جارى التحميل
استخدم زر ESC أو رجوع للعودة
المعرفة البالية والمعرفة الحديثة
|
|
03/12/2010 08:59:52 م
|
بقلم : دكتور محمد عهدي فضلي
|
للمعرفة أبعاد كثيرة فيمكن أن تكون ذات بعد فردي وذلك مثل معرفة الطبيب والمهندس والمؤلف والكيميائي والصيدلي وغيرها من التخصصات التي يجيدها الفرد الواحد. وقد تكون المعرفة ذات أبعاد مؤسسية، وذلك مثل الشركات المتخصصة والمصانع والمعاهد والجامعات، فلكل منها دور في إنتاج أو تعليم أو بحث ما تحتاج إليه أو ما يحتاجه المجتمع أو الاقتصاد أو الأمن من معارف. ولقد سهل الإنترنت عملية التواصل مع المعرفة وصناعه علي مستوي الفرد والجماعة وكذلك علي مستوي المؤسسات. كما أن الإعلام بجميع قطاعاته ووسائله، مدعوم بتطور قطاع الاتصالات، أصبح له دور فعال في تعزيز ونشر المعرفة واكتسابها. وقد أدي تضافر تلك الوسائل الحديثة وسهولة استخدامها إلي توسيع عمق ثقافة المعرفة وولد رغبة عارمة في الاستفادة من مخرجاتها. وفي الحقيقة فإننا اليوم ننعم باستخدام كثير من مخارج المعرفة وتطبيقاتها دون أن نكون مشاركين في انتاجها مما جعل من دول العالم الثالث سوقا استهلاكية لمنتجات العالم الأول ومعارفه، وللأسف فإن تلك الفجوة المعرفية تزداد اتساعا مع بزوغ فجر كل يوم جديد مع الزيادة المطردة في مقدار المعارف لك أن تعرف أن بعض الباحثين في جامعة كاليفورنيا بيركلي وجدوا أن كمية المعطيات والمعارف المخزنة في شكل مطبوعات أو أفلام أو أقراص ممغنطة أو بصرية بلغت عام ٢٠٠٢ فقط ما يعادل مكتبة الكونجرس الأمريكية وقالوا إنها تعادل كل الكلمات التي نطق بها الإنسان منذ أن وجد علي سطح الأرض. ولكن بالرغم من ذلك تظل المعرفة الإنسانية محدودة رغم اتساعها. وتظل مطلبا دعا الخالق عز وجل إلي الاهتمام به والبحث فيه، فبعد ذلك وقبله يظل »فوق كل ذي علم عليم«. ولكن الحقيقة أن إضافة ومزج المخزون الخارجي من المعرفة إلي المخزون الداخلي المتضمن في رؤوس بني آدم هو المسئول عن تفجر المعرفة وهو المسئول عن المحصلة المعرفية والاجمالية التي تشكل خريطة طريق الإنسان. القوي المختلفة تسعي إلي الوصول إلي الهدف المتمثل في تحقيق الثروة المعرفية من خلال تبني سياستين متزامنتين: احداهما تتمثل في توسيع دائرة المعرفة، والأخري تشمل تغيير طريقة تنظيمها وانتاجها وتوزيعها. هذا يعني أن هناك مناهج وطرقا بديلة سوف تحل محل الأساليب القائمة حاليا، وهذا سوف يؤدي إلي الانتقال إلي ما بعد النظام المعرفي القائم حاليا. بالطبع لن يستطيع تحقيق هذا إلا من يملك العقول والمؤسسات البحثية والتعليمية القادرة علي تحقيق المنافسة من أجل الوصول إلي ذلك الانجاز. لذا فإن توظيف العقول النيرة واحتضان أصحاب المواهب الفذة والتخلص من الذين يعيقون الحراك المعرفي بتمسكهم بمعارف بالية، ومقولات مثبطة، وسلوكيات مترهلة، وإدارة متقادمة، وفكر متوقف، وتجربة متحجرة، هو المفتاح إلي تحقيق التقدم المعرفي، خاصة إذا ما صاحب ذلك الدعوة إلي التعليم العام والعالي، إلي جانب إنشاء مؤسسات بحثية علي درجة عالية من المهنية والجودة والقدرة علي المنافسة والتقويم الذاتي، الذي يكون صادقا وشفافا تديره إرادة تغيير صادقة. ومن أكبر مسببات تعثر التعليم في أي دولة من الدول هو الحشو والتلقين والبعد عن التطبيق، مما يجعل المتلقي يظل واقفا عند جذع شجرة العلم دون تسلقها واستشراف الأبعاد المحيطة بها، وادراك ما سوف تؤدي إليه براعم نموها وما سوف تؤول إليه ثمارها من فتوحات علمية تسعد بني البشر. والفيصل بين التفوق والاخفاق مسألة إرادة وتربية ونظم وأساليب تعليم وتعلم، وبعد ذلك وقبله تشجيع وتطبيق مع التزام ومنافسة تجعل البقاء للأفضل، وكل ذلك ممكن ومتوافر إذا خلصت النية وصلح العمل. ستظل المعرفة تتغير بسرعة متناهية، ولذلك فإن البدء من حيث انتهي الآخرون جعل ذلك مقرونا بتجديد وتحديث أساليب التعليم، واستمرار التدريب والتعلم علي رأس العمل يعني أن التعلم أصبح اليوم عملية مستمرة وغير مقصورة علي ما تم تعلمه في مراحل التعليم المختلفة. السبب في ذلك أن لكل نوع من المعرفة فترة حياة محددة بعدها تصبح بالية بفضل اكتشاف ما هو أفضل منها. إن المعرفة البالية مازالت تشكل جزءا كبيرا من قاعدة المعرفة عند كل فرد وفي كل عمل ومؤسسة ومجتمع مما يوجب تحديث المعلومات والمعارف عن طريق استمرار التعليم والاطلاع والتدريب لأن تلك الأساليب تسرع عملية الانتقال من المعرفة البالية إلي المعرفة الحديثة، مما يضمن حسن التواصل مع المجتمع المعرفي الحديث ويضمن اتساق معارفه مع الزمن الذي يعيش فيه ويكون صماما لأمنه واستقراره ورفاهيته.
|
مع أطيب الأمنيات بالتوفيق
الدكتورة/سلوى عزازي
ساحة النقاش