د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. حتى أجاهدهم فيك

٣/ ١٢/ ٢٠١٠

أى ناس كانوا؟ وأى دين اعتقدوا؟ وأى رجل أحبوا؟ وكيف تغيرنا من بعدهم، فصرنا خلقاً آخر فى زى ناس، وصار الدين حالة لا حياة، وأصبح حب الرجل الذى هو سيد الرجال- صلى الله عليه وسلم- كلاماً وشعراً ومدحاً، وكل ذلك دعوى بلا دليل، ومعالم ليست على سبيل، فما من سبيل إلى الحب غير العمل، فالله بَرٌّ والأيادى شاهدة، والله رحيم، ومن رحمته أن جعل لنا الليل لنسكن فيه والنهار مبصراً، فرحمة الله عمل، ورحمتنا كلام، وحب هؤلاء الصحابة للنبى- صلى الله عليه وسلم- كان بذلاً للنفس وعطاء للنفيس، وأما حبنا- إلا من رحم الله- فقصائد شعر، وتعبير بسيدنا وقرة أعيننا، وبهجة نفوسنا، وربيع قلوبنا، وغير ذلك فقط، أما أن نطعم مسكيناً ونأسو جرحاً، ونعين ذا حاجة، ونحسن جواراً فلا.

انظر إلى سعد بن معاذ- رضى الله عنه- وقد أصيب فى الله ورسوله بقطع أكْحَلِهِ (عِرْق فى وسط الذراع هو عرق الحياة) قال وهو مشرف على الموت: اللهم فإنى أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقى من حرب قريش شىء، فأبقنى له، حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتى فيها فانفجرت وسال الدم، فمات فيها رضى الله عنه.

رجل ضرب فى الله، فنظر إلى الضربة على أنها شرف ناله، وود أن يموت فيها شهيداً يلقى الله- عز وجل- وهو عنه بسببها راض، وذلك إن كانت الحرب قد وضعت بين رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وبين أعداء دينه، فإن كانت باقية فهو يرجو الحياة لكى يجاهدهم فى الله، لا من أجل مغنم، وشهرة، وشهادة من الناس بالشجاعة والبسالة، فمن قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو فى سبيل الله.

فهل نجد هذا المعنى فينا، أن نتمنى الحياة من أجل أن نجاهد فى الله بأموالنا وأنفسنا، وأن نتمنى الموت فى جرح أصابنا فيه كذلك لننال الشهادة، أما تسمع من ألوف مؤلفة من المسلمين أن الواحد فيهم يتمنى الحياة من أجل أن يجلس على كرسى كبير، وأن يزوج بناته، وأن يحصل على شقة لولده، منتهى آماله أن يرى أولاده قد تخرجوا فى الجامعات، وسكنوا عليا العمارات، وعاشوا فى تبات ونبات وأنجبوا البنين والبنات، عندئذ يقلب كفيه على شفتيه ويقبلهما، ويقول: أموت الآن وأنا مستريح، ويمكن أن يكون ذلك على منوال سعد بن معاذ إن كان يرى أن فى ذلك عوناً لهم على إقامة الدين، والعيش على صراط مستقيم، بحيث يكونون امتداداً له فى عباة الله- عز وجل- ونصرة دينه، ولم يكن له طاقة بعمل المزيد.

ناهيك بمن يتمنى الحياة من أجل أن يرى فى عدوه يوماً، أى من أجل أن يشمت بمن غاظه، أو ظلمه، وقد أوذى بلال بن رباح- رضى الله عنه- أيما أذى من كفار قريش، وكان بعد الهجرة الغراء يصعد فوق سطح منزل من منازل الأنصار ليؤذن للفجر، فكان يجلس حتى يراه فى الأفق غير المغيم بضباب، وعادم سيارات واختلاط أضواء، وفى تلك الساعة المبكرة، كان يدعو قائلاً «اللهم اهد قريشا»، يكررها وهو جالس فى الغسق، يدعو رب الفلق، أن يشرح صدور الذين آذوه إلى الإسلام، فمثل بلال بن رباح فى زماننا معدوم إلاّ الذى لم أره ولعله موجود، يرجو الحياة لكى تقر عينه بتوبة عاص، وهداية ضال، وعودة آبق، ورؤية مشهد من مشاهد الجمال فوق الأرض الدميمة، التى ما خلقها الله - تعالى - دميمة وإنما خلقها فى أجمل صورة، وشق فيها الأنهار وسخرها وسخر البحار، وأنبت فيها حدائق ذات بهجة ما كان لنا أن ننبت شجرها ونحن الذين اقتلعنا تلك الأشجار، ولوثنا هذه الأنهار، وأثرنا فى صفاء الكون الغبار، إنه يرجو الحياة ليرى الإصلاح وهو ليس مجرد مشاهد ينتظر المشاهدة، وإنما هو عامل من أجل ذلك الإصلاح، ناهض مع الناهضين، عندئذ يكون رجاء الحياه صحة، فإن كان من أجل التشفى فى الآخرين وأكل لقمتين، وشرب كأسين فذلك عين العمى، والإسلام يعالج العمى.

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 30/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
10 تصويتات / 151 مشاهدة
نشرت فى 3 ديسمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,791,834