الاحتباس الحراري قضية أمن دولة‏..‏والمتهم مطلق السراح‏!‏

 


كتبت: رحاب جودة تغير المناخ يمثل تهديدا للعالم أكبر من خطر الإرهاب الدولي‏...‏فهل اقتربت نهاية الأرض؟‏..‏ لا‏,‏ هذا غير صحيح‏,‏ بل الأمر طبيعي ولا يوجد ما يدعو للقلق‏!‏ آراء مختلفة

 

وأحيانا متضاربة بين العلماء في تفسير نتائج التغيرات المناخية التي تشهدها الأرض منذ سنوات‏,‏ وما ترتب عنها من زيادة في درجة حرارة الأرض‏,‏ وزيادة بالكوارث الطبيعية كما ونوعا وقوة‏.‏ فتوجد دراسات تحذر من دمار شامل ينتظر البشرية بسبب تأثيرات البيئة والمناخ والاحتباس الحراري‏.‏
‏,‏وهناك تنبؤات بزوال مدن وأقاليم بأكملها وهلاك ملايين من البشر وانقراض أنواع من الكائنات الحية‏.‏ وهناك من يطرح أفكارا مختلفة متفائلة تجاه البيئة‏,‏ ويري أن كل التحذيرات والمخاوف من هلاك البشر وفناء العالم هو مجرد تشاؤم لا داعي له‏.‏الا أن الشئ المؤكد أن قضية الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية تحولت بالفعل الي قضية أمن داخل كل دولة وعلي الصعيد الدولي‏,‏ لدرجة أنها وجدت طريقها الي أجندة الامم المتحدة باعتبارها ظاهرة مهددة للامن والسلم الدوليين لما قد تسفر عنه من مجاعات وحروب وهجرات‏.‏
والحكومات تعقد القمم تلو الأخري وتتبادل خلالها الدول الصناعية والدول النامية الاتهامات بالتسبب في تدهور الأوضاع البيئية خاصة خلال السنوات الـ‏10‏ الماضية‏.‏ وتسفر بعض القمم عن محاولات للاتفاق علي تحسين ظروف البيئة لكن لا يعتبر أي منها ملزما حتي الان‏.‏ وتنتصر في النهاية مصالح الدول الصناعية‏.‏ وتنتهي كل قمة علي أمل انتظار مباحثات القمة الأخري باعتبار أن هذه الدول تملك زمام البيئة كما تتحكم في سياسة واقتصاد العالم‏!‏فما الذي يحدث؟ وما هي التغيرات المناخية وما هي الكوارث الطبيعية الناتجة عنها؟ ومن أين ياتي الخطر الحقيقي ؟ هل هو من الوقت المهدر في المباحثات التي لا تنتهي؟ أم أن البيئة هي المجرم الذي لا يمكن التصدي له الآن؟
آخر هذه القمم العالمية اختتم مؤخرا في مدينة كانكون بالمكسيك في ديسمبر الجاري‏.‏ ووافقت فيه حكومات العالم علي خطوات وصفها الجميع بانها متواضعة كالعادة للتصدي للتغير المناخي وعلي منح الدول الفقيرة المزيد من المال‏.‏ لكنهم توقفوا‏,‏ كما فعلوا في القمم السابقة‏,‏ عند هذا الحد في انتظار محادثات العام القادم في جنوب أفريقيا والتي قد تتضمن قرارات صعبة بشأن خفض الانبعاثات الغازية المسببة للاحتباس الحراري‏.‏ويتضمن اتفاق كانكون انشاء صندوق المناخ الاخضر الذي يقدم سنويا‏100‏ مليار دولار كمساعدات للدول الفقيرة بحلول عام‏2020,‏ كما يتضمن اجراءات لحماية الغابات الاستوائية وطرقا لتبادل تقنيات الطاقة النظيفة‏.‏ وفي ختام الجلسات وضعت ما يقرب من‏200‏ دولة هدفا للحد من زيادة متوسط درجات حرارة الكوكب إلي ما دون درجتين مئويتين عن مستوي ما قبل الثورة الصناعية‏.‏لكن تقدما كبيرا لم يتحقق في شأن توسيع بروتوكول كيوتو الذي تم تبنيه عام‏1997‏و الذي تنتهي الجولة الأولي منه عام‏2012‏ و يلزم حوالي‏40‏ دولة بخفض ما ينبعث عنها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري‏.‏ ويعتمد سوق المحروقات الذي يوازي‏20‏ مليار دولار علي الحدود القصوي التي فرضها بروتوكول كيوتو لتوجيه الدول الغنية نحو دفع تكلفة خفض الدول النامية لانبعاثاتها من الغازات المسببة للاحتباس الحراري كبديل أرخص لخفض انبعاثات الدول الغنية‏.‏ ولم تتضح سبل جمع اموال الصندوق الأخضر‏.‏
كما لم يحدد اتفاق كانكون مواعيد نهائية للتوصل إلي اتفاق ملزم قانونا بشأن بروتوكول كيوتو‏.‏ ولا يضم البروتوكول الصين والولايات المتحدة أكبر دولتين في العالم من حيث انبعاثات الغازات الضارة كما لا يوجد توافق أيضا حول إذا ما كانت الدول النامية يجب أن تلتزم بأهداف محددة لخفض انبعاثات الغازات وإذا ما كانت الدول الغنية يجب أن تبادر بالجهد الأكبر
وتكمن المشكلة في ارتفاع نسب انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري ومن ضمنها الانبعاثات الكربونية نتيجة إنتاج واحتراق البترول أو قطع أشجار الغابات مما ينتج عنه ارتفاع ملموس في درجات حرارة الكون‏.‏وتشمل تلك الغازات‏:‏ غاز ثاني أكسيد الكربون‏,‏ وغاز الميثان‏,‏ وغاز أكسيد النيتروجين‏,‏ والهيدروكربونات الهالوجينية‏.‏ وتكمن المشكلة الرئيسية في تزايد تراكيز تلك الغازات في الغلاف الجوي وأهمها غاز ثاني أكسيد الكربون الناتج عن احتراق مليارات الأطنان من الوقود في المنشآت الصناعية ومحطات الطاقة ووسائل النقل والتي تتسبب مجتمعة في انبعاث ما يزيد علي‏20‏ مليار طن من الغاز كل عام‏.‏
‏.‏جدير بالذكر أن أكثر من ثلثي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري تنبعث من‏10‏ دول في مقدمتها الولايات المتحدة والصين وهما الدولتان اللتان لم توقعا علي بروتوكول كيوتو وتزيد حصتهما معا علي‏12‏ مليار طن سنويا تشكل نحو‏40%‏ من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم‏.‏و لا يمكن إنكار الأهداف السياسية والاقتصادية وراء القضية إضافة إلي الأهداف البيئية والاجتماعية‏,‏ لكن توجد الشكوك بان هناك تضخيم للمشكلة وإعطائها حجما أكبر من حجمها الحقيقي‏,‏ والأهم من كل ذلك تحميل البترول وحده مسؤولية ظاهرة الاحتباس الحراري‏..‏
فيجب الإقرار بوجود خلاف رئيسي لم يحل بعد حول مسببات الانبعاثات الحرارية‏,‏ فهل هي نتيجة النمو الاقتصادي والاعتماد علي البترول في توليد الطاقة‏-‏ بمعني آخر‏,‏ هل السبب مرتبط بأنماط الاستهلاك البشري‏,‏ أم أن التغيير المستمر في المناخ والأرض عبر ملايين السنين هو سمة وظاهرة كونية‏,‏ إذ تغيرت بعض المناطق البحرية إلي صحاري في القرون الماضية‏,‏ مثلما حدث في منطقة البحر الأبيض المتوسط وحصل ذلك حتي قبل دخول عصر البترول؟
والإنجاز الأكبر بعد سنوات من المحادثات هو الحفاظ علي مفاوضات التغير المناخي من الانهيار وتعزيز الدعم للتحول نحو اقتصاديات اقل استهلاكا للمحروقات وإعادة بناء الثقة بين الدول الفقيرة والدول الغنية بشأن تحديات ارتفاع درجة حرارة الأرض‏..‏
وفي كل قمة يعرب المشاركون عن الارتياح لعدم تكرار الفشل المدوي الذي شهدته القمم السابقة ثم يعودوا للتحذير بأن الطريق ما زال طويلا‏.‏ويعزا الفشل إلي الاعتقاد الخاطئ بأن المفاوضين الكبار سيتخلون عن مصالح بلادهم الاقتصادية والسياسية من أجل الوصول إلي اتفاق يرضي به الجميع‏,‏ وهو ما لم يحدث بالطبع‏,‏ ذلك أن كثيرا من المفاوضات كان يجري وفقا لقواعد سياسية واقتصادية بحتة وليس طبقا لقواعد عملية‏.‏فلا توجد دولة واحدة مستعدة للالتزام بإجراءات بيئية صارمة قد تؤثر في تنافسية القطاعات الإنتاجية فيها وقد ينتج عن تبنيها فقدان وظائف في ظل الأزمة المالية العالمية‏.‏
وفي حين تتقاعس الدول الصناعية الكبري عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الأقل نموا والدول الفقيرة‏,‏ نجد نفس الدول تطبق برامج استثمارية واسعة للانفاق علي مشاريع الطاقات المتجددة لفائدة سكانها‏,‏ حيث تنفق أمريكا سنويا‏112‏ مليار دولار‏,‏ والصين‏34‏ مليار دولار والاتحاد الأوروبي‏6‏ مليارات دولار‏.‏ وهكذا تتناقضص السياسات الرأسمالية المحلية مع ما يقابلها من سياسات دولية تمس جميع شرائح الدول‏,‏ مما عمق من ظاهرة الكيل بمكيالين في سياسات الدول ودفع بالدول الناشئة إلي المطالبة بنظام بيئي دولي أكثر عدلا‏.‏ ومازالت هذه الدول تستغل مشاركتها في القمم الدولية حول الأرض للتعبير عن انشغالاتها دون أن تتمكن في الأخير من تحقيق شيء سوي الوعود بالمساعدات والصناديق الخضراء ونقل التكنولوجيا الصديقة‏.‏
وهذا التباين الحاد في المواقف يجعل أي مؤتمر فاشلا ما لم يعتمد مبدأ المسؤولية المشتركة والذي بدوره سيجعل التوصل إلي رؤية مشتركة تجمع الدول الصناعية والنامية لتحقيق أهداف واضحة للحد من الانبعاثات الغازية‏,‏ والتمويل‏,‏ ونقل التقنية‏,‏ ودعم الدول النامية بالموارد والخبرات الفنية اللازمة لمكافحة تغير المناخ‏.‏ ومازالت الدول الصناعية الغربية تواصل مساعيها لإحياء مفاوضات المناخ علي الرغم من أن بعضها أثبت أنها ولدت ميتة‏.‏

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 181 مشاهدة
نشرت فى 21 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,287