بقلم: محمود مراد
نجاح منقطع النظير حققته المؤامرة ضد القطن المصري الذي كان يسمي الذهب الأبيض والذي كان في مقدمة الصادرات الوطنية والذي كان ولا يزال حتي الآن أشهر وأفضل وأفخر أنواع القطن علي مستوي العالم كله
فهو بالغ النقاء, أكثر نعومة, طويل التيلة ـ ورغم كل هذه الصفات غير الموجودة في غيره.. فلقد نجحت المؤامرة. وبدلا من أن كنا ننتج ـ قبل21 سنة ـ نحو5.11 مليون قنطار هي حصاد زراعة نحو5.2 مليون فدان.. فإن انتاجنا الآن لا يتجاوز5.2 مليون قنطار أعطتها زراعة033 ألف فدان فقط لاغير!!
أما لماذا حدث هذا؟ فإن السبب المعلن يقول إن المزاج المحلي والدولي اتجه إلي الملابس الكاجوال والمصنوعة من الجينز أو القطن قصير التيلة ومن ثم فإن الأسواق التقليدية التي كنا نبيع لها القطن لم تعد تقبل عليه.. كما أن مصانع الغزل والملابس الجاهزة المصرية قد أقبلت علي استخدام الأقطان متوسطة وقصيرة التيلة, واعرضت عن طويل التيلة المصري, وأخذت تستورد من الخارج لكنها أخيرا وجدت الأبواب موصدة, لأن الدول المصدرة ـ ومنها الهند وباكستان ـ رأت ـ ومعها الحق ـ أن تقوم بتصنيع أقطانها لتصديره منتجا نهائيا, مما يجعلها تتيح فرص عمل لمواطنيها فترفع مستوي المعيشة, كما تحقق بهذا ربحا أكثر بالقيمة المضافة ويزيد من صادراتها وايراداتها المالية.. وبهذا وجد المنتجون المصريون أنفسهم في نفق مظلم!
ذلك, هو السبب المعلن لتراجع وزراعة القطن ومنتجاته التي كنا مشهورين بها! ومع أن هذا السبب المعلن هو الذي يتردد حاليا.. إلا أنه ليس هو السبب الحقيقي.. ولم يكشف من المؤامرة التي تم تدبيرها وتنفيذها.. والتي جرت فصولها بدقة متتالية.
كانت البداية, قبل ثلاثة عقود حيث كان القطن المصري في أوج ازدهاره, وضربت سمعته الممتازة كل الآفاق.. فكان ان بلغ ثمن القميص الرجالي أو البلوزة الحريمي من القطن المصري أكثر من مائتي دولار في الدول المختلفة من سويسرا إلي اليابان.. وبينما استكان الزراعيون والمنتجون المصريون إلي هذا. واعتبروا أن القطن صامد بنفسه ومتقدم.. فإن الآخرين قرروا أن تكون لديهم زراعات تنتج الأقطان بنفس المزايا أو قريبا منها. فبدأوا يتصلون عن طريق الحكومات بالحكومة المصرية رافعين شعار التعاون العلمي والتكنولوجي في مجال الزراعة.
وهكذا في الوقت الذي أخذ فيه الإنتاج الأجنبي ينمو.. أخذ الإنتاج المصري في المقابل ـ يتراجع.. بسبب بسيط جدا وهو أن الأسواق التقليدية للقطن المصري التي كانت تستورده خاما أو غزولا أو منتجا نهائيا هي أوروبية وأمريكية.. وبالتالي لعلاقاتها بالآخر ـ فإنها اتجهت إلي القطن الأجنبي لأسباب عديدة.. وفي الوقت نفسه جري:
1 ـ إغراق أسواق مصر ودول المنطقة بالملابس الجاهزة المصنوعة من القطن قصير ومتوسط التيلة والبوليستر.. والجينز وبأسعار رخيصة نسبيا لطرد الإنتاج المماثل من الأقطان المصرية.. ولضرب الصناعة الوطنية!
2 ـ تعاقدت الشركات الأجنبية مع مصانع مصرية.. بحيث تعطيها أقمشة جاهزة لكي تصنع ملابس حسب مواصفات معينة. وبهذا يستفيد الجانب الأجنبي من رخص أجور العمالة وأسعار الطاقة.. فضلا عن تحقيق هدف: شغل المصانع المصرية بحيث لا تقبل علي الأقطان المصرية فتبقي في المخازن!
3 ـ وهذا عامل مهم.. ان المنتجين المصريين ـ معظمهم علي الأقل ـ إما عملوا لحساب الشركات الأجنبية ـ مقص دار ـ أو اتجهوا إلي الاستيراد لأنه أسهل دون وجع دماغ وأكثر ربحا.. فأهملوا التصنيع ولم يطوروا آلات المصانع.. ولم يهتموا بالتصميم.. واعرضوا عن التسويق والبحث عن أسواق جديدة رغم أن ذلك متاح.. فتدهورت الصناعة!وهنا.. ربما يعترض البعض إن المزاج تغير.. وأن الرائج هو الإنتاج من الأصناف الأخري للقطن والمواد الخام.. ولذلك تراجع الإقبال علي طويل التيلة.. ولكن الرد علي هذا بسيط جدا وهو لماذا إذن.. وكيف يزرع الآخرون هذا النوع وتنمو زراعاتهم ويتضاعف الإنتاج.. وتتقدم الصناعة ويتنوع الإنتاج؟
وإذ تتكامل فصول المؤامرة.. فإننا مهددون بأن تتراجع المساحة المزروعة بالقطن إلي مائة ألف فدان فقط في العام المقبل, وربما لا نزرع في العام الذي يليه, وهكذا يكون القضاء نهائيا علي ميزة نسبية كبري كانت تتصف بها مصر.. ويشطب التاريخ عبارة الذهب الأبيض الذي كنا قبل سنوات قليلة نزرعه في5.2 مليون فدان ننتج5.11 مليون قنطار قطن للتصدير والتصنيع ونباهي به الدنيا.. وبهذا يتم إغلاق المحالج والمغازل والمصانع.. والأمر المحير أن هذا يحدث دون أن يتنبه المسئولون بل إنهم يتسترون علي الفضيحة بدعوي زائفة وهي إنه لا بأس من التخلي عن القطن ليزرع الفلاح محاصيل تحقق له ايرادا أكثر.. وأنه يمكن استيراد الغزل أو المنتجات الجاهزة من السوق العالمية.. وفي قولهم هذا يتناسون ضياع الميزة النسبية التي تحرص عليها أي دولة.. والشهرة التي سنفتقدها.. وتراجع حجم الصادرات.. وغلق المنشآت القائمة علي هذه الزراعة! ولقد استخدم هؤلاء نفس الحجة إلي ما قبل عام واحد فقط وهم يتحدثون عن زراعة القمح وعلي أساس أنه متاح في أسواق الشرق والغرب.. ولم يصدقوا ما كنا نقوله عن حتمية أن ننتج أكبر نسبة ممكنة من غذائنا تحسبا للظروف.. ثم جاءت هذه الظروف دون أن يتحسب لها أحد.. ولاح شبح الجوع.. واستنفرت الهمم وكانت قرارات التوسع في زراعة القمح هنا وهناك.. لكنهم نجحوا في إخفاء قضية القطن حتي خرجنا فعلا من السوق الدولية.
والسؤال الآن.. هل نتعاقد مع محلات الفراشة وتجهيز القهوة السادة.. استعدادا لتقبل العزاء.. أم.. انه يمكن أن تنتصب الإرادة الوطنية وتشمخ بقوتها وقدراتها ـ وهي موجودة وإن كانت غير مستثمرة ـ ولكي تتعامل مع القطن المريض في غرفة الإنعاش.. ولكي تعالجه فيتعافي ويعود كما كان وأكثر.. بزراعة متطورة وأساليب حلج متقدمة.. وتصنيع مدروس بتصميمات جديدة ومتجددة ومبتكرة ومصانع حديثة وبتسويق ذكي علي اتساع العالم تري... هل يتحرك أحد؟؟
المزيد من مقالات محمود مراد<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
ساحة النقاش