النوم ليس غيبوبة أو فقداناً للوعى، النوم نشاط إنسانى تتم فيه كل العمليات الحيوية، هو فترة راحة مؤقتة وضرورية، النوم لم يعد ملكاً لمفسرى الأحلام، النوم صار علماً له باحثون ومراجع ومجلات علمية متخصصة ومعامل بحثية متعمقة، ستقرأ فى الملف عن فرع جديد من الطب لا يعرفه معظم القراء اسمه «طب النوم»، فتح لنا هذا الفرع الجديد باباً سحرياً لمعرفة علاقة النوم بالأمراض العضوية ومنها ضغط الدم، الذى اكتشف العلماء أن الشخير سبب أساسى له، ومنها النعاس أثناء قيادة السيارات، الذى عرف الباحثون أن توقف التنفس أثناء النوم سبب رئيسى له، النوم سلطان، ولكنه صار الآن سلطاناً وعلماً أيضاً.
«أجهزة عديدة متصلة بالكمبيوتر ورأس أحد الأشخاص.. توصيلات لقياس حركات العين ورسم المخ والعضلات وحركات القدم والصدر..وأخرى لعمل رسم للقلب..وأخرى تقيس معدل انسياب الهواء فى الفم والأنف وصوت الشخير» ربما يذكرك المشهد للوهلة الأولى بأحد أفلام الخيال العلمى الأجنبية، إلا أنها صورة حقيقية يمكنك مشاهدتها على أرض الواقع فى «معمل النوم»، فى مستشفى جامعة عين شمس فرع الدمرداش.
ساعة ونصف الساعة قضاها «صحتك اليوم» بصحبة رئيس المعمل الدكتور طارق أسعد، أستاذ ورئيس وحدة القياسات الفسيولوجية، ومعمل النوم بمركز الطب النفسى بالجامعة، لكى نتعرف على كيفية استخدام المعمل فى تشخيص المريض. وهو المعمل الذى أدخله فى مصر - لأول مرة - الدكتور محمد عوض تاج الدين، وزير الصحة السابق، أثناء عمله بقسم الأمراض الصدرية، وكان مقتصراً على قياس التأثيرات المختلفة للأمراض الصدرية التى تحدث أثناء النوم، فيما تم إنشاء أول معامل النوم بصورتها المتخصصة فى عام ١٩٩٢ فى مصر.
تعتبر اضطرابات النوم من أكثر الظواهر اليومية التى تصيب المصريين مؤخراً، والتى أوضح أسعد أنها تتعدى الـ ٨٤ اضطراباً تنقسم إلى ٤ مجموعات: الأولى هى اضطرابات الأرق، وتعنى الصعوبة فى الوصول إلى مرحلة النوم العميق أو الاحتفاظ به، وقد ترجع أسبابها إلى عوامل نفسية وعضوية أو سوء استخدام العقاقير أو اضطراب الساعة البيولوجية لجسم الإنسان بسبب السهر، أما المجموعة الثانية فهى «اضطرابات النوم أثناء النهار» أو النعاس أثناء أوقات العمل أو داخل المواصلات والمحاضرات، ومن أهم وأخطر أسبابه «الاختناق الليلى التنفسى»، الذى يؤثر على كفاءة عملية النوم على الأشخاص المصابين بضيق فى مجرى التنفس العلوى.
وأضاف أن ذلك الاختناق قد يسبب «الشخير»، الناتج عن انغلاق مجرى الهواء، وبالتالى يحدث نقص الأكسجين، الذى يؤثر على المخ، ويتسبب فى إيقاظ الشخص النائم على فترات متقاربة.
وهناك أيضاً «مرض النوم الانتيابى»، ويعنى تعرض الشخص لنوبات من النوم المفاجئ دون أسباب، وهو غير منتشر، وغالباً ما يحدث فى مرحلة «النوم الحالم»، الذى يتوقف فيه النشاط العضلى، أى ربما نجد الشخص سقط سهواً أو فجأة على الأرض دون سبب واضح، كما يقول د.أسعد، فضلاً عن وجود مشاكل فى الكبد أو الغدة الدرقية، قد تؤدى إلى النوم أثناء النهار.
وأكد أسعد خطورة قلة النوم، مضيفاً أن ٤٠% من حوادث الطرق سببها اضطرابات النوم، وكثير من الكوارث البشرية التى حدثت فى الماضى كان سببها تلك الاضطرابات، مثل حادثة مفاعل تشيرنوبل ومكوك الفضاء تشالنجر، وأثبتت تلك الحوادث أن الخطأ البشرى هو السبب فى حدوثها بسبب حرمانهم من النوم.
أما المجموعة الثالثة التى تتسبب فى اضطراب عملية النوم - والكلام لايزال على لسان د. أسعد- تُسمى «الظواهر المرتبطة بالنوم» مثل الكوابيس والفزع الليلى و(الكلام أوالمشى أثناء النوم)، وقد تتدخل عوامل عضوية أيضاً مثل ارتجاع المرىء والصرع أثناء النوم أو عدم انتظام ضربات القلب أثناء النوم، والمجموعة الأخيرة هى «اضطرابات دورة النوم واليقظة»، أى أن المشكلة ليست فى قلة النوم أو زيادته، ولكن المشكلة فى توقيت النوم ذاته، وغالباً ما يصيب العاملين بمهن الدوريات مثل التمريض.
ويؤكد أسعد أن معمل النوم ساعد على اكتشاف اضطرابات جديدة، تؤثر على عملية النوم وكفاءتها، أو التفرقة بين الظواهر المختلفة المرتبطة بالنوم مثل الأكل أثناء النوم، وسببها خلل فى عملية النوم، أو تخطى مراحل معينة بشكل خاطئ، موضحاً أنه من بين كل ١٠٠ طفل هناك ١٥ يعانون من ظاهرة المشى أثناء النوم، وغالباً تكون لها تاريخ عائلى وتختفى بعد بلوغ الطفل وكبر سنه.
وعن ظاهرة «المشى أثناء النوم»، يقول د. أسعد إنها تحدث عادة أثناء الانتقال المفاجئ من مرحلة النوم العميق إلى النوم الخفيف وله أسباب نفسية أو وراثية تختفى بمرور الوقت، مضيفاً أن الإنسان عندما يستيقظ لا يتذكر أى شىء مما حدث، وهى أمور عادة ما تحدث لدى الأطفال، وعلاجها أن يتخذ الشخص احتياطات الأمان اللازمة للوقاية من أى إصابات مثل إخلاء أرضية المنزل من أى الآت حادة.
وأجرى د.أسعد تجربة حية على أحد العاملين بالمستشفى فى غرفة المعمل بداخل مركز «الطب النفسى»، بدأت بتوصيل أجهزة رسم المخ، ثم أجهزة رسم القلب وقياس التنفس والنبض بالجسم، وينام المريض على سرير متوسط الحجم يجاور الغرفة، التى تحتوى على جهاز كمبيوتر مهمته قراءة وتنظيم عمل الأجهزة، ويفصل بين الغرفتين شباك صغير، تمر من خلاله الأسلاك الموصلة بالأجهزة، كما تمر إلى جهاز الكمبيوتر لقراءة المؤشرات الحيوية لأعضاء الجسم، خاصة النشاط الدماغى، ومعدل ضربات القلب ونسبة الأكسجين فى الدم، من خلال تقرير كامل مفصل يتضمن جميع الأرقام والقياسات الحيوية، وتعد دليلاً على مدى الاضطرابات التى تحدث للشخص المريض أثناء النوم.
وأكد أسعد أن هناك أجهزة حديثة محمولة تقوم بعمل نفس وظيفة المعمل داخل المنزل بكل سهولة، حيث يتم وضعها فى منتصف البطن وتوصيلها من وراء الظهر، كى يتحرك المريض كما يشاء فى منزله وتكون طريقة أسهل وأفضل وتعمل على راحته.
ويقول أسعد إن العلماء يرون أن الأساس فى حياة الإنسان هو النوم وليس الاستيقاظ، خاصة أن العمليات الحيوية التى تحدث أثناء النوم للمخ تتضاعف بشكل كبير للغاية، بخلاف الفكرة السائدة من أن النوم هو راحة للمخ، فهو للعكس «مهلك للغاية ويحتاج إلى ظروف معينة لكى تتحقق وظائفه بكفاءة» كما يقول.
وتابع أسعد: تقوم فكرة معامل النوم على علاج اضطرابات النوم بشكل عام مثل الأرق كما أشرنا سابقاً، أما نسبة الاضطرابات المزمنة لا تزال كبيرة ولكنها متنوعة والمشكلة أنها تدخل فى تخصصات طبية مختلفة مثل أمراض الصدر والمخ والأعصاب والغدد وغيرها وبالتالى فمعامل النوم «هى البحث عن حل أو سبب شكوى المريض من شىء معين».
وأوضح أسعد أن المعمل يفيد فى التفرقة بين الظواهر المرتبطة بالنوم، مثل المشى أو الكلام أو الأكل أثناء النوم، والكشف عن اضطراب السلوك المرتبط بالنوم الحالم، والتفرقة بين الفزع الليلى والكوابيس، وفحص أسباب التبول الليلى اللاإرادى وارتجاع المرىء، مضيفاً أنه يُفيد أيضاً فى متابعة العلاج لمرضى الاختناق التنفسى أثناء النوم عن طريق جهاز «ضخ الهواء المستمر الموجب» (CPAP).
وأشار أسعد إلى أن النوم يتم عبر مرحلتين، الأولى مرحلة النوم غير الحالم، وهى التى لا تحدث فيها الأحلام، بل يكون الجسم فى «حالة استرخاء» فقط، مثل النبض السريع والنشاط العضلى، أما المرحلة الثانية المقدرة بـ٥٠% من فترة النوم فهى مرحلة «النوم العميق»، وتحدث فيها أغلب الوظائف الحيوية للنوم، ويشعر فيها الإنسان بالنوم العميق المريح، مؤكداً ضرورة المرور بمراحل النوم العميق ولو على الأقل ٢٠% من إجمالى ساعات النوم فلو نمنا ١٠ساعات يكون هناك على الأقل ساعتان أو ساعة نوماً عميقاً.
ونصح أسعد بضرورة توعية الأطباء أنفسهم فى جميع التخصصات بطب النوم، قائلاً إن أغلبهم لا يعلمون عن ذلك التخصص أو عن اضطرابات النوم النفسية، التى تتداخل أعراضها مع العديد من الأمراض العضوية، مؤكداً أهمية وجود فريق طبى متخصص يعلم جميع اضطرابات النوم عن طريق تدريس المواد أو الالتحاق بدبلومة «طب النوم».
|
ساحة النقاش