السيد مصطفي أحمد أبو الخير ( الخبير في القانون الدولي )

ولقد حرصت على وضع نظرية الإسلام في الحرب كي يدرك المجتمع الدولي أن الإسلام لم يتأخر في يوم من الأيام عن ركب الحضارة، بل أن أبناء الإسلام هم الذين علموا أوروبا الحضارة والرقي والتقدم، وقد شهد بذلك الأعداء قبل الأصدقاء, ولكن يكفينا شهادة الله ــ سبحانه وتعالى ــ لهذه الأمة حيث قال تعالى في كتابه الكريم (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر)، ووضع فقهاء الإسلام نظرية الحرب في الإسلام نظرية متكاملة بل علم القانون الإنساني الدولي بالكامل، فالفقية محمد أبي الحسن الشيباني أول من وضع قواعد ومبادئ وأحكام هذا العلم في كتابية السير الكبير وكتابه السير الصغير، وتكريما له أنشأت في ألمانيا جمعية تحمل أسمه.
في دراستنا هذه سوف نتناول نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية وفي القانون الدولي المعاصر الوضعي، حيث نركز فيها علي أن هذا القانون متجذر في الإسلام وأن الإسلام أول من نادي به بل وطبقه المسلمون كافة بداية من رسوله الكريم صلي الله عليه وسلم حتي عامتهم، دون تقصير أو انتقاص بل كاملا، لأن تطبيقه في الإسلام عبادة يتقرب بها الإنسان إلي ربه، وتلك عظمة الإسلام، فقد جعل الرحمة والرأفة بالناس كافة مهما خالفوه في العقيدة وحاربوه فيها عبادة يتقرب بها المسلم إلي ربه وتلك عظمة الإسلام.
وفي البند الثاني من الدراسة نلقي الضوء علي أهم الأحكام والقواعد والمبادئ الواردة في القانون الدولي المعاصر، لكي نبين ونوضح الفرق والبون الساشع والأسبقية المطلقة للشريعة الإسلامية في حقوق الإنسان سواء أثناء النازعات المسلحة الدولية أو غير ذات الطابع الدولي، لذلك يتكزن هذا البحث من بندين هما:
الأول: نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية.
الثاني: نظرية الحرب في القانون الدولي المعاصر الوضعي.
      
الأول: نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية
لقد تنبه علماء القانون في الغرب لعظمة الشريعة الإسلامية ومعرفتها الدقيقة بحاجات المجتمعات منذ وقت بعيد وتلبيتها في ذات الوقت، وتوالت كتاباتهم وتعالت صيحاتهم للإشادة بالقوانين المستمدة من الإسلام، فقد تم الاعتراف بالشريعة الإسلامية كمصدر عالمي للتشريع والقانون في عدد من المؤتمرات الدولية العلمية منذ عام (1932م) منها:
1- القانون المقارن الدولي في لاهاي عام 1932م.
2- مؤتمر لاهاي المنعقد في عام 1937م.
3- مؤتمر القانون المقارن في لاهاي 1938م.
4- المؤتمر الدولي عام 1945م بواشنطن.
5- شعبة الحقوق بالمجمع الدولي للقانون المقارن 1951م بباريس.
وقد صدرت عن هذه المؤتمرة قرارات هامة هي:
أ- اعتبار التشريع الإسلامي مصدرًا رابعًا لمقارنة الشرائع.
ب- الشريعة الإسلامية قائمة بذاتها لا تمت إلى القانون الروماني أو إلى أي شريعة أخرى.
ج- صلاحية الفقه الإسلامي لجميع الأزمنة والأمكنة.
د- تمثيل الشريعة الإسلامية في القضاء الدولي ومحكمة العدل الدولية.
وفي مؤتمر لاهاي للقانون المقارن لعام (1932م) أشار الفقيه الفرنسي (لأمبير) إلى ظاهرة التقدير الكبير الذي بدأ يسود بين فقهاء أوروبا وأمريكا في العصر الحاضر فقال: (ولكني لا أرجع إلى الشريعة "يقصد الشريعة الإسلامية" لأثبت صحة ما أقول، ففي هذه الشريعة عناصر لو تولتها يد الصياغة فأحسنت صياغتها، لصنعت منها نظريات ومبادئ لا تقل في الرقي والشمول وفي مسايرة التطور عن أخطر النظريات الفقهية التي تتلقاها عن الفقه الغربي اليوم، وفي مقدمة هذا نظرية التعسف في استعمال ونظرية الظروف الطارئة ونظرية تحمل التبعية ومسئولية عدم التمييز، فإن كل من هذه النظريات أساسًا من الشريعة الإسلامية لا تحتاج إلا إلى الصياغة والبناء)( 1).
وقد أقر جوستاف لبون في كتابه حضارة العرب بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية فقال: (كان تأثير العرب "يقصد المسلمين" في الغرب عظيمًا وإليهم يرجع الفضل في حضارة أوروبا).
إضافة إلى ما سبق فإن هناك فقهاء الغرب أقروا بفضل الإسلام على القانون الدولي العام قواعد وأحكام ومبادئ منهم "فيتو ريا وسو ارس"، والبارون "ميشيل دي توب" أستاذ القانون الدولي بمعهد الدراسات الدولية بلاهاي بهولندا، حيث ذكر الكثير من القواعد والأحكام سبق الإسلام بها القانون الدولي وعلى الأخص في نظم الحرب، وأورد وصية أبي بكر لجنوده، وذلك في الجزء الأول من مجموعة دراسات سنة 1926م لأكاديمية القانون الدولي، كما أورد الأوامر التي أصدرها في قرطبة الخليفة الحاكم بن عبد الرحمن في هذا الشأن سنة 963م، أي قبل أن تعمل الكنيسة البابوية للسلام، ومنهم أيضًا المؤرخ (سيد يو ) في كتابه تاريخ العرب ص 152، حيث عدد الكثير من فضل الإسلام على الحضارة الغربية، وعلى الأخص في القانون الدولي.
  وعدد ما ذكره البارون "دي توب" أضاف: (وهذه هي مختلف القواعد الشرعية الإسلامية التي عمل لها لتخفيف وطأة الحروب من القرن السابع إلى القرن الثالث عشر للميلاد، فهي إذن أسبق بأمد طويل على الأفكار والمبادئ القانونية المماثلة والتي بدأت تشق طريقها خلال الهمجية التي استولت على الحياة الدولية الأوروبية خلال القرن الثالث عشر مما يدل على أثر القواعد الإسلامية في القانون الدولي الأوروبي(2 ).
ومما يدل على أسبقية وأفضلية الشريعة الإسلامية في مجال القانون الدولي عامة والقانون الدولي الإنساني خاصة، أن الفقيه المسلم محمد بن الحسن الشيباني أعتبر المؤسس الأول لهذا العلم "قانون الحرب"، أي القانون الدولي الإنساني( 3)، وتكريمًا له فقد أنشئت في ألمانيا جمعية باسمه.
  أفاض فقهاء الشريعة الإسلامية في كتب السير وكتب الجهاد، في شرح وبيان قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني الواردة في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والسيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدون ومن تبعهم وسار على نهجهم.
فأول هذه القواعد، حماية النفس الإنسانية، أو حق الحياة، فالإسلام الشريعة الوحيدة التي أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أهمية هذا الحق فقد حرص الإسلام على النفس الإنسانية وحماها دون غيره من الملل والنحل والقوانين، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم في سورة المائدة الآية (32):
 (من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفسا أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم ر سلنا بالبينات ثم أن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون)
وفي آية أخرى جعل من صفات عباده الصالحين أنهم:
  (والذين لا يدعون مع الله آلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى آثاما )   سورة الفرقان: 68)
وقد تعدد الأحاديث النبوية التي طالبت المؤمنين باحترام النفس الإنسانية وحمايتها، فقد قال صلى الله عليه وسلم عن قتل النفس أنها من الكبائر (الإشراك بالله، وقتل النفس)، وقال أيضًا (لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا).
والقتال في الإسلام شرع أساسًا لرد الاعتداء، فقال تعالى في سورة البقرة الايه 190-191(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل) بذلك فقد حرم الإسلام الحرب العدوانية.  
ودليل ذلك أيضًا، أن القرآن الكريم نهى عن قتال غير المعتدين فقال تعالى.
وقد أقر القرآن الكريم للمسلمين بحق الدفاع الشرعي الذي لم تعرفه البشرية إلا حديثًا فقال تعالى   في سورة البقرة الآيات 190 - 194 ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين, فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم, وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين, الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدي عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين).   
كما أباح الإسلام الحرب ردًا على الظلم الذي يقع عليهم فقال تعالى في   (سورة الحج39ـ 40)(أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير, الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها أسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوى عزيز).  
  كما قال تعالى (سورة النحل: 126).(وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين)
وقد أباح الإسلام الحرب عقوبة الخيانة ونقض العهد للاتفاقيات التي تعقدها الدولة الإسلامية مع الدول الأخرى، فقال تعالى:  (إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون, الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون, فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون) (سورة الأنفال: 55: 58).
كما قال تعالى في (سورة التوبة: 10: 14).(لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون, فأن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون, وإن نكتوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر أنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون, إلا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه أن كنتم مؤمنين, قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين)
     وقد أباح الإسلام الحرب لنصرة المظلوم فقال تعالى   (النساء: 75)
( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا آخر جنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك وليا وأجعل لنا من لدنك نصيرا)
كما قال تعالى:  في (سورة الأنفال: 72 -73).(أن الذين أمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين أمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم شيء حتى يهاجروا وأن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ألا على قوم بينكم وبينهم ميثاق والله بما تعملون بصير, والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ألا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)   
  أمر الإسلام أتباعه بالاستعداد وليس الاعتداء فأمرهم بعمل جيش قوي فيه القوة بكافة ما استطاعوا من أسلحة فقال تعالى (الأنفال: 60).(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف أليكم وانتم لا تظلمون )
في حديثين للرسول صلى الله عليه وسلم قال لعلي بن أبي طالب و لمعاد بن جبل فقال لهما في غزوتين مختلفتين (لا تقاتلوهم حتى تدعوهم للإيمان، فإن أبوا فلا تقاتلوهم حتى يقاتلوكم ويقتلوا منكم قتيلاً، ثم أروهم هذا القتيل وقولوا لهم هل لكم خيرًا من ذلك بأن تقولوا لا إله إلا الله... فلأن يهدي الله على يديك رجلاً واحدًا خيرًا لك مما طلعت عليه الشمس وغربت).
هكذا عرف الإسلام مبدأ إعلان الحرب قبل القتال، وهو المبدأ الذي لم يعرفه القانون الدولي العام الوضعي إلا في عام (1907م) في مؤتمر لاهاي الثاني، وقد أعلن هذا البارون ميتشيل دي توب في كتابه سالف الذكر حيث أورد (أنه وجد مبدأ إعلان الحرب في كتابات الفقهاء المسلمين مثل الحسن البصري البغدادي والمارودي، واستمر يقول أتعس الأوقات في أوروبا فقد غشيها الفوضى الإقطاعية...) ولأن البشرية في القرن العاشر الميلادي كانت يائسة، وقال (لقد ساعد العالم الإسلامي في سبيل إفراغ الإنسانية الصحيحة على البشرية البائسة مساعدة يجب أن يُنظر إليها بعين التقدير السامي باعتبارها أسمى مما تم في أوروبا الرومانية والجرمانية والبيزنطية خلال القرون الوسطي، ولقد استفاد العالم الأوربي من الإسلام فوائد جمة مترامية المحيط).
ولقد كان للإسلام فضل السبق في التمييز بين المقاتلين وغيرهم من المدنيين الذين لا يقاتلون، الذي يتباهى الغرب قولاً لاعملاً بأنه يطبقها ولكنه يقننها فقط سرقة من الفكر الإسلامي.
ففي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لقادة الجيش في كافة الغزوات قال (انطلقوا باسم الله وعلى بركة رسوله لا تقتلوا شيخًا ولا طفلاً ولا صغيرًا ولا امرأة ولا تغلوا "أي لا تخونوا"، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين)، كما نهى صلى الله عليه وسلم عن المثله أي التمثيل بالجثث فقال: (إياكم والمثله ولو بالكلب العقور)، وقال أيضًا: (لا تقتلوا ذرية ولا عسيفًا، ولا تقتلوا أصحاب الصوامع).
وقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في إحدى الغزوات امرأة مقتولة فغضب وقال (ما كانت هذه تقاتل أو لتقاتل) صدق من سماك الرءوف الرحيم وصلى الله عليك وسلم.
و أبو بكر الصديق أول خليفة للمسلمين يوصي أمير أول بعثة حربية في عهده أسامة بن زيد فيقول: (لا تخونوا ولا تغلوا ولا تغدورا ولا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيرًا ولا شيخًا كبيرًا ولا امرأة ولا تقطعوا نخلاً ولا تحرقوه ولا تقطعوا شجرة مثمرة ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرًا إلا لمأكلة وسوف تمرون على قوم فرَّغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرَّغوا أنفسهم له).
وفي وصيته لأميره على الجيش المتوجه غلى الشام أبو بكر يزيد بن أبي سفيان زاد عما سبق (ولا تقاتل مجروحًا فإن بعضه ليس منه، أقلل من الكلام فإن لك ما وعي عنك، وأقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سرائرهم ولا تحبس عسكرك فتفضحه ولا تهمله فتفسده، وأستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه).
وكان الخليفة عمر بن الخطاب يوصي قائده على الجيش فيقول: (بسم الله على عون الله أمضوا بتأييد الله ولكم النصر بلزوم الحرب والصبر، قاتلوا ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين، ولا تجبنوا عند اللقاء، ولا تمثلوا عند القدرة ولا تسرفوا عند الظهور ولا تقتلوا هرمًا ولا امرأة ولا وليدًا وتوقوا قتلهم إذا التقى الفرسان وعند جمة النبضات وفي سن الغارات نزهو الجهاد عن عرض الدنيا وابشروا   بالرياح   في البيع الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).
 هذه الوصايا في آداب الجهاد (الحرب) أسمى وأكمل وأبر وأرحم من كل ما يحتوي عليه تشريع البشر ولا يدانيها ما وصلت إليه قواعد القانون الدولي الحديث عامة والقانون الدولي الإنساني خاصة، ولا حتى آمال الفقهاء والكتاب فيه( 4) هذه الوصايا جاءت في ديننا منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا شرع وصاغ ونفذ ما لم تصلوا إليه في قرن الحضارة وحقوق الإنسان.
وقد أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الإحراق بالنار فقال: (لا ينبغي أن يضرب بالنار إلا رب النار) رواه أبو داوود والدار مي.
وقد وضع الإسلام منهاجًا في معاملة الأسرى جوهره التكريم والمحافظة على كرامة الأسير والمحافظة على حياته فقد وردت آيات كثيرة في القرآن تحض على تكريم الأسير وهي: (البقرة: 85).فقال تعالى(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهرون عليهم بالإثم والعدوان وان يأتوكم أساري تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ألا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون ).
 وفى سورة (الأنفال: 67، 68). قال تعالى ( ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم, لولا كتاب من الله سبق لمسكم في ما آخذتم عذاب عظيم)
  ثم في سورة (الأنفال:  71,70). فقال تعالى ( يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى أن يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم, وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم).  
وفى سورة (محمد:الآية 4).قال تعالى ( فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا آثخنتموهم   فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله   لا نتصر منهم ولكن ليبلوكم بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم )
 وفى سورة (الإنسان: 8). قال تعالى ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا)
   وفى سورة (البلد: 12، 13).قال تعالى (وما أدريك ما العقبة, فك رقبة)
أما سنة الرسول صلى الله عليه وسلم القوليه والعملية والتقريرية فكثيرة جدًا تحتاج إلى مجلدات ونكتفي هنا بالإشارة إلى أهمها منها قوله صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالأسرى خيرًا) أخرجه الطبراني في الصغير (جـ 1، 250).
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إلحاق الأذى بالأسرى فعن   صهيب أن أبا بكر مر بأسير له يستأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهيب جالس في المسجد فقال لأبي بكر من هذا الذي معك؟ قال: أسير لي من المشركين أستأمن له من رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فقال صهيب: لقد كان في عنق هذا موضع للسيف، فغضب أبو بكر، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم   فقال مالي أراك غضبان؟ قال مررت بأسيري هذا على صهيب، فقال: لقد كان في رقبة هذا موضع السيف، فقال النبي   صلى الله عليه وسلم: فلعلك آذيته، فقال: لا والله، فقال: (لو آذيته لآذيت الله ورسوله). (أخرجه الطبراني في الكبير جـ 8، ص 36)(5 ).
كما أن هناك العديد من الوثائق الإسلامية التي تضمنت مبادئ وقواعد وأحكام في القانون الدولي بكافة فروعه في الشريعة الإسلامية، أهمها صحيفة المدينة المنورة ( 1 هـ / 622م)، وخطبة حجة الوداع عام (10 هـ / 631م) وخطبة الخليفة الأول الصديق عام (11 هـ / 632م) والبيان العالمي عن حقوق الإنسان في الإسلام، والإعلان الإسلامي عن حقوق الإنسان، وإعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام عام 1990م(6 ).
وتتلخص نظرية الإسلام في الأسرى في عناصر ثلاثة هم:
1-حسن المعاملة حتى يُبت في أمرهم.
2-المن "إطلاق سراحهم" والفداء "الفدية" لمن يرجى منهم الخير.
3-القتل لمجرمي الحرب.
حتى القتلى في الإسلام لهم حقوق فيدفن قتلى الكفار في المعارك ولا يُتركوا في الشوارع حتى تأكل منهم الحيوانات، هذا قليل من كثير ونقطة من محيط الإسلام الواسع حتى يتبين الرشد من الغي والحق من الضلال وحضارتنا من حضارتهم، وليفهم كل ذي عقل ولب.
لقد قدس الإسلام النفس الإنسانية  وفرض حماية لحق الإنسان في الحياة، وجعل قتل نفس واحدة كقتل الناس جميعا،فنصت الأية 32 من سورة المائدة علي ذلك فقال الله تعالي ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض كمن قتل الناس جميعا) مما عظم النفس وأجلها، لذلك فالحماية مطلقة وقوية، وأعدها الإسلام كبيرة من الكبائر يجب علي المسلمين اجتنابها( 7).
يمكن في النهاية تلخيص أهم المبادئ التي تقوم عليها نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية في الآتي:
-إن الحياة البشرية تقوم علي التعاون والتكافل وليس الصراع والقتال( تعانوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الأثم العنوان).
-أن الرفق والرحمة والرأفة مبادئ أساسية تقوم عليها نظرية الحرب في الشريعة وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( ما كان الرفق في شيئ إلا زانه وما خلي منه شيئ إلا شانه).
-الرحمة والرأفة في الحرب عبادة يتقرب بها المسلم لله عز وجل.
-إن قتل أي إنسان ظلما معصية وذنب كبير يحاسب عليه المسلم في الدنيا والآخرة.
-عرف الإسلام التفرقة بين المدنيين والعسكريين، وحظر قتال من لم يشترك في الحرب، كما عرف الإسلام الفرق بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية.
-عرف الإسلام الدفاع الشرعي بنوعيه الفردي والجماعي وبين حدوده ومفهومة ومضمونة، وأرسي قواعده وأحكامه بالتفصيل.
-عرف الإسلام علم القانون الدولي الإنساني وعلم القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبين كافة قواعد وأحكام ومبادئ كليهما بالتفصيل وأكثر نطاقا ومفهموما ومضمونا.
-عرف الإسلام مبدأ التسوية السلمية للمنازعات التي تقوم بين المسلمين وأسبقيتها علي الدفاع الشرعي فقال الله تعالي في القرآن ( وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما) والصلح هنا يدل ويشير إلي الوسائل السلمية لفض المنازعات الدولية.
-عرف الإسلام مبدأ الدفاع الشرعي الجماعي لقتال الدولة الباغية، ونص عليه في القرآن الكريم فقال الله تعالي ( فإن بغت أحدي علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله) ولفظ القتال جاء بصيغة الأمر للمؤمنين (فقاتلوا).
- حرم الإسلام الحرب العدوانية وجعلها جريمة فقال تعالى في سورة البقرة الايه 190-191(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل).   
     مما سبق يتضح أسبقية الإسلام وفضله في إقرار وتقنين علوم كاملة أهمها القانون الدولي العام بكافة فروعه القانون الدولي العام والدولي الإنساني والدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الجنائي، بمفاهيم ومضاميم وقواعد ومبادئ وأحكان تفصيلية وأوسع نطاقا ومفهموما ومضمونا من القانون الدولي الوضعي المعاصر بكافة فروعه.

الثاني : نظرية الحرب في القانون الدولي المعاصر
     لقد تأخر القانون الدولي المعاصر كثير بالأخذ بالضوابط الموجودة في الشريعة الإسلامية, حيث أنه بدأ في القرن الماضي الأخذ بهذه الضوابط بعد أن ذاقت البشرية مرارة حروب قتل فيها الملايين من الناس وتهدمت بيوت ومدن بل وبلاد كثيرة على رؤوس أصحابها بدعوى المدنية والحضارة ولم يترك العالم الغربي نقيصة إلا وأرتكبها حتى بعد أقرار ضوابط للحرب خاصة في معاهدات جنيف الأربعة عام 1949والبرتوكولين الإضافيين لهما عام 1977 ظلت حبرا على ورق( 8).
1 - اتفاقية جنيف الأول: لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان.
2 - اتفاقية جنيف الثانية: لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار.
3 - اتفاقية جنيف الثالثة: بشأن معاملة أسرى الحرب.
4 - اتفاقية جنيف الرابعة: بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب.
5 - البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف المعقودة في 12 آب 1949 والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية  لعام 1977م.
6 - البروتوكول الإضافي الثاني الملحق باتفاقيات جنيف المتعلق بالنزاعات المسلحة غير الدولية لعام 1977م. 
     القانون الدولي الإنساني مهمته حماية حقوق الإنسان أثناء النزاعات المسلحة، يتكون من مجموعة مبادئ متفق عليها دولياً ومستقرة في المجتمع الدولي، تدعو إلى الحد من استخدام العنف أثناء النزاعات المسلحة، وحماية الأفراد المشتركين في العمليات الحربية، والذين توقفوا عن المشاركة فيها، مثل الجرحى والمصابين والأسرى والمدنيين بقصد جعل العنف في النزاعات المسلحة محصورا في الأعمال التي تقتضيها الضرورة العسكري( 9).
     طبقا لهذا التعريف مصادر القانون الدولي الإنساني هي اتفاقيات لاهاي لعامي 1899 و 1907م، خاصه المواد التي تنص علي الوسائل المسموح بها أثناء النزاعات المسلحة، واتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949م: الأولى المتضمنة حماية الجرحى والمرضى وتحسين أحوالهم في القوات المسلحة في الميدان، والثانية بشأن تحسين حالة الجرحى والمرضى والغرقى في القوات المسلحة في البحار، والثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب، والرابعة بخصوص حماية المدنيين وبروتوكوليها الإضافيين لعام 1977م.
     والإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974م، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984م والمدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979م تنص كافة هذه الاتفاقيات عدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المحاطة بالكرامة.
أمام ضعف وفشل هذه الاتفاقيات والتي لم تطبقها الدول ولم تلتزم بها خاصة وأن هذه الاتفاقيات رضائيه أي تخضع من حيث الالتزام بها إلى أرادة الإطراف فيها فلا يلتزم بها إلا الموقعين عليها حتى هؤلاء لا يوجد ما يجبرهم على احترامها, لغياب السلطة التي تسهر على تطبيق قواعد وأحكام القانون الدولي كما هو الحال في القانون الداخلي, كما الضوابط الواردة في هذه الاتفاقيات وغيرها من قواعد وأحكام القانون الدولي الانسانى لم تصل لا في درجتها ولا رقيها إلى المستوى الذي وصلت إليه الشريعة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان, فضلا عن أن قواعد الإسلام يلتزم بها كل المسلمين خلفاء وقادة وجنود, فقد عزل الخليفة عمر بن الخطاب قائد جيوشه _ رغم كثرة الانتصارات العظيمة التي حققها_ وقال (أن سيف خالد فيه رهقا) أي أن سبب عزله كثرة القتل, رغم كثرة الانتصارات(10 ).
كما أخذ القانون الدولي الوضعي حقبة طويلة جدا من الزمن حتى يصل إلى بعض المبادىء السامية التي وصل إليها الإسلام منذ عدة قرون, فقد كان القانون الدولي لا يطبق الضوابط التي وصل إليها في القرن العشرين على كافة النزاعات المسلحة فقد أنتقل من نظرية الحرب التي كانت تشترط شروط حتى يطبق القانون الدولي على هذه الحروب, وتتمثل هذه الشروط في وجوب إعلان الحرب من قبل الدول رسميا, ثم أن تكون هذه الحرب بين دول يعترف بها القانون الدولي, وأن يشنها أمير البلاد, والحرب التي تفقد شرط من هذه الشروط تخرج من نطاق القانون الدولي ولا تخضع لأحكامه وقواعده, مما جعلها أكثر شراسة من غيرها. إلى نظرية النزاع المسلح والتي أخذت في الاعتبار قيام نزاع مسلح لا يشترط فيه ما سبق من شروط, بل يكفى قيام هذا النزاع المسلح بين دولتين أو حتى داخل الدولة الواحدة عبر العديد من القرون التي كلفت البشرية ملايين القتلى والجرحى فضلا عن الخراب والدمار الذي أصابها( 11)  فقد كانت القواعد البسيطة المطبقة في الحروب لا تحترم فقد أعطى القانون الدولي الدول الحق في استعمال كافة الوسائل التي تنهى على الخصم ولم يضع إلا القليل النادر من الضوابط التي لم تحترم من الدول, فكان كل شيء مباح في الحرب.
والقانون الدولي لم يخضع النزاعات المسلحة الداخلية أي غير ذات الطابع الدول إلى التنظيم ووضع الضوابط الا في القرن العشرين, وحتى هذه الضوابط لم تصل إلى الضوابط الواردة في الشريعة الإسلامية( 12).
ولم يحرم القانون الدولي المعاصر صراحة الحرب إلا في ميثاق الأمم المتحدة في نص المادة (2/4) التي نصت على أن (يمتنع أعضاء الهيئة عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة)، وقد مر أمر تحريم الحرب في القانون الدولي بمسيرة طويلة جدا، ذاقت خلالها البشرية أهوال يعجز عنها الوصف.
فقد مر مبدا حظر استخدام القوة في القانون الدولي بعدة مراحل من الإباحة إلي التقييد ثم التحريم ففي القانون الدولي التقليدي كانت الحرب مباحة وأهم مظهر من مظاهر السيادة للدولة بل عنوان سيادتها، ولكن في القانون الدولي المعاصر أصبحت محظورة بفضل المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة.
والحرب الدفاعية التي أقرها الإسلام, لم يصل إليها القانون الدولي إلا من خلال ميثاق الأمم المتحدة في المادة (51) والتي نصت على أن:
(ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء "الأمم المتحدة" وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي، والتدابير التي اتخذها الأعضاء استعمالا لحق الدفاع عن النفس تبلغ إلى المجلس فورا، ولا تؤثر تلك التدابير بأي حال فيما للمجلس -بمقتضى سلطته ومسؤولياته المستمدة من أحكام هذا الميثاق- من الحق في أن يتخذ في أي وقت ما يرى ضرورة لاتخاذه من الأعمال لحفظ السلم والأمن الدولي أو إعادته إلى نصابه)( 13).
      أما الحرب الجماعية ( الدفاع الشرعي الجماعي) ضد المعتدى والتي لم يعرفها القانون الدولي إلا من خلال ميثاق الأمم المتحدة والتي نص عليها في ثنايا مواده خاصة المادة (51 ) والفصل السابع من الميثاق (14) .
فقد عرفتها الشريعة  الإسلامية عرفت هذا النظام (الدفاع الشرعي الجماعي) منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان كلفت البشرية مليارات القتلى والحرج فضلا عن الخراب والدمار في الآية الكريمة (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت أحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله) فأمر القتال صادر في هذه الآية بصيغة الجمع في لفظ ( فقاتلوا) أي أن النداء موجه للمؤمنين كافة وهو شرط كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل وليس فرض عين.
     الحق في الحياة هوالحق الأساسي للإنسان، بدونه تصبح الحقوق الأخرى سرابا ومجرد أوهام، لذلك فأن لهذا الحق أهمية خاصة في الاحترام والحماية والمحافظة عليه، وأفردت له المواثيق الدولية والقوانين الوضعية، نصوصا قانونية أصبغت عليه حماية قانونية دولية، ومن هنا كان وصف الحق في الحياة بالحق الطبيعي أو الأساسي، الذي لا يجوز التنازل عنه، وهو أسمى من القوانين الوضعية، لأنه هبة الله سبحانه وتعالى لبني البشر، وأساس استمر الحياة علي الكرة الأرضية( 15).
     ويحيط القانون الحياة الإنسانية و الحق في الحياة بالحماية من اللحظات الأولى للإنسان إلى مماته، فهذه الحماية تسبغ على الجنين في مراحل تطوره ونشأته وتمتد الحماية القانونية إلى أعضاء الإنسان، لأن الاعتداء عليها يحمل معنى تعطيل حياة الإنسان جزئيا أو كليا، وآيا كان الاعتداء على حياة الإنسان، فهو محل للتأثيم من قبل القانون سواء تطاول الفعل إلى إزهاق روح أو عاهة أو جرح أو اثر ضار وسواء أكان الفعل عن قصد أو غير قصد، علما بأن الحق في الحياة يشمل السلامة الجسدية والسلامة المعنوية وهي حسن المعاملة وعدم استعمال العنف ضد البشر وعدم سلبهم أو التعرض لشرفهم ودينهم أو معتقداتهم أو تراثهم أو إرهابهم و الغدر بهم أو تعريض سلامتهم للخطر( 16).
     وكان من نتائج تزايد الاهتمام بهذا الحق نشوء فرع القانون الدولي لحقوق الإنسان، والمختص بدراسة كافة حقوق الإنسان وقت السلم، وصدرت العديد من المواثيق والاعلانات والاتفاقيات تنص علي حماية الحق في الحياة، أهمها المادة الثالثة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 التي نصت علي ( لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه) والمادة الخامسة من ذات الإعلان التي نصت علي ( لا يتعرض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة).
     ونص علي حق الحياة أيضا في المادة السادسة الفقرة الأولي من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م، التي نصت علي ( 1 – لكل إنسان الحق الطبيفي في الحياة. ويحمي القانون هذا الحق. ولا يجوز حرمان أي فرد من حياته بشكل تعسفي.) والسابعة من ذات الإعلان والتي نصت علي( لا يجوز إخضاع أي فرد للتعذيب أو العقوبة أو معاملة قاسية أو غير أنسانية أو مهينة)
  والمادة السادسة من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1989، والمادة الأولى من الإعلان الدولي بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة لعام 1974، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة لعام 1984، والمادة الثالثة من المدونة الخاصة لقواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين 1979م.
     وهناك المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الإقليمية للحقون الإنسان والتي فرضت حماية قوية للحق في الحياة، منها الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1945م المادة الثالثة التي نصت علي( لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وسلامة شخصه ويحمي القانون هذه الحقوق). وكذلك الميثاق العربي لحقوق الإنسان لعام 1997م في المادة الخامسة التي نصت علي ( لكل فرد الحق في الحياة وفي الحرية وفي سلامة شحصه ويحمي القانون هذه الحقوق).
     ونص الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1979م علي حماية حق الإنسان في الحياة، فنص في المادة الرابعة منه علي( لا يجوز انتهاك حرمة الإنسان ومن حقه احترام حياته وسلامة شحصه البدنية والمعنوية ولا يجوز حرمانه من هذا الحق تعسفا.) والاغتيال يعتبر حرمانا للحق في الحياة بطريقة تعسفية، كما أن الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان لعام 1950م نصت علي حماية حق كل إنسان في الحياة وعدم حرمانه منها، فنصت في المادة الثانية الفقرة الأولي بالقسم الأول منها علي (1 – حق كل إنسان في الحياة يحميه القانون، ولا يجوز إعدام أي إنسان عمدا إلا تنفيذا لحمن قضائي بإدانته في جريمة يقضي فيها القانون بتوقيع هذه العقوبة.).
     ونص ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي لعام 2000م علي حماية الحق في الحياة وعدم حرمان أي فرد من حياته، في المادة الثانية الفقرة الأولي علي ذلك فنصت علي( كل شخص له الحق في الحياة.) كما نصت في المادة السادسة علي الحق في الحرية والأمن فقالت( لكل شخص الحق في الحرية والأمن.) والاغتيالات الإسرائيلية فضلا عن أنها تحرم الإنسان من حياته فأنها تهدد قادة وأفراد بقية الفصائل الفلسطينية من الحرية والأمن، لذلك فهي تخالف هذه المادة أيضا.
      كما أن الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان الصادر عن منظمة الدول الأمريكية بالقرار رقم (30) الصادر في المؤتمر التاسع للدول الأمريكية عام 1948م في المادة الأولي منه علي الحق في الحياة فنص علي ( كل إنسان له الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه.) ونصت أيضا الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان لعام 1969م علي حرمة الحياة وحمايتها فنصت في المادة الرابعة الفقرة الأولي منها تحت عنوان الحق في الحياة فأوردت( لكل إنسان الحق في أن تكون حياته محمية. وهذا الحق يحميه القانون وبشكل عام، منذ لحظة الحمل. ولا يجوز أن يحرم أحد من حياته بصورة تعسفية.).   
      وتقضي هذه المواد بمجملها بعدم حرمان أي إنسان من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المحاطة بالكرامة(17 ) فالاغتيالات الاسرائيلية تعتبر قتل خارج القضاء ويمثل انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان تقضي هذه المواد بمجملها بعدم حرمان أحد من حياته بشكل تعسفي، أو تعريضه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المحاطة بالكرامة.
     مما سبق يتبين مدى الإعجاز العلمي والتقدم التشريعي للشريعة الإسلامية من حيث الصياغة أي بلغة القانون تتميز الشريعة الإسلامية عن التشريع الوضعي في كل من الشكل( الإجراءات) والموضوع (المضمون) فالقواعد القانونية الواردة في القانون الدولي المعاصر قاصرة من حيث المضمون والإجراءات, أما القواعد التشريعية الواردة في الشريعة الإسلامية سواء في القرآن الكريم أو في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أو سنة الخلفاء الراشدين المهدين من بعده وكذلك كافة أولى الأمر من المسلمين على مر الدهور وكر العصور, مما يدحض ادعاءات الغرب في أن الإسلام دين الإرهاب( 18).


الخاتمة

    تناولنا في الصفحات السابقة نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية والقانون الدولي دراسة مقارنة في بندين، الأول خصصناه لنظرية الحرب في الشريعة الإسلامية، واستعرضناه بين طيات المصحف الشريف والسيرة النبوية الشريفة القولية والفعلية والتقريرية، وتتبعناها في التاريخ الإسلامي بداية من الخلفاء الراشدين حتي عصرنا الحالي، ولم نكتف بذلك بل أوردنا رأي أغلب وأهم مفكري الغرب الذين أقروا بأسبقية وفضل الإسلام علي الحضارة الغربية خاصة في مجال القانون الدولي وخاصة نظرية الحرب.
     فوجدنا أن نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية تقوم علي ما يلي:
-إن الحياة البشرية تقوم علي التعاون والتكافل وليس الصراع والقتال( تعانوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الأثم العنوان).
-أن الرفق والرحمة والرأفة مبادئ أساسية تقوم عليها نظرية الحرب في الشريعة وقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم( ما كان الرفق في شيئ إلا زانه وما خلي منه شيئ إلا شانه).
-الرحمة والرأفة في الحرب عبادة يتقرب بها المسلم لله عز وجل.
-إن قتل أي إنسان ظلما معصية وذنب كبير يحاسب عليه المسلم في الدنيا والآخرة.
-عرف الإسلام التفرقة بين المدنيين والعسكريين، وحظر قتال من لم يشترك في الحرب، كما عرف الإسلام الفرق بين الأهداف العسكرية والأعيان المدنية.
-عرف الإسلام الدفاع الشرعي بنوعيه الفردي والجماعي وبين حدوده ومفهومة ومضمونة، وأرسي قواعده وأحكامه بالتفصيل.
-عرف الإسلام علم القانون الدولي الإنساني وعلم القانون الدولي لحقوق الإنسان، وبين كافة قواعد وأحكام ومبادئ كليهما بالتفصيل وأكثر نطاقا ومفهموما ومضمونا.
-عرف الإسلام مبدأ التسوية السلمية للمنازعات التي تقوم بين المسلمين وأسبقيتها علي الدفاع الشرعي فقال الله تعالي في القرآن ( وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فأصلحوا بينهما) والصلح هنا يدل ويشير إلي الوسائل السلمية لفض المنازعات الدولية.
-عرف الإسلام مبدأ الدفاع الشرعي الجماعي لقتال الدولة الباغية، ونص عليه في القرآن الكريم فقال الله تعالي ( فإن بغت أحدي علي الأخري فقاتلوا التي تبغي حتي تفئ إلي أمر الله) ولفظ القتال جاء بصيغة الأمر للمؤمنين (فقاتلوا).
- حرم الإسلام الحرب العدوانية وجعلها جريمة فقال تعالى في سورة البقرة الايه 190-191(وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين, واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل).   
وفي البند الثاني تناول نظرية الحرب في القانون الدولي الوضعي المعاصر وخاصة في فروعه القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ورأينا أن الحرب في القانون الدولي مرت بعدة مراحل من الأباحة المطلقة إلي التقييد ثم إلي الحظر في المادة (2/4) من ميثاق الأمم المتحدة، وبينا أن القانون الدولي الوضعي لم يعرف القانون الدولي الإنساني إلا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر من خلال اتفاقيات لاهاي لعام 1899م وعام 1907م ثم اتفاقيات جنيف الأربعة والبروتوكولين الأضافيين لهم لعام 1977م وما تلاها من اتفاقيات في القرين العشرين وقرننا الحالي.
     وكذلك وجدنا أن القانون الدولي لحقوق الإنسان وجد حديثا في القانون الوضعي بداية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948م وما جاء بعده من وثائق واتفاقيات وإعلاتات سواء دولية عالمية أو إقليمية التي طالت قارات العالم وطافت المجتمع الدولي.
     وبالمقارنة بين نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية وفي القانون الدولي الوضعي أتضح الآتي:
-أن نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية أسبق في الظهور وأكمل في القواعد والمبادئ والأحكام منها في القانون الدولي الوضعي.
-تمتاز نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية بوجود عنصر الإلزام التي تفتقر إليه النظرية في القانون الدولي الوضعي، فهي في الشريعة الإسلامية عبادة يتقرب بها المسلم إلي ربه، أنما في القانون الدولي آليات المتابعة والمراقبة ضعيفة لا تكاد تشعر بها لأنها بيد الدول ولا يلزمها سوي أخلاقيات ورضاء الدول وهو منعدم في العديد من الحالات، مما جعل النظرية في القانون الوضعي ورقية أو نظرية أكثر منها عملية بينما الوضع عكس ذلك تماما في الشريعة الإسلامية.
-نظرية الحرب في الشريعة الإسلامية أكمل وأوسع مضمونا منها في القانون الدولي الوضعي فقد عرفت الشريعة الإسلامية التفرقة بين المقاتلين وغير المقاتلين والأهداف العسكرية والأعيان المدنية، أسبق وأوسع نطاقا مفهوما ومضمونا.
-لقد عرف القانون الدولي في الشريعة الإسلامية الدفاع الشرعي بصورة دقيقة وموضوعية افضل من القانون الدولي الوضعي.
-أقر الإسلام قبل القانون الدولي الوضعي ضرورة الأخذ بالوسائل السلمية لحل المنازعات الدولية قبل القانون الدولي الوضعي وأكمل وأوسع نطاقا ومفهوما ومضمونا.
-عرف الإسلام الدفاع الشرعي الجماعي قبل القانون الدولي الوضعي بأكثر من ألف عام، وجاءت النظرية في القانون الدولي الوضعي عام 1945م في ميثاق الأمم المتحدة.
-عرف الإسلام حقوق الإنسان والتفرقة بينها في زمن النزاعات المسلحة ووقت السلم، وهناك العديد من الوثائق الإسلامية التي تؤكد ذلك.
في النهاية نقول أن الإسلام أسبق من القانون الدولي الوضعي في تنظيم الحرب، كما أنه يفضل القانون الدولي الوضعي من حيث عنصر الإلزام المتمثل في العيادة، وفي المفهوم والمضمون.    
المراجع

- الأستاذ/ أنور الجندي، سموم الاستشرا ق والمستشرقون في العلوم الإسلامية، الطبعة الثانية،  مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة،1985م،.
المستشار/ علي علي منصور، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1965م.
-لدكتور/ صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة قانون النزاعات المسلحة، دار النهضة العربية، عام 1995م.
-دكتورة/ خديجة النبراوي، موسوعة أصول الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي من نبع السنة الشريفة وهي الخلفاء الراشدين، دار السلام للطبع والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، 2004، الجزء الخامس، ص3094، 3095. (أحكام الجهاد من ص 2831- 3130 نهاية الجزء الخامس يوجد فيه كافة أسانيد الجهاد من الكتاب والسنة وهدي الخلفاء الراشدين).
 - راجع للمؤلف كتاب نصوص المواثيق والإعلانات والاتفاقيات لحقوق الإنسان، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع القاهرة، 2005م.
 - الدكتور/ علي يوسف الشكري، حقوق الإنسان في ظل العولمة، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2006م.
- راجع للمؤلف كتاب مستقبل الحروب دراسات ووثائق، دار مصر العربية، القاهرة، 2009م.
- John Dugard, Keynote Address International Law, Israel and Palestine, Conference on Israel and the International Law, Al-Zaytiuna Centre for Studies & Consultations, Beirut- Lebanon, 4- 5 November 2009.

-  فضيلة الشيح محمد أبو زهرة، حقوق الأسرى في الإسلام, القاهرة, 2005
-  الدكتور/زكريا حسين عزمي, من نظرية الحرب إلى نظرية النزاع المسلح, دراسة في حماية المدنيين في النزاعات المسلحة, رسالة دكتوراه, حقوق القاهرة 1978م.
- الدكتور/رقية عواشرية, حماية المدنيين في النزاعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي, رسالة دكتوراه, حقوق عين شمس 2002م.
- الدكتورة/ أيناس أحمد سامي عبد العظيم الصادق، تطبيق القانون الدولي الإنساني علي المنازعات المسلحة غير الدولية، دراسة مقارنة بالشريعة الإسلامية، رسالة دكتوراه كليه الحقوق، جامعة الزقازيق، 2010م.
- الدكتورة/ رنا عطا الله عبد العزيز عطا الله، الدفاع الشرعي الوقائي وفقا لقواعد القانون الدولي العام، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، 2009م، ص:154.
- الدكتور / حمادة محمد سليم، الحرب العادلة في القانون الدولي، رسالة دكتوراه، كلية الحقوق، جامعة الزقازيق، 2009م. 
-  راجع للمؤلف، نصوص المواثيق والاعلانات والاتفاقيات لحقوق الإنسان، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، 2005م.
- الدكتور/ علي يوسف الشكري، حقوق الإنسان في ظل العولمة، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، عام 2006م.
  - http://kabreet.egypty.com/issue14/article7.asp
- للمؤلف, النظرية العامة للأحلاف العسكرية، دار ايتراك للطباعة والنشر والتوزيع, القاهرة, الباب الأول, 2005م، رسالة الدكتوراه, حقوق الزقازيق، 2005م.
- وكتاب المؤلف الأحلاف والتكتلات العسكرية وفقا لقواعد القانون الدولي العام، مركز دراسات الوحدة العربية، مارس، 2010م.


---------------------------------------------------------------
( 1)الأستاذ/ أنور الجندي، سموم الاستشرا ق والمستشرقون في العلوم الإسلامية، الطبعة الثانية، 1985م، مكتبة التراث الإسلامي، القاهرة، ص116- 118.
( 2)المستشار/ علي علي منصور، الشريعة الإسلامية والقانون الدولي العام، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، 1965م، ص 241.
( 3)الدكتور/ صلاح الدين عامر، مقدمة لدراسة قانون النزاعا�

azazystudy

مع أطيب الأمنيات بالتوفيق الدكتورة/سلوى عزازي

  • Currently 45/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
15 تصويتات / 387 مشاهدة
نشرت فى 17 نوفمبر 2010 بواسطة azazystudy

ساحة النقاش

الدكتورة/سلوى محمد أحمد عزازي

azazystudy
دكتوراة مناهج وطرق تدريس لغة عربية محاضر بالأكاديمية المهنية للمعلمين، وعضوالجمعية المصرية للمعلمين حملة الماجستير والدكتوراة »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

4,745,553