من أسرار القرآن
بقلم: د. زغلول النجار
‏372..‏ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم‏......(‏ سورة البقرة‏:224)‏ هذا النص القرآني الكريم جاء في الربع الأخير من سورة البقرة‏,‏ وهي سورة مدنية وآياتها مئتان وست وثمانون‏(286)‏ بعد البسملة‏,‏ وهي أطول سور القرآن الكريم علي الإطلاق‏,‏

 

 وقد سميت بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلي معجزة حسية أجراها الله‏-‏ تعالي‏-‏ لعبده ونبيه موسي بن عمران‏-‏ علي نبينا وعليه من الله السلام‏-‏ حين تعرض شخص من قومه للقتل ولم يعرف قاتله‏,‏ فأوحي الله‏-‏سبحانه وتعالي‏-‏ إلي عبده موسي أن يأمر قومه بذبح بقرة‏,‏ وأن يضربوا الميت بجزء منها فيحيا بإذن الله‏,‏ ويخبرهم عن قاتله ثم يموت‏,‏ حتي يكون في ذلك إحقاقا للحق‏,‏ وشهادة لله‏-‏ تعالي‏-‏ بالقدرة علي إحياء الموتي وشهادة كذلك لعبده موسي‏-‏عليه السلام‏-‏ بالنبوة والرسالة‏.‏
هذا‏,‏ وقد سبق لنا استعراض سورة البقرة‏,‏ وما جاء فيها من ركائز العقيدة‏,‏ وأسس العبادة‏,‏ وقواعد الأخلاق‏,‏ والتشريعات‏,‏ والإشارات الكونية‏,‏ ونركز هنا علي وجه الإعجاز التشريعي في النهي عن كثرة الحلف بالله‏(‏ سبحانه وتعالي‏).‏
من أوجه الإعجاز التشريعي في النص الكريم
يقول ربناـ تبارك وتعالي ـ في محكم كتابه‏:‏
‏(‏ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم‏)(‏ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم‏)(‏ البقرة‏:225,224).‏
و‏(‏العرضة‏)‏ بضم العين هي المانع‏,‏ لأن كل ما يعترض فيمنع عن الشئ فهو‏(‏ عرضة‏).‏ ولهذا يقال للسحاب‏(‏ عارض‏)‏ لأنه يمنع رؤية الشمس‏,‏ ويقال‏:‏ اعترض فلان فلانا أي‏:‏ منعه من فعل ما يريد‏(‏ والأيمان‏)‏ جمع يمين وهو تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله‏-‏ تعالي‏-‏ أو صفة من صفاته‏,‏ أو هو عقد يقوي به الحالف عزمه علي الفعل أو الترك وقال‏-‏صلي الله عليه وسلم‏-‏ اليمين علي نية المستحلف وفي رواية يمينك علي ما يصدقك عليه صاحبك‏(‏ أبو داود‏,‏ الترمذي‏).‏
في تفسير ذلك قال الجصاص في أحكام القرآن‏:‏ لا تعترضوا اسم الله وتبذلوه في كل شئ حقا كان أو باطلا‏,‏ فالله ينهاكم عن كثرة الأيمان والجرأة علي الله تعالي‏,‏ وكذلك لا تجعلوا اليمين بالله عرضة مانعة من البر والتقوي والإصلاح‏.‏
وقال الرازي في تفسيره‏:‏ المراد النهي عن الجراءة علي الله بكثرة الحلف به‏,‏ لأن من أكثر من ذكر شئ فقد جعله عرضة له‏....‏ ومن معاني ذلك أيضا‏:‏ لا تجعلوا الحلف بالله سببا مانعا لكم من أعمال البر والتقوي‏,‏ وذلك من مثل أن يدعي أحدكم إلي عمل من أعمال البر أو الإصلاح بين الناس‏,‏ فيقول‏:‏ قد أقسمت بالله أن لا أفعله‏,‏ فاليتعلل باليمين‏.‏ فيا أيها المسلمون لا تجعلوا الحلف بالله حجة لكم في ترك فعل الخير‏,‏ كأن يسأل أحدكم عن المشاركة في أمر من البر أو الخير أو الإصلاح بين الناس‏,‏ فيقول‏:‏ لقد حلفت بالله ألا أفعله‏,‏ وأريد أن أبر بيميني‏,‏ فلا تتعللوا باليمين بل افعلوا ما دعيتم إليه من أعمال الخير أو البر أو الإصلاح بين الناس وكفروا عن أيمانكم‏.‏ وعلي كل الأحوال لا تكثروا من الحلف بالله إجلالا لاسمه الكريم وتعظيما وتشريفا‏,‏ ولا تجعلوا ذلك إلا في أضيق الحدود‏,‏ وفي عظائم الأمور‏,‏ حتي لا تجعلوا من اسم الله‏-‏تعالي‏-‏ هدفا لأيمانكم فيما يستحق وما لا يستحق‏,‏ لأن المكثر من الحلف‏(‏ الحلاف‏)‏ بالله مجترئ علي ربه‏,‏ ولذلك ذم القرآن الكريم المكثرين من الحلف فقال‏-‏تعالي‏-‏ مخاطبا خاتم أنبيائه ورسله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ آمرا إياه بقوله العزيز‏(‏ ولا تطع كل حلاف مهين‏)(‏ القلم‏:10).‏
والحكمة في الأمر بالتقليل من حلف الأيمان بالله‏,‏ أن من حلف في كل أمر عظيم أو حقير باسم الله‏-‏ تعالي‏-‏ انطلق لسانه بذلك في كل مناسبة حتي لا يبقي لليمين باسم الله في قلبه وقع ولا خشية‏,‏ حتي ليقدم مقسما به في كل صغيرة وكبيرة‏,‏ وهنا قد لا يؤمن إقدامه علي اليمين الكاذبة حالفا باسم الله كي يصدقه الناس‏,‏ وذكر الله‏-‏ تعالي‏-‏ يجب أن يكون أجل وأعظم في قلب المؤمن من أن يقسم به كاذبا‏,‏ وشرط اليمين وركنه هو الإسلام‏,‏ والبلوغ والعقل‏,‏ والاختيار‏,‏ وإمكان البر‏.‏ وفي تفسير قوله‏-‏تعالي‏-:(.‏ أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس‏....(‏ ذكر الشهيد سيد قطب‏-‏ رحمه الله تعالي‏-‏ ما نصه‏:‏ عن ابن عباس‏-‏ رضي الله عنهما‏-‏ قال‏:‏ لا تجعلن عرضة يمينك ألا تصنع الخير‏,‏ ولكن كفر عن يمينك واصنع الخير‏.‏
وأضاف‏-‏ رحمه الله‏-‏ قوله‏:‏ ومما يستشهد به لهذا التفسير ما رواه مسلم‏-‏ بإسناده‏-‏ عن أبي هريرة أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ قال‏:‏ من حلف علي يمين فرأي غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه‏,‏ وليفعل الذي هو خير وما رواه البخاري‏-‏ بإسناده‏-‏ عن أبي هريرة قال‏:‏ قال رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ والله لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي افترض الله عليه‏.‏
وعلي هذا يكون من معاني قوله‏-‏ تعالي‏-(‏ ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس‏....)(‏ لا تجعلوا الحلف بالله مانعا لكم من عمل البر والتقوي والإصلاح بين الناس‏.‏ فإذا حلفتم ألا تفعلوا وفعلتم‏,‏ أو أن تفعلوا ولم تفعلوا‏,‏ فكفروا عن أيمانكم وأتوا بالخير‏,‏ فتحقيق البر والتقوي والإصلاح بين الناس أولي من مجرد المحافظة علي اليمين‏.‏ ولذلك قال‏-‏ تعالي‏-(‏ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم‏)(‏ التحريم‏:2).‏ ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبي موسي الأشعري‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أنه قال‏:‏ قال رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ إني والله إن شاء الله لا أحلف علي يمين فأري غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها‏.‏
وثبت في الصحيحين أيضا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم‏-‏ قال لعبد الرحمن بن سمرة‏:‏ يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها‏,‏ وإن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها‏,‏ وإذا حلفت علي يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك‏.‏ وعن أبي هريرة‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ قال من حلف علي يمين فرأي غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير‏.(‏رواه مسلم‏).‏
وتعقب الآية الكريمة‏(‏ رقم‏224)‏ من سورة البقرة علي العدول عن اليمين إلي ما فيه البر والخير بقول الحق‏-‏ تبارك وتعالي‏-:(....‏ والله سميع عليم‏)(‏ ليوحي لقارئ القرآن بأن الله‏-‏ تعالي‏-‏ يسمع ما يقال ويعلم موضع الخير كما يعلم نية الحالف بالله‏,‏ وحكم اليمين أن يفعل الحالف المحلوف به فيكون بارا بيمينه‏,‏ فيحنث‏,‏ وتجب الكفارة‏.‏ وتنقسم الأيمان ألي اليمين اللغو‏,‏ واليمين المنعقدة‏,‏ واليمين الغموس‏(‏ الصابرة‏).‏
ومن رحمة الله‏-‏ تعالي‏-‏ بعباده أن ما جري به اللسان عفوا ولغوا من غير قصد‏,‏ فلا كفارة فيه‏,‏ فالله تعالي لم يجعل الكفارة إلا في اليمين المعقودة أي‏:‏ التي يقصد إليها الحالف قصدا‏,‏ وينوي الالتزام بما وراءها مما حلف عليه ثم يحنث في ذلك‏,‏ ولذلك قال‏-‏ تعالي‏-‏ في الآية التالية مباشرة‏:(‏ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم‏)(‏ البقرة‏:225).‏
وقد روي أبو داود‏-‏ بإسناده‏-‏ عن أم المؤمنين السيدة عائشة‏-‏ رضي الله عنها وأرضاها‏-‏ أن رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ قال‏:‏ اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته‏:‏ كلا والله‏,‏ وبلي والله‏,‏ ومن لغو اليمين أن يحلف المرء علي شئ يظن صدقه‏,‏ فيظهر خلاف ذلك فهو من باب الخطأ‏,‏ فلا كفارة فيه‏,‏ ولا مؤاخذة عليه‏.‏ وورد عن ابن عباس‏-‏ رضي الله عنهما‏-‏ قوله‏:‏ لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان كما روي عنه لغو اليمين أن تحرم ما أحل الله‏,‏ فذلك ليس عليك فيه كفارة‏.‏
وعن سعيد بن المسيب‏-‏ رضي الله عنه‏-‏ أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‏-‏ رضي الله عنه وأرضاه‏-‏ قال‏:‏ سمعت رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ يقول‏:‏ لا يمين عليك ولا نذر في معصية الرب عز وجل‏,‏ ولا في قطيعة الرحم‏,‏ ولا فيما لا تملك‏.‏
وخلاصة ذلك أن اليمين التي لا تنعقد النية علي ما وراءها‏,‏ إنما يلغو بها اللسان‏,‏ لا كفارة فيها‏.‏ وأن اليمين التي ينوي الحالف بها الأخذ أو الفعل أو الترك لما حلف عليه هي التي تنعقد‏,‏ وهي التي تستوجب الكفارة عند الحنث بها‏.‏ وأنه يجب الحنث بها إن كان مؤداها الامتناع عن فعل خير أو الإقدام علي فعل شر‏.‏ ولكن إذا حلف الإنسان علي شئ وهو يعلم أنه كاذب اليمين الكاذبة أو الغموس وذلك لكي يهضم بها حقا‏,‏ أو يقصد بها زورا أو غشا أو خيانة فبعض الآراء أنه لا تقوم لهذا اليمين كفارة‏,‏ أي لا يكفر عنه شئ لأنه أعظم من أن يكفر لأنه كبيرة من كبائر الإثم وفي ذلك يقول الإمام مالك‏-‏ رضي الله عنه‏-:‏ أحسن ما سمعت في ذلك أن اللغو حلف الإنسان علي الشئ يستيقن أنه كذلك ثم يوجد بخلافه‏,‏ فلا كفارة فيه‏,‏ والذي يحلف علي الشئ وهو يعلم أنه فيه آثم كاذب ليرضي به أحدا‏,‏ أو يقتطع به مالا‏,‏ فهذا أعظم من أن تكون له كفارة‏.‏ ويسمي ذلك باسم اليمين الغموس أي الذي يغمس صاحبه في النار إن لم يتب قبل موته ورد الحقوق إلي أصحابها إذا كان قد ترتب علي اليمين ضياع هذه الحقوق‏,‏ لأنه لا كفارة فيه علي رأي جمهور الأئمة‏,‏ أو تجب فيه الكفارة علي مذهب الشافعية‏,‏ وفي التحذير من ذلك يقول الحق‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ في محكم كتابه‏:(‏ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم‏)(‏ النحل‏:94).‏
وقال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ خمس ليس لهن كفارة‏:‏ الشرك بالله‏,‏ وقتل النفس بغير حق‏,‏ وبهت مؤمن‏,‏ ويمين صابرة يقطع بها مالا بغير حق‏(‏ أحمد‏).‏
وقال‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-:‏ من حلف علي يمين مصبورة كاذبا فليتبوأ بوجهه مقعده من النار‏(‏ أبو داود‏).‏
وتختتم الآية رقم‏(225)‏ من سورة البقرة بعد الحكم علي كل من اليمين اللغو واليمين المعقودة التي ينويها القلب بقول ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-:(‏ والله غفور حليم‏)‏ ليؤكد علي حلم الله‏-‏ تعالي‏-‏ عن مؤاخذة عباده علي ما يتلفظون به من لغو الحديث‏,‏ وعلي مغفرته‏-‏ سبحانه وتعالي للتائبين من عباده عما تلفظوا به من أيمان حنثوا فيها‏,‏ ولذلك تأثم بها قلوبهم إلا أن يستغفروا ربهم ويتوبوا إليه متابا صحيحا‏.‏ فالله‏-‏ تعالي‏-‏ لا يحاسب عباده بما يجري علي ألسنتهم من ذكر اسمه العظيم من غير قصد بالحلف‏,‏ ولكن يحاسبهم بما قصدت قلوبهم إليه‏,‏ والله واسع المغفرة‏,‏ حليم لا يعاجل عباده بالعقوبة‏.‏
والآيتان الكريمتان‏(225,224)‏ من سورة البقرة توجهان جميع المسلمين إلي ضرورة ترك الحلف بالله اعتقادا بأن الله‏-‏ تعالي‏-‏ هو رب كل شئ ومليكه‏,‏ خالقه وحافظه‏,‏ ومدبر أمره‏,‏ وبالتالي فإن اسمه العظيم أجل من أن يقسم به علي شئ من مطالب الدنيا الفانية‏,‏ وإن حدث ذلك في أمر يصرف عن البر أو التقوي أو الإصلاح بين الناس فالحنث في اليمين واجب مع الكفارة‏,‏ لأنه لا يجوز أن يكون اليمين مانعا من عمل الخير أو دفع الشر‏.‏ والله‏-‏ تعالي‏-‏ من رحمته بعباده لا يحاسبهم علي اللغو في أيمانهم‏(‏ واللغو من الكلام هو ما لا يعتد به فلا إثم فيه ولا كفارة‏)‏ ولكن يحاسبهم علي ما رسموه وقصدوا إليه بتخطيط وروية‏,‏ وما أدركت قلوبهم وعقولهم أنه خطأ لا يرضاه الله ورسوله‏,‏ وعلي الرغم من ذلك عقدوا عليه الأيمان ولم يفعلوه‏.‏
وفي تعريف اللغو في اليمين قيل هو ما يجري علي اللسان من غير قصد الحلف‏,‏ أو أن يحلف علي شئ يظنه كما يعتقد فيكون بخلافه‏,‏ فلا كفارة فيه‏.‏ فالله‏-‏ تعالي‏-‏ من رحمته بعباده لا يؤخاذهم علي ما صدر منهم من أيمان لاغية‏(‏ أي غير مقصودة‏).‏
وتتضح أوجه الإعجاز التشريعي في النهي عن كثرة الحلف بالله‏-‏ تعالي‏-‏ في النقاط التالية‏:‏
‏(1)‏ أن كثرة الحلف بالله في التعاملات بين الناس تطلق اللسان بهذا اليمين المقدس في كل مناسبة حتي لا يبقي له في قلب الحلاف وقع ولا خشية‏.‏
‏(2)‏ إن قلة الحلف باسم الله تجعل الإنسان مهيبا‏,‏ مصدقا‏,‏ موثوقا به جليل القدر في أوساط الناس‏,‏ وما أحوج المجتمعات الإنسانية إلي أمثال هؤلاء‏.‏ وعلي النقيض من ذلك فإن كثرة الحلف بالله في كل أمر صغير أو كبير تفقد الحلاف ثقة الناس فيه واحترامهم لأقواله‏.‏
‏(3)‏ أن من رحمة الله‏-‏ تعالي‏-‏ بعباده العفو عن اللغو في الحلف بالله عن غير قصد ولا عقد نية‏,‏ أو إذا كان المرء حالفا علي شئ يعتقده مستيقنا أنه كذلك ثم يوجد الأمر بخلافه فهو من أيمان اللغو التي لا كفارة فيها‏,‏ وكذلك لا حنث مع النسيان أو الخطأ أو الإكراه لقول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ أن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
‏(4)‏ أن من أقسم بالله‏-‏ تعالي‏-‏ كاذبا متعمدا مع التوثيق باليمين فقد أوقع نفسه في شرك اليمين الغموس الذي يغمس صاحبه في النار إذا لم يبادر بالاستغفار والتوبة ورد الحقوق إلي أصحابها إذا كان قد ترتب عليها ضياع تلك الحقوق‏.‏ ولعظم هذه الجريمة لا يري جمهور الفقهاء أنه تقوم له كفارة‏,‏ وإن رأي الشافعية أن الكفارة واجبة فيها‏,‏ وذلك لاعتبارها كبيرة من كبائر الإثم ثم يقول رسول الله‏-‏ صلي الله عليه وسلم‏-‏ الكبائر‏:‏ الإشراك بالله‏,‏ وعقوق الوالدين‏,‏ وقتل النفس‏,‏ ويمين الغموس‏(‏ البخاري‏).‏
‏(5)‏ أن من حلف علي يمين ثم رأي غيرها خيرا منها كفر عن يمينه وفعل الذي هو خير‏,‏ حتي لا يكون اليمين سببا في حجب الخير أو البر أو الإصلاح بين الناس‏.‏
وكفارة اليمين وضحتها الآية رقم‏(89)‏ من سورة المائدة وفيها يقول الحق‏-‏ تبارك وتعالي‏-(‏ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون‏)‏ ومن هنا تتضح ومضة الإعجاز التشريعي في الأمر بالتقليل من القسم باسم الله إجلالا لذاته العلية وخوفا من سوء استخدام ذلك اليمين بقصد أو بغير قصد مما قد يوقع المسلم في حرج شرعي كبير فالحمد لله علي نعمة الإسلام الذي أكرمنا ربنا‏-‏ تبارك وتعالي‏-‏ به وصلي الله وسلم وبارك علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه ودعي بدعوته إلي يوم الدين‏.‏
 

 

المزيد من مقالات د. زغلول النجار<!-- AddThis Button BEGIN <a class="addthis_button" href="http://www.addthis.com/bookmark.php?v=250&pub=xa-4af2888604cdb915"> <img src="images/sharethis999.gif" width="125" height="16" alt="Bookmark and Share" style="border: 0" /></a> <script type="text/javascript" src="http://s7.addthis.com/js/250/addthis_widget.js#pub=xa-4af2888604cdb915"></script> AddThis Button END -->
azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 112 مشاهدة
نشرت فى 11 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,796,287