د. مبروك عطية يكتب: الإسلام وعلاج العمى .. «فى صلاتهم خاشعون» ١٩/ ١١/ ٢٠١٠ |
ويأتى الحديث القرآنى العظيم عن المؤمنين، حيث قال عز وجل: «قد أفلح المؤمنون. الذين هم فى صلاتهم خاشعون». فجاء التعبير كذلك بـ«فى» فهل شعرت وأنت تصلى أنك فى صلاة، أى صارت الصلاة بالنسبة إليك ظرفاً يحتويك، فإن كنت فى المسجد، فقد صرت فى الصلاة وكأنك لست فى المسجد، إنما أنت فى صلاة مكانها المسجد، أو الجامع يعنى «الكبير»، وإذا كنت فى بيتك فأنت حين تصلى فيه انسلخت منه، ودخلت فى مكان آخر، اسمه الصلاة، فكيف تكون فى الصلاة وعقلك شارد، وفكرك سارب، وقلبك مشغول بغير الصلاة، صحيح أنك قد يعتريك أمر تذكره، فلا تستطيع دفعه، فينسيك فى أى الركعات أنت، ومن رحمة الله بك أن شرع لك سجود السهو، ومن رحمته بك أن عالج لك ذلك، لكنه أحاطك بما يضمن لك تلك الظرفية، فجعل لصلاتك مقدمة هى الوضوء، فأنت تدخل فى صلاتك متوضئاً طاهراً مستريح النفس لنظافة بدنك، وجعلك على قبلة نبيك «فلنولينك قبلة ترضاها» وما يرضى نبيك يرضيك، وما لا يرضيه لا يرضيك، وشتان ما بين وجه يتجه نحو ما يرضيه وبين وجه يتجه نحو ما لا يرضيه، ألست ترى المرء يضطر إلى الذهاب إلى مكان لا يحبه، فإذا به يمضى إليه كأنه مكبل بأغلال، وماض إلى أهوال، بخلاف ما لو اتجه إلى مكان يحبه، فإنه يطير لا يكاد يمشى على الأرض، وإن رأيته يمشى على مهل، فاعلم أن روحه قد سبقت خطاه، وأن قلبه وصل قبل أن يصل بمسعاه. وكذلك القبلة، بمجرد أن يتجه إليها المصلى يستشعر الرضا والأمن، ويستحضر مكانة البيت العتيق «إن أول بيت وضع للناس للذى ببكة مباركاً وهدى للعالمين. فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً». وكذلك من ضمانات الشرع، التى تحقق تلك الظرفية «فى» تكبيرة الإحرام، (الله أكبر)، وهى ركن من أركان الصلاة، فمن المحرم؟ إنه المصلى، أى أنه دخل فى عمل عظيم، ومن شأنه أن يكون مشغولاً به، لا مشغولاً عنه بغيره، ومن تلك الضمانات الشرعية لتحقيق ظرفية الصلاة، أنه شرع للمريض أن يصلى قاعداً أو مضطجعاً، وللمسافر أن يجمع ويقصر، وللإمام أن يخفف، فإن التطويل يذهب بجمال تلك الظرفية، لانشغال من وراء الإمام بالوقت، والحاجة، وغيرهما مما جاء ذكره فى حديث البخارى وغيره «من أم بالناس فليخفف، فإن فيهم المريض والمسافر وذا الحاجة». ومن تلك الضمانات التى أراها تحقق تلك الظرفية حرص الشارع على أن يدخل المكلف فى صلاته وهو غير مشغول، فهو يذر «يترك» البيع، «إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع». وفى الحديث: «إذا حضر العَشاء والعِشاء فقدموا العَشاء»، أى يأخذ المصلى شيئاً من طعامه إن كان فى شدة جوعه، حتى لا ينشغل فى صلاته بطعامه. وكذلك من الضمانات التى تحقق تلك الظرفية «فى»، اختلاف الكيفية، وذلك فى صلاة الخوف، نظراً إلى العدو الذى هو أمام المصلين. وكذلك من الضمانات ألا يكون المصلى مدافعاً الأخبثين، البول، والبراز، وقد اختلفت آراء الفقهاء فى ذلك ما بين مبطل لصلاته وما بين مجيز مع الكراهة، وذلك لأن الذى يدفع الأخبثين لن يتسنى له أن يصلى، وهو يشعر بأنه فى الصلاة، وقد ورد عن النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه قال فى صلاة الظهر «إذا اشتد الحر فأبردوا»، أى تأخروا قليلاً حتى يبرد الجو، فإذا صارت البيوت والمساجد والسيارات مكيفة فأى عذر يحول دون أول الوقت، ثم يبقى بعد ذلك استحضار ثواب المصلين، وأن الواحد فيهم أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد، فما عسى أن يرجو القريب من القريب السميع المجيب، غير الرحمة به فى الدنيا والآخرة |
ساحة النقاش