بى من الناس، على نحو مما يسمع فى الدراما فالجواب: وهل هو بين الناس فى بعد عن الله، هل تركه الله للناس وتولى وهو فى انتظاره بعد الموت، أم أن الله يملكه ويملك الناس جميعاً، وبيده وحده أم كل شىء؟!

ويبقى هذا السؤال المهم: هل رحمة الله قريبة أم بعيدة؟ والجواب بنص الكتاب العزيز «إن رحمة الله قريب» وقبل أن تنتهى الآية الكريمة يقول الله ربنا «من المحسنين»، وليس قتل النفس من الإحسان بل هو منتهى الإساءة لما فيه من العدوان، ومن مقاصد الشريعة الغراء صون النفس.

قال الله تعالى: «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً» ومعروف معنى الإحياء، وهو تقديم أسباب الحياة، فالذى يقدم أسباب الحياة إلى حىٍّ فقد أحياه والله هو المحيى من عدم، والإنسان يحيى من إشراف على العدم.

وقد فهم عمرو بن العاص- رضى الله عنه- من قوله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم» التعرض لقتل النفس باستعمال الماء البارد الذى يؤدى إلى الهلاك، فترك الماء البارد فى ليلة باردة وتيمم، وبين للنبى- صلى الله عليه وسلم، ذلك، وأنه تذكر قول الله تعالى: «ولا تقتلوا أنفسكم» فابتسم - صلى الله عليه وسلم- مبالغة فى رضاه عما صنع ولو سكت لكان سكوته موافقة، فما بالنا وقد ابتسم والله- تعالى- يقول فى الدواب تحمل أثقالنا فى الرحلة «وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرؤوف رحيم»، فمن رأفته ورحمته بنا سخر لنا الدواب والسيارات والطائرات لتحمل عنا أثقالنا حتى لا تنشق أنفسنا نصفين من التعب والمعاناة والحياة وإن ضاقت فيها بفضل الله متسع، ولم يقل ربنا تعالى للذين توفاهم الملائكة ظالمى أنفسهم وقالوا كنا مستضعفين فى الأرض: ألم تتوافر لكم سبل للانتحار وإنما قال لهم: «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها» وقال: «يا أيها الذين آمنوا إن أرضى واسعة»،

 وما من معضلة فى هذه الحياة إلا ولها فى دين الله حل، فلا يصح لسليم الأصابع أن يمد يده سائلاً، بل عليه أن يعمل أى عمل يتربح منه، فيكفى نفسه، ومن ليس له مال لا زكاة عليه ومن ضاقت عليه سبل العيش التمسها فى مكان غير مكانه، قال تعالى: «ومن يهاجر فى سبيل الله يجد فى الأرض مراغماً كثيراً وسعة»، ومن لم يجد طولاً أن ينكح امرأة بعينها فهناك من هى دونها اجتماعياً وتناسب حاله، قال تعالى: «ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات»، ومن خاف نشوزاً أو إعراضاً من زوجه رجلاً كان أو امرأة كان مكلفاً بالإصلاح، فإن لم يتأت فأمامه الطلاق، ولله در الشهاب الخفاجى القائل فى مقدمة كتابه (ريحانة الألبا وزهرة الحياة الدنيا): «قلت من كان من تراب فكل الناس أقاربه، وفى كل قوم أوس وخزرج، ومن عمود إلى عمود يأتى الله بالفرج»، فالتخلص من أزمات الحياة بالانتحار ليس إلا فكرة سوداء أساسها الشيطان وحديث النفس الأمّارة بالسوء، والتطلع إلى ما عند الله من خير مع الأخذ بسببه منهج الله للراعى والرعية، وما سواه عمى، والإسلام يعالج العمى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 15/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
5 تصويتات / 207 مشاهدة
نشرت فى 2 فبراير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,683