بالقانون والثقافة‏..‏ نحارب الإرهاب
بقلم:د‏.‏ خالد القاضي


رواية دامية جديدة‏..‏ علي مسرح جديد عرضتها الجريمة الإرهابية النكراء في الإسكندرية‏:‏ القتلة هم القتلة‏,‏ المخرج ذو الباع الطويل هو سيد إرهاب‏,‏ الضحايا منتقون بعناية فائقة وفي وقت فارق بين عشريتي القرن‏.

 

شهداء ومصابون كلهم أبرياء سواء كانوا أقباطا أم مسلمين‏.‏ عرض مأساوي بامتياز‏,‏ نجح في تحويل عرس العام الميلادي الجديد إلي مأتم دم وموت‏..‏ يضاف للعروض السابقة في شتي أنحاء العالم‏...‏ وجميعها أشكال مختلفة للإرهاب‏,‏ الذي يعد في إحدي صوره‏,‏ وسيلة التعبير اليائسة والخرقاء لمن لا وسيلة متكافئة لديه للتعبير عن الذات‏.‏
أعتقد أن مكافحة الإرهاب تتأتي من خلال رافدين متكاملين هما القانون والثقافة‏.‏ فقد تأكدت أسس مكافحة الإرهاب من خلال ترسانة قانونية دولية ووطنية‏,‏ حيث صدر في إطار القانون الدولي مجموعتان من الأحكام الدولية الملزمة التي تدين الإرهاب الدولي وتطالب بملاحقة مرتكبيه من الأفراد‏,‏ ومحاسبة الدول التي ترعاه بشتي الوسائل أو تحرض عليه مباشرة أو غير مباشرة‏:‏ المجموعة الأولي تشتمل علي الاتفاقات الدولية المشرعة التي تشير إلي الأعمال الإرهابية الدولية والتي بلغت ثلاث عشرة اتفاقية‏,‏ منها علي سبيل المثال لا الحصر‏:‏ اتفاقية منع إبادة الجنس للعام‏1984,‏ واتفاق طوكيو للعام‏1963‏ لإدانة الأعمال غير القانونية علي متن الطائرات‏,‏ إضافة إلي إعلان هلسنكي للعام‏1975‏ الذي التزمت بموجبه الدول الأوروبية الامتناع عن مساعدة أي نشاط إرهابي في أي شكل كان‏,‏ وآخرها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب للعام‏2000,‏ وتهدف هذه الاتفاقية إلي اتخاذ كل ما يلزم من تدابير للقضاء علي الإرهاب‏,‏ وتوضح ضرورة مكافحة تمويل الإرهاب بما يقتضيه ذلك من التعاون بين الدول الأطراف في هذه الاتفاقية بالنظر للآثار الخطيرة للإرهاب علي حياة الإنسان وحقوقه وحرياته‏,‏ وعلي استقرار الدول وأمنها وعرقلة مسار خططها التنموية‏.‏ وتخول الاتفاقية للدول الأطراف الاختصاص القضائي بملاحقة جميع الأنشطة الخاصة بالتمويل‏,‏ واتخاذ ما يلزم من التدابير المناسبة لتجريم الأعمال الواردة بالاتفاقية‏,‏ وتتضمن الاتفاقية تنظيما كاملا ودقيقا لمسألة المجرمين مرتكبي الأعمال الإرهابية سواء فيما يتعلق بالالتزام بمبدأ التسليم أو المحاكمة وكيفية تنفيذه‏,‏ ومبررات الخروج عليه‏,‏ وضوابط هذا الخروج‏,‏ وإجراءات التسليم ومتطلباته‏.‏كما تتابعت القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن الدولي في إطار معاقبة الدولة التي تخالف المبادئ الدولية وتهدد السلام والأمن الدوليين‏.‏والمجموعة الأخري من الأحكام الدولية هي توصيات الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي أصدرت إعلانها الشهير عن مبادئ القانون الدولي المتعلقة بعلاقات الصداقة والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة‏,‏ وطالبت الجمعية بموجب هذا الإعلان جميع الدول بالامتناع عن استخدام القوة أو التهديد باستخدامها ضد أي دولة أخري‏,‏ كذلك طالبت الجمعية جميع الدول بالامتناع عن التنظيم والمساعدة والمشاركة في أي عمل إرهابي‏.‏
وكان المشرع المصري قد أصدر عام‏1997‏ عدة تعديلات جوهرية في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائية وسرية الحسابات في البنوك عرفت في الأوساط التشريعية بقانون مكافحة الإرهاب وتمويله‏.‏ ثم أصدر في عام‏2002‏ قانون مكافحة غسيل الأموال الذي تم تعديل بعض أحكامه عام‏2003‏ متضمنا حظر أن يكون غسيل الأموال متحصلا من جرائم الإرهاب‏.‏ويجري في هذه الأيام إعداد قانون شامل لمكافحة الإرهاب في مصر‏.‏
هذا عن القانون‏..‏ بيد أن هناك عاملا آخر مهما يتكامل مع المواجهة القانونية للإرهاب‏..‏ وأعني به علي وجه التحديد‏..‏ العامل الثقافي‏,‏ فقد أصبح السلوك الذي ينطلق منه الإرهابيون في كل المجتمعات البشرية‏,‏ ناتجا عن رؤية ضيقة لا تري إلا نفسها بحكم انغلاقها النفسي وتمركزها الذهني علي الذات‏..‏ وبسبب ذلك تتحدد مفاهيم الإرهابيين بصحة ما يعتقدون ومخالفة آراء الآخرين‏.‏هذا الأمر لا يقتصر علي شرائح من المسلمين يتعصبون لما يظنونه الحق والرأي الصائب‏..‏ وإنما يشمل شرائح واسعة من المنتمين إلي حضارة الحداثة والتقنية‏..‏ فهذا هو اليمين الجديد في أمريكا‏..‏ هو كذلك يصدر تعميماته في اعتقاد صحة ما يعتقده المنتمون إليه‏,‏ وإقصاء المخالفين معه بوصفهم إرهابيين‏..‏ سواء كانوا من المسلمين‏..‏ أو من القدماء المتخلفين في أوروبا‏,‏ كما أوحي بذلك تصريح دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأمريكي الشهير أثناء التحضير للحرب علي العراق‏.‏هذه الثقافة الأحادية الرأي‏,‏ وقصورها الإنساني في معرفة حركة الواقع وطنيا وعالميا‏,‏ والانحياز لفكرة ضيقة أو مشروع غير عادل‏,‏ هو ما يقود إلي أفعال إرهابية يستوي في ذلك إرهاب الدولة‏(‏ في حال إسرائيل‏)‏ أو إرهاب المنظمات الإرهابية ذات العنوان الإسلامي أو المسيحي أو اليهودي‏..‏ وهو نفسه ما يجعل عصرنا هذا يتسم بما يمكن أن يطلق عليه عصر حرب الأصوليات‏..‏ ولعل من إفرازاته علي صعيد التنظير السياسي‏,‏ أطروحة صموئيل هنتنجتون حول صدام الحضارات‏.‏إن تصحيح هذه المفاهيم الضيقة‏,‏ والتصورات النمطية المقلوبة المتبادلة بين السياسات والمجتمعات المتصارعة يتطلب اهتماما عالميا بتنمية السياسات الثقافية القادرة علي نشر قيم الحوار والتسامح انطلاقا من تكريس الوعي الإنساني‏..‏ هذا الذي يتعرض اليوم لأشنع أنواع التزييف عبر قولبته بأنماط استهلالية مدمرة لكل قيم الحق والخير والجمال‏..‏ صحيح أن الاهتمام بالتنمية الثقافية متفاوت بين الدول المتقدمة في الغرب‏,‏ والنامية أو المتخلفة في الشرق‏..‏ إلا أن تمويل وتفعيل هذا النشاط الخلاق القادر علي وعي الإنسان بنفسه والآخرين‏..‏ وكذلك تفجير ملكاته للاستمتاع بالحياة‏..‏ هو الوسيلة النموذجية لمحاربة الإرهابيين ومكافحة أفعالهم الدموية‏..‏ إذ لن يكونوا قادرين علي اصطياد ضحاياهم من الشباب المغرر بهم‏,‏ متي أصبح هؤلاء علي مستوي رصين من الثقافة الإنسانية القادرة علي تعميق مشاعر الولاء الوطني وفق رؤية شاملة تقدر الإنسان أينما كان وبأية ثقافة ينتمي إليها‏.‏
حماك الله يا مصر كمسلمين وأقباط‏,‏ شعب واحد ونسيج واحد ومصير واحد‏.‏

 

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 163 مشاهدة
نشرت فى 4 يناير 2011 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,688,226