زيـارة المريض
بقلم : د. محمد الألفي كلية الطب ـ جامعة الازهر
يا ابن آدم مرضت فلم تعدني بهذه الكلمات الرقيقة التي تفيض حبا من الحبيب الأعظم يعاتب الله عبده يوم القيامة ليرد العبد قائلا يارب: كيف أعودك وأنت رب العالمين,
فيجيبه ربه إجابة كلها كرامة ومودة لأولئك الذين ابتلاهم الله بالمرض أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده هنا يظهر قدر من ابتلاه الله بالمرض فصبر وحسبه أن يكون الله عنده, وهنا تظهر قيمة زيارة المريض وحسبها أنها زيارة لله, أليس هو القائل مرضت فلم تعدني هذا شريطة أن تؤدي هذه الزيارة بعض الأهداف التي من أجلها شرعت وهي التخفيف عن المريض ومواساته ومساعدته وطلب الشفاء له من الله, أما أن تخرج عن أهدافها أو تؤدي عكس المطلوب منها هنا يكون فيها نظر.. أكاد أسمع من يسأل متعجبا هل تؤدي زيارة المريض عكس المطلوب منها؟! نعم فقد يعقبها زيادة ألم وتحسر وتدهور في الحالة الصحية وربما يحدث ما هو أكبر من ذلك ربما تكون زيارة هؤلاء سببا في موت هذا المريض.. كيف ذلك؟ بعض الزائرين يطول مكثه عند المريض مما يسبب له الضيق والألم الشديد وخصوصا إذا كان المريض يتحرج من هذا الزائر, ليس هذا فحسب ولكنه تكثر أسئلته عن المرض وطبيعته وتطوراته والطبيب المعالج والعلاج وهنا ينشط ذهنه في غير موضعه ويبدأ في عرض آرائه التي لم يطلبها منه أحد في العلاج والطبيب ثم يتطور الحديث ليعرض علاجات وأطباء أفضل من وجهة نظره ولا بأس بعرض قصة لمريض يراها هو مشابهة لحالة المريض وكيف أن هذا المريض الذي يحكي قصته ذهب إلي مكان كذا وأصبح علي ما يرام وكأن الحالات حالة واحدة والظروف واحدة وكأنه هو من يقدر علي تقييم المرض والشفاء لتكون نتائج زيارته أنه أفسد علي هذا المريض استقراره والاطمئنان إلي طبيبه الذي هو عنصر جوهري في عملية المداواة التي أحب أن أسميها كذلك لأنها ليست حبات من الدواء أو عملية جراحية وفقط ولكن الشفاء أشمل من ذلك بكثير وحجر الزاوية فيه الاطمئنان إلي الطبيب وبالتالي الخطوات العلاجية, ومن نتائج هذه الزيارة تكدير أقرباء المريض وتأنيب ضمائرهم وإحداث بلبلة بينهم ينتقل أثرها السيئ إلي المريض.. فماذا تنتظر بعد أن يقول لهم كلمات مثل.. لم يحدث تحسن.. ماذا تنتظرون.. اذهبوا إلي المكان الفلاني وغير ذلك لتكون النتيجة النهائية لهذه الزيارة المشئومة تدهور حالة المريض وانتقاله من أيدي معالجيه إلي اخرين ومن الاخرين إلي آخرين لأن هذا الزائر وأمثاله لن يتركوه حتي يواروه التراب, إن زيارة المريض والتعامل معه لها أصول وضوابط يجب ألا تتعداها حتي وإن كانت حالة المريض حرجة من وجهة نظر هذا الزائر لأن المريض يكون في غاية الشفافية والانتباه وقد يظن بعض من لا يعرفون أنهم غير مدركين لذا يحلو لهم التصرف بما يشاءون فتراهم يتغمزون ويتكلمون بألفاظ أو تلميحات تؤذي المريض وتكسر قلبه وتجعل عملية شفائه أصعب منالا وربما تؤدي إلي قتله, فما أكثر من قابلتهم يعانون من ذلك ومن هؤلاء جار مريض لم ينجب وقد سبقته زوجته إلي الموت ذهبت إليه عندما علمت أنه رفض العلاج وعافت نفسه السوائل القليلة التي كان يتناولها, عندما دخلت عليه وجدته في حالة سيئة قد جف جسده وضعف صوته فانحنيت عليه وقلت له أنت بخير لماذا تترك علاجك وشرابك القليل؟
فسكت قليلا ولم يجب, وعلي ما يبدو أنه لم يرضه أن يتركني بلا إجابة فأشار بعينيه لأضع أذني عند فمه لأستطيع سماع صوته الضعيف وقال لي هل يرضيك ما يفعلون إنهم يحضرون بأعداد كبيرة ويجلسون حولي بصورة تحبس أنفاسي وبين الحين والآخر يدققون النظر في وجهي ويتحسسون قدماي ويغمزون بما معناه أن نصفي الأسفل قد مات وأنا كثيرا ما أقول لهم ربما بصوت لا يسمعونه أنا مازلت حيا لم أمت.. وسألني هل يرضيك هذا واغرورقت عيناه بالدموع, هؤلاء من كانوا سببا في وصوله إلي هذه الحالة من اليأس وأنا أعتبرهم من أجهزوا عليه وهذا يدفعني لطلب الفتوي.. هل تحرم زيارة أمثال هؤلاء للمرضي؟
ساحة النقاش