دخول (( أل )) بمعنى (( الذي )) على الفعل المضارع دراسة نحوية نقدية في معنى الضرورة |
الجمعة, 22 مايو 2009 15:47 |
د . عامر مهدي صالح العلواني قسم اللغة العربية / جامعة الأنبار
بحث منشور في مجلة كلية المعارف الجامعة لسنة 2007 على الرغم من قلَّة الشاهد النحوي في هذه المسألة وعدم انشغال القدماء بالبحث الواسع فيها إلا أنني أردت بحثها ؛ لعدة أسباب ، يمكن إجمالها بالآتي ذكره :
1. تعلُّقِ بعضٍ من المباحث والمسائل على الخلاف والاستشهاد بهذه المسألة ، كما في نقاش علَّة البناء في ظرف الزمان ( الآن ) ، وفي حذف العرب بعضَ الكلمة والاكتفاء بحروفٍ منها ، ومضارعة الفعل المضارع للصفة ، وفي بحث الكلام على الحكاية . 2. ارتباطِ هذا الموضوع في كتب النحو برأي ابن مالك في الضرورة الشعرية ، وأنها ما لا مندوحة للشاعر عنه ، والخلاف مع أبي حيان في تعريفه لها ، ولا يخفى ما لتعريف الضرورة من أهميةٍ بالغةٍ في الدرس النحوي والنقدي سواءً بسواء . 3. ارتباطِ هذه المسألة بمباحث علامات الأسماء الفارقة عن الأفعال والحروف ، ولا جرم أن هذه المباحث وما يتعلق بها من أهم مباحث الدرس النحوي البتة ، كونها الأساس الذي ينبني عليه الفكر الإعرابي . 4. ما ذكره الدكتور عبد المنعم أحمد هريدي من أن لابن مالك رأياً انفرادياً في هذه المسألة خالف فيه النحاة جميعاً . 5. عدمِ جمع شواهد المسألة وتحقيقها ، وهو ما جعل كبار النحاة يجزمون بأن شواهد هذه المسألة لا تتجاوز الشاهد والشاهدين وهو ما جزم البحث بعدم صحته . 6. جرأةِ بعض الكاتبين على النحو العربي والنحاة كما في مقال للمسرحي (فرحان بلبل ) في مجلة الموقف ، فقد قال : (( ولعل أوضح مثل على ذلك مسرحيات (شكسبير) الذي شُغِف به العالمُ والذي روَّج له النقاد الإنكليز لأنه قدَّم شعراً عظيما ً. ثم انجرف النقاد في العالم وراء هذا الترويج ، فبنوا على زياداته واستطالاته أحكاماً نقدية في بناء الشخصيات المسرحية . فكان مثلهم مثل النحاة العرب الذين قرؤوا بيت الفرزدق الشاعر الكبير: ما أنت بالحكم ( الترضى ) حكومتُه ولا الأصيلِ ولا ذي الرأي والجدلِ فأخطأ عامداً لكي يغيظ النحويين في عصره ، وإذا بهم يستنبطون من الخطأ قاعدة نحوية تقول : إن (ألـ) يمكن أن تكون اسماً موصولاً فكأنها ( الذي ) أو ( التي ) . وحجتُهم في ذلك أنه شاعر كبير . واعتمدوا - تقويةً لقاعدتهم السمجة هذه - على بيتٍ لشويعر ٍمخضرم ٍ مجهولٍ يهجو فيه شخصاً فيقول فيه : يقول الخنا ، وأقبحُ العُجْمِ ناطقاً إلى ربنا صوتُ الحمار اليُجدَّعُ )) ((1 )) .
مواضع دخول اللام (( 2)) :
1. أن تعرِّف الاسم على معنى العهد كقولك جاءني الرجل فإنما تخاطب بهذا من بينك وبينه عهد برجل تشير إليه .. 2. وقد تدخل لتعريف الجنس وذلك أن تدخل على اسم واحد من جنس فتكون تعريفا لجميعه لا لواحد منه بعينه . 3. وقد تدخل لضرب ثالث من التعريف وذلك أن تدخل على نعت مخصوص مقرون بمنعوت ثم لا يطرد إدخالها على من كان بتلك الصفة مطلقا إلا معلقا بما يخرجه عن العموم والأشكال وذلك قولهم المؤمن لكافر والفاسق والمنافق والفاجر ..... . 4. تدخل الألف واللام للتعريف في ضرب رابع وهو أن تدخل على صفات شهر بها قوم حتى صارت تنوب عن أسمائهم ثم غلبت عليهم فعرفوا بها دون أسمائهم كقولهم الفضل والحارث والعباس والقاسم وما أشبه ذلك .. . 5. تدخل الألف واللام للتعريف على ضرب خامس وذلك أن تدخلا على نعت مخصوص وقع لواحد بعينه مشتقا ثم لم يستعمل في جنسه ولا فيما شاركه في تلك الصفة ولا نقل إلى غيره فسمي به وذلك نحو قولهم ..... . 6. وتدخل الألف واللام للتعريف على ضرب سادس وذلك دخولها على بعض الأسماء ثابتة غير منفصلة ولم تسمع قط معراة منها كدخولها على التي والذي واللذين واللتين والذين واللاتي واللائي وما أشبه ذلك فإن إجماع النحويين كلهم على أن الألف واللام في أوائل هذه الأسماء للتعريف ولم تعر قط منها (( 3 )) . والألف واللام لا تدخل على الأفعال لأنه لا تعتورها المعاني التي من أجلها تدخل الألف واللام على الأسماء التي قدمنا شرحها فلما دخلت الألف واللام على الأسماء فارقت شبه الأفعال فاستغني عن التنوين ودلالته فأسقط ((4 )) . (( قال الشاطبي في شرح ألفية ابن مالك : وأمَّا ( ال ) فمختصة بالأسماء على جميع وجوهها : من كونها لتعريف العهد أو الجنسأو زائدة أو موصولة أو غيرذلك من أقسامها ... )) ((5)) ؛ لذلك ذهب البصريون في ( ال ) في ( الآن ) إلى أنها ليست للتعريف و: (( احتجوا بان قالوا إنما قلنا ذلك لأن سبيل الألف واللام أن يدخلا لتعريف الجنس كقوله تعالى ( إن الإنسان لفي خسر ) وكقولهم الرجل خير من المرأة وكقولهم أهلك الناس الدينار والدرهم أو لتعريف العهد كقوله تعالى ( كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول ) أو يدخلا على شيء قد غلب عليه نعته فعرف به كقولك الحارث والعباس والسماك والدبران فلما دخلا هاهنا على غير ما ذكر ودخلت على معنى الإشارة إلى الوقت الحاضر صار معنى قولك الآن كقولك هذا الوقت )) ((6)) ، وهو الأمر الذي جعل النحاة يختلفون فيما ورد السماع به من دخول ( ال ) على الفعل وعلى المضارع منه على جهة الخصوص .
رأي الجمهور (( البصريين ))
رأي البصريين أو الجمهور : عدم جواز وصل (( أل )) بالفعل المضارع ، وما جاء من ذلك فهو محض خطأٍ ((7)) ، وشاذٌ (( 8 )) ، جاء اضطراراً (( 9 )) ، قبيحٌ في نظرهم (( 10 ))، غير جائزٍ (( 11 )) ، لا يقاس عليه (( 12 )) وينبغي الاحتراز عنه (( 13 )) ، وهو عندهم قليلُ في الاستعمال (( 14 )) ، لا يُعتدُّ به (( 15 )) ، ولم يوجد إلا في شعرٍ (( 16 )) وقد ذهب ابن السراج إلى أن الشاعر احتاج إلى رفع القافية فقلب الاسم فعلاً ، وقال عن ذلك : بأنه من أقبح ضرورات الشعر (( 17 )) . على أن هذا غير مطرد ؛ لأنه حصر ذلك في احتياج الشاعر إلى القافية المرفوعة ، وهذا إن صح في موضع القافية فكيف يصح في مثل : ما كاليروح ويغدو لاهياً .... إذ الشاعر هنا غير محتاجٍ إلى رفع القافية ؛ لأن الكلمة وردت هنا في بداية البيت الشعري .ثم إن هذا ليس بفعل الفصيح قال ابن جني عن أحد الأبيات : (( أن الشاعر آثر ارتكاب الضرورة مخافة زحاف الجزء، وليس هذا مذهب الجفاة الفصحاء. قال أبو عثمان في تصريفه: "وأما الجفاة الفصحاء فأنهم لا يبالون كسر البيت مخافة زيغ الإعراب". يعني أبو عثمان بكسر البيت الزحاف لا الكسر الصريح، فأما الكسر البتة فغير جائز على حال فاعرف ذلك )) (( 18 )) . وربما كان الذي حملهم على القول بخطأ هذا الاستعمال وعدم الاعتداد به كونهم عدُّوه شاذاً في القياس والاستعمال ، فقد قال ابن جني : لا يسوغ القياس على الشاذ في القياس والاستعمال ولا رد غيره إليه ولا يحسن أيضا استعماله فيما استعملته فيه إلا على وجه الحكاية ، وأعلم أن الشئ إذا اطرد في الاستعمال وشذ عن القياس فلا بد من اتباع السمع الوارد به فيه نفسه لكنه لا يتخذ أصلا يقاس عليه غيره ألا ترى انك إذا سمعت استحوذ واستصوب أديتهما بحالهما ولم تتجاوز ما ورد به السمع فيهما إلى غيره ألا تراك لا تقول في استقام استقوم ولا في استساغ استسوغ ولا في استباع استبيع ولا في أعاد أعود لو لم تسمع شيئا من ذلك قياسا على قولهم أخوص الرمث ، فإن كان الشئ شاذا في السماع مطردا في القياس تحاميت ما تحامت العرب من ذلك وجريت في نظيره على الواجب في أمثاله ، من ذلك امتناعك من وذر وودع لأنهم لم يقولوهما ولا غرو عليك أن تستعمل نظيرهما نحو وزن ووعد لو لم تسمعهما... (( 19 )) ولا أدري ما الذي حمل الشيخ عبد القاهر الجرجاني على حكاية الإجماع على تخطئة استعمال (( أل )) مع الفعل المضارع في الشعر (( 20 )) ، وهذا مما لم ينعقد الإجماع عليه بالتأكيد .
رأي الكوفيين
لم يقصر الكوفيون دخول ال بمعنى الذي على الفعل المضارع ، بل جوَّزوا دخولها على الفعل الماضي ايضاً ، قال ابن الأنباري في الإنصاف في مسألة القول في علة بناء ( الآن ) : ( ذهب الكوفيون إلى أن الآن مبنى لأن الألف واللام دخلتا على فعل ماض من قولهم آن يئين أي حان وبقي الفعل على فتحته ... فاحتجوا بأن قالوا إنما قلنا ذلك لأن الألف واللام فيه بمعنى الذي ألا ترى أنك إذا قلت : الآن كان كذا ، كان المعنى : الوقت الذي آن كان كذا ، وقد تقام الألف واللام مقام الذي لكثرة الاستعمال طلبا للتخفيف قال الفرزدق : ما أنت بالحكم الترصي حكومته ولا البليغ ولا ذي الرأى والجدل أراد الذي ترضى وقال الآخر : بل القوم الرسول الله فيهم هم أهل الحكومة من قصى وقال الآخر: يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا إلى ربنا صوت الحمار اليجدع ويستخرج اليربوع من نافقائه ومن حجره بالشيحى اليتقصع
أراد الذي يجدع والذي يتقصع فكذلك هاهنا في الآن وبقي الفعل على فتحته كما روى عن النبي أنه نهى عن قيل وقال وهما فعلان ماضيان فأدخل عليهما حرف الخفض وبقاهما على فتحهما وكذلك قولهم من شب إلى دب بالفتح يريدون من أن كان صغيرا إلى أن دب كبيرا فبقوا الفتح فيهما فكذلك هاهنا ) (( 21 )) ، ودخول (( ال )) هنا عندهم جوازاً من غير ضرورةٍ ؛ لذلك قال الأشموني : ( هو مخصوصٌ عند الجمهور بالضرورة ، ومذهب الناظم جوازه في الاختيار وفاقاً لبعض الكوفيين )) (( 22)) ، بيد أنَّ موافقة ابن مالك للكوفيين مسألة فيها كلام ، ففي التصريح أن ما عليه ابن مالك اختيارٌ ثالثٌ في المسألة إذ إنه مع اتفاقه مع الكوفيين بالقول بالجواز اختياراً إلا أنه يقول بقلَّة ذلك فقوله قولٌ ثالثٌ في هذه المسألة ، وحُمِل قول الأشموني بالموافقة على إرادة الموافقة بتجويز الدخول اختيارا لا في القلَّة لعدم قولهم بها (( 23 )) ، بيد أن الصبان ذكر أن ما يظهر له أن البعض المذكور من الكوفيين يقول بالقلَّة أيضاً وإن لم يُصرِّح بها ، إذ يبعد على رأيه غاية البعد أن يقولوا بكثرته اختياراً ، وقال بأنه رأى في كلام الروداني ما يؤيده (( 24 )) ، وهذا نظر دقيق في المسألة إذ يبعد عند من قرأ أقوال العلماء في المسألة أن يتصوَّر من الكوفيين القول بالكثرة وإن جوَّزوا دخولها اختياراً .
رأي الأخفش
يرى الأخفش أن ( أل ) هنا اسمٌ موصول بمعنى ( الذي ) (( 25 )) ، وهذا عنده غير مختصٍّ بالشعر (( 26 )) ، يقول : : ( أراد الذي يجدع كما تقول : هو اليضربك ، تريد : الذي يضربك ) (( 27 )) ، ورأي الأخفش هذا وكلامه قريبٌ جداً لما ورد عن ( أبي زيد ) : ( قال الأزهري : ومن اللامات ما روى ابن هانئ عن أبي زيد يقال : اليضربك ورأيت اليضربك ، يريد : الذي يضربك ، وهذا الوَضَعَ الشعرَ ، ويريد الذي وَضَعَ الشعرَ ...) (( 28 ))، وبهذا يكون رأي الأخفش أقرب إلى رأي الكوفيين من رأي ابن مالك في حال عدم قصدهم للقلَّة ؛ لأنه لا يرى اختصاص ذلك بالشعر كما نقل البغدادي في الخزانة لا كما ذكر ابن هشام في المغني . ويبدو أنَّ الشيخ ( محمد محيي الدين عبد الحميد ) قد وقَف على رأيٍ للأخفش يقول فيه : إن ( أل ) هذه هي للتعريف ، كما يفهم من هامشه على الأشموني إذ قال : ( ولأن ( أل ) لو كانت حرف تعريفٍ كما ذهب إليه الأخفش ) (( 29 )) ، وهذا الرأي مردودٌ بما سبق نقله من رأي الأخفش نفسه في هذه المسألة وقوله إن ( أل ) هنا اسمٌ موصول بمعنى ( الذي ) كما تقدَّم ، بل ثبت إن الأخفش نفى مثل هذا القول : ( قال الأخفش : هي موصولةٌ وليست للتعريف ؛ لأنها لما كانت بمعنى ( الذي ) وُصِلَت بصلتها ) (( 30 )) ، وهو الصحيح ؛ ( لأن ( أل ) لو كانت حرف تعريفٍ كما نُقِلَ عن الأخفش لما أمكن اعتباره في هذا البيت ، فإن التعريف لا يدخل إلا على الأسماء النكرات لتعريفها ) (( 31 )) ، واستدلَّ ابن هشام على أنها ليست حرف تعريفٍ بكونها ربما وُصِلت بظرفٍ أو جملةٍ اسميةٍ أو فعليةٍ فعلها مضارع .. (( 32 )) ، وقد قصَّر الشيخ ( محمد محيي الدين رحمه الله ) إذ لم يذكر المصدر الذي اعتمده في نسبة هذا الرأي للأخفش ، ولم يذكر الأستاذ عبد الأمير الورد هذا الرأي وقوله بعدم الاختصاص بالشعر في كتابه ( منهج الأخفش الأوسط في الدراسة النحوية ) ، ولا سيما وأنه قد عقد فصلاً بعنوان ( اضطراب آرائه وورود أكثر من رأيٍ واحدٍ له في المسألة الواحده ) (( 33 )) ، وقد كان الأخفش رحمه الله من أكثر النحاة ( اضطراباً في الرأي وأطلقهم لرأيين أو أكثر في مسألةٍ واحدةٍ ) (( 34 )) ، وإن كان الأستاذ الورد قد ذكر قوله في تعريف ( أل ) الداخلة على اسم الفاعل والمفعول (( 35 )) ، غير أنه أغفل ، إن كان هناك رأيٌ له في ( ال ) الداخلة على الفعل المضارع كما ذكر الشيخ ( محمد محيي الدين عبد الحميد ) . والذي وجدته فيما يخصُّ القول السابق قول ابن جني : ( واعلم أن لام المعرفة قد أدخلت في بعض المواضع على الفعل المضارع ؛ لمضارعة اللام لـ ( الذي ) ، قرأت على أبي علي في نوادر أبي زيد : فيستخرج اليربوع من نافقائه ومن بيته ذي الشيحة اليتقصع أي : الذي يتقصع فيه . يقول الخنا وأبغض العجم ناطقا إلى ربه صوت الحمار اليجدع أي : الذي يجدع ، وحكى الفراء أن رجلا أقبل فقال آخر : ها هو ذا ، فقال السامع : نِعْمَ الها هو ذا ، فأدخل اللام على الجملة المركبة من المبتدأ والخبر تشبيها لها بالجملة المركبة من الفعل والفاعل ) (( 36 )) ، بيد أني لم أجد للأخفش على طول بحثٍ مثل هذا القول .
رأي ابن مالك
ذهب ابن مالك إلى عدم اختصاص الالف واللام بالاسم إذ قد تدخلان بمعنى الذي على الفعل المضارع كقول الشاعر :
ما أنت بالحكم الترضى حكومته ... (( 37 )) وقال في ألفيته : وكونها بمعرب الأفعال قلْ وصفةٌ صريحةٌ صلةُ أل ْ(( 38 ))
وقال : ( وقد وُصِلت بالفعل المضارع .... كقوله : .... صوت الحمار اليجدعُ ، وليس هذا بفعل مضطر بل فعل مختار ... وإلى هذا أشرت بقولي : .... ومن رأى اطرادَ مثل ذا فما وهن ، أي : فما ضعف رأيهُ ) (( 39 )) ، وقد نقل رأيه هذا جمهرة من النحاة (( 40 )) ، وقد جوَّز ابن مالك وصلها بالمضارع تشبيهاً له بالصفة لأنه مثلها (( 41 )) ، ووصلُها عنده : اختياراً (( 42 )) ، قال ابن عقيل : ( زعم المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يختصُّ به ( أي : الشعر ) بل يجوز في الاختيار ) (( 43 )) ، وقال الدماميني في حديثه عن الأخفش وابن مالك : ( ولم يقصرا ذلك على الشعر ) ثم قال : ( إنهما أجازا دخول أل الاسمية في السعة على المضارع ) (( 44 )) ، وهذا كله مما يناقض ما صرَّح به ابن مالك نفسه إذ قال : ( ولم يقع ذلك إلا في شعر ٍ ) (( 45 )) ، ويمكن رفع هذا التناقض بين القولين وكلاها لابن مالك بالقول : إن ابن مالك كان يقول باختصاص ذلك بالشعر وأنه تراجع عن ذلك مجوِّزاً وروده في غيره ؛ لأن القول بانحصاره في الشعر ثابت عنه في شرح الكافية الشافية وهو من كتبه والقول ثابت عنه في بقية كتبه التي تلت شرح الكافية في تأليف ابن مالك لها ، بل موجود في شرح عمدة الحافظ وهو آخر تآليف ابن مالك ، وبما أكده ابن عقيل حين قال : ( زعم المصنف في غير هذا الكتاب أنه لا يختصُّ به بل يجوز في الاختيار ) ، ومما يحسم القول بما قلنا قول ابن هشام : (والجميع خاصٌّ بالشعر خلافاً للأخفش وابن مالك في الأخير ) (( 46 )) ، فقوله ( وابن مالك في الأخير ) دلالةٌ على تقدُّمِ قولٍ آخر لابن مالك غيَّره فيما بعد ، كما اتفقت عليه كتب النحو المتأخره في النقل عنه ، وهو يجوِّز دخول (ال ) على المضارع بلا ضرورة (( 47 )) ، أو شذوذ وإن حكم بقلته (( 48 )) ، بيد أن ابن عقيل عدَّ مفهوم القلة الذي قال به ابن مالك شذوذاً فقال : ( وقد شذَّ وصل الألف واللام بالفعل المضارع وإليه أشار بقوله : وكونها بمعرب الأفعال قلّ ْ ) (( 49 )) ؛ وهذا غير صحيح لأن القلة لا تعني بالضرورة الشذوذ ؛ لأن الكلام في الإطراد والشذوذ كما يقول ابن جني على أربعة أضرب : مطرد في القياس والاستعمال جميعا نحو قام زيد وضربت عمرا ومررت بسعيد ، ومطرد في القياس شاذ في الاستعمال نحو الماضي من يذر ويذع ويدع .... والثالث : المطرد في الاستعمال الشاذ في القياس نحو قولهم أخوص الرمث واستصوبت الأمر .. والرابع : الشاذ في القياس والاستعمال جميعا وهو كتتميم مفعول فيما عينه واو نحو ثوب مصوون ومسك مدووف (( 50 )) ، فضلاً عن أنَّ ابن مالك نفى الاضطرار والشذوذ مع إثباته للقله كما في ما ذكِرَ من مصادرٍ سبقت ، وابن مالك يجوِّز القياس على ما ورد من ذلك بدلالة قوله : ومن رأى اطِّراد مثل ذا فما وهَن .. ؛ لذلك قال ابن هشام : ( ولا يقاس على .. ما أنت بالحكم ... خلافاً لابن مالك ) (( 51 )) ، ويمكن موافقة الدكتور هريدي في زعمه انفراد ابن مالك بهذا القول ؛ إذ إنه خالف البصريين بالقول بالجواز ووافق في ذلك الكوفيين والأخفش ، غير أنه يخالفهما بالقول بالقلة ، إذ إنه حكم بالقلَّة وقصر ذلك على الشعر فقط كما في ظاهر النصوص المنقولة . غير أني أرى أن ابن مالك في هذا الرأي موافقٌ للكوفيين الذين ذهبوا إلى الجواز ، فالظاهر أنهم يقولون بالقلَّة مثل ابن مالك ، وقد صرَّح بذلك الصبان ناقلاً ذلك عن الروداني كما سبق (( 52 )) ، فتبقى مسألة انفراد ابن مالك بهذا الرأي متعلِّقةٌ برأي هؤلاء الكوفيين ، أما ما ذكره الدكتور عبد الأمير الورد من إن ابن مالك قد أخذ هذا الرأي من الأخفش (( 53 )) فقد بينت خطأه سابقاً ، وقد ذكر الاستاذ أحمد تيمور باشا موافقة ابن مالك للكوفيين (( 54 )) .
وقيل : إنها بقية الذي
ومن العلماء من يرى أن (( أل )) هذه هي بقية الذي نفسها ولم تنب عنها ، وإنما هي بقيتها بعد أن حُذِفَت الذال والياء وإحدى اللامين منها وبقيت الألف واللام (( 55 )) ، والحذف عندهم ضرورةٌ (( 56 )) ، وقد تصدَّى الشنقيطي لهذا الرأي وردَّه محتجَّـاً : ( أنها لو كانت كذلك لجاز أن يقع في صلتها الماضي كما جاز في صلة الذي ، فلما اختصت بالفعل المشبه للوصف وهو الفعل المضارع دلَّ على إبهامه ) (( 57 )) ، وردَّ محمد محيي الدين عبد الحميد بمثل هذا الرد فقال : ( لو كان صحيحاً لوصِلت (ال ) بكل ما يوصل به ( الذي ) ومن ذلك الفعل الماضي ، ولم يُسمع ذلك عنهم ولا على سبيل الشذوذ ، فدلَّ ذلك على أن ( أل ) ليست هي ( الذي ) وهذا ظاهرٌ إن شاء الله ) (( 58 )) ، أما قولهما - الشنقيطي ومحيي الدين ـ بأنهما لما يسمعا وصلها بالماضي ولا على سبيل الشذوذ فهذا مر دودٌ بنقل ابن منظور ذلك عن الأزهري : ( ومن اللامات ما روى ابن هانئ عن أبي زيد قال ...: وهذا الوَضَع الشعرَ ، ويريد : الذي وضع الشعر ... ) (( 59 )) ، وكذلك ما نقله الشيخ خالد الأزهري : ( وأما (( أل )) لاستفهامية فقد تدخل على الفعل الماضي نحو : الفعلت ؟ بمعنى : هل فعلت ؟ حكاه قطرب العلامة ) (( 60 )) ، وبذلك يُعلَم أن (( ال )) قد سُمِعَ وصلُها بالماضي ، ولعل مما يقوي هذا الرأي أن (( الذي )) جاءت قد حذفت العرب بعضَها وعلى أشكالٍ مختلفةٍ وليست (( الذي )) وحدها بل غيرها أيضاً من الموصولات وأسماء الإشارة .... الخ مما سنعرض بعضاً منه توضيحاً بأنَّ العرب قد تحذف بعض الكلمة وتبقي بعضاً منها دلالةً على الأصل واكتفاءً بالباقي ولا سيما في الشعر : ( فـ ( الذي ) .. فيه للعرب لغات : منهم من يقول : اللذْ بتسكين الذال ، وقال : فظلْتُ في شرٍ من اللذْ كيدا كاللذْ تزبَّى زُبيةً فصطيدا (( 61 )) وقال الآخر : اللذْ بأسفله ِ صحراءُ واسعةٌ واللذْ بأعلاه سيلٌ مدَّه الجُرُفُ (( 62 )) ومنهم من يقول : الَّذِ بكسر الذال وبغير ياءٍ ، قال الراجز : والَّذِ لو شاء لكانت برَّا أو جبلاً أصمَّ مشمخرَّا (( 63 )) ) (( 64 )) فإذا كانوا قد حذفوا بعضاً من الذي وجعلوها ( اللذْ ) و ( الذِ ) فلا يبعد أن يقولوا ( أل ) بحذف الذال عن اللغة الأخيرة ما داموا قد حذفوا بعضها قبلاً ، وهذا الحذف ليس مقتصِراً على الذي ، بل نراه كذلك في ( التي ) ، فقد وردت ( اللتْ ) ، وقيل في ( اللذان ) اللذا وفي ( أنا ) أنَ ، وبعض العرب يقول فيه ( أنْ ) ، وفي ( هوَ ) هوْ ، بل وحذفوا الواو وأبقوا الهاء فقط (( 65 )) وفي ( هيَ ) هيْ بالإسكان تخفيفاً (( 66 )) ، وهذه لغات وردت عن بعض العرب في هذه الألفاظ فلا يبعد أن تكون ( أل ) هذه لغة لبعض العرب (( 67 )) ، يؤيد ذلك ما جاء تهذيب اللغة ( .. في الكلام ...... اليتتبعُ ، فإنه أراد : ذحل الذي يتتبعُ ، فطرح الذي وأقام الألف واللام مقامه ، وهي لغة لبعض العرب ) ، ومن أثبت حجة على من لم يثبت .
وقيل : إنها على جهة الاختصاص بالحكاية
قال ابن منظور : ( ... من ذلك قول الفرزدق: ما أَنْتَ بالحَكَمِ التُرْضى حُكومَتُهُ ولا الأَصيلِ ولا ذي الرأْي والجَدَلِ فأَدخل الأَلف واللام على تُرْضى، وهو فعل مستقبل على جهة الاختصاص بالحكاية ؛ وأَنشد الفراء: أَخفن أَطناني إِن شكين وإِنني لفي شُغْلٍ عن دَحْليَ اليَتَتَبَّعُ فأَدخل الأَلف واللام على يتتبع، وهو فعل مستقبل لما وصفنا ) (( 68 )) ، وقال : ( وقال ابن الأنباري: العرب تُدْخِل الألف واللام على الفِعْل المستقبل على جهة الاختصاص والحكاية ؛ وأنشد للفرزدق:
ما أَنتَ بالحَكَمِ التُّرْضَى حْكُومَتُه، ولا الأَصِيلِ، ولا ذِي الرَّأْي والجَدَلِ وأَنشد أَيضاً: أَخفِنَ اطِّنائي إن سكتُّ، وإنني لفي شغل عن ذحلها اليُتَتَبَّع ) (( 69 ))
وجاء في المحكم : ( .. أدخل اللام على الفعل المضارع ، لمضارعة اللام للذي. وهذا كما حكاه الفراء، من أن رجلا أقبل، فقال آخر: هاهو ذا فقال السامع: نِعْم الها هو ذا فأدخل اللام على الجملة من المبتدأ والخبر، تشبيها لها بالجملة المركبة من الفعل والفاعل ) (( 70 )) ، قال ابن الأنباري : (( أراد الذي يجدع والذي يتقصع فكذلك هاهنا في ( الآن ) وبقي الفعل على فتحته كما روى عن النبي أنه نهى عن قيل وقال وهما فعلان ماضيان فأدخل عليهما حرف الخفض وبقاهما على فتحهما ، وكذلك قولهم من شب إلى دب بالفتح )) (( 71 )) ، غير أن ابن الأنباري اعترض عن تشبيه دخول ( ال ) على المضارع وعلى الماضي في ( الان ) بدخول حرف الجر على الفعل وعدُّهما حكايةً بقوله : (( وأما ما شبهوه به من نهيه عن قيل وقال فليس بمشبه له لأنه حكاية والحكايات تدخل عليها العوامل فتحكى ولا تدخل عليها الألف واللام لأن العوامل لا تغير معاني ما تدخل عليه كتغير الألف واللام ألا ترى أنك تقول ذهب تأبط شرل وذري حبا وبرق نحره ورأيت تأبط شرا وذري حبا وبرق نرحه ومررت بتأبط شرا وذري حبا وبرق نحره ولا تقول هذا التأبط شرا ولا الذري حبا ولا البرق نحره وما أشبه )) (( 72 )) ، ونقل عنه ابن منظور أنه ( قال : ودخولها على المَحْكِيَّات لا يُقاس عليه ) (( 73 )) . وقد قال ابن جني : لا يسوغ القياس على الشاذ في القياس والاستعمال ولا رد غيره إليه ولا يحسن أيضا استعماله فيما استعملته فيه إلا على وجه الحكاية (( 74 )) . وقيل : إنها زائدة
وقيل (( ال )) في قوله : صوت الحمار اليجدعُ ، زائدة والجملة صفةٌ الحمار أو حالٌ منه ؛ لأنَّ( ال ) في ( الحمار ) جنسيةٌ ، وهذا لا يتماشى مع أخواته (( 75 )) . وهذا القول قريبٌ من قول الكسائي بزيادة ( ال ) في قول الشاعر : وغيرني ما قال قيساً ومالكاً وعمراً وحجراً وبالمشقر المعا (( يريد الذين معاً ، وقال الكسائي : أراد معاً ، و( ال ) زائدة )) (( 76 )) .
شواهد أل
1. ما كاليروح ويغدو لاهياً فَرِحاً مشمِّراً يستديم العزمَ ذو رشدِ ينسب هذا البيت للوأواء ، وهو من بحر البسيط ..(( 77 )) . 2. يقول الخنا وأبغضُ العُجْم (( 78 )) ناطقاً إلى ربِّنا صوتُ الحمار اليجدعُ (( 79 )) قالَ الجَوْهَرِيّ: وأَمّا قَوْلُ ذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيّ (( 80 )) : أَتانِي كَلامُ الثَّعْلَبِيِّ ابنِ دَيْسَقٍ ففِي أَيِّ هذَا - وَيْلَهُ - يَتَتَرَّعُ يَقُولُ الخَنَا، وأَبْغَضُ العُجْمِ نَاطِقاً إِلَى رَبِّنَا صَوْتُ الحِمارِ اليُجَدَّعُ ... قُلْتُ: هذانِ البَيْتانِ أَنْشَدَهُمَا أَبُو زَيْدٍ في نَوَادِرِه هكَذَا لِذِي الخِرَقِ الطُّهَوِيّ عَلَى طارِق بنِ دَيْسَقٍ. وقالَ ابْنُ بَرِّيّ: لَيْسَ بَيْتُ ذي الخِرَق هذا مِنْ أَبْيَاتِ الكِتَابِ كَما ذَكَرَ الجَوْهَرِيّ، وإِنّما هُوَ في نَوَادِرِ أَبِي زَيْدٍ. قالَ الصّاغَانِيّ: ولَمْ أَجِدِ البَيْتَ الثَّانِي في شِعْرِ ذِي الخِرَقِ، وقَدْ قَرَأْتُ شِعْرَه فِي أَشْعَارِ بَنِي طُهِيَّةَ بِنْتِ عُمَيْرِ ابنِ سَعْد، وها أَنَا أَسُوقُ القِطْعَةَ بِكَمَالِهَا، وهي: أَتانِي كَلامُ الثَّعْلَبِيِّ ابنِ دَيْسَقٍ ففِي أَيِّ هذَا - وَيْلَهُ - يَتَتَرَّعُ فَهَلاَّ تَمَنَّاها إِذِ الحَرْبُ لاقِحٌ وذُو النَّبَوانِ قَبْرُه يَتَصَدَّعُ فَيَأَتِيكَ حَيّاً دارِم وهُمَا مَعاً ويَأْتِيكَ أَلْفٌ من طُهَيَّةَ أَقْرَعُ فيَسْتَخْرِجُ اليَرْبُوعَ مِنْ نافِقائِهِ ومِنْ جُحْرِهِ ذُو الشِّيحَةِ اليُتَقَصَّعُ ونَحْنُ أَخَذْنا - قَدْ عَلِمْتُمْ - أَسِيرَكُم يَساراً، فيُحْذَى مِنْ يَسَارٍ، ويُنْقَعُ ونَحْنُ حَبَسْنَا الدُّهْمَ وَسْطَ بُيُوتِكِمْ فلَمْ يَقْرَبُوها والرِّمَاحُ تَزَعْزَعُ ونَحْنُ ضَرَبْنا فارِسَ الخَيْرِ مِنْكُمُ فَظَلَّ وأَضْحَى ذُو الفَقَارِ - يُكَرَّعُ ) (( 81 )) وقوله "يقول الخنى.." البيت، قال الجوهري وتبعه الصاغاني: "هذا من أبيات الكتاب" وهذا لا أصل له. وقد تصفحت شواهد سيبويه في عدة نسخ ولم أجده فيها. قال الصاغاني: لم أجد هذا البيت في شعر ذي الخرق، وقد قرأت شعره في أشعار بني طهية. وساق له أبياتاً سبعة لم يكن هذا البيت فيها، وذكر له بيتاً بدل ما قبل البيت الأخير، وهو: ونحن حسبنا الدهم وسط بيوتكم فلم تقربوها والرماح تزعزع (( 82 )) 3. فيستخرجُ اليربوع من نفقائهِ ومن حجرهِ بالشيحةِ اليتقطَّعُ (( 83 )) البيت لذي الخرق الطهوي ، وهو من بحر الطويل . ( قال أبو محمد الأسود : ما أكثر ما يصحِّف أبو عبد الله في أبيات المتقدِّمين ، وذلك أنه توهَّم أن ذا الشيحة : موضع يُنْبِت الشيح ، والصحيح : من جحره بالشيخة اليتقصَّع .. بالخاء المعجمة بواحده من فوق ، وهي : رملة بيضاء في بلاد أسد وحنظلة ) (( 84 )) . 4. أحين ((85)) اصطباني ((86)) أن سكتُ ((87)) وأنني لفي شُغُلٍ عن دَحْلِيَ (( 88 )) اليتتبعُ (( 89 )) البيت لسلامان الطائي (( 90 )) . 5. لا تبعثن َ الحربَ إني لك الينذر من نيرانها فاتقِ (( 91 )). البيت لأبي العباس الضبي وهو من بحر السريع . 6. وليس اليرى للخلِّ مثل الذي يرى له الخلُّ أهلاً أن يُعَدَّ خليلا (( 92 )) من بحر الطويل . 7. فذو المال يؤتي ماله دون عرضه لما نابه والطارق اليتعملُ (( 93 )) 8. ما أنت بالحكم الترضى حكومتُهُ ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدلِ (( 94 ))
البيت للفرزدق (( 95 )) ، من أبيات قالها في هجاء رجل من بني عذرة كان قد فضل جريراً عليه . والحكم: الذي يحكّمه الخصمان ليفصل بينهما. والأصيل: الحسيب. والجدل: شدة الخصومة والقدرة على غلبة الخصم.، وهو من البسيط . ومما تقدّم يظهر أن ما ذكره أبو علي الفارسي ليس بالصحيح في عدد أبيات هذه المسألة ، إذ قال : ( ولم يوجد ذلك إلا في شعرٍ أنشده ( أبو زيد ) وهو : يقول الخنا ... ، وفي : ...... اليتقصَّعُ ، وأظنُّ حرفاً أو حرفين آخرين ) (( 96 )) فعدد الأبيات عند أبي علي الفارسي أربعةٌ فقط ، بيد أننا نرى أن أبا حيان يحكم بأن ذلك منحصِرٌ في بيتٍ واحد يقول : ( ولم يوجد ذلك إلا في شعرٍ أنشده أبو زيدٍ ، وهو : يقول الخنا ..... اليجدعُ ) (( 97 )) .
خلاصة البحث
يمكن القول : إن الخلاف في هذه المسألة قديماً وحديثاً إنما يعود في أساسه إلى الاختلاف في تعريف الضرورة .. فالجمهور يرى دخول ال ضرورة غير أن ابن مالك ولأنه يختلف معهم في تعريف الضرورة يرى أنها ليست كذلك ، فالضرورة عنده : ما يضطر الشاعر إليه ولم يجد عنه مخلصاً (( 98 )) ، فالشاعر عنده هنا متمكنٌ من أن يقول : ما أنت بالحكم المرضي حكومته (( 99 )) ، والتمكن من قول هذا حجةُ من وافق ابن مالك في رأيه قديماً وحديثاً محتجين بأن رأي سيبويه في الضرورة قريبٌ مما ذهبوا إليه ، فهو لا يرى الضرورة إلا ما لم يكن للشاعر عنه مندوحةٌ في إقامة الوزن وإصلاح القافية (( 100 )) ، قال البغدادي : ( وظاهر كلام سيبويه أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه فسحة ) (( 101 )) ، ونقل ايضاً عن ابن خلف قوله : ( وقال ابن خلف: هذا البيت أنشده سيبويه في باب الضرورات، وليس يجب أن يكون من باب الضرورات، لأنه لو أنشد بحذف الياء لم ينكسر، وإنما موضع الضرورة ما لا يجد الشاعر منه بداً في إثباته، ولا يقدر على حذفه لئلا ينكسر الشعر.... ولا يخفى أن ما فسر به الضرورة مذهبٌ مرجوح مردود. والتحقيق عند المحققين: أنها ما وقع في الشعر، سواءٌ كان للشاعر عنه مندوحةٌ أم لا ) (( 102 )) ، وقد نقل مثل ذلك عن ابن الملا إذ قال : (وقوله: أصابهم الحما، بكسر الحاء أصله: الحمام، وهو الموت، حذف منه الميم للضرورة ، وهي ما وقع في الشعر، وإن كان عنه مندوحة. وهذا هو الصحيح في تفسير الضرورة، فلا يرد قول ابن الملا: ولك أن تقول: أين الضرورة، وهو متمكن من أن يقول: أصابهم الحمام .. ) (( 103 )) ، واتهم أبو حيَّان ابنَ مالك بعدم فهم الضرورة وكلامِ النحاة فيها ،وقد حكم البغدادي بفساد قول ابن مالك محتجاً لذلك بقوله : ( أقول: هذا مبني على أن معنى الضرورة عند هذا القائل ما ليس للشاعر عنه مندوحة ، وهو فاسد كما يأتي بيانه.والصحيح تفسيرها بما وقع في الشعر دون النثر سواء كان عنده مندوحة أو لا .. ) (( 104 )) وحكم ببطلانه بقوله : ( واعلم أن صريح مذهب الشارح المحقق في "الضرورة" هو المذهب الثاني وهو ما وقع في الشعر، وهو مذهب الجمهور. وذهب ابن مالك إلى أنها ما ليس للشاعر عنه مندوحة، فوصل "أل" بالمضارع وغيره عنده جائز اختياراً، لكنه قليل، وقد صرح به في "شرح التسهيل" فقال: وعندي أن مثل هذا غير مخصوص بالضرورة لإمكان أن يقول الشاعر: صوت الحمار يجدع، وما من يرى للخل، والمتقصع، وإذا لم يفعلوا ذلك مع الاستطاعة ففي ذلك إشعار بالاختيار وعدم الاضطرار. وما ذهب إليه باطل من وجوه : أحدها : إجماع النحاة على عدم اعتبار هذا المنزع وعلى إهماله في النظر القياسي جملة. ولو كان معتبراً لنبهوا عليه. الثاني : أن الضرورة عند النحاة ليس معناها أنه لا يمكن في الموضع غير ما ذكر، إذ ما من ضرورة إلا ويمكن أن يعوض من لفظها غيره، ولا ينكر هذا إلا جاحد لضرورة العقل. هذه "الراء" في كلام العرب من الشياع في الاستعمال بمكان لا يجهل، ولا تكاد تنطق بجملتين تعريان عنها، وقد هجرها واصل بن عطاء لمكان لثغته فيها، حتى كان يناظر الخصوم ويخطب على المنبر فلا يسمع في نطقه راء، فكان إحدى الأعاجيب حتى صار مثلاً. ولا مرية في أن اجتناب الضرورة الشعرية أسهل من هذا بكثير وإذا مصل الأمر إلى هذا الحد أدى أن لا ضرورة في شعر عربي. وذلك خلاف الإجماع، وإنما معنى الضرورة أن الشاعر قد لا يخطر بباله إلا لفظه ما تضمنته ضرورة النطق به في ذلك الموضع إلى زيادة أو نقص أو غير ذلك، بحيث قد ينتبه غيره إلى أن يحتال في شيء يزيل تلك الضرورة. direction: rtl; unicode-bidi: embed; text-al نشرت فى 17 نوفمبر 2010
بواسطة azazystudy
الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »
ابحثتسجيل الدخولعدد زيارات الموقع
4,791,954
|
ساحة النقاش