استهلاك الفرد للمياه يدق ناقوس الخطر
بقلم:د. م. نادر رياض
في دراسة لمنظمة البيئة الألمانية نشرت مؤخرا عن استهلاك المياه في ألمانيا وانعكاس ذلك علي معدل الاستهلاك السنوي للفرد والذي يظهر ان الاستهلاك الفعلي المبني علي مؤشرات حقيقية لم يكن يدخل في الحساب من قبل قد فاق كل توقع.
إذ أن الدراسات السابقة لهذه الدراسة كانت تظهر فقط الاستهلاك المباشر للفرد الألماني من المياه في حدود3.4 متر مكعب في السنة, باعتبار أن استهلاكه لأغراض الشرب والاستحمام والطهي لم تكن تتعدي0031 لتر في العام مبقية استهلاكه الاجمالي في حدود3 مترات مكعبة أي ثلاث آلاف لتر للاستهلاكات الأخري المنظورة. أما هذه الدراسة والتي قام بها الدكتور يورج رخنبيرج والذي يعتبر الخبير الأعلي بشأن المياه وهو في نفس الوقت مستشار جهاز البيئة الاتحادي التابع للحكومة الألمانية.
الجديد الذي أورده هذا الخبير يخلص الي ان استهلاك الفرد الألماني من المياه يبلغ005 متر مكعب في العام, وليس كالسابق حسابه خلال السنوات السابقة لهذه الدراسة علي امتداد تلك السنوات والذي كان حده الأعلي3.4 متر مكعب, أي أن الدراسة رفعت القيمة لأكثر من021 ضعفا وهو أمر غير مألوف في علم الحساب أو التقاليد البحثية لتجاوزه كل التوقعات بهذه النسبة الصادمة للرأي العام وشئون البيئة وعلوم الموارد الطبيعية وهي أمور تقع جميعها داخل وجدان وسلوك الشعب الألماني علي اختلاف مستويات الدخل والثقافة.
سارعت الصحف والمجلات العلمية بالاتصال بخبير البيئة مصدر هذه الدراسة لتسأله عن التفاصيل التي استجدت في دراسته ولم تكن مألوفة في الدراسات السابقة عليها, وفاجأنا هذا الخبير كما فاجأ العالم المثقف بحسابات كانت ساقطة من قبل, أهم تلك الحسابات أن المحتوي المائي الذي يدخل جسم الانسان أو استهلاكه في أوجه أخري لا ينحصر في مياه الشرب ومشتقاته التي يتناولها الانسان بالطريق المباشر والذي لا يتعدي0041 لتر في العام, وقال مفجرا قنبلته الحسابية إن كيلو الأرز الذي يتناوله الانسان يحتاج مكونا من المياه في زراعته حتي ينضج ويصبح صالحا للأكل تبلغ قيمته5 آلاف لتر من المياه, أما كيلو اللحم البتلو فيحتاج لأكثر من01 آلاف لتر من المياه هو استهلاك العجل خلال دورة حياته التي تنتهي بانتاج كيلو اللحم, كما أورد ان المكون المائي لانتاج بنطلون الجينز يصل الي5 آلاف لتر قبل ان يصبح جاهزا للاستعمال, أما كيلو البن فقد بلغ رصيده من المياه رقما غير متوقع إذ بلغت قيمته02 ألف لتر, أما النبيذ المستخرج من العنب فقد بلغ رقما كبيرا أيضا يفوق غيره من المشروبات حيث تبلغ قيمته ألف ضعف من المياه للسعة اللترية للنبيذ.
امتدت تلك القائمة الطويلة لتشمل جميع مدخلات جسم الانسان من الموارد الغذائية وكذا مدخلات حياته من المنتجات والمواد مترجمة الي قيمة مائية تقاس باللتر أسوة بالمتبع من قبل من قيمة حرارية تقاس بالسعرات الحرارية يعرفها جيدا المهتمون بالرشاقة والتعامل مع مرض السكر.
تضمنت تلك القائمة الطويلة استهلاك المياه في منتجات الالمونيوم والصلب المخصوص والصلب غير القابل للصدأ والأسمنت والحديد والكيماويات ورصف وتعبيد الطرق وصناعات المشروبات المختلفة لتخرج بهذا الرقم لاستهلاك الفرد الألماني من عنصر المياه والذي بلغ005 متر مكعب أي05 ألف لتر كل عام, كما لم تهمل الدراسة التعرض للفاقد والمهدر من المياه داخل ألمانيا وقارنت ذلك ببعض الدول المجاورة, فأشارت الي ان المانيا يهدر منها نحو41% من موارد المياه الاجمالية نتيجة للتبخر والانسكاب والغسيل غير المرشد للسيارات وأوعية الطعام وغسيل الملابس غير الموفر للمياه وأيضا أوضحت نسبته من إهدار المياه نتيجة لتلوثه بمواد يصعب استخلاصها منه في مراحله اللاحقة.
وأوردت الدراسة أن بريطانيا تأتي في المرحلة التالية لألمانيا في نسبة إهدار المياه والتي قدرتها بـ91%, أما فرنسا فقد بلغت نسبة إهدار المياه فيها62%, وأتت ايطاليا برقم82% من نسبة اهدارها لمواردها من المياه.
هذه الدراسة الصادمة للرأي العام الألماني والأوروبي والذي يولي قضايا الحفاظ علي البيئة والحرص علي مصادر المياه وأهمها الأمطار اهتماما بالغا قد ولد حلقات من النقاشات والدراسات الذي بدأ صخبها وينتظر له أن يستمر لسنوات حتي يأتي بأنماط أفضل للحياة علي القارة الأوروبية ليوفر فيها الانسان ظروفا أفضل لسبل بقائه علي كوكب الأرض والتي ترتبط بالحفاظ علي البيئة والتوفير في استهلاكه غير المسئول لمصادر المياه.
وما أحوجنا في مصر للحفاظ علي ماء النيل مصدر الحياة الرئيسي لشعب مصر, ولنبدأ بالحفاظ عليه من التلوث مرورا بتوفير مياه الشرب النقية والمأمونة لكل المصريين بجميع الربوع لننتهي بالدخول في قضية الاستعمال المرشد للمياه وهي القضية التي تحياها أوروبا حاليا بالعمق الذي فجرته هذه الدراسة.
ساحة النقاش